القرءان الكريم صفة الله الكلامية، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وهو في ذاته شفاء لقوله تعالى:
(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) [الْإِسْرَاءِ: 82]
وقد أباح الإسلام التداوي بشكل عام ما لم يكن حرامًا، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء فتداووا، ولا تتداووا بحرام ) أخرجه أبو داود.
وكان العرب قبل الإسلام يستشفون ويتداوون برقى وتعاويذ وطرق علاج شركية، فعندما جاء الإسلام أبطلها واستبدلها برقى وتعاويذ وطرق علاج إسلامية تستند إلى القرءان الكريم والأذكار والتعاويذ الشرعية، ففي صحيح مسلم من حديث عوف بن مالك قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: "اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك". قال القرطبي: "ما كان يرقى به في الجاهلية مما لا يعقل معناه فيجب اجتنابه لئلا يكون فيه شرك أو يؤدي إلى الشرك."
وللتداوي أشكال كثيرة منها ما يُطعم أو يشرب أو يستنشق ويشم أو يمسح أو يغسل به الجسد أو يُرش، وكل نظير ذلك موجود من القرءان الكريم والأذكار والتعاويذ الشرعية، وهو ما يعرف بشكل عام بالنُّشرة. فالنشرة هي ضرب من العلاج بالقرءان والأذكار الشرعية والتعاويذ المشروعة، وهو مما أباحه الشرع الحنيف ووسع فيه لما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل).
قال ابن الأثير في النهاية:
النُّشرة، بِالضَّمِّ: ضرْب مِنَ الرُّقية والعِلاج يعالَج بِهِ مَنْ كَانَ يُظن أَن بِهِ مَسًّا مِنَ الجِن، سُمِّيَتْ نُشْرة لأَنه يُنَشَّر بِهَا عَنْهُ مَا خامَرَه مِنَ الدَّاء أَي يُكشَف ويُزال.
وجاء في مختار الصحاح:
وَ(التَّنْشِيرُ) مِنَ (النُّشْرَةِ) وَهِيَ كَالتَّعْوِيذِ وَالرُّقْيَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ: «فَلَعَلَّ طِبًّا أَصَابَهُ يَعْنِي سِحْرًا» ثُمَّ (نَشَّرَهُ) بِقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ أَيْ رَقَاهُ، وَكَذَا إِذَا كَتَبَ لَهُ النُّشْرَةَ.
قال ابن القيم:
"النشرة حل السحر عن المسحور. وهي نوعان: أحدهما حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان. وعليه يُحمل قول الحسن -البصري، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور. والثاني النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة. فهذا جائز".
وعن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم عندما سُحر: (أفَلاَ؟ - أَيْ تَنَشَّرْتَ - فَقَالَ: «أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ شَفَانِي، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ شَرًّا») أخرجه البخاري في صحيحه (5765)
قال ابن بطال: إن الاعتبار يعطى لسفيان الذي ورد في روايته أن عائشة سألت عن النشرة، فإن الزيادة منه مقبولة؛ لأنه أقواهم في الضبط. قال الشعبي: إن في ذلك دلالة على جواز النشرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الإنكار على عائشة، وهذا دليل على الجواز. وفي النهاية لابن الأثير قوله صلى الله عليه وسلم: (فلعل طبًّا أصابه، فنَشَّره بقل أعوذ برب الناس)، والحديث سكت عنه المنذري. وفي صحيح البخاري عن قَتَادَةُ أنه قال: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ: رَجُلٌ بِهِ طِبٌّ، أَوْ: يُؤَخَّذُ عَنِ امْرَأَتِهِ، أَيُحَلُّ عَنْهُ أَوْ يُنَشَّرُ؟ قَالَ: «لاَ بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ الإِصْلاَحَ، فَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ» وفي رواية: "يلتمس من يداويه، فقال: إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع"، وأخرج الطبري في "التهذيب" عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يرى بأسا إذا كان بالرجل سحر أن يمشي إلى من يطلق عنه، فقال: "هو صلاح". قال قتادة: وكان الحسن يكره ذلك يقول: لا يعلم ذلك إلا ساحر، قال فقال سعيد بن المسيب. إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع. وأورد الحافظ في الفتح: "وقد سئل أحمد عمن يطلق السحر عن المسحور فقال: لا بأس به." ومما جاء في صفة النشرة الجائزة: ما أخرجه عبد الرزاق من طريق الشعبي قال: لا بأس بالنشرة العربية التي إذا وطئت لا تضره، وهي أن يخرج الإنسان في موضع عضاه فيأخذ عن يمينه وعن شماله من كل ثم يدقه ويقرأ فيه ثم يغتسل