الثلاثاء، 16 سبتمبر 2025

ثناء ابن تيمية على الصوفية

هل تعلم أن التصوف من علوم السلف وأنه أقدم في الأمة من علم مصطلح الحديث؟ هذا ابن تيمية شيخ الخوارج يؤرخ لظهور التصوف بهذا المسمى في القرن الثاني الهجري، أحد القرون المفضلة. وإن كان هو من علوم الصدر الأول، من أيام أهل الصفة، من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.  

▪تعريف الصوفي عند ابن تيمية في (مجموع الفـتاوى) (11/16):
"هو ـ أي الصوفي ـ في الحقيقة نوع من الصديقين، فهو الصديق الذي اختص بالزهد والعبادة على الوجه الذي اجتهدوا فيه. فكان الصديق من أهل هذه الطريق كما يقال: صديقو العلماء وصديقو الأمراء فهو أخص من الصديق المطلق ودون الصديق الكامل الصديقية من الصحابة والتابعين وتابعيهم، فإذا قيل عن أولئك الزهاد والعباد من البصريين أنهم صديقون فهو كما يقال عن أئمة الفقهاء من أهل الكوفة أنهم صديقون أيضاً كل بحسب الطريق الذي سلكه من طاعة الله ورسوله بحسب اجتهاده، وقد يكونون من أجلّ الصديقين بحسب زمانهم فهم من أكمل صديقي زمانهم، والصديق من العصر الأول أكمل منه، والصديقون درجات وأنواع ولهذا يوجد لكل منهم صنف من الأحوال والعبادات حققه وأحكمه وغلب عليه وإن كان غيره في غير ذلك الصنف أكمل منه وأفضل منه" انتهى

▪وتابع ابن تيمية:
"وأول من حمل اسم (صوفي) هو أبو هاشم الكوفي، الذي ولد في الكوفة، وأمضى معظم حياته في الشام، وتوفى عام 160هـ -في القرن الثاني أحد القرون المفضلة- وأول من حدد نظريات التصوف وشرحها هو (ذو النون المصري) تلميذ الإمام (مالك)، وأول من بوبها ونشرها هو(الجنيد) البغدادي" انتهى

ملحوظة: ابوهاشم الكوفي كان معاصراً للامام المجتهد سفيان الثوري الذي توفي عام 155هـ، وقال عنه سفيان الثوري: "لولا أبو هاشم ماعُرِفت دقائق الرياء" .

▪وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) (11/6):
"أول ما ظهرت الصوفية من البصرة وأول من بنى دويرة الصوفية بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد وعبد الواحد من أصحاب الحسن -هو الحسن البصري من كبار التابعين- وكان في البصرة من المبالغة في الزهد والعبادة والخوف ونحو ذلك ما لم يكن في سائر أهل الأمصار ولهذا كان يقال فقه كوفي وعبادة بصرية" انتهى

▪وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11/282)
"وعبد الواحد بن زيد وإن كان مستضعفاً في الرواية إلا أن العلماء لا يشكون في ولايته وصلاحه ولا يلتفتون إلى قول الجوزجاني فأنه متعنت كما هو مشهور عنه"

▪وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى 
(ج 10 ص 516ـ517)
"فأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشائخ السلف مثل الفضيل بن عياض، وإِبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والسري السقطي، والجنيد بن محمد، وغيرهم من المتقدمين، ومثل الشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ حماد، والشيخ أبي البيان، وغيرهم من المتأخرين، فهم لا يسوِّغون للسالك ولو طار في الهواء، أو مشى على الماء، أن يخرج عن الأمر والنهي الشرعيين، بل عليه أن يفعل المأمور، ويدع المحظور إِلى أن يموت. وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإِجماع السلف وهذا كثير في كلامهم" انتهى.
والفضيل بن عياض على سبيل المثال من كبار التابعين، روى له البخاري ومسلم وأصحاب السنن.

▪وقال ابن تيمية في الفتاوى 
(11/28 - 29)
"لفظ الفقر والتصوف قد أدخل فيه أمور يحبها الله ورسوله فتلك يؤمر بها، وإن سميت فقرا وتصوفا؛ لأن الكتاب والسنة إذا دل على استحبابها لم يخرج ذلك بأن تُسمى باسم أخر. كما يدخل في ذلك أعمال القلوب كالتوبة والصبر والشكر والرضا والخوف والرجاء والمحبة والأخلاق المحمودة"انتهى

▪وقال في مجموع الفتاوى - كتاب التصوف (ج5 ص3)
"و«أولياء الله» هم المؤمنون المتقون، سواء سمي أحدهم فقيراً أو صوفياً أو فقيهاً أو عالماً أو تاجراً أو جندياً أو صانعاً أو أميراً أو حاكماً أو غير ذلك." انتهى

▪وقال ابن تيمية مجموع الفتاوى
(جزء 20 - صفحة 63)
"ثم هم إما قائمون بظاهر الشرع فقط كعموم أهل الحديث والمؤمنين الذين فى العلم بمنزلة العباد الظاهرين فى العبادة وإما عالمون بمعاني ذلك وعارفون به فهم فى العلوم كالعارفين من الصوفية الشرعية فهؤلاء هم علماء أمة محمد المحضة وهم أفضل الخلق وأكملهم وأقومهم طريقة والله أعلم" انتهى

▪وقال في (مجموع الفتاوى) (11/16):
"وهم يسيرون بالصوفي إلى معنى الصديق وأفضل الخلق بعد الأنبياء الصديقون".

