هذه رسالة للحذاق في التعرف على أسرار الخداع في الخطاب الديني لفرق التكفير والتطرف والغلو
كل من يحضر أو يستمع لأحد دعاة التكفير بمسمياتهم المختلفة، -وهابية، سلفية، سرورية، جامية، دواعش، تكفير وهجرة، .. إلخ- في أي منبر من المنابر، في حلقة، في الراديو، في التلفزيون، في مقاطع الفيديو، إلخ، يلاحظ أنهم يخدعون فريستهم من العامة والبسطاء بحيل ماكرة نلخص لكم بعضها في التالي:
1. الأسلوب الدرامي، فيوظفون قدراتهم الدرامية التمثيلية في إضفاء جو من الحماسة والإنبهار على الحاضرين، والتشدق والتفيقه لتصوير المتحدث على أنه متمكن ومستوثق مما يقول، فيذكر بعض الآيات مثلًا بالرقم ولا يحفظ إلا أرقام آيات معينة يوظفها دائمًا في كلامه، ويذكر أرقام صفحات معينة من كتاب برقم الصفحة ولا يحفظ شيئا عن بقية الصفحات من نفس الكتاب، وغيرها من الحيل الخبيثة ليوهم المتلقي البسيط أنه يحفظ الكتاب عن ظهر قلب. وقد يلعب دور الجرأة أو التحدي أو الوعيد لإيهام فريسته من الحضور أنه على حق وأن خصمه على باطل، وقد سبقهم الكفار والمنافقون إلى ذلك الأسلوب الخبيث لكن الله بينه في كتابه العزيز فقال جل وعلا: (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [سورة اﻷنفال: 32]
ورغم هذا التحدي السافر فإن الله العلي، القدير، الجبار، المنتقم، القوي، العزيز، لم يمطر عليهم حجارة من السماء كما تحدوه، ليس لعجزه جل وعلا، لكن لحكمة يعلمها، صرح بها لأولي الألباب فقال في الآية التالية: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [سورة اﻷنفال: 33].
نعم يجيدون هذا التمثيل الدرامي ويوظفونه ببراعة في إضلال الناس. وقد اعترفوا مؤخرًا أنهم كانوا يزرعون بعضهم في الحضور يتخللونهم في المحاضرات والدروس فيسألون أسئلة متفق عليها فيجيب المحاضر بأجوبة متفق عليها ويكون الضحية هم الحضور البسطاء.
بل ويأدون تمثيليات كاملة في بعض المساجد العامة، فيأتي اثنان منهم أحدهم متنكر كصوفي فيقدم درسًا ثم يقوم له زميله على أساس أنه وهابي فينقد كلام الأول، ثم يرجع الأول ويقر بأنه كان على باطل وأنه تائب من التصوف وغير ذلك من أنواع الدراما الرخيصة لكنها تنطلي على البسطاء الذين لا يتصورون ذلك.
2. تحريف معنى الكلام ليوافق مرادهم، سواء أكان ذلك في القرءان الكريم أو في السنة المطهرة أو في كلام الخصم. على سبيل المثال لا الحصر، معلوم أن عبارة (من دون الله) معناها (غير الله)، وقد وردت كثيرًا في القرءان الكريم لوصف الكفار والمشركين من عبدة الأصنام والأوثان والملائكة والجن البشر، كالنصارى الذين عبدوا المسيح عليه السلام وأمه. فلا يمكن أن تسحب الآيات التي وردت فيها هذه العبارة على من يؤمن بالله تعالى ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله!!! سبحانك هذا بهتان عظيم!
قال تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) [سورة اﻷنعام: 108]
أي لا تسبوا الذين يدعون (غير الله) فيسبوا (الله) كرد فعل، فهل هناك مسلم يسب الله لتنزل عليه مثل هذه الآيات؟!
بل حتى مشركي أهل الكتاب ممن عبد عزيرًا وعيسى عليهما السلام لن يسبوا الله عز وجل لو سببت عزيرًا أو عيسى، فضلًا عن أن يسبه مسلم يؤمن بالله.