به. وروى ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ليث بن أبي سليم قال: بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله، تقرأ في إناء فيه ماء، ثم يصب على رأس المسحور: الآية التي في سورة يونس (فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ). وقوله: (فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ... بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [لأعراف:118-121]. وقوله: (إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) [طـه:69]. وقال ابن بطال في كتاب وهب بن منبه: "أنه يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين، ثم يضربه بالماء، ويقرأ فيه آية الكرسي والقواقل: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثم يحسو (يشرب) منه ثلاث حسوات، ثم يغتسل به يذهب عنه كل ما به." وذكر الحافظ في الفتح: (قال قتادة لسعيد بن المسيب: رجل به طب أخذ عن امرأته أيحل له أن ينشر؟ قال: "لا بأس، وإنما يريد به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه". قال نصوح: فسألني حماد بن شاكر: "ما الحل وما النشرة؟" فلم أعرفهما، فقال: هو الرجل إذا لم يقدر على مجامعة أهله وأطاق ما سواها فإن المبتلى بذلك يأخذ حزمة قضبان وفأسا ذا قطارين ويضعه في وسط تلك الحزمة، ثم يؤجج نارًا في تلك الحزمة حتى إذا ما حمي الفأس استخرجه من النار وبال على حره فإنه يبرأ بإذن الله، وأما النشرة فإنه يجمع أيام الربيع ما قدر عليه من ورد المفارة وورد البساتين، ثم يلقيها في إناء نظيف، ويجعل فيهما ماء عذبًا، ثم يغلي ذلك الورد في الماء غليًا يسيرًا، ثم يمهل حتى إذا فتر الماء أفاضه عليه فإنه يبرأ بإذن الله" قال حاشد: "تعلمت هاتين الفائدتين بالشام". قلت: وحاشد هذا من رواة الصحيح عن البخاري) أهـ وقال ابن القيم في كتاب الطب النبوي: "قال الخلال: حدثني عبد الله بن أحمد قال: رأيت أبي -أحمد بن حنبل- يكتب للمرأة إذا عسر عليها ولادتها في جام أبيض أو شيء نظيف، يكتب حديث ابن عباس رضي الله عنهما: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها، كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ، فهل يهلك إلا القوم الفاسقون. قال الخلال: أنبأنا أبو بكر المروزي أن أبا عبد الله جاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله تكتب لامرأة قد عسر عليها ولدها منذ يومين؟ فقال له: يجيء بجام واسع وزعفران، ورأيته يكتب لغير واحد، ويذكر عن عكرمة عن ابن عباس قال: مر عيسى عليه السلام على بقرة، وقد اعترض ولدها في بطنها، فقالت: يا كلمة الله، ادع الله أن يخلصني مما أنا فيه، فقال: يا خلاق النفس من النفس، ويا مخلص النفس من النفس، ويا مخرج النفس من النفس خلصها، قال: فرمت بولدها، فإذا هي قائمة تشمه، قال: فإذا عسر على المرأة ولدها، فاكتبه." وقال ابن القيم: "كتاب آخر لذلك يكتب في إناء نظيف: إذا السماء انشقت* وأذنت لربها وحقت* وإذا الأرض مدت* وألقت ما فيها وتخلت. وتشرب منه الحامل، ويرش على بطنها." وقال السيوطي في الإتقان: "وغالب ما يذكر في ذلك كان مستنده تجارب الصالحين" ثم قال: "وأخرج البيهقي في الدعوات عن ابن عباس موقوفاً في المرأة يعسر عليها ولادها قال: يكتب في قرطاس ثم تسقى باسم الله الذي لا إله إلا هو الحليم الكريم، سبحان الله وتعالى رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها، كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون." فكما أن بعض الأمراض تداوى بشم الدواء واستنشاقه كالغيبوبة وأنواع الأزمات التنفسية فهناك التنشر بدخان القرءان الكريم، وهو دخان مبارك لقوله تعالى: (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ)، وهي ما يعرف عند أهل السودان بالبخرة. أما ما يروى عن نهيه صلى الله عليه وسلم عن النشرة مع ما ثبت من إباحتها فإنه يحمل إما على أصل النشرة، أو على ما كان يتنشر به أهل الجاهلية بأنواع من النشرة الشركية أو التنشر بالسحر والعياذ بالله تعالى. قال الحافظ: "ويجاب عن الحديث والأثر بأن قوله (النشرة من عمل الشيطان) إشارة إلى أصلها، ويختلف الحكم بالقصد، فمن قصد بها خيرا كان خيرا وإلا فهو شر. ثم الحصر المنقول عن الحسن ليس على ظاهره لأنه قد ينحل بالرقى والأدعية والتعويذ، ولكن يحتمل أن تكون النشرة نوعين." قال العلامة ملا على القاري