الجمعة، 12 مايو 2017

هل تارك الصلاة كافر؟‼

في البداية إن مهمل صلاته والمتهاون فيها والمتكاسل ما كان ينبغي بالأساس أن يسمى (تاركًا للصلاة) إلا اصطلاحًا، لأن عبارة (تَرَك فلان الشيء) تعني انصرف عنه أو صرف النظر عنه، وبمعنى خلاه أو تخلى عنه، وبمعنى فارقه، ومنه تركة الميت أي ميراثه الذي فارقه وخلاه إلى غير رجعة كما قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ)، أي فارقه إلى غير رجعة، وهذا المعنى كثير في القرءان الكريم كما في قوله تعالى: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا)، وقوله تعالى: (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا)، وقوله تعالى: (وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ)، وقوله تعالى: (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَ يُبْصِرُونَ)، وغيره كثير. فالترك من معانيه الظاهرة المفارقة إلى غير رجعة، والراوي المتروك مثلًا لا يُرجع إلى الرواية عنه مطلقًا، ولذا فالترك لا يصف حال المهمل صلاته، الذي يضيعها بالتكاسل والتهاون، فيصلي حينًا ويتكاسل عنها حينًا، لكن الترك يناسب من يهجرها  جحودا وردة كالملاحدة أعاذنا الله تعالى. لذلك فقوله صلى الله عليه وسلم: (فمن تركها) فمحمول على من فارقها إلى غير رجعة جحودا وإنكارًا، وهذا الذي يتسق مع  النصوص الشرعية الأخرى ذات العلاقة.
              🌺🌷🌷🌷🌺
وهذا التفصيل الشرعي مهم لمعرفة حال تارك الصلاة تمهيدًا لنصحه، فالدعوة إلى الله مشروطة بالحكمة والموعظة الحسنة كما قال تعالى:
(ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [سورة النحل: 125]
             🍃🌸🌸🌸🍃
إن التهاون في الصلاة إثم عظيم وكبيرة من الكبائر، فالصلاة هي الركن الأول بعد الشهادتين، وهي عماد هذا الدين، وهي من أحب الأعمال إلى الله تعالى وأعظمها، وأوثق  صلة فعلية بالله في اليوم والليلة، والتهاون فيها إثم عظيم ومغضبة لله تبارك وتعالى كما قال في كتابه الحكيم:
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [سورة مريم: 59]

ولحكم تاركها وجهان:
١/ جحودًا وإنكارًا فهذا كافر مرتد باتفاق العلماء، ويلحق بذلك الحكم من تركها في الصدر الأول والنبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم، والصحابة والخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم متوافرون، وذلك لأن العصر النبوي والقرن الأول الهجري هو أفضل عصور الإسلام، فالدين في أشده والدعوة في أوجها، فمن تهاون في الصلاة في ذلك العصر فهو بلا شك منافق كافر. ولا يخفى أن تاركها في الصدر الأول ليس كالمتهاون فيها اليوم بعد 1400 عامًا، وقد ضعف بريق الرسالة، وقل الإلتزام، وتراجعت التربية الإسلامية.

٢/تهاونا، وتكاسلا وجهلًا فمذهب الجمهور أنه لا يكفر، وهذا مذهب الشافعية والحنفية ومالك، ورواية عن الإمام أحمد، وذكر الإمام النووي في المجموع أنه مذهب الأكثرين من السلف والخلف، أنه لا يكفر بترك الصلاة تهاونًا.
واستدلوا على ذلك بأدلة قوية:
▪الدليل الأول: حديث (إن شاء عذبه وإن شاء غفر له) فعن عبادة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خمس صلوات افترضهن الله على العباد، من أداهن وصلاهن بركوعهن وخشوعهن ووضوئهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن لم يفعله لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له )، والحديث رواه أصحاب السنن، وقال النووي في المجموع: رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة، فهو حديث صحيح، وفيه قوله: (ومن لم يفعل لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له)، والكافر لا يغفر الله له.

▪الدليل الثاني: عموم أحاديث الرجاء كقوله صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه دخل الجنة)، ومنها: ما رواه مسلم في صحيحه: (من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة)، فلم يشترط لدخول الجنة شيئًا آخر غير الشهادتين، فقالوا: إنه لم يشترط لذلك الصلاة ولا غيرها، فدل على أن تارك الصلاة تهاونًا لا يكفر وأنه استحق دخول الجنة بالشهادتين.