▪وقال في مجموع الفتاوى 
[ جزء 7 – صفحة 190 ]
"فإن أعمال القلوب التى يسميها بعض الصوفية أحوالا ومقامات أو منازل السائرين الى الله أو مقامات العارفين أو غير ذلك كل ما فيها مما فرضه الله ورسوله فهو من الإيمان الواجب وفيها ما أحبه ولم يفرضه فهو من الإيمان المستحب فالأول لابد لكل مؤمن منه ومن اقتصر عليه فهو من الابرار اصحاب اليمين ومن فعله وفعل الثانى كان من المقربين السابقين وذلك مثل حب الله ورسوله بل أن يكون الله ورسوله أحب اليه مما سواهما بل أن يكون الله ورسوله والجهاد فى سبيله أحب إليه من أهله وماله ومثل خشية الله وحده دون خشية المخلوقين ورجاء الله وحده دون رجاء المخلوقين والتوكل على الله وحده دون المخلوقين والإنابة إليه مع خشيته كما قال تعالى هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ومثل الحب فى الله والبغض فى الله والموالاة لله والمعاداة لله" انتهى

▪والتصوف تكلم به الامام أحمد ابن حنبل وسفيان الثوري والداراني وغيرهم
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى 
(جزء 11 – صفحة 5):
"أما لفظ الصوفية فانه لم يكن مشهورا - لم ينف وجوده لكنه قلل من شهرته الواسعة- فى القرون الثلاثة وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك وقد نقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ كالامام احمد بن حنبل وأبى سليمان الدارانى وغيرهما وقد روى عن سفيان الثورى أنه تكلم به وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن البصرى" انتهى
 
▪وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (جزء 12 – صفحة 36 )
"وأما جمهور الأمة وأهل الحديث والفقه والتصوف فعلى ما جاءت به الرسل وما جاء عنهم من الكتب والاثارة من العلم وهم المتبعون للرسالة اتباعا محضا لم يشوبوه بما يخالفه" انتهى

▪وقال في مجموع الفتاوى (11/17).
"طائفة ذمت الصوفية والتصوف وقالوا أنهم مبتدعون خارجون عن السنة ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معرفون وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام وطائفة غلت فيهم وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء وكلا طرفي هذه الأمور ذميم، والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطىء وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه عاص لربه وقد انتسب إليهم من أهل البدع والزندقة ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم" انتهى

▪ابن تيمية يزكي رجال التصوف ويثني عليهم
قال ابن تيمية يصف الجنيد وعبد القدر الجيلاني بأنهم أئمة الصوفية في مجموع الفتاوى )ص(369/8
"و أما أئمة الصوفية و المشايخ المشهورون من القدماء مثل الجنيد بن محمد و أتباعه و مثل الشيخ عبد القادر وأمثاله فهؤلاء من أعظم الناس لزوماً للأمروالنهي و توصية بإتباع ذلك، وتحذيرا من المشي مع القدر كما مشى أصاحبهم أولئك و هذا هو الفرق الثاني الذي تكلم فيه الجنيد مع أصحابه، والشيخ عبد القادر كلامه كله يدور على إتباع المأمور و ترك المحظور والصبر على المقدور ولا يثبت طريقاً تخالف ذلك أصلا، لاهو ولا عامة المشايخ المقبولين عند المسلمين و يحذر عن ملاحظة القدر المحض بدون إتباع الأمر و النهي" انتهى

▪وقال ابن تيميه في مجموع الفتاوى (ج10 -ص 884)
"والشيخ عبد القادر من أعظم شيوخ زمانهم أمرا بالتزام الشرع والأمر والنهى وتقديمه على الذوق، ومن أعظم المشائخ أمرا بترك الهوى"

▪وفي مجموع فتاوي ابن تيمية (ج5 ص321)
"والجنيد وأمثاله أئمة هدى، ومن خالفه في ذلك فهو ضال. وكذلك غير الجنيد من الشيوخ تكلموا فيما يعرض للسالكين وفيما يرونه في قلوبهم من الأنوار وغير ذلك؛ وحذروهم أن يظنوا أن ذلك هو ذات الله تعالى." اهـ.

وقال ابن تيميه في كتابه ( الفرقان ص98) متحدثاً عن الامام الجنيد
مانصه "فان الجنيد قدس الله روحه من أئمة الهدى"

▪وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (جزء 14 - صفحة 355 )
"فمن سلك مسلك الجنيد من أهل التصوف و المعرفة كان قد اهتدى و نجا وسعد"

▪ابن تيمية يصف أعلام التصوف ورجاله (بمشايخ الاسلام وأئمة الهدى)
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوي (ج2 ص452)
"أنهمْ مشائخ الإسلام وأئمة الهدى الَّذيْن جعلَ اللّهُ تعالَى لهم لسْان صدق في الأمةِ، مثْلَ سعْيد بنُ المسيبِ، والحسْن البصريِّ، وعمرْ بنُ عبد العزيز، ومالْك بنُ أنسْ، والأوزاعي، وإبراهيْم بنْ أدهم، وسفْيان الثوري، والفضيّل بنُ عياض، ومعروف الكرّخْي، والشافعي، وأبي سليْمان، وأحمد بنَ حنبل، وبشرُ الحافي، وعبد اللّهِ بنُ المبارك، وشقيّق البلّخِي، ومن لا يحصَّى كثرة.
إلى مثْلَ المتأخرينَ: مثْلَ الجنيد بن محمد القواريري، وسهَلْ بنُ عبد اللّهِ التسْتري، وعمرُ بنُ عثمان المكي، ومن بعدهم ـ إلى أبي طالبَ المكي إلى مثْل الشيْخ عبد القادرِ الكيلاني، والشّيْخ عدّي، والشيْخ أبي البيْان، والشيخ أبي مدين، والشيخ عقيل، والشيخ أبي الوفاء، والشيخ رسلان، والشيخ عبد الرحيم، والشيخ عبد الله اليونيني، والشيخ القرشي، وأمثال هؤلاء المشايخ الذين كانوا بالحجْازِ والشّام والعرْاق، ومصْر والمغرْب وخرّاسْان، من الأوليْنِ والآخريْنِ" اهـ.

