الأربعاء، 21 مارس 2018

💞💕 نحن أولى بالأم من كل الأمم


عيد الأم كما تعلمون هو تظاهرة عالمية تلفت النظر إلى مكانة الأم وفضلها وقيمتها من منظور إنساني ووجداني، فهل نقف منها موقف المعارض؟! أم نؤيد الحق إذا وافق ونتأسى بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في عاشوراء؟ ففي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما دخل المدينة وجد اليهود يحتفلون بعاشوراء فسألهم عن ذلك، فقالوا له: (ذلك يوم نجى الله فيه موسى من فرعون)، فقال صلى الله عليه وسلم: (نحن أولى بموسى منكم)، فصام ذلك اليوم وأمر بصيامه، فلم يوافقهم فقط، بل جعلنا نحن الأمة المحمدية أولى بموسى عليه السلام من أمته في ذلك، لما في شريعتنا من استحباب تعظيم شعائر الله عز وجل والشكر على النعم.
🌹🌹🌹
نحن أولى في دين الله عز وجل من كل أمة أخرى بالأم وإكرامها والعناية والحفاوة بها لما دلت عليه وحضَّت الشريعة الغراء بما لا يحصى ولا يعد من النصوص، ففي الصحيحين جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أبوك)، وعن معاوية بن جاهمة رضي الله عنه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو، وقد جئت أستشيرك؟ فقال: "هل لك أم؟" قال: نعم، قال: "فالزمها فإن الجنة تحت رجليها"، وغير ذلك من التعاليم الإسلامية الراقية في حق الأم. ولئن حصل وغفل بعض المسملين عن حقها وانشغلوا عنها في فترات -لاختلاف الناس في درجة بر الوالدين- فالأحرى أن ننتبه إذا ذُكِّرنا ونؤوب إذا أخطأنا، وأن نتجاوز مظهر أن المناسبة من مبادرات الآخرين إلى جوهر أنها تصب في معنى البر والإكرام، فإن الحق إذا وافق فنحن أولى به، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم لم يخالف اليهود في الفرح بذكرى إنجاء الله موسى وبني إسرائيل من فرعون. والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.
💐💐💐
وشاهد آخر في حلف الفضول الذي كان بعد شهر من حرب الفجار وشهده النبي صلى الله عليه وسلم وعمره عندئذ عشرون عامًا، وكان الحلف لنصرة المظلوم وردع الظالم، وأنشد فيه شاعرهم:
إن الفضول تحالفوا وتعاقدوا ** ألا يقيم ببطن مكة ظالم
أمر عليه تعاهدوا وتواثقوا ** فالجار والمعتر فيهم سالم
فذكره النبي صلى الله عليه وسلم بعد البعثة وقال فيه:
«لقد شهدت مع عمومتي حِلفًا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت»
ولئن كانت المناسبة باسم الأم إلا أن موضوعها عندنا نحن المسلمين فعن الوالدين معًا لمكانتهما العظيمة في الإسلام، فقد قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)، وقال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا)، وقال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ)، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف)، قيل: من يا رسول الله؟ قال: (من أدرك أبويه عند الكبر: أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة)، وفي الصحيحين أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد، فقال: أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد. إنها مناسبة تنبه الغافل وتذكره بفضل والديه، أحياءً كانوا أو أمواتًا، فلعله يدرك بعض ما فاته من بر.
أفلا يحسن أن تكون هذه المناسبة يومًا نوسع فيه على الأهل وندخل عليهم السرور؟! ونشعر أمهاتنا وآبائنا بالحب والإمتنان ونشكرهم على ما قدموا ويقدموا؟! ونجدد العهد مع ربنا عز وجل في أن نعمل بوصيته التي وصانا ونسعى في حقهم ونعتني بهم ونكرمهم كما أمرنا الشرع الحنيف؟ ونضرب أمثلة عملية للنشء كيف نحتفل بذوي الفضل؟!
هناك من يقول إن الأم تستحق كل لحظة رعاية واهتمام ليس يومًا واحدًا في السنة، لكن هل هذا حقيقة أم مجرد إدعاء؟! هل تجد أمهاتنا حقيقية الرعاية والإهتمام كل لحظة؟! هل هذا هو الواقع؟! فمن كان هذا حاله وواقعه فإن في غنى عن مناسبة تذكره بفضل أمه، لكن الواقع يقول عكس ذلك، فمن الناس من لا ينتبه لفضل أمه إلا في مثل هذه المناسبات، ومن سماحة هذا الدين أنه لا يتعارض مع المناسبات التي تدعو للقيم السمحاء بل يؤيدها فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق).

🌿☘☘🌷☘☘🌿

السبت، 10 مارس 2018

هل كان ابن نوح عليه السلام الكافر من صلبه أم بالتبني؟!