▪الدليل الثالث: نجاة قائلي (لا إله إلا الله) مع عدم علمهم بالصلاة، فقد روى ابن ماجة وغيره عن حذيفة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يدرى ما صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا نسك، وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، ويبقى الشيخ والعجوز يقولون: لا إله إلا الله، أدركنا آباءنا يقولونها فنحن نقولها. فقال صلة بن زفر -أحد رواة الحديث- لـحذيفة: يا حذيفة! ما تنفعهم: لا إله إلا الله؟! فسكت، فأعادها عليه ثلاثًا فقال حذيفة رضي الله عنه: يا صلة! تنجيهم من النار)، والحديث رواه ابن ماجة، وقال الحافظ البوصيري: "إسناده صحيح رجاله ثقات"، وقوى إسناده الحافظ ابن حجر، فهو سند صحيح، وفيه قول حذيفة رضي الله عنه: (تنجيهم من النار)، يعني مع أنهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا نسك، فدل هذا على أن تارك الصلاة جاهلًا أو متهاونًاولا يكون بذلك كافرًا.

▪الدليل الرابع: حملوا ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وما شابهه من نصوص على الجحود والإنكار والنفاق لمعارضتها النصوص الثابتة أعلاه، ولأن الترك يعني المفارقة إلى غير رجعة وهذا لا يكون حال المتهاون أو الجاهل.

المفارقات العجيبة في الدعوة الوهابية

من المفارقات العجيبة في الدعوة الوهابية، الشكل المعاصر للخوارج، والتي كفر مؤسسها كل أهل الجزيرة العربية تقريبًا إلا من تبعه، تكفيرًا عامًا وتكفير لمعينين، وأدعى عليهم بالشرك وعبادة غير الله عز وجل، وقالتهم ونكل بهم. ويرى أنصاره اليوم أنه إمام مجدد وأنه كان محقًا في دعوته، معيدًا للتوحيد رايته وللإسلام مجده، وبعيدًا عن الخلفيات السياسية ذات العلاقة بتأسيس هذه الحركة، والصراع بين الإمبراطوريتين الإسلامية والبريطانية آنذاك، نجد أن هنالك استغفال عظيم وقفز رهيب على أمور أولية! خاصة عندما تقرأ تاريخ نجد لابن بشر أو ابن غنام، وأنهم كيف كانوا يعاملون المسلمين آنذاك معالمة المشركين الكفار على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أنهم كانوا يطلقون إسم (مسلمين) على أنفسهم فقط، أما غيرهم فمشركون يجوز قتلهم إذا لم يدخلوا في الدعوة الوهابية، ويجوز سبي نسائهم، وسلب ممتلكاتهم كغنائم، وتخريب زرعهم، والتنكيل بهم وما إلى ذلك.

المفارقة العجيبة الأولى في أن محمد بن عبد الوهاب هذا ليس نبيًا! وليس رسولًا! وليس معصومًا! وليس مؤيدًا بوحي من السماء كالنبي صلى الله عليه وسلم! فكيف له أن يتقمص شخصية النبي الرسول المعصوم المؤيد من السماء بالوحي ليحكم على الناس بالشرك والكفر ثم يستحل دمائهم وعروضهم وأموالهم، ويسمى قتالهم غزوات؟!!! من أين أعطى نفسه هذه القداسة والعصمة الرسالية؟! أليس وارد أنه كان على خطأ؟! وأن خصومه على صواب؟! هل هو معصوم؟! هل ينزل عليه جبريل عليه السلام بالوحي؟ هل يرى في منامه رؤيا الأنبياء؟! هو بشر عادي، وقدراته أكثر من عادية، بل وروي أن أهله كانوا يتوسمون فيه الزيغ والضلال والإنحراف في الرأي! بل ويعترف على نفسه بالبلادة والغباء عندما يقول: (لقد طلبت العلم واعتقد من عرفني أن لي معرفة وأنا ذلك الوقت لا أعرف معني لا إله إلا الله ولا أعرف دين الإسلام) يعني كالحمار يحمل أسفارًا، ثم يقول: (ولا أعرف دين الإسلام قبل هذا الخبر الذي منَّ الله به) هل هبط بهذا الخبر جبريل عليه السلام؟! هل كلمك الله كفاحًا به؟! هو فهم لمسألة من مسائل الدين الخطأ فيها وارد جدًا، ثم يقول: (وكذلك مشايخي ما منهم رجل عرف ذلك، فمن زعم من علماء العارض أنه عرف معنى لا إله إلا الله أو عرف معنى الإسلام قبل هذا الوقت أو زعم عن مشايخه أن أحدا عرف ذلك فقد كذب وافترى) هل لأنهم لم يوافقوك الرأي فهذا يعني أنهم لا يعرفون معني لا إله إلا الله ومعنى الإسلام؟! ألا يجوز -بل هو الحق لأنك لا تدري وأنت تطلب العلم الصواب من الخطأ- أنك أنت الذي لم تزل لا تعرف معنى لا إله إلا الله؟! ما الذي يجعل فهمك صحيح وفهمهم خطأ؟! بل وأين فهمك أنت في فهم كل من سبقك من الأئمة والعلماء المعتبرين؟! هل هو فهم جديد لنج ليس له حضور في تصانيف الثقات من علماء الأمة على مر العصور بما فيها عصرك؟!