▪وقال في مجموع فتاوى ابن تيمية – كتاب السلوك – فصل في تزكية النفس)
"وكذلك ما ذكره معلقا قال: قال الشبلي بين يدي الجنيد: لا حول ولا قوةً إلا بالله. فقال الجنيد: قولك ذا ضيق صدر، وضيق الصدر لترك الرضا بالقضاء. فإن هذا من أحسن الكلام، وكان الجنيد ـ رضي الله عنه ـ سيد الطائفة، ومن أحسنهم تعلميا وتأديبا وتقويما ـ وذلك أن هذه الكلمة كلمة استعانة؛ لا كلمة استرجاع، وكثير من الناس يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع، ويقولها جزعا لا صبرا. فالجنيد أنكر على الشبلي حاله في سبب قوله لها، إذ كانت حالاً ينافي الرضا، ولو قالها على الوجه المشروع لم ينكر عليه."

وقال ابن تيمية في "بيان تلبيس الجهمية" ص 238:
"فأما شيوخ الصوفية المشهورون عند الأمة الذين لهم في الأمة لسان صدق مثل أبي القاسم الجنيد وسهل بن عبدالله التستري وعمرو بن عثمان المكي وأبي العباس ابن عطاء بل مثل أبي طالب المكي وأبي عبدالرحمن السلمي وأمثال هؤلاء فحاشا لله أن يكونوا من أهل هذا المذهب بل هم من أبعد الطوائف عن مذهب الجهمية في سلب الصفات فكيف يكونون في مذهب الدهرية المنكرين لانفطار السموات والأرض وانشقاقهما"
وقال أيضًا في نفس الكتاب: 
" فالصوفية العارفون الذين لهم في الأمة لسان صدق إذا قالوا علم الباطن وعلوم الباطن ونحو ذلك فهم لا يريدون بذلك ما يناقض الظاهر بل هم متفقون على أن من ادعا باطنا من الحقيقة يناقض ظاهر الشريعة فهو زنديق وإنما يقصدون بذلك عمل باطن الإنسان الذي هو قلبه بالأعمال الباطنة كالمعرفة والمحبة والصبر والشكر والتوكل والرضا ونحو ذلك ما هو كله تحقيق"

وغير ذلك كثير وكثير، 

فليت مرتزقة وخوارج العصر من التكفيريين في هذه العصور المتأخرة يتركون التكسب والارتزاق من تضليل العوام بالطعن في التصوف وعلومه النفيسة ورجاله الذين هم أئمة الهدى.

أن وجد خلل فهو في التطبيق، وكم من مسلم اليوم لا يشبه فعله دينه، ومع ذلك لا يكون هذا ذريعة للطعن في الإسلام.

💚حب الله تعالى وحب رسوله ﷺ💚

إن حب الله تعالى هو أعظم هبة يجود بها الله تبارك وتعالى على عبده، لأنه يقوم عليه كمال العبودية لله عز وجل ومنتهى الصدق والإخلاص وتمام الرضا عنه سبحانه القائل في كتابه العزيز: 
(وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)
[سورة البقرة: 165]

                💕💕💕

ومن أحب شيئًا مدحه ولهج بذكره واشتاق للقائه، فإذا كملت المحبة لم يغفل عنه، ورغب عن كل شئ لأجله، وضحى بنفسه فداء له ولم يطِب له عيش إلا في معيته.

وبطبيعة الحال، لن نحب شيئا كما ينبغي ما لم نعرفه، فالجهل عدو الحب الكامل. لذلك لن نحب الله كما ينبغي إلا بالعلم والمعرفة به سبحانه، فكلما ازداد المسلم معرفة بالله ازداد حبًّا له جل ثناؤه.

ومن أحب الله تبارك وتعالى ظهرت عليه ثمار المحبة فيحبه الله تعالى، ومن أحبه الله تعالى أكرمه وبجَّله وأغدق عليه من كل عطاء ولم يحرمه نوالًا.

ومن ثمار هذه المحبة دوام الذكر وكمال الطاعة وسلوك السبيل الذي يقرب ويوصل إلى الله تعالى مهما كانت وعورته والمشقة المترتبة عليه. فينتج عن ثمار التوفيق في العبادة أن يحب الله تعالى عبده ويجعله من أوليائه ويخصه بعطائه سبحانه، لذلك جاء في القرءان العظيم إشارات إلى أنه سبحانه يحب المتقين، والصابرين، والمحسنين، والمتوكلين، والتوابين والمتطهرين.

وجاء في الحديث القدسي: 
(ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، بصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه). أخرجه البخاري 

                💕💕💕

ومحبة الخلق لله عز وجل تكون على مراتب ودرجات، حسب التقوى والمعرفة بالله، أعلاها محبة النبي ﷺ لله تعالى، فهو أعرف الخلق بالله وأتقاهم له وأشدهم حبًا له، لذلك عندما سألته السيدة عائشة رضوان الله عليها عن قيامه ﷺ من الليل حتى تتورم قدماه وقد غفر له الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أجابها عن منتهى المحبة والذوق: أفلا أكون عبدًا شكورًا؟!