هذه نقطة دقيقة جدا، وهي أهم محور يستخدمونه في خداع الحاضرين لتسويغ تكفير الناس واتهامهم بالشرك.
لذلك تجد كل آياتهم التي يستدلون بها على تكفير المسلمين الموحدين تستند على هذه الحيلة الخبيثة، فعلى سبيل المثال قوله تعالى:
(وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ۖ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ) [سورة يونس: 106]
والدعاء بمعنى النداء، فهل لو ناداك والدك لتساعده في أمر ما ودعاك فقال لك: "يا فلان"، هل تنطبق عليه الآية السابقة؟ وأنه بموجبها قد أشركك بالله؟!
قطعًا لا، لأن معنى الآية: لا تدع إلها (غير الله) ترجو النفع منه ودفع الضر، فلا ضار ولا نافع في الحقيقة إلا الله، ولكن لا تعنى أن لا تنادي أحدا غير الله من الناس تنتفع به وتدفع به الضر بإذن الله ومشيئته.
فعبارة (من دون الله) هي للكفار والمشركين الذين يعبدون غير الله، أما المسلم فكل أمره (بإذن الله) وليس (من دون الله)، وشتان ما بين الإثنين، قال تعالى على لسان عيسى عليه السلام:
(إنِّى أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ) [سورة آل عمران: 49]
كله بإذن الله وليس من دون الله لأن الله هو المحيي حقيقة وهو الشافي حقيقة.
أما كمثال على تحريف المعنى في السنة المطهرة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها لا ينقص ذلك من أجورهم شيء) الحديث، والسنة هي أن تسن عملا لم يسبقك عليه أحد، فعندما كرهوا هذا المعنى الواضح لأنه حجة عليهم ويوافق مفهوم البدعة الحسنة عند جماهير أهل العلم، حرفوه فقالوا بل المعنى: (من أحيا سنة ميتة)، لكنهم نسوا أن تمامة الحديث (ومن سن في الإسلام سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيء) فهل في الإسلام سنة سيئة يحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحييها؟! فظهر تحريفهم للمعنى.
أما تحريفهم لمعنى كلام الخصم فأمثلته كثيرة جدا جدا، ومعلوم أن اللغة حمالة أوجه، والمجاز فيها واسع جدًا، وأن الكلام ينبغي أن يفهم على مراد المتكلم وليس على مراد السامع، لأن الغرض من الكلام أصلًا هو التعبير عن معنى أراده المتكلم، وعندما قال الشيخ البرعي رحمه الله تعالى: (أعبد إلهك يوت) زعموا أن للشيخ إلها واسمه (يوت)، والكل يعرف أن كلمة (يوت) كلمة عامية تعني (دائمًا) فيكون المعنى: (اعبد إلهك دائمًا).
الكل يعرف أن اللغة العربية غنية بالمجاز والاستخدامات الخفية لأغراض شتى منها تجنب الكذب، ومنها المزاح الصادق ومنها التعريض بغرض التنبيه والوعظ والتوبيخ، وغيرها. أما تجنب الكذب فكقوله صلى الله عليه وسلم: (نحن من ماء) فهل ماء اسم قبيلة؟! أم الماء المعروف: (وجعلنا من الماء كل شيء حي)؟!
وأما المزاح الصادق فكقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة عجوز) يعني أن الناس يعودون إلى الشباب في الآخرة فيدخلون الجنة شبابا. ومن ذلك أيضًا عبارات كثيرة نسبت للصوفية بعضها صحيح وبعضها مدسوس، ومن أمثلة ما اشتهر بين الناس قول أحدهم:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا *** وما الله إلا رهب في كنيسة
هذا نقد ساخر، يشبه الكاريكاتير في هذا العصر، وهو رسالة نقدية عميقة لمجتمع عصره يقصد منها أن التكالب على الدنيا والحرص عليها ورمز له بالكلب، وعلى ملذاتها ورمز له بالخنزير، هو إله الناس في عصره، أي شغلهم الشاغل. وأن الله بات عندهم كراهب في كنيسة، لا يُقصد إلا عند الكرب والشدائد.