هنا تلاحظون أنه يتحدث كأنه معصوم عن الخطأ والزلل، وأن غيره على ضلال، في حين أنه بشر عادي يجوز عليه الخطأ، بل هو على خطأ لا محالة كما سيتبين لاحقًا.

المفارقة العجيبة الثانية هي أن الناس الذين استهدفهم محمد بن عبد الوهاب بدعوته من أهل الجزيرة العربية ليسوا مشركين ولا كفارًا، بل مسلمون يشهدون الشهادتين، ويقيمون أركان الدين، ولا يختلفون كثيرًا عن غيرهم من المسلمين في أقطار المعمورة، في العراق وفي الشام وفي اليمن، وفي كل أرجاء الإمبراطورية الإسلامية! فكيف يجعلهم كالكفار الأوائل الذين ينكرون البعث والنشور وينكرون وجود الله عز وجل؟ أو يجعلهم كالمشركين الأوائل الذين لا يشهدون لله بالوحدانية أبدًا، ولهم آلهة، سواء أكانت أصنامًا أو أوثانًا، ومعترفووووووووووووووووووووون بأنهم يعبدون أصنامهم، أو يعبدون عيسى عليه السلام، أو عزيرًا عليه السلام، أو الملائكة، أو الجن، أو غير ذلك. ويعتقدون أن هذه آلهة مع الله عز وجل، وإعترافاتهم في ذلك وااااااضحة وصرررررريحة، يعني ما ناكرين ولا داسين المسألة، (قالوا [نعبد] أصنامًا فنظل لها عاكفين)، (قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوًا قبل هذا أتنهانا أن [نعبد] ما يعبد آباؤنا)، (قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما [يعبد] آباؤنا؟)، (ما [نعبدهم] إلا ليقربونا إلى الله زلفى)، (واذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ان هذا إلا اساطير الأولين) وغيرها، وكلها إعترافات صريحة بالكفر والشرك وعبادة غير الله!!! فكيف تساويهم بمن يشهد لله عز وجل بالوحدانية، ويصلي ويصوم ويزكي ويحج بيت الله عز وجل وغير ذلك من الشعائر؟! إن من كان يظهر الإسلام من المنافقين ويضمر الكفر كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم نفاقهم لكنه تستر عليهم ولم يحاكمهم بالنفاق، فكيف وأنت لست بنبي، ولا برسول، ولا بمعصوم، ولا بمؤيد بالوحي؟ تخرجهم من الملة وتنكل بهم مع ما يظهرونه من إسلام؟!!! ما هذه الجسارة؟!