              💕💕💕

ومحبة الله تعالى لخلقه تكون على مراتب ودرجات، حسب تقواهم ومعرفتهم بالله، أعلاها محبة الله تعالى لحبيبه المصطفى 
ﷺ،.أعرف الخلق بالله وأتقاهم له، وهو تمام قوله تعالى: 
(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [سورة الحجرات: 13]

وعن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ما خلق الله وما برأ وما 
ذرأ نفسًا أكرم عليه من سيدنا محمد ﷺ، وما أقسم الله بعمر أحد غيره: (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون).

                💕💕💕

وقد أمر الله تعالى بمحبة حبيبه المصطفى أكثر من أي شئ حتى النفس والولد والوالد والناس أجمعين، وقرنها بمحبته سبحانه فقال جل ثناؤه:
(قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)
[سورة التوبة: 24]

وقال النبي ﷺ: 
(ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان)، أول هذه الثلاثة:
(أن يكون الله ورسوله أحب إليه من سواهما) متفق عليه.

فقرن حب الحق سبحانه مع حبه هو ﷺ، ذلك لأن حب رسول الله ﷺ هو من حب الله تعالي..

لماذا كان حب النبي ﷺ هو من حب اللهم تعالى؟
 
▪لأنه رسول الله..
▪ولأن الله أمر بحبه..
▪ولأننا ما أحببناه إلا لله وامتثالًا لأمر الله..
▪ولأن الله تبارك اسمه قد حاز له من الجمال والكمال ما يجعل قلوب المؤمنين تطير إليه ﷺ على أجنحة الحب الشديد.

               💕💕💕

ومحبته ﷺ شرط للإيمان بالله تعالى، فلا إيمان لمن لا يحب رسول الله ﷺ، ولن يقبل الله قادمًا إليه إلا من باب حبيبه المصطفى ﷺ، مهما زعم من محبته لله وصلته به والإخلاص له، فقد قال تعالى:
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
[سورة آل عمران: 31]

وقال تعالى:
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)
[سورة اﻷنبياء؛ 107]

فمن حُرم محبته ﷺ حُرم من رحمة لله للعالمين

             💕💕💕

والمحبة شعور قلبي يخالج الوجدان ويولد الشوق والهيمان. كمحبة سيدنا ثوبان رضي الله عنه التي جعلت جسمه ينتحل ولونه يصفر لفراق النبي ﷺ وكاد ان يموت من الشوق الشديد والوحشة لفراق حبيبه ﷺ لولا أن تداركته عناية الله فأنزل فيه قرءان يتلى.

وتحصل المحبة بزيادة المعرفة بقدر النبي ﷺ وعظمته، فمن لم يعرف قدر صاحب الشفاعة العظمى، يوم (وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسًا)، حين ينشغل الكل بنفسه فيقول: نفسي.. نفسي إلا هو ﷺ يقول: أمتي.. أمتي..
▫صاحب لواء الحمد..
▫صاحب المقام المحمود..
▫إمام المتقين.. وإمام الأنبياء والمرسلين..
▫الذي يصلي عليه الحق سبحانه ملائكته..
▫الذي رآى ربه يوم عرج به إلى الحضرة العرشية في الإسراء والمعراج..
▫الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم..
▫الذي هو أولى بنا من أنفسنا..
▫خير خلق الله أجمعين..

من لم يعرف له قدره العظيم لم يحبه كما ينبغي، لأنه يجهل الكثير عن جماله وجلاله، وخصائصه الفريدة، وأوصافه الباهرة وشمائله النادرة، وسنته الشريفة، وما خصه به ربه من فضل ومكانة، وحب الصحابة رضوان الله عليهم الشديد له.

              💕💕💕

وقد جعل النبي ﷺ الشوق إلى رؤيته للذين جاءوا بعده ولم يروه علامة على شدة محبته ﷺ، فقال فيما يرويه الإمام مسلم في صحيحه: (إن من أشد أمتي لي حبًّا، ناس يكونون بعدي، يود أحدهم أن لو رآني بأهله وماله).
 
فالمحبة هي كلمة السر للنجاة من كل كرب والفوز العظيم بمعية من لا تستحق أن تكون معهم إلا بحبك لهم، فقد روى البخاري ومسلم في الصحيح أن أعرابيًا سأل النبي ﷺ عن الساعة، فقال له النبي ﷺ: ماذا أعددت لها؟
فقال: لا شيء، إلا أني أحب الله وسوله.
فقال له النبي ﷺ: أنت مع من أحببت.

فقال سيدنا أنس رضي الله عنه راوي الحديث: 
(فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت مع من أحببت"، فأنا أحب النبي ﷺ وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم)

            🌷🌷🌷🌷🌷

ولأن يعمر الله قلبك بحبه جل ثناؤه، وحب حبيبه ﷺ، لهو أوسع باب لطاعة الله تعالى وامتثال أوامره واجتناب نواهيه واتباع سنة رسوله الخاتم ﷺ، والفوز والفلاح والنجاح.

اللهم ارزقنا محبتك.. ومحبة حبيبك ﷺ.. ومحبة عبادك الصالحين.. ومحبة كل شئ يقرب إلى حبك إنك سميع مجيب.

          💚💕💕💕💚

ما هو الدليل على محبة النبي ﷺ: الشوق أم الطاعة؟!

لاشك أن المؤمن يطيع الله ورسوله وإلا لما صح إيمانه، فهو يطيعه في الأمر بمحبة الله ورسوله، وفي أركان الإسلام، وفي أركان الإيمان، وفي العبادات والمعاملات، وغيرها من شرائع الإسلام، لكن طاعة العباد في ذلك تتفاوت حسب إيمانهم وعزائمهم ودرجة تقواهم، لكن لابد لهم من طاعة، وإلا لما كانوا مؤمنين أصلا.

