الأربعاء، 20 يناير 2016

المصطفى ﷺ بشر خارق

الحجر فيه الكريم كاللؤلؤ والمرجان والياقوت والماس، وفيه الذي لا قيمة له كالأحجار التي حولنا في كل مكان، لا يرغب فيه أحد ..

والشجر فيه الكريم كالتين والزيتون والعنب والرمان والنخيل، وفيه الذي لا قيمة له ولا يرغب فيه أحد، وفيه المضر والمؤذي وكثير الشوك وفيه الخبيث كالزقوم أجارنا الله تعالى..

والبشر فيهم الكريم كالأنبياء والرسل والصالحون والقادة والمميزون والخارقون.. وفيهم العاديون، وفيهم المجرمون والسفاحون والكفار والفجار..

انتبه..
فليس كل اسم صفة مثل "حجر"، "شجر"، "بشر" يعني أن الأشياء الموصوفة سواء!

وإذا نظرنا إلى بشرية سيدنا محمد ﷺ وجدناها بشرية خاصة حقًّا، وأنه ﷺ بشر خارق..

لنأخذ مثالًا على ذلك ببصره الشريف..

فهل تعلم أنه ﷺ يرى من خلفه كما يرى من أمامه؟!
فعن أنس رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله ﷺ، ذات يوم، فلما قضى الصلاة، أقبل علينا بوجهه، فقال: «أيها الناس، إني إمامكم، فلا تسبقوني بالركوع، ولا بالسجود، ولا بالقيام، ولا بالانصراف، فإني أراكم أمامي، ومن خلفي» رواه البخاري ومسلم

وعنه رضي الله عنه قال: أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله ﷺ بوجهه، فقال: «أقيموا صفوفكم، وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري» أخرجه البخاري

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «هل ترون قبلتي ها هنا، فوالله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم، إني لأراكم من وراء ظهري» أخرجه البخاري.

وفي رواية عن أبي هريرة  رضي الله عنه قال: صلى رسول الله ﷺ ثم انصرف فقال: «يا فلان إلا تحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلي إذا صلى كيف يصلي؟!، فإنما يصلي لنفسه، إني والله لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي».

وسئل أبو عبد الله عن تفسير قول النبي ﷺ: «إني أراكم من وراء ظهري»، فقال: "كان يرى من خلفه"، قيل: أفليس هذا له خاص؟ قال: "بلى".

وهل تعلم أنه ﷺ يرى في الظلام كما يرى في النور؟!
فقد أسري به ﷺ "ليلًا" في رحلة إلى بيت المقدس ثم إلى السموات العلية. وأن ليلة الإسراء كانت في السابع والعشرين من رجب على المشهور من قول الجمهور، جزم بذلك ابن حزم والنووي وغيرهم، وليلة السابع والعشرين ليلة مظلمة، ومع ذلك فقد رأى فيها رسول الله ﷺ ما رأى، ووصف ما وصف في إسرائه وفي معراجه، وقد كذبه كفار قريش وأرادوا أن يمتحنوا صدقه فسألوه عن عير لهم قادمة من الشام فقالوا له: يا محمد! أخبرنا عن عيرنا، فقال ﷺ:
"أتيت على عير بني فلان بالروحاء، قد أضلوا ناقة لهم، فانطلقوا في طلبها، فانتهيت إلى رحالهم، ليس بها منهم أحد، وإذا قدح ماء، فشربت منه، فاسألوهم عن ذلك"،
قالوا: هذا والإله آية.
"ثم انتهيت إلى عير بني فلان، فنفرت مني الإبل، وبرك منها جمل أحمر، عليه جوالق مخيط ببياض، لا أدري أكسر البعير، أم لا، فاسألوهم عن ذلك".
فقالوا: هذه والإله آية.
"ثم انتهيت إلى عير بني فلان في التنعيم، يقدمها جمل أورق، هي ذِهِ تطلع عليكم من الثنية."
فقال الوليد بن المغيرة: ساحر!
فانطلقوا، فنظروا، فوجدوا الأمر كما قال ﷺ، فرموه بالسحر. أخرجه أبو يعلى وابن عساكر وغيرهم.

فقد رأى العير في هذا الظلام، ووصفها وصفًا دقيقًا، فقال مثلًا: "وبرك منها جمل أحمر، عليه جوالق مخيط ببياض" والجوالق هي الأكياس التي تصنع من الصوف، أو اليوم تصنع من الخيش "الشوالات".
وقال ايضًا: "يقدمها جمل أورق"، والأورق هو الرمادي اللون.
فهل تُعرَف الأوصاف الألوان في الظلام بدون مصباح؟!