ومنها أيضًا عبارة: (خضنا بحرًا وقف الأنبياء بساحله)، فمعلوم أن الساحل هو الشاطئ البعيد كما قال تعالى: (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) [سورة طه: 39] أي إقذفيه بشاطئ اليم يلقه اليم بالساحل أي بالشاطئ البعيد. إذًا فمعنى العبارة: (أن الأنبياء هناك والأولياء هنا وبينهما بحر)، لأن مقام الولاية لا يدرك مقام النبوة أبدًا، وغير ذلك من العبارات المشهورة.
والأولى إذا التبس معنى في عبارة نسبت لمسلم منتسب للدين والصلاح، أن نحملها على أحسن محمل ولا نسارع للفهم السيء كما وعظنا الله تعالى في حادثة الإفك فقال تبارك وتعالى:
(لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) [سورة النور: 12]
وأن نسأل المتكلم عن مراده إذا أشكل علينا فهم معنى كلامه، بدل أن نفهمه كما نهوى ونريد فهذا بهتان، فإن كان المتكلم غائبًا أو ميتًا سألنا من يعرفه أو ينوب عنه.
وهذه الحيلة هي من أوسع الأبواب التي يضللون بها البسطاء فكن على حذر من ذلك.
3. تصيد عثرات الخصم والطعن فيه والسخرية منه والاستهزاء به وسبه بأقذع السباب ليكون مهينا عند الحضور ومشوهًا في أذهانهم، وكلها أساليب إرهاب نفسية لا علاقة لها بالحجة والبرهان، ولا بهذا الدين السمح الذي يحرم البهتان والغيبة والسخرية من الناس والفحش والبذاءة والفجور في الخصومة. فالمؤمن ليس بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء، ولا تحل له السخرية ولا الغيبة ولا تتبع عورات الناس وإحصاء عثراتهم وزلاتهم. فإن وقع خلاف بين مسلمَين فليس أفضل من إخلاص النية، والتناصح بالمعروف والجدال بالتي هي أحسن، فهكذا كان السلف الصالح.
4. تعمد تجاهل النية. معلوم أن الأعمال بالنيات، ولا قيمة لأي عمل إلا بنيته، لذلك نجد أن النية تكون أول شرط صحة في أي عبادة، فمن جاهد ليقال شجاع لم يكن جهاده مقبولًا عند الله تعالى لأن نيته لم تكن الجهاد في سبيل الله وإنما ثناء الناس. ومع محورية النية في عمل المسلم فإن فرق الخوارج تتعمد تجاهلها فتحكم على أعمال العباد بالظاهر، فتذكر للحضور مثلًا ظاهر الأعمال وتفسرها وتحكم عليها بمعزل عن اعتبار نية الفاعل، فيقع البسطاء فريسة لهذه الحيلة الخبيثة. وعندما أجاب سيدنا عمار بن ياسر رضي الله عنهما المشركين لطلبهم تحت وطأة التعذيب لم يكفر بذلك، بل قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن عادوا فعد) لأنه قال ما قال مكرها ولم يكن يقصده، فأنزل الله في حقه قرءانًا يتلى، فقال تعالى: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان). وعندما قال صاحب الضالة من شدة الفرح: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك) لم يكفر، لأنه لم يكن يعني ظاهر ما قال.
5. الكذب، وهو منتشر جدا في أوساطهم، ويتهمون بعضهم البعض به كثيرا، ويثبتون كذب بعضهم بعض بالتسجيلات الصوتية والمرئية. لكنهم يوظفون الكذب في خطابهم الديني للنيل من الخصم ورميه بأمور باطلة تنفر الناس عنه كالتشيع أو التعامل بالسحر والكهانة، أو النصب والاحتيال .. إلخ بدون أن يكون عندهم دليل على افترائهم هذا.