لكن هل تمام الطاعة وكمال الاتباع هي الدليل على المحبة؟‼
ليس بالضرورة، فكل مؤمن مثلًا يحب الله عز وجل بلا شك، ومع ذلك فهناك مؤمنون يعصونه باقتراف بعض الذنوب، بل كان هناك مدمن خمر على عهد النبي ﷺ -والخمر هي أم الكبائر- وكان كثيرًا ما يؤتى به فيجلد. وذات يوم سبه أحد الحاضرين وقال: «ما أكثر ما يؤتى بك!» 
فقال النبي ﷺ: «لا تسبوه، فوالله إني قد علمت أنه يحب الله ورسوله»[رواه البخاري]
فرغم عصيانه وإدمانه لأم الكبائر فقد شهد له رسول الله ﷺ بحب الله ورسوله ﷺ، ويالها من شهادة تؤكد أن تمام الطاعة ليس شرطًا للمحبة، وكم من منافق كان يطيع رسول الله ﷺ في ظاهره ويبغضه في باطنه! وكم من عاصٍ ومبتلى وهو يسأل الله كل حين أن يتوب عليه.
                  🌴🌴🌴
وقد يكون العصيان في بعض الأحيان أبلغ دليل على المحبة، فإذا كنت ومحبوبك في خطر وأمرك حبيبك أن تتركه وتنجو فهل سيهون عليك أن تفعل؟! بل ستبقى معه وتخالفه إن كان حبه متمكنًا من قلبك.

النبى صلى ﷺ فى مرضه الاخير أمر سيدنا أبا بكر رضي الله عنه بالصلاة، ثم شعر النبى ﷺ يومًا من نفسه بخفة وعافية فدخل إلى المسجد فلما شعر أبو بكر رضي الله عنه بنهمة رسول الله ﷺ تراجع عن الإمامة، فأشار إليه النبي ﷺ أن أثبت مكانك، فلم يثبت سيدنا أبو بكر رضي الله عنه، وتراجع وصلى النبى ﷺ بالناس إمامًا وصلى سيدنا أبو بكر بصلاة النبي ﷺ، وبعد الصلاة قال له النبي ﷺ: «ما منعك يا أبا بكر أن تثبت إذ أمرتك؟»، فقال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه: «ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم على رسول الله»، فتبسم النبى ﷺ ولم ينكر عليه.
وأيضًا عندما أصرَّ المشركون في صلح الحديبية على النبي ﷺ أن يمحو من المعاهدة عبارة «رسول الله»، قال النبي ﷺ لسيدنا علي رضي الله عنه وكرَّم الله وجهه: «أمحها يا علي»، فأبي سيدنا علي رضي الله عنه وكرَّم الله وجهه أن يمحوها وقال: «لا والله لا أمحوك أبدًا»، وما قال ذلك إلا محبة وغيرة على جناب النبي ﷺ. 

                    ☘☘☘

إن المحبة عاطفة قلبية صادقة، الدليل عليها الشوق إلى لقاء المحبوب، لذلك أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن النبي ﷺ قوله: 
«إن من أشد أمتي لي 💕 حبًّا ناس يكونون بعدي، يود أحدهم أن لو رآني بأهله وماله»‼
يتخلى عن كل ما يملك من الدنيا لأجل أن يلقى محبوبه ﷺ ويراه، وفي هذا دليل صريح من الحضرة المحمدية على أن علامة حب النبي ﷺ هي شدة الشوق لرؤية الجميل الجليل النبيل ﷺ. 
               ☘☘☘
والمحبة درجات، فكلما تصاعدت وتجذرت في قلب المحب كلما زاد صدقه لمحبوبه وإخلاصه، وطاعته، والإستعداد للتضحية من أجله. فلذلك المحبة أصل وأساس والطاعة فرع منها وليس العكس، وعندما سأل أعرابي النبي ﷺ عن القيامة قائلًا: «يا رسول الله متى الساعة؟» 
فتعجب النبي من جرأة السائل وقال له: «ويحك، وماذا أعددت لها؟!» 
فقال: «والله ما أعددت لها من شيء يا رسول الله غير أني أحب الله وسوله»‼
فسُرَّ النبي ﷺ وتهلل وقال له: «أنت مع من أحببت»، وفي رواية: «المرء مع من أحب»[متفق عليه]
لم يقل له: "لن تنفعك المحبة لأن أعمالك وطاعتك قليلة كما تقول"، بل بشره بأنه سيكون في معية الله عز وجل ورسوله ﷺ بفضل هذه المحبة، ويالها من معية.

وقد فرح الصحابة رضوان الله عليهم ببشارة النبي ﷺ تلك فرحًا شديدًا، فقال راوي الحديث سيدنا ﺃﻧﺲ رضي الله عنه: 
”ﻓﻤﺎ ﻓﺮﺣﻨﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻹ‌ﺳﻼ‌ﻡ ﻓﺮﺣًﺎ ﺃﺷﺪ ﻣﻦ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﷺ: «ﻓﺈﻧﻚ ﻣﻊ ﻣﻦ ﺃﺣﺒﺒﺖ». ﻗﺎﻝ ﺃﻧﺲ: ﻓﺄﻧﺎ ﺃﺣﺐ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﻭﺃﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﻭﻋﻤﺮ ﻓﺄﺭﺟﻮ ﺃﻥ ﺃﻛﻮﻥ ﻣﻌﻬﻢ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺃﻋﻤﻞ ﺑﺄﻋﻤﺎﻟﻬﻢ“.