وهل تعلم أنه يرى ما تحت الأرض؟!
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ: «مررت على موسى ليلة أسري بي، عند الكثيب الأحمر، وهو قائم يصلي في قبره». أخرجه مسلم.

وهل تعلم أنه وهو ﷺ في الدنيا يرى ما في الآخرة؟!
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: طلع النبي ﷺ المنبر فقال: «إني بين أيديكم فرط -أي سابقكم إلى الآخرة- وأنا عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا» أخرجه البخاري ومسلم.
وفي رواية: «إني فرط لكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن».
ها هو في الدنيا وينظر إلى حوضه يوم القيامة!!!

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: خسفت الشمس، فقالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا، ثم رأيناك تكعكعت، أي توقفت وأحجمت. قال: «إني رأيت الجنة، فتناولت منها عنقودًا، لو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار، فلم أر كاليوم منظرًا أفظع، رأيت أكثر أهلها النساء». أخرجه البخاري ومسلم.
سبحان الله!، لم يرها فقط بل تناول منها عنقودًا!!

بل وكان النبي ﷺ هو أسبق الخلق إلى النظر بـ"البروجيكتور" الرباني إلى أمور الآخرة العظيمة كالجنة والنار، حيث قال رسول الله ﷺ: «والذي نفسي بيده، لقد عرضت علي الجنة والنار آنفًا، في عرض هذا الحائط، وأنا أصلي» أخرجه البخاري ومسلم.

فرسول الله ﷺ بشر خارق.. خصه الله بخصائص لم يخص بها أحدًا غيره، كيف لا وهو أكرم خلق الله على الله، ﷺ وبارك وعظَّم ومجَّد وأكرم.

نعم إنه يتواضع، ويعامل الأمة ببساطة وحلم وأناة ويخاطب الناس على قدر عقولها لأنه الرحمة للعالمين، فلا يكون ذلك مدعاة لأن يستخف الناس به ﷺ وبقدره العظيم وقدراته الخارقة بذريعة أنه بشر عادي، فمما تقدم يتبين لك أنه بشر خارق لكن لكل حادثة حديث ولكل مقام مقال، وعندما أغضبه الناس قال سيدنا أنس رضي الله عنه: خرج إلينا رسول الله ﷺ ذات يوم وهو غضبان ونحن نرى أن معه جبريل، قال: فما رأيت يومًا كان أكثر باكيًا منقعا منه،  فقال: «سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به»، قال: فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله أفي الجنة أنا أم في النار؟ قال: «لا، بل في النار»، قال: فقام إليه آخر فقال: يا رسول الله، من أبي؟ «قال: أبوك حذافة»، قال: فقام إليه آخر فقال: أعلينا الحج في كل عام؟، قال: «لو قلتها لوجبت، ولو وجبت ما قمتم بها، ولو لم تقوموا بها لهلكتم»، قال: فقام عمر بن الخطاب فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد ﷺ رسولًا، يا رسول الله، كنا حديثي عهد بجاهلية، فلا تُبدِ سوآتنا ولا تفضحنا لسرائرنا واعف عنا عفا الله عنك، قال: فسري عنه ثم التفت نحو الحائط فقال: «لم أر كاليوم في الخير والشر، رأيت الجنة والنار دون هذا الحائط» أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
وعجب أم عبد الله من حذافة الذي سأل عن أبيه فقالت لولدها: ما سمعت بابن قط أعق منك!!! أأمنت أن تكون أمك قد قارفت بعض ما تقارف نساء أهل الجاهلية، فتفضحها على أعين الناس؟! قال عبد الله بن حذافة: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته.

فتأمل! فتح لهم ﷺ باب السؤال على مصراعيه، لمن شاء وأن يسأل في ما شاء! من أمور الدنيا أو الآخرة، فسألوه عن الماضي والحاضر والمستقبل فأجابهم ﷺ، ونبَّههم إلى كيف أنه ﷺ يرفق بهم ويرأف عندما سألوه عن الحج، فلو أجابهم بنعم لوجب، ولما استطاعوا ولهلكوا تبعًا لذلك، حتى جثا سيدنا عمر رضي الله عنه على ركبتيه ونشده أن يعفوا عن الناس وأن يتجاوز عنهم وألا يبدي سوآتهم ويفضح عوراتهم، فسكت عنه ﷺ الغضب، وكان لا يغضب إلا لله.

ازدد معرفة بحبيبك ﷺ تزداد حبًّا له وتعظيمًا لجنابه وصلاةً عليه.

اللهم صلِّ وسلم على الذات المحمدية، وانفحنا ببركتها واهدنا إلى الرشاد.