6. التدليس على الناس وهو إخفاء الحق وهم يعلمون، فيذكرون مثلا قصصا غريبة وشاذة وردت في كتب طبقات ود ضيف الله مثلا أو في كتاب طبقات الشعراني وهم يعلمون أن ما في هذه الكتب لم يروَ بالإسناد للتحقق من وصحته، فلا يجوز الإحتجاج به، وأن هذه الكتب قد تواترت الأخبار أنه جرى عليها دس وتحريف، ومع ذلك يضللون العوام بما فيها من بواطيل وهم يعلمون.
كذلك هم يعلمون مثلًا أن الحركة الوهابية لا علاقة لها بعصر السلف لأنها ظهرت في القرن الثاني عشر الهجري، وأن السلف هم أصحاب القرون المفضلة الثلاثة الأولى، لكنهم يدلسون على البسطاء في ذلك، ولا يبينون لهم تواريخ وفاة علمائهم حتى يظل البسطاء على ظنهم أن ابن باز وابن عثيمين والألباني ومحمد بن عبد الوهاب وابن القيم وابن تيمية من علماء السلف، وهم في الحقيقة من المتأخرين والمتأخرين جدًا ولا علاقة لهم بعصر السلف البتة، ومع ذلك تراهم ينسبون أنفسهم إلى السلف وهم أبعد الناس من أخلاق السلف وعلمهم وعملهم وأدبهم وخشيتهم.
ومن أمثلة التدليس أيضا المشهورة في خطابهم التضليلي إخفاء رأي الأئمة الأربعة وجمهور أهل العلم من السلف والخلف، وإظهار رأي مشائخهم وكأنه هو الرأي الوحيد في المسألة، وازدراء مخالفيهم من جمهور أهل العلم إن اعترض عليهم معترض بقول أحدهم، يزدرون به حتى لو كان صاحب الرأي المخالف من أجل علماء المسلمين الذين تلقتهم الأمة بالقبول.
7. يظهرون للناس من العامة والبسطاء أنهم أتباع الدليل، متى ما وجدوه فهم أهله وأحق الناس به، لكن هذا الزعم الكاذب يفتضح بجلاء في النصوص التي تخالف فهمهم، فتراهم يجتهدون وسعهم في تضعيفها أو تحريفها، أو يفسرونها بما يوافق رأيهم، ضاربين بعرض الحائط كلام المفسرين وشراح السنة. وعندما يقال لهم إن الإمام فلان قال كذا فيرد عليك: (أقول لك قال الله، أو قال رسول الله وتقول لي قال فلان؟!) وهم الحقيقة يقدمون فهمهم للنص على فهم الإمام الذي خالفهم لكن العامي البسيط لا ينتبه لذلك.
وبالجملة فإن هذه من الحيل الخبيثة التي تستخدمها الجماعات المتطرفة والتكفيرية في استقطاب البسطاء من العوام وخداعهم باسم الدين، ومن أشهر من يجيدون استخدام هذا الحيل:
👎 محمد سيد حاج
👎 محمد مصطفى عبد القادر
👎 شهاب عوض
👎 أبو بكر آداب
👎 مزمل فقيري
وغيرهم من دعاة الضلال.
🌷🌷🌷
البسطاء الذين يستمعون لهؤلاء المرتزقة لا يدرون أنهم دعاة على أبواب جهنم، وأنهم يتاجرون بخداعهم هذا، فيقبضون الثمن من سفارات الدول الراعية لهذا الفكر الهدام على النشاط المحموم في استقطاب هؤلاء المساكين، إنه نشاط بالإنتاج، كلما تكلمت أكثر وأغويت أكثر كلما نلت مالًا أكثر. ولا أظنك تجد وهابيا فقيرًا إلا إن كان لا يحسن الخدمة، ولا عفيفًا نزيهًا إلا حديث عهد، ولا كريمًا، ولا خلوقًا، بل أغلب الظن تجده بذيئًا وحقودًا وحسودًا، يحب الشهوات من المال والنساء والطعام والنوم. تمعن فيمن تعرف، تجدهم كذلك.
