الأربعاء، 16 أكتوبر 2019

الرد على من يستنكر عبارة «مثواه الأخير»

لغة مثوى بمعنى منزل أو مأوى أو مقر وهي اسم مكان من الفعل ثوى أي نزل وأقام واستقر. والمثوى الأخير في الدنيا هو القبر، فيقال: نقل فلان إلى مثواه الأخير أي إلى قبره كناية عن الوفاة. وظهر مؤخرا من لا حظ له من العلم إلا البحث عما ينكر به على الناس، يستنكر كلام الناس يفسره بمعزل عن المعاني المتداولة وبعيدًا عن السياق ومن أمثلة ذلك استنكار عبارة (مثواه الأخير) يقولون إن عبارة مثوى ارتبطت بالعذاب وأن القبر ليس هو آخر منزلة، فلا في عبارة (مثوى) شيء ولا في عبارة (الأخير) ولا في كل المصطلح ذي المعنى المعروف، أما المثوى فقد يكون حسنا كما جاء في التنزيل (أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا)، (قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون)، ولا في (الأخير) فلأنه آخر ما ينتهي إليه أمره في حياته الدنيا، وهذا يفهم من السياق، فعندما قال تعالى سيدنا موسى عليه السلام في التنزيل: (لن تراني) فلا يعني أنه لن يرى الله سبحانه مطلقًا ولكن بمعنى لن تراني في الدنيا لأن المؤمنين سوف يرون الله عز وجل يوم القيامة. 
العبارة صحيحة ومشهورة ومعناها معلوم وهي كناية عن الوفاة فما الداعي لإنكارها؟ تعكير صفو الناس؟ سبحان الله!

تمييز الحق في زمان الكل يدعيه

كثيرون هم الذين يدَّعون الحق والدعوة إليه، بل وبعضهم يحتكره ويبدِّع الآخر أو يكفِّره، فكيف نميِّز بينهم؟!
هذا الدين بلَّغه المعصوم صلى الله عليه وسلم، وهو وإن توفي في السنة الحادية عشرة هجرية إلا إنه حي وفاعل وحاضر فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون»، وقال صلى الله عليه وسلم: «مررت ليلة أسري بي على أخي موسى قائمًا يصلي في قبره»، وتُعرض عليه أعمال الأمة بحركاتها وسكناتها ونيَّاتها فيحمد الله تعالى على حسنها أو يستغفره على قبيحها، ويزور أحبابه في المنام فيرونه ويسمعونه ويصافحونه ويجالسونه، ويرونه يقظة ويتفاعلون معه تفاعل الأحياء فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل بي»، وهذه الدرجة وإن كانت عزيزة وتتطلب صدقًا وإخلاصًا وتقوى وإيمانًا خالصًا ومحبةً عظيمةً وذكرًا مدامًا إلا أنها ممكنة وواقعة ولها أهلها في كل زمان ومكان.
ولتميِّز أهل الحق فاعلم أن الحق لا ينفك عن العصمة من الضلال، لذلك فانظر في أحوال من يدَّعي الحقَّ والدعوة إليه، وابحث عن صلته بصاحب العصمة، المعصوم صلى الله عليه وسلم، هل يحبُّه حبًّا عظيمًا ويشتاق إلى رؤيته بكل ما يملك من الدنيا؟ هل يراه منامًا أو يقظةً؟ هل يجلِّه يوقِّره ويعظِّمه ويتأسى به ويعرِّف الناس به ويدلُّهم عليه؟ وهل أثمر سيره إلى الله تعالى وحبَّه وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم دخول الحضرة المحمدية وشهود مجالسها؟ إن كان كذلك فهو ذو صلة وإلا فإنه في نفسه بحاجة إلى من يقوده أولًا إلى مَظَنَّة العصمة ومنبعها، إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك مثله لا يُهتدى به ولا يقتدى، ومثله قد يُّضِل من حيث يظن أنه يهدي، ويسيء من حيث يظن أنه يحسن.
ثم انظر في أصول ما يعتقده ويدعو إليه، إن كان موافقًا لما اجتمع عليه علماء الأمة الإسلامية وتوافقوا فقد وافق الحق لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة، فهذه عصمة من الضلال أيضًا، وأما إن شذَّ وتفرَّد وتمرَّد فقد وضع نفسه في كفة وعلماء الأمة في كفة وهذا هو الضلال بعينه والحيدة عن الحق، ومثله ينبغي أن يجتنب وإن تلى القرآن وفسر، وقرأ السنة وشرح، وتنسَّك وظهر بمظهر أهل الحق، فقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة أقوامًا فقال: «تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، يقرأون القرآن، ذلقة بالقرآن ألسنتهم، يدعون إلى كتاب الله، يحسنون القيل.. » ومع كل ذلك قال صلى الله عليه وسلم عنهم: «يمرقون من الدين كما يمرق السَّهم من الرَّمِيَّة»، أي كما ينفذ السهم من الطريدة، لا حظ لهم من الدين رغم هذه المظاهر الشكلية لأن القرآن لا يجاوز تراقيهم، كتاب الله الذي يدعون إليه ليسوا منه في شيء، القيل الذي يحسنونه ويسيئون معه الفعل، فالمظاهر خداعة!
اللهم صلِّ وسلم على الذات المحمدية وانفحنا ببركتها واهدنا إلى الرشاد