فالمحبة هي الأساس والطاعة ثمرة من ثمارها، وهذا يفسر لنا لماذا أن الإسلام أوجب علينا محبة الله عز وجل وحبيبه المصطفى ﷺ أكثر من كل شيء حتى النفس! لأن ذلك هو السبيل الممهد إلى الصدق والإخلاص والتضحية وحسن الطاعة. 
                   ☘☘☘
أما قوله تعالى: {قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِی یُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ}[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ٣١]
فيستدل به في غير موضعه، وفيه عدة مسائل منها:
▪ذكر المفسرون أن الآية نزلت في وفد النصارى الذين قدموا إلى النبي ﷺ من نجران، فأمره الله عز وجل إن كان الذي يَقولونه في عيسى من عظيم القول إنما يقولونه تعظيمًا لله وحبًّا له، فليتبعوا رسوله سيدنا محمدًا ﷺ.
▪الإتباع هنا بمعنى التصديق والإيمان بالرسالة والدخول في دين الإسلام.
▪الآية تتناول الذين يزعمون ويدَّعون محبة الله، وليس محبة رسول الله ﷺ.
▪هذه الآية أصل كبير في أن النبي ﷺ هو باب الله عز وجل، فلو سلك الخلق إلى الله كل طريق وطرقوا له كل باب فلن يُفتح لهم حتى يأتوا من خلف النبي ﷺ كما جاء في الأثر الذي أوره ابن القيم في [جلاء الأفهام]، قال الجنيد رحمه الله تعالى، يقول الله عز وجل لرسوله ﷺ: «وعزتي وجلالي، لو أتوني من كل طريق، أو استفتحوا من كل باب لما فتحت لهم حتى يدخلوا خلفك»، وقال أيضا في [طريق الهجرتين]: وقد قال شيخ الطريقة وإمام الطائفة الجنيد بن محمد قدس الله روحه: «الطرق كلها مسدودة إلا طريق من اقتفى آثار النبي ﷺ فإن الله عز وجل يقول: {وعزتي و جلالي لو أتوني من كل طريق، واستفتحوا من كل باب لما فتحت لهم حتى يدخلوا خلفك»، ولذا أخرج الإمام أحمد والبيهقي بسند حسن عن النبي ﷺ قوله: «لو كان موسى حيًّا ما وسعه إلا اتباعي»

المفارقات العجيبة في الدعوة الوهابية

من المفارقات العجيبة في الدعوة الوهابية، التي تمثل الشكل المعاصر للخوارج، والتي كفر مؤسسها كل أهل الجزيرة العربية تقريبًا إلا من تبعه، تكفيرًا عامًا وتكفير لمعينين، وأدعى عليهم بالشرك وعبادة غير الله عز وجل، وقالتهم ونكل بهم. ويرى أنصاره اليوم أنه إمام مجدد وأنه كان محقًا في دعوته، معيدًا للتوحيد رايته وللإسلام مجده، وبعيدًا عن الخلفيات السياسية ذات العلاقة بتأسيس هذه الحركة، والصراع بين الإمبراطوريتين الإسلامية والبريطانية آنذاك، نجد أن هنالك استغفال عظيم وقفز رهيب على أمور أولية! خاصة عندما تقرأ تاريخ نجد لابن بشر أو ابن غنام، وأنهم كيف كانوا يعاملون المسلمين آنذاك معالمة المشركين الكفار على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أنهم كانوا يطلقون إسم (مسلمين) على أنفسهم فقط، أما غيرهم فمشركون يجوز قتلهم إذا لم يدخلوا في الدعوة الوهابية، ويجوز سبي نسائهم، وسلب ممتلكاتهم كغنائم، وتخريب زرعهم، والتنكيل بهم وما إلى ذلك.

المفارقة العجيبة الأولى في أن محمد بن عبد الوهاب هذا ليس نبيًا! وليس رسولًا! وليس معصومًا! وليس مؤيدًا بوحي من السماء كالنبي صلى الله عليه وسلم! فكيف له أن يتقمص شخصية النبي الرسول المعصوم المؤيد من السماء بالوحي ليحكم على الناس بالشرك والكفر ثم يستحل دمائهم وعروضهم وأموالهم، ويسمى قتالهم غزوات؟!!! من أين أعطى نفسه هذه القداسة والعصمة الرسالية؟! أليس وارد أنه كان على خطأ؟! وأن خصومه على صواب؟! هل هو معصوم؟! هل ينزل عليه جبريل عليه السلام بالوحي؟ هل يرى في منامه رؤيا الأنبياء؟! هو بشر عادي، وقدراته أكثر من عادية، بل وروي أن أهله كانوا يتوسمون فيه الزيغ والضلال والإنحراف في الرأي! بل ويعترف على نفسه بالبلادة والغباء عندما يقول: (لقد طلبت العلم واعتقد من عرفني أن لي معرفة وأنا ذلك الوقت لا أعرف معني لا إله إلا الله ولا أعرف دين الإسلام) يعني كالحمار يحمل أسفارًا، ثم يقول: (ولا أعرف دين الإسلام قبل هذا الخبر الذي منَّ الله به) هل هبط بهذا الخبر جبريل عليه السلام؟! هل كلمك الله كفاحًا به؟! هو فهم لمسألة من مسائل الدين الخطأ فيها وارد جدًا، ثم يقول: (وكذلك مشايخي ما منهم رجل عرف ذلك، فمن زعم من علماء العارض أنه عرف معنى لا إله إلا الله أو عرف معنى الإسلام قبل هذا الوقت أو زعم عن مشايخه أن أحدا عرف ذلك فقد كذب وافترى) هل لأنهم لم يوافقوك الرأي فهذا يعني أنهم لا يعرفون معني لا إله إلا الله ومعنى الإسلام؟! ألا يجوز -بل هو الحق لأنك لا تدري وأنت تطلب العلم الصواب من الخطأ- أنك أنت الذي لم تزل لا تعرف معنى لا إله إلا الله؟! ما الذي يجعل فهمك صحيح وفهمهم خطأ؟! بل وأين فهمك أنت في فهم كل من سبقك من الأئمة والعلماء المعتبرين؟! هل هو فهم جديد لنج ليس له حضور في تصانيف الثقات من علماء الأمة على مر العصور بما فيها عصرك؟!