📩 لا تدعها تقف عندك فالدال على، فالدال على الخير كفاعله
كل من يحضر أو يستمع لأحد دعاة التكفير بمسمياتهم المختلفة، -وهابية، سلفية، سرورية، جامية، دواعش، تكفير وهجرة، .. إلخ- في أي منبر من المنابر، في حلقة، في الراديو، في التلفزيون، في مقاطع الفيديو، إلخ، يلاحظ أنهم يخدعون فريستهم من العامة والبسطاء بحيل ماكرة نلخص لكم بعضها في التالي:
1. الأسلوب الدرامي، فيوظفون قدراتهم الدرامية التمثيلية في إضفاء جو من الحماسة والإنبهار على الحاضرين، والتشدق والتفيقه لتصوير المتحدث على أنه متمكن ومستوثق مما يقول، فيذكر بعض الآيات مثلًا بالرقم ولا يحفظ إلا أرقام آيات معينة يوظفها دائمًا في كلامه، ويذكر أرقام صفحات معينة من كتاب برقم الصفحة ولا يحفظ شيئا عن بقية الصفحات من نفس الكتاب، وغيرها من الحيل الخبيثة ليوهم المتلقي البسيط أنه يحفظ الكتاب عن ظهر قلب. وقد يلعب دور الجرأة أو التحدي أو الوعيد لإيهام فريسته من الحضور أنه على حق وأن خصمه على باطل، وقد سبقهم الكفار والمنافقون إلى ذلك الأسلوب الخبيث لكن الله بينه في كتابه العزيز فقال جل وعلا: (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [سورة اﻷنفال: 32]
ورغم هذا التحدي السافر فإن الله العلي، القدير، الجبار، المنتقم، القوي، العزيز، لم يمطر عليهم حجارة من السماء كما تحدوه، ليس لعجزه جل وعلا، لكن لحكمة يعلمها، صرح بها لأولي الألباب فقال في الآية التالية: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [سورة اﻷنفال: 33].
نعم يجيدون هذا التمثيل الدرامي ويوظفونه ببراعة في إضلال الناس. وقد اعترفوا مؤخرًا أنهم كانوا يزرعون بعضهم في الحضور يتخللونهم في المحاضرات والدروس فيسألون أسئلة متفق عليها فيجيب المحاضر بأجوبة متفق عليها ويكون الضحية هم الحضور البسطاء.
بل ويأدون تمثيليات كاملة في بعض المساجد العامة، فيأتي اثنان منهم أحدهم متنكر كصوفي فيقدم درسًا ثم يقوم له زميله على أساس أنه وهابي فينقد كلام الأول، ثم يرجع الأول ويقر بأنه كان على باطل وأنه تائب من التصوف وغير ذلك من أنواع الدراما الرخيصة لكنها تنطلي على البسطاء الذين لا يتصورون ذلك.
2. تحريف معنى الكلام ليوافق مرادهم، سواء أكان ذلك في القرءان الكريم أو في السنة المطهرة أو في كلام الخصم. على سبيل المثال لا الحصر، معلوم أن عبارة (من دون الله) معناها (غير الله)، وقد وردت كثيرًا في القرءان الكريم لوصف الكفار والمشركين من عبدة الأصنام والأوثان والملائكة والجن البشر، كالنصارى الذين عبدوا المسيح عليه السلام وأمه. فلا يمكن أن تسحب الآيات التي وردت فيها هذه العبارة على من يؤمن بالله تعالى ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله!!! سبحانك هذا بهتان عظيم!
قال تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) [سورة اﻷنعام: 108]
أي لا تسبوا الذين يدعون (غير الله) فيسبوا (الله) كرد فعل، فهل هناك مسلم يسب الله لتنزل عليه مثل هذه الآيات؟!
بل حتى مشركي أهل الكتاب ممن عبد عزيرًا وعيسى عليهما السلام لن يسبوا الله عز وجل لو سببت عزيرًا أو عيسى، فضلًا عن أن يسبه مسلم يؤمن بالله.