‼هل كان ابن نوح عليه السلام الكافر من صلبه أم بالتبني؟!
▪الحمد لله الذي برأ  ذرية الأنبياء من الكفر تصديقًا لقوله تعالى: (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ)، قال قتادة: «بعضها من بعض في النية والعمل والإخلاص والتوحيد له»، وقال المفسرون: «في التناصر في الدين»، وقالوا أيضًا: «ذرية دينها على دين بعض»[تفسير البغوي]
▪كان لنوح عليه السلام أربعة أبناء، ثلاثة مؤمنون وهم "سام" و"حام" و"يافث"، وواحد كافر وهو "يام"، أما "يام" الكافر فلم يكن من صلبه كما قد يتبادر، بل كان ربيبه أي تبناه ورباه كما جاء عن جماعة من أهل التفسير منهم سيدنا علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه، وأبي جعفر بن علي، وعروة بن الزبير، والحسن البصري، ومجاهد، وعبيد بن عمير، وابن جريج، والشعبي والضحاك وغيرهم، فقد أخرج ابن جريج وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنه في وقوله (ونادى نوح ابنَهَ) قال: «هي بلغة طيئ، لم يكن ابنه وكان ابن امرأته»، واخرج ابن الأنباري في المصاحف وأبو الشيخ عن سيدنا علي رضي الله عنه وكرَّم الله وجهه أنه قرأ: (ونادى نوح ابنها)، وعن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال: «لم يكن ابنه، وإنما كان ابنَ امرأتِه»[غرائب التفسير للكرماني]، وهذا صريح من أمير المؤمنين وباب مدينة العلم سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه أنه ابن امرأته، وقال الحسن البصري: «كان ابن امرأته» وكان يحلف بالله أنه ليس ولده من صلبه. قال قتادة سألت الحسن عنه -يعني ابن نوح عليه السلام- فقال: «والله ما كان ابنه» فقلت: «إن الله حكى عنه أنه قال: (إن ابني من أهلي) وأنت تقول: ما كان ابنا له»، فقال: «لم يقل: إنه مني ولكنه قال من أهلي وهذا يدل على قولي»[أخرجه عبد الرزاق]، فإذا كان معنى (أهلي) الزوجة فالمعنى واضح كما ذكر الحسن، وإن معناه الأسرة فكيف يقال هو من أسرتي إن كان ولده من صلبه؟! هذا بعيد عن المراد لأن الولد بداهة هو من الأسرة. 
▪ كما أن كلمة (ابن) لا تقتضي دائما الولد، فقد تطلق مجازُا على الحفيد وابن الأخ وابن الأخت كما قال رسول الله ﷺ عن حفيده سيدنا الحسن رضي الله عنه: «إن ابني هذا سيِّد»[رواه البخاري]، وقد تطلق أيضًا على الربيب بالتبني كما كان يقال لسيدنا زيد رضي الله عنه (زيد بن محمد) قبل نزول قوله تعالى: (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ)، لذلك في المواريث جاء التصريح بالولد (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ) ولم يقل: (في أبنائكم)، لكنه في غير هذا السياق جاء (وأبناؤكم) كما قال تعالى: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ).
▪ويؤيده أيضًا قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ)
أي أن الله لم يغرق ذرية نوح عليه السلام، والذرية في اللغة هم الآباء والأولاد من الصلب، فدل على أن الذين أغرقوا ومنهم ابنه بالكافر لم يكنوا من ذريته، بل كان ابنًا مجازًا لأنه تبناه ورباه، وهذا صريح في نفي أن المغرق كان من ذرية سيدنا نوح عليه السلام. 
▪ويؤيده ايضًا تصريح النبي ﷺ بأسماء أولاد نوح عليه السلام، فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ولد نوح ثلاثة: سام وحام ويافث أبو الروم»[أخرجه الإمام أحمد والحاكم في المستدرك وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي]، فلم يذكر بينهم ابنه الكافر "يام".
▪ويؤيده أيضًا جزم سيدنا نوح عليه السلام بأن الكفار لا يلدون إلا فاجرًا كفارًا، فدل كفر الولد على كفر الوالدين، وأيمان سيدنا نوح عليه السلام على إيمان أولاده من صلبه، قال تعالى: (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا)
▪ويؤيده أيضًا أن الله تبارك وتعالى ذكر في الكتاب العزيز أنه سبحانه نجى نوحًا وأهله من الكرب العظيم (فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ)، فدل على أن من غرق لم يكن من أهله، كان ابنه بالتبني وزوجته التي سبق عليها القول: (وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) لأنها كانت كافرة وكانت تسخر منه مع قومها عندما كان يصنع السفينة.
▪ويؤيده أيضًا قوله تعالى: (وَنَادَىٰ نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)
فعندما قال عليه السلام: (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) دل على أنه ربيبه لأن الإبن من الأهل بداهةً فلا تحتاج أن تقول "إن ابني من أسرتي وعائلتي" لأن هذا معلوم اللهم إلا إذا كنت تريد أن تنسبه إليك نسبًا وتتبناه، وقد طمع سيدنا نوح عليه السلام في رحمة الله وأراد أن يشفع له بهذا الانتساب، فعاتبه الله تبارك وتعالى في ذلك عتاب تشريع لأن المشفوع له كافر والكافر لا يستحق الشفاعة.
ونفى الحق سبحانه عن ابنه صراحةً أنه من أهله (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ)، فهو إذا ليس ولده والأهل هنا بمعنى الأسرة والرحم وليس من أهل دينه أيضًا، فعن الضحاك: (إنه ليس من أهلك) يقول: «ليس من أهلك ولا ابنك ولا بدينك ولا ممن وعدتك أن أنجي من أهلك»[تفسير ابن أبي حاتم].