هنا تلاحظون أنه يتحدث كأنه معصوم عن الخطأ والزلل، وأن غيره على ضلال، في حين أنه بشر عادي يجوز عليه الخطأ، بل هو على خطأ لا محالة كما سيتبين لاحقًا.

المفارقة العجيبة الثانية هي أن الناس الذين استهدفهم محمد بن عبد الوهاب بدعوته من أهل الجزيرة العربية ليسوا مشركين ولا كفارًا، بل مسلمون يشهدون الشهادتين، ويقيمون أركان الدين، ولا يختلفون كثيرًا عن غيرهم من المسلمين في أقطار المعمورة، في العراق وفي الشام وفي اليمن، وفي كل أرجاء الإمبراطورية الإسلامية! فكيف يجعلهم كالكفار الأوائل الذين ينكرون البعث والنشور وينكرون وجود الله عز وجل؟ أو يجعلهم كالمشركين الأوائل الذين لا يشهدون لله بالوحدانية أبدًا، ولهم آلهة، سواء أكانت أصنامًا أو أوثانًا، [ومعترفووووووووووووووووووووون] بأنهم يعبدون أصنامهم، أو يعبدون عيسى عليه السلام، أو عزيرًا عليه السلام، أو الملائكة، أو الجن، أو غير ذلك. ويعتقدون أن هذه آلهة مع الله عز وجل، وإعترافاتهم في ذلك [وااااااضحة وصرررررريحة]، يعني ما ناكرين ولا داسين المسألة، (قالوا [نعبد] أصنامًا فنظل لها عاكفين)، (قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوًا قبل هذا أتنهانا أن [نعبد] ما يعبد آباؤنا)، (قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما [يعبد] آباؤنا؟)، (ما [نعبدهم] إلا ليقربونا إلى الله زلفى)، (واذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ان هذا إلا اساطير الأولين) وغيرها، وكلها إعترافات صريحة بالكفر والشرك وعبادة غير الله!!! فكيف تساويهم بمن يشهد لله عز وجل بالوحدانية، ويصلي ويصوم ويزكي ويحج بيت الله عز وجل وغير ذلك من الشعائر؟! إن من كان يظهر الإسلام من المنافقين ويضمر الكفر كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم نفاقهم لكنه تستر عليهم ولم يحاكمهم بالنفاق، فكيف وأنت لست بنبي، ولا برسول، ولا بمعصوم، ولا بمؤيد بالوحي؟ تخرجهم من الملة وتنكل بهم مع ما يظهرونه من إسلام؟!!! ما هذه الجسارة؟!

ولتبرير خطئه، زعم أنهم يشهدون الشهادتين لكنهم يفعلون أفعالًا شركية، كالطواف بالقبور، ودعاء الأولياء، والذيح لهم، ... إلى غير ذلك. ومن قرر لك أن هذه أفعال شركية؟! طبعًا هو يتبنى تقسم ابن تيمية [للتوحيد] إلى ثلاث أقسام، وهي بدعة من البدع لم يسبقه إليها عالم معتبر من علماء السلف، ومن بين هذه الأقسام المبتدعة ما يعرف بتوحيد وشرك الإلهية أو الألوهية، وفهمه له أن تصرف عبادة لغير الله، لكن المعلوم بداهة أن أي عمل لا يكون عبادة إلا إذا كان بنية التعبد، وهذا في غاية البداهة لأن الأعمال بالنيات، فحتى لو صلت صلاة كاملة لكن خوفًا من الحاكم أو رياءًا فإن هذه الصلاة لا يمكن أن تكون عبادة صحيحة لأن نيتها مشوبة. فكيف له أن يجعل الطواف بالقبور ودعاء الأولياء والذبح لهم وغيرها أفعالًا شركية بدون ملاحظة النية عند العمل؟ فهذه الأفعال التي يسميها شركية، إذا فعلها الشخص على سبيل التعبد فهنا يكون قد جعل لله ندًا وشريكًا وآلهة تعبد من دون الله، لكن المسلمين لا يفعلون ذلك على سبيل التعبد، وإنما على سبيل التبرك، والتوسل، والأخذ بالأسباب!! فأيَّا كان اتفاقه معهم أو اختلافه فإنهم لا يمكن أن يكونوا مشركين لأسباب بسيطة جدًا، وهي أنهم:
- لا يفعون ذلك بنية العبادة
- ولا ينظرون إلى الأنبياء والأولياء كآلهة، بل يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فمعبودهم واحد، أما الإدعاء عليهم بقوله تعالى: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) فهؤلاء أولًا معترفون بعبادة غير الله (ما نعبدهم)، ثانيأ أنهم مشركوا أهل الكتاب، يدل على ذلك سياق الآيات وطبيعة الحال، فهم عبدة مريم وموسى عليه السلام، يظنون أنهم آلهة مع الله عز وجل، وأن عبادتهم لها تقربهم من الإله الأكبر، وهذه هي عقيدة الثالوث والعياذ بالله تعالى.
- لهم أدلتهم الشرعية من الكتاب والسنة التي تجيز لهم ذلك التبرك والتوسل والإستعانة والإستغاثة بالأحياء والأموات، القريبين والبعيدين، وأن ذلك لا يقدح في عقيدتهم طالما أنهم يؤمنون بأن القادر هو الله عز وجل وأنه يجري قدرته على خلقه، تمامًا مثلما يجري الشفاء على يد الطبيب، وأنه أمام قدرة الله عز وجل ليس هنالك حدود، ينفع بالحي وكما ينفع بالميت، يغيث بالحي كما يغيث بالميت، ولهم أدلتهم الشرعية في ذلك، وهي أدلة صحيحة ومعتبرة شرعًا.
- ولا يعترفون بأنهم أشركوا بالله شيئًا، بل إن قلبهم عامر بالتوحيد واعتقاد أن الله عز وجل هو الذي أكرم هؤلاء الأنبياء والأولياء بالبركة والصلاح والجاه عنده عز وجل والقدرة على نفع الناس بإذن الله، لقربهم منه!