وتبرير خطأئه، زعم أنهم يشهدون الشهادتين لكنهم يفعلون أفعالًا شركية، كالطواف بالقبور، ودعاء الأولياء، والذيح لهم، ... إلى غير ذلك. ومن قرر لك أن هذه أفعال شركية؟! طبعًا هو يتبنى تقسم ابن تيمية [للتوحيد] إلى ثلاث أقسام، وهي بدعة من البدع لم يسبقه إليها عالم معتبر من علماء السلف، ومن بين هذه الأقسام المبتدعة ما يعرف بتوحيد وشرك الإلهية أو الألوهية، وفهمه له أن تصرف عبادة لغير الله، لكن المعلوم بداهة أن أي عمل لا يكون عبادة إلا إذا كان بنية التعبد، وهذا في غاية البداهة لأن الأعمال بالنيات، فحتى لو صلت صلاة كاملة لكن خوفًا من الحاكم أو رياءًا فإن هذه الصلاة لا يمكن أن تكون عبادة صحيحة لأن نيتها مشوبة. فكيف له أن يجعل الطواف بالقبور ودعاء الأولياء والذبح لهم وغيرها أفعالًا شركية بدون ملاحظة النية عند العمل؟ فهذه الأفعال التي يسميها شركية، إذا فعلها الشخص على سبيل التعبد فهنا يكون قد جعل لله ندًا وشريكًا وآلهة تعبد من دون الله، لكن المسلمين لا يفعلون ذلك على سبيل التعبد، وإنما على سبيل التبرك، والتوسل، والأخذ بالأسباب!! فأيَّا كان اتفاقه معهم أو اختلافه فإنهم لا يمكن أن يكونوا مشركين لأسباب بسيطة جدًا، وهي أنهم:
- لا يفعون ذلك بنية العبادة
- ولا ينظرون إلى الأنبياء والأولياء كآلهة، بل يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فمعبودهم واحد، أما الإدعاء عليهم بقوله تعالى: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) فهؤلاء أولًا معترفون بعبادة غير الله (ما نعبدهم)، ثانيأ أنهم مشركوا أهل الكتاب، يدل على ذلك سياق الآيات وطبيعة الحال، فهم عبدة مريم وموسى عليه السلام، يظنون أنهم آلهة مع الله عز وجل، وأن عبادتهم لها تقربهم من الإله الأكبر، وهذه هي عقيدة الثالوث والعياذ بالله تعالى.
- لهم أدلتهم الشرعية من الكتاب والسنة التي تجيز لهم ذلك التبرك والتوسل والإستعانة والإستغاثة بالأحياء والأموات، القريبين والبعيدين، وأن ذلك لا يقدح في عقيدتهم طالما أنهم يؤمنون بأن القادر هو الله عز وجل وأنه يجري قدرته على خلقه، تمامًا مثلمًا يجري الشفاء على يد الطبيب، وأنه أمام قدرة الله عز وجل ليس هنالك حدود، ينفع بالحي وكما ينفع بالميت، يغيث بالحي كما يغيث بالميت، ولهم أدلتهم الشرعية في ذلك، وهي أدلة صحيحة ومعتبرة شرعًا.
- ولا يعترفون بأنهم أشركوا بالله شيئًا، بل إن قلبهم عامر بالتوحيد واعتقاد أن الله عز وجل هو الذي أكرم هؤلاء الأنبياء والأولياء بالبركة والصلاح والجاه عنده عز وجل والقدرة على نفع الناس بإذن الله، لقربهم منه!

وأيًا كان اتفاقه معهم في أدلتهم الشرعية، أو اختلافه فهل هم كالذين يثبتون لله الشريك والند، ويعترفون بعبادة غير الله لينزل عليهم آيات المشركين والكفار الأوائل؟!
ومن أين أتت القداسة لفهمه هو لنصوص الكتاب والسنة؟ والعصمة ليعتبر أنه مصيب في رأيه وأن غيره مخطئ لا محالة مشرك مرتد حلال المال والدم؟! ألا يجوز أنه مخطيء في ما ذهب إليه؟ بل هو كذلك!
فبغض النظر عن إتفاقه معهم أو اختلافه فإنه ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤيد بالوحي، المعصوم من الخطأ في الدين ليعتبر أنه محق وأنهم خطأ، لذلك فكان الأولى طالما أنهم استعصموا بأدلتهم الشرعية أن يتركهم وشأنهم وأمرهم إلى الله عز وجل.

المفارقة العجيبة الثالثة أن الإختلاف بين العلماء حاصل منذ قديم الزمان، من لدن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن عهد الصحابة رضوان الله عليهم، في كل مسائل الدين بما في ذلك العقيدة، وكان جُلُّ اختلافهم ليس في النص نفسه وبقدر ما كان في فهم النص، لأن الفهوم تتباين، ومع ذلك لم يصر طرف على حمل الطرف الآخر على رأيه، أقصى ما يفعله هو أن يبدي رأيه فإن قبل فذا، وإلا عذره، فلماذا هو يصر على أن الحق معه بما يخول له قتل خصمه؟! أمعصوم هو؟

المفارقة العجيبة الرابعة، ما الذي يجعل الأمة بكثرة علمائها المعتبرين على مر العصور أن تختزل الصواب في شخص أو شخصين أو ثلاثة؟! في محمد بن عبد الوهاب، وفي ابن تيمية الذي أخذ عنه محمد بن عبد الوهاب معظم تنظيراته، وابن القيم الذي تتلمذ على ابن تيمية!؟! أليست هذه مجازفة كبرى أن نرهن الأمة برأي أشخاص ليسو بأنبياء ولا رسلًا ولا معصومين ولا مؤيدين بالوحي السماوي؟ بل شاذون ومتفردون على جماهير أهل العلم من السلف والخلف؟!

مفارقات عجيبة، لا يقبلها المنطق السليم