في شرح مشكاة المصابيح: "والمراد بالضمير البارز في قوله: (فقال): أي: النبي صلى الله عليه وسلم: (هو من عمل الشيطان): النوع الذي كان أهل الجاهلية يعالجون به ويعتقدون فيه، وأما ما كان من الآيات القرآنية، والأسماء والصفات الربانية، والدعوات المأثورة النبوية، فلا بأس، بل يستحب سواء كان تعويذا أو رقية أو نشرة، وأما على لغة العبرانية ونحوها فيمتنع لاحتمال الشرك فيها." أهـ قال العظيم آبادي في عون المعبود: "قَالَ الْحَسَنُ النُّشْرَةُ مِنَ السِّحْرِ وَقَدْ نُشِرَتْ عَنْهُ تَنْشِيرًا انْتَهَى وَفِي فَتْحِ الْوَدُودِ لَعَلَّهُ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى أَسْمَاءِ الشَّيَاطِينِ أَوْ كَانَ بِلِسَانٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ فَلِذَلِكَ جَاءَ أَنَّهُ سِحْرٌ سُمِّيَ نُشْرَةً لِانْتِشَارِ الدَّاءِ وَانْكِشَافِ الْبَلَاءِ بِهِ (هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) أَيْ مِنَ النَّوْعِ الَّذِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُعَالِجُونَ بِهِ وَيَعْتَقِدُونَ فِيهِ وَأَمَّا مَا كَانَ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالدَّعَوَاتِ الْمَأْثُورَةِ النَّبَوِيَّةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ" أهـ
قال ابن بطال: إن الاعتبار يعطى لسفيان الذي ورد في روايته أن عائشة سألت عن النشرة، فإن الزيادة منه مقبولة؛ لأنه أقواهم في الضبط. قال الشعبي: إن في ذلك دلالة على جواز النشرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الإنكار على عائشة، وهذا دليل على الجواز. وفي النهاية لابن الأثير قوله صلى الله عليه وسلم: (فلعل طبًّا أصابه، فنَشَّره بقل أعوذ برب الناس)، والحديث سكت عنه المنذري. وفي صحيح البخاري عن قَتَادَةُ أنه قال: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ: رَجُلٌ بِهِ طِبٌّ، أَوْ: يُؤَخَّذُ عَنِ امْرَأَتِهِ، أَيُحَلُّ عَنْهُ أَوْ يُنَشَّرُ؟ قَالَ: «لاَ بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ الإِصْلاَحَ، فَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ» وفي رواية: "يلتمس من يداويه، فقال: إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع"، وأخرج الطبري في "التهذيب" عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يرى بأسا إذا كان بالرجل سحر أن يمشي إلى من يطلق عنه، فقال: "هو صلاح". قال قتادة: وكان الحسن يكره ذلك يقول: لا يعلم ذلك إلا ساحر، قال فقال سعيد بن المسيب. إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع. وأورد الحافظ في الفتح: "وقد سئل أحمد عمن يطلق السحر عن المسحور فقال: لا بأس به." ومما جاء في صفة النشرة الجائزة: ما أخرجه عبد الرزاق من طريق الشعبي قال: لا بأس بالنشرة العربية التي إذا وطئت لا تضره، وهي أن يخرج الإنسان في موضع عضاه فيأخذ عن يمينه وعن شماله من كل ثم يدقه ويقرأ فيه ثم يغتسل به. وروى ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ليث بن أبي سليم قال: بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله، تقرأ في إناء فيه ماء، ثم يصب على رأس المسحور: الآية التي في سورة يونس (فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ). وقوله: (فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ... بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [لأعراف:118-121]. وقوله: (إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) [طـه:69]. وقال ابن بطال في كتاب وهب بن منبه: "أنه يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين، ثم يضربه بالماء، ويقرأ فيه آية الكرسي والقواقل: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثم يحسو (يشرب) منه ثلاث حسوات، ثم يغتسل به يذهب عنه كل ما به." وذكر الحافظ في الفتح: (قال قتادة لسعيد بن المسيب: رجل به طب أخذ عن امرأته أيحل له أن ينشر؟ قال: "لا بأس، وإنما يريد به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه". قال نصوح: فسألني حماد بن شاكر: "ما الحل وما النشرة؟" فلم أعرفهما، فقال: هو الرجل إذا لم يقدر على مجامعة أهله وأطاق ما سواها فإن المبتلى بذلك يأخذ حزمة قضبان وفأسا ذا قطارين ويضعه في وسط تلك الحزمة، ثم يؤجج نارًا في تلك الحزمة حتى إذا ما حمي الفأس استخرجه من النار وبال على حره فإنه يبرأ بإذن الله، وأما النشرة فإنه يجمع أيام الربيع ما قدر عليه من ورد المفارة وورد البساتين، ثم يلقيها في إناء نظيف، ويجعل فيهما ماء عذبًا، ثم يغلي ذلك الورد في الماء غليًا يسيرًا، ثم يمهل حتى إذا فتر الماء أفاضه عليه فإنه يبرأ بإذن الله" قال حاشد: "تعلمت هاتين الفائدتين بالشام". قلت: وحاشد هذا من رواة الصحيح عن البخاري) أهـ وقال ابن القيم في كتاب الطب النبوي: "قال الخلال: حدثني عبد الله بن أحمد قال: رأيت أبي -أحمد بن حنبل- يكتب للمرأة إذا عسر عليها ولادتها في جام أبيض أو شيء نظيف، يكتب حديث ابن عباس رضي الله عنهما: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها، كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ، فهل يهلك إلا القوم الفاسقون. قال الخلال: أنبأنا أبو بكر المروزي أن أبا عبد الله جاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله تكتب لامرأة قد عسر عليها ولدها منذ يومين؟ فقال له: يجيء بجام واسع وزعفران، ورأيته يكتب لغير واحد، ويذكر عن عكرمة عن ابن عباس قال: مر عيسى عليه السلام على بقرة، وقد اعترض ولدها في بطنها، فقالت: يا كلمة الله، ادع الله أن يخلصني مما أنا فيه، فقال: يا خلاق النفس من النفس، ويا مخلص النفس من النفس، ويا مخرج النفس من النفس خلصها، قال: فرمت بولدها، فإذا هي قائمة تشمه، قال: فإذا عسر على المرأة ولدها، فاكتبه." وقال ابن القيم: "كتاب آخر لذلك يكتب في إناء نظيف: إذا السماء انشقت* وأذنت لربها وحقت* وإذا الأرض مدت* وألقت ما فيها وتخلت. وتشرب منه الحامل، ويرش على بطنها." وقال السيوطي في الإتقان: "وغالب ما يذكر في ذلك كان مستنده تجارب الصالحين" ثم قال: "وأخرج البيهقي في الدعوات عن ابن عباس موقوفاً في المرأة يعسر عليها ولادها قال: يكتب في قرطاس ثم تسقى باسم الله الذي لا إله إلا هو الحليم الكريم، سبحان الله وتعالى رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها، كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون." فكما أن بعض الأمراض تداوى بشم الدواء واستنشاقه كالغيبوبة وأنواع الأزمات التنفسية فهناك التنشر بدخان القرءان الكريم، وهو دخان مبارك لقوله تعالى: (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ)، وهي ما يعرف عند أهل السودان بالبخرة. أما ما يروى عن نهيه صلى الله عليه وسلم عن النشرة مع ما ثبت من إباحتها فإنه يحمل إما على أصل النشرة، أو على ما كان يتنشر به أهل الجاهلية بأنواع من النشرة الشركية أو التنشر بالسحر والعياذ بالله تعالى. قال الحافظ: "ويجاب عن الحديث والأثر بأن قوله (النشرة من عمل الشيطان) إشارة إلى أصلها، ويختلف الحكم بالقصد، فمن قصد بها خيرا كان خيرا وإلا فهو شر. ثم الحصر المنقول عن الحسن ليس على ظاهره لأنه قد ينحل بالرقى والأدعية والتعويذ، ولكن يحتمل أن تكون النشرة نوعين." قال العلامة ملا على القاري في شرح مشكاة المصابيح: "والمراد بالضمير البارز في قوله: (فقال): أي: النبي صلى الله عليه وسلم: (هو من عمل الشيطان): النوع الذي كان أهل الجاهلية يعالجون به ويعتقدون فيه، وأما ما كان من الآيات القرآنية، والأسماء والصفات الربانية، والدعوات المأثورة النبوية، فلا بأس، بل يستحب سواء كان تعويذا أو رقية أو نشرة، وأما على لغة العبرانية ونحوها فيمتنع لاحتمال الشرك فيها." أهـ قال العظيم آبادي في عون المعبود: "قَالَ الْحَسَنُ النُّشْرَةُ مِنَ السِّحْرِ وَقَدْ نُشِرَتْ عَنْهُ تَنْشِيرًا انْتَهَى وَفِي فَتْحِ الْوَدُودِ لَعَلَّهُ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى أَسْمَاءِ الشَّيَاطِينِ أَوْ كَانَ بِلِسَانٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ فَلِذَلِكَ جَاءَ أَنَّهُ سِحْرٌ سُمِّيَ نُشْرَةً لِانْتِشَارِ الدَّاءِ وَانْكِشَافِ الْبَلَاءِ بِهِ (هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) أَيْ مِنَ النَّوْعِ الَّذِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُعَالِجُونَ بِهِ وَيَعْتَقِدُونَ فِيهِ وَأَمَّا مَا كَانَ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالدَّعَوَاتِ الْمَأْثُورَةِ النَّبَوِيَّةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ" أهـ