هذه نقطة دقيقة جدا، وهي أهم محور يستخدمونه في خداع الحاضرين لتسويغ تكفير الناس واتهامهم بالشرك.
لذلك تجد كل آياتهم التي يستدلون بها على تكفير المسلمين الموحدين تستند على هذه الحيلة الخبيثة، فعلى سبيل المثال قوله تعالى:
(وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ۖ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ) [سورة يونس: 106]
والدعاء بمعنى النداء، فهل لو ناداك والدك لتساعده في أمر ما ودعاك فقال لك: "يا فلان"، هل تنطبق عليه الآية السابقة؟ وأنه بموجبها قد أشركك بالله؟!
قطعًا لا، لأن معنى الآية: لا تدع إلها (غير الله) ترجو النفع منه ودفع الضر، فلا ضار ولا نافع في الحقيقة إلا الله، ولكن لا تعنى أن لا تنادي أحدا غير الله من الناس تنتفع به وتدفع به الضر بإذن الله ومشيئته.
فعبارة (من دون الله) هي للكفار والمشركين الذين يعبدون غير الله، أما المسلم فكل أمره (بإذن الله) وليس (من دون الله)، وشتان ما بين الإثنين، قال تعالى على لسان عيسى عليه السلام:
(إنِّى أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ) [سورة آل عمران: 49]
كله بإذن الله وليس من دون الله لأن الله هو المحيي حقيقة وهو الشافي حقيقة.
أما كمثال على تحريف المعنى في السنة المطهرة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها لا ينقص ذلك من أجورهم شيء) الحديث، والسنة هي أن تسن عملا لم يسبقك عليه أحد، فعندما كرهوا هذا المعنى الواضح لأنه حجة عليهم ويوافق مفهوم البدعة الحسنة عند جماهير أهل العلم، حرفوه فقالوا بل المعنى: (من أحيا سنة ميتة)، لكنهم نسوا أن تمامة الحديث (ومن سن في الإسلام سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيء) فهل في الإسلام سنة سيئة يحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحييها؟! فظهر تحريفهم للمعنى.
أما تحريفهم لمعنى كلام الخصم فأمثلته كثيرة جدا جدا، ومعلوم أن اللغة حمالة أوجه، والمجاز فيها واسع جدًا، وأن الكلام ينبغي أن يفهم على مراد المتكلم وليس على مراد السامع، لأن الغرض من الكلام أصلًا هو التعبير عن معنى أراده المتكلم، وعندما قال الشيخ البرعي رحمه الله تعالى: (أعبد إلهك يوت) زعموا أن للشيخ إلها واسمه (يوت)، والكل يعرف أن كلمة (يوت) كلمة عامية تعني (دائمًا) فيكون المعنى: (اعبد إلهك دائمًا).
الكل يعرف أن اللغة العربية غنية بالمجاز والاستخدامات الخفية لأغراض شتى منها تجنب الكذب، ومنها المزاح الصادق ومنها التعريض بغرض التنبيه والوعظ والتوبيخ، وغيرها. أما تجنب الكذب فكقوله صلى الله عليه وسلم: (نحن من ماء) فهل ماء اسم قبيلة؟! أم الماء المعروف: (وجعلنا من الماء كل شيء حي)؟!
وأما المزاح الصادق فكقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة عجوز) يعني أن الناس يعودون إلى الشباب في الآخرة فيدخلون الجنة شبابا. ومن ذلك أيضًا عبارات كثيرة نسبت للصوفية بعضها صحيح وبعضها مدسوس، ومن أمثلة ما اشتهر بين الناس قول أحدهم:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا *** وما الله إلا رهب في كنيسة
هذا نقد ساخر، يشبه الكاريكاتير في هذا العصر، وهو رسالة نقدية عميقة لمجتمع عصره يقصد منها أن التكالب على الدنيا والحرص عليها ورمز له بالكلب، وعلى ملذاتها ورمز له بالخنزير، هو إله الناس في عصره، أي شغلهم الشاغل. وأن الله بات عندهم كراهب في كنيسة، لا يُقصد إلا عند الكرب والشدائد.
