السبب بسيط جدًا وهو: استغلال الجهل والبراءة وحسن الظن، واستغلال الطمع في الحصول على مكانة اجتماعية مرموقة.
نحن نطيع الطبيب في توجيهاته لأنه متخصص ونحن عوام، ونلبي طلبات المهندس المقاول لأن هذا مجاله، ونحترم المعلم، والبناء، والنجار، والسباك،.. إلخ كل في تخصصه، الأمر كذلك بالنسبة للدين والعلوم الشرعية.
طبعًا الأصل أن الشخص العامي غير المتخصص في الدين لا يسعه الا تقليد العلماء الثقات، وفي تعريف الشخص العامي يدخل الأمي الذي لا يحسن القراءة ولا الكتابة، والشخص الذي ترك المدرسة إما لبلادة أو لظروف قاهرة، والشخص الذي يعاني من تخلف ذهني أو مرض نفسي، والموظف أو العامل أو التاجر الذي يخرج الصباح ويعود المساء، وغير ذلك من صنوف الناس الذين لا تسمح لهم قدراتهم الذهنية ولا ظروفهم بالتخصص في العلم الشرعي، فهؤلاء لا يسعهم إلا تقليد العلماء الثقات المأمونون، طبعًا هناك علماء لهم غرض دنيوي ويتقاضون أجورًا من الداخل والخارج لنشر فكر ديني دخيل يجب ألا نقلدهم.
العلم الشرعي تخصص دقيق يحتاج إلى معرفة بالقرآن الكريم وعلومه من تجويد وقراءات وأسباب نزول وتفسير وناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه وإعراب،.. إلخ، ومعرفة بالسنة المطهرة وعلومها كمصطلح الحديث والجرح والتعديل والشروح.. إلخ، ومعرفة بالنحو والصرف والبلاغة وعلوم اللغة، ومعرفة بالفقه وأصوله ومذاهبه، وبالمنطق والاستدلال والاستنباط وغيرها من أبواب العلم الشرعي التي يعرفها المتخصصون ويجهلها العوام.
ما يحدث من فوضى دينية اليوم سببه أن الوهابية في دعوتهم سواء أكانت في الأسواق أو في الداخليات، أو الراديو والتلفزيون أو في اليوتيوب ووسائل التواصل الإجتماعي الأخرى يستغلون جهل العوام بالدين ويستغلون حسن ظنهم بكل من يقف ويتكلم عن: «قال الله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم»، فيقحمون العامي غير المؤهل والجاهل بالعلم الشرعي في مسائل علمية بحتة تحتاج إلى متخصص، يقحمونه مثلًا في طلب الدليل، وترجيح الدليل، وتفسير الآيات، وشرح الأحاديث، وتقرير الأحكام الشرعية والفتاوى، والرد على الخصوم وتفسير كلامهم والتنفير منهم،.. إلخ.. فمع جهل العامي بالعلم الشرعي وحسن ظنه بالداعية لابد أن يستسلم ويقتنع، وهذه خيانة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
مثل هذه النقاشات يجب أن تكون مع الأقران من العلماء المتخصصين، وإن كان لابد فمناظرات علمية حقيقة جمهورها علماء وطلبة علم وليس عوامًا ورجرجة ودهماءً. وللمناظرة الشرعية شروطًا وآدابًا أهمها إخلاص النية، والإستعداد للرجوع للحق متى ما تبين، وأن تكون هناك لجنة تحكيم من العلماء محايدة تنصف كل طرف وتلزمه بحجة الطرف الآخر. أما ما نشاهده اليوم من مناظرات فعبارة عن هرجلة ومهاترات تفتقر إلى أبسط المقومات، والهم الأول فيها الانتصار هو على الخصم ولو بالباطل والكذب ونشر ذلك على اليوتيوب.