وأيًا كان اتفاقه معهم في أدلتهم الشرعية، أو اختلافه فهل هم كالذين يثبتون لله الشريك والند، ويعترفون بعبادة غير الله لينزل عليهم آيات المشركين والكفار الأوائل؟!
ومن أين أتت القداسة لفهمه هو لنصوص الكتاب والسنة؟ والعصمة ليعتبر أنه مصيب في رأيه وأن غيره مخطئ لا محالة مشرك مرتد حلال المال والدم؟! ألا يجوز أنه مخطيء في ما ذهب إليه؟ بل هو كذلك بلا شك!
فبغض النظر عن إتفاقه معهم أو اختلافه فإنه ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤيد بالوحي، المعصوم من الخطأ في الدين ليعتبر أنه محق وأنهم خطأ، لذلك فكان الأولى طالما أنهم استعصموا بأدلتهم الشرعية أن يتركهم وشأنهم وأمرهم إلى الله عز وجل.

المفارقة العجيبة الثالثة أن الإختلاف بين العلماء حاصل منذ قديم الزمان، من لدن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن عهد الصحابة رضوان الله عليهم، في كل مسائل الدين، وكان جُلُّ اختلافهم ليس في النص نفسه وبقدر ما كان في فهم النص، لأن الفهوم تتباين، والحق تتعدد أوجهه ومع ذلك لم يصر طرف على حمل الطرف الآخر على رأيه، أقصى ما يفعله هو أن يبدي وجهة نظره فإن قبل بها خصمه فذا، وإلا عذره طالما أن أدلته وجيهة، فلماذا هو يصر على أن الحق معه وهو في الحقيقة شاذ على جمهور أهل العلم في مسائل أصلية وفرعية ومن شذ شذ في النار، لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة، فضلا عن أن يصر على رأيه بما يخول له قتل خصمه؟! أمعصوم هو؟

المفارقة العجيبة الرابعة، ما الذي يجعل الأمة بكثرة علمائها المعتبرين على مر العصور أن تختزل الصواب في شخص أو شخصين أو ثلاثة؟! في محمد بن عبد الوهاب، وفي ابن تيمية الذي أخذ عنه محمد بن عبد الوهاب معظم تنظيراته، وابن القيم الذي تتلمذ على ابن تيمية!؟! أليست هذه مجازفة كبرى أن نرهن الأمة برأي أشخاص ليسو بأنبياء ولا رسلًا ولا معصومين ولا مؤيدين بالوحي السماوي؟ بل شاذون ومتفردون على جماهير أهل العلم من السلف والخلف؟! أليس السلامة فيما توافق عليه علماء الأمة؟

مفارقات عجيبة، لا يقبلها المنطق السليم

الأحد، 7 سبتمبر 2025

في الذكر الجماعي

قال الإمام النووي في [الأذكار]:
«اعلم أنه كما يُستحبُ الذِّكرُ يُستحبُ الجلوسُ في حِلَقِ أَهلِهِ، وقد تظاهرتُ الأدلةُ على ذلك، ويكفي في ذلك حديثُ ابن عمرَ، قال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا. قالوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ يَا رَسُولَ اللَّهُ؟ قَالَ: حِلَقُ الذِّكْرِ".
ولا تكون الحلقة إلا من جماعة، لذلك يستحب أن تكون الحلقة مغلقة.
ومن بركة هذا الذكر أن الملائكة تحفهم إلى السماء. قال الإمام النووي: «وروينا في: صحيح مسلم، أيضاً [رقم: ٢٧٠٠] ، عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما؛ أنهما شهدا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنهُ قال: "لا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُون اللَّهَ تَعالى إلا حَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَليهِمْ السَّكِينَةُ، وَذَكَرََهُمُ اللَّهُ تَعالى فِيمَنْ عِنْدَهُ"»

وقالرأيضا: «وروينا في: صحيح مسلم، [رقم: ٢٧٠١] ، عن معاوية رضي الله عنه أنه قال: خرجَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- على حَلْقَةٍ من أصحابه، فقال: "ما أجْلَسَكُم"؟ قالوا: جلسنا نذكُر الله تعالى، ونحمَدُه على ما هدانا للإسلام، ومَنَّ به علينا؛ قال: "آلله ما أجْلَسَكُمْ إلا ذَاكَ"؟ [قالوا: واللَّهِ ما أجلسنا إلاّ ذاك؛ قال:] "أما إني لَمْ أستحلِفكُمْ تُهمةً لكُمْ، ولَكنَّهُ أتاني جبْرِيلُ، فأخْبَرَنِي أنَّ الله تعالى يُباهي بكُمُ المَلائكَةَ"»

فالذكر  الجماعي ثوابه عظيم، يكفي أن يباهي الله به الملائكة.