ومنها أيضًا عبارة: (خضنا بحرًا وقف الأنبياء بساحله)، فمعلوم أن الساحل هو الشاطئ البعيد كما قال تعالى: (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) [سورة طه: 39] أي إقذفيه بشاطئ اليم يلقه اليم بالساحل أي بالشاطئ البعيد. إذًا فمعنى العبارة: (أن الأنبياء هناك والأولياء هنا وبينهما بحر)، لأن مقام الولاية لا يدرك مقام النبوة أبدًا، وغير ذلك من العبارات المشهورة.
والأولى إذا التبس معنى في عبارة نسبت لمسلم منتسب للدين والصلاح، أن نحملها على أحسن محمل ولا نسارع للفهم السيء كما وعظنا الله تعالى في حادثة الإفك فقال تبارك وتعالى:
(لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) [سورة النور: 12]
وأن نسأل المتكلم عن مراده إذا أشكل علينا فهم معنى كلامه، بدل أن نفهمه كما نهوى ونريد فهذا بهتان، فإن كان المتكلم غائبًا أو ميتًا سألنا من يعرفه أو ينوب عنه.
وهذه الحيلة هي من أوسع الأبواب التي يضللون بها البسطاء فكن على حذر من ذلك.
3. تصيد عثرات الخصم والطعن فيه والسخرية منه والاستهزاء به وسبه بأقذع السباب ليكون مهينا عند الحضور ومشوهًا في أذهانهم، وكلها أساليب إرهاب نفسية لا علاقة لها بالحجة والبرهان، ولا بهذا الدين السمح الذي يحرم البهتان والغيبة والسخرية من الناس والفحش والبذاءة والفجور في الخصومة. فالمؤمن ليس بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء، ولا تحل له السخرية ولا الغيبة ولا تتبع عورات الناس وإحصاء عثراتهم وزلاتهم. فإن وقع خلاف بين مسلمَين فليس أفضل من إخلاص النية، والتناصح بالمعروف والجدال بالتي هي أحسن، فهكذا كان السلف الصالح.
4. تعمد تجاهل النية. معلوم أن الأعمال بالنيات، ولا قيمة لأي عمل إلا بنيته، لذلك نجد أن النية تكون أول شرط صحة في أي عبادة، فمن جاهد ليقال شجاع لم يكن جهاده مقبولًا عند الله تعالى لأن نيته لم تكن الجهاد في سبيل الله وإنما ثناء الناس. ومع محورية النية في عمل المسلم فإن فرق الخوارج تتعمد تجاهلها فتحكم على أعمال العباد بالظاهر، فتذكر للحضور مثلًا ظاهر الأعمال وتفسرها وتحكم عليها بمعزل عن اعتبار نية الفاعل، فيقع البسطاء فريسة لهذه الحيلة الخبيثة. وعندما أجاب سيدنا عمار بن ياسر رضي الله عنهما المشركين لطلبهم تحت وطأة التعذيب لم يكفر بذلك، بل قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن عادوا فعد) لأنه قال ما قال مكرها ولم يكن يقصده، فأنزل الله في حقه قرءانًا يتلى، فقال تعالى: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان). وعندما قال صاحب الضالة من شدة الفرح: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك) لم يكفر، لأنه لم يكن يعني ظاهر ما قال.
5. الكذب، وهو منتشر جدا في أوساطهم، ويتهمون بعضهم البعض به كثيرا، ويثبتون كذب بعضهم بعض بالتسجيلات الصوتية والمرئية. لكنهم يوظفون الكذب في خطابهم الديني للنيل من الخصم ورميه بأمور باطلة تنفر الناس عنه كالتشيع أو التعامل بالسحر والكهانة، أو النصب والاحتيال .. إلخ بدون أن يكون عندهم دليل على افترائهم هذا.
6. التدليس على الناس وهو إخفاء الحق وهم يعلمون، فيذكرون مثلا قصصا غريبة وشاذة وردت في كتب طبقات ود ضيف الله مثلا أو في كتاب طبقات الشعراني وهم يعلمون أن ما في هذه الكتب لم يروَ بالإسناد للتحقق من وصحته، فلا يجوز الإحتجاج به، وأن هذه الكتب قد تواترت الأخبار أنه جرى عليها دس وتحريف، ومع ذلك يضللون العوام بما فيها من بواطيل وهم يعلمون.
كذلك هم يعلمون مثلًا أن الحركة الوهابية لا علاقة لها بعصر السلف لأنها ظهرت في القرن الثاني عشر الهجري، وأن السلف هم أصحاب القرون المفضلة الثلاثة الأولى، لكنهم يدلسون على البسطاء في ذلك، ولا يبينون لهم تواريخ وفاة علمائهم حتى يظل البسطاء على ظنهم أن ابن باز وابن عثيمين والألباني ومحمد بن عبد الوهاب وابن القيم وابن تيمية من علماء السلف، وهم في الحقيقة من المتأخرين والمتأخرين جدًا ولا علاقة لهم بعصر السلف البتة، ومع ذلك تراهم ينسبون أنفسهم إلى السلف وهم أبعد الناس من أخلاق السلف وعلمهم وعملهم وأدبهم وخشيتهم.
ومن أمثلة التدليس أيضا المشهورة في خطابهم التضليلي إخفاء رأي الأئمة الأربعة وجمهور أهل العلم من السلف والخلف، وإظهار رأي مشائخهم وكأنه هو الرأي الوحيد في المسألة، وازدراء مخالفيهم من جمهور أهل العلم إن اعترض عليهم معترض بقول أحدهم، يزدرون به حتى لو كان صاحب الرأي المخالف من أجل علماء المسلمين الذين تلقتهم الأمة بالقبول.
7. يظهرون للناس من العامة والبسطاء أنهم أتباع الدليل، متى ما وجدوه فهم أهله وأحق الناس به، لكن هذا الزعم الكاذب يفتضح بجلاء في النصوص التي تخالف فهمهم، فتراهم يجتهدون وسعهم في تضعيفها أو تحريفها، أو يفسرونها بما يوافق رأيهم، ضاربين بعرض الحائط كلام المفسرين وشراح السنة. وعندما يقال لهم إن الإمام فلان قال كذا فيرد عليك: (أقول لك قال الله، أو قال رسول الله وتقول لي قال فلان؟!) وهم الحقيقة يقدمون فهمهم للنص على فهم الإمام الذي خالفهم لكن العامي البسيط لا ينتبه لذلك.
وبالجملة فإن هذه من الحيل الخبيثة التي تستخدمها الجماعات المتطرفة والتكفيرية في استقطاب البسطاء من العوام وخداعهم باسم الدين، ومن أشهر من يجيدون استخدام هذا الحيل:
👎 محمد سيد حاج
👎 محمد مصطفى عبد القادر
👎 شهاب عوض
👎 أبو بكر آداب
👎 مزمل فقيري
وغيرهم من دعاة الضلال.
🌷🌷🌷
البسطاء الذين يستمعون لهؤلاء المرتزقة لا يدرون أنهم دعاة على أبواب جهنم، وأنهم يتاجرون بخداعهم هذا، فيقبضون الثمن من سفارات الدول الراعية لهذا الفكر الهدام على النشاط المحموم في استقطاب هؤلاء المساكين، إنه نشاط بالإنتاج، كلما تكلمت أكثر وأغويت أكثر كلما نلت مالًا أكثر. ولا أظنك تجد وهابيا فقيرًا إلا إن كان لا يحسن الخدمة، ولا عفيفًا نزيهًا إلا حديث عهد، ولا كريمًا، ولا خلوقًا، بل أغلب الظن تجده بذيئًا وحقودًا وحسودًا، يحب الشهوات من المال والنساء والطعام والنوم. تمعن فيمن تعرف، تجدهم كذلك.
📩 لا تدعها تقف عندك فالدال على، فالدال على الخير كفاعله