الأربعاء، 15 أغسطس 2018

نحو مفهوم للأمية يليق بالمصطفى صلى الله عليه وسلم

أولًا: كلمة أمي ليس لها معنى واحدًا، بل اختلف في معناها:
قال النحّاس: نَسَب إلى مكة أم القرى.
قال الطبري: "الأمي" عند العرب: هو الذي لا يكتب.
روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن إبراهيم قال: "الأمي الذي يقرأ ولا يكتب"
وقال الزجاج: الأمي هو الذي لا يحسن القراءة والكتابة ولم يتعلم.
وقال العز بن عبد السلام: " {الأُمِّىَّ} لأنه لا يكتب، أو لأنه من أم القرى -مكة- أو لأنه من أمة أمية هي العرب"

والأمي هو على معنى الذي لا يقرأ ولا يكتب ولم يتعلم القراءة والكتابة كما قال الزجّاج لا يلزمه أن يكون أميًّا مدى الدهر لأن الأمية حالة قابلة للمحو.

ثانيًا: لا خلاف في أن النبي ﷺ نشأ في أمة أمية، لم تشتهر بالكتابة ولا الحساب، على أن ذلك لا يقتضي أنهم كلهم لم يكونوا يكتبون أو يقرأون أو يعرفون الحساب، ففيهم بعض الكتاب والقراء والحاسبين فهم أهل تجارة. وعليه فإن قوله ﷺ: (نما نحن أمة أمية لا تحسب ولا تكتب) من العام المخصوص.
ثالثًا: لا خلاف في أن النبي ﷺ لم يتعلم القراءة والكتابة والحساب من أحد من البشر، فلم تكن هناك مدارس أو مجالس لتعليم القراءة والكتابة والحساب في قريش، فلم يعرف عنه ﷺ أنه كان كاتبا وقارئًا وحاسبا.
رابعًا: لا خلاف في أن الله تعالى نفى عن نبيه ﷺ أنه كان يتلو كتابا من قبل ليقص عليهم من قصص أهل الكتاب وبيان أحوالهم وتاريخهم، أو كان يخط بيده ليكتب كتابا يدعي أنه من عند الله قبل أن يهبط عليه الوحي، فلو كان وقع هذا لشك المشركون في أن دعوة النبي ﷺ إنما تلقاها عن غيره من أهل الكتاب، لذلك قال تعالى: (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) لكنه مع ذلك أثبت له التلاوة والعلم والحكمة بعد أن هبط عليه الوحي: (رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً)، (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) في دلالة صريحة على أن مصدر العلم والحكمة للنبي ﷺ هو الوحي الإلهي وليس البشر.
قال الإمام القشيري في تفسيره: 
"«النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ» أي أنه لم يكن شىء من فضائله وكمال علمه وتهيؤه إلى تفصيل شرعه من قِبل نفسه، أو من تعلّمه وتكلّفه، أو من اجتهاده وتصرّفه.. بل ظهر عليه كلّ ما ظهر من قِبله -سبحانه- فقد كان هو أمّيا غير قارئ للكتب، ولا متتبّع للسّير."
وقال الإمام الماتريدي في تفسيره: 
"ليبين لأهل الكتاب والمشركين أن النبي الأمي العربي لم يعلم ما في الكتب الأعجمية إلا من عند اللَّه؛ ليكون ذلك أوضح لهم في الحجة. وكان رسول اللَّه ﷺ قبل الرسالة معروفًا عند الفريقين أنه لم يتل كتابًا، ولا خطَّه بيمينه، ولا كان عندهم من شعرائهم، ولا المعروف بأنسابهم وعلم أنبيائهم؛"
خامسًا: زعم المشركون أن صبيا روميا أو صبيان روميان من أهل الكتاب كان يتعلم منهم النبي ﷺ دعوته التي خرج عليهم بها، فأبطل الله تعالى ذلك بقوله تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ) فنفى عنه تلقيه العلم من بشر، فلم يبق مصدر للعلم المحمدي إلا العليم الحكيم.
سادسًا: ثبت أنه ﷺ عندما بعث لم يكن يعرف القراءة ولا الكتابة، ولم يكن بشر يعلمه، وهذا كاف لإثبات أن ما جاء به هو وحي من عند الله.
سابعًا: هل يلزم الأمي أن يبقى أميًّا مدى الدهر؟ هل يستحيل عليه أن يتعلم الكتابة والقراءة؟
لا يلزم من عدة وجوه:
▪ تُمحى الأمية متى ما توفر العلم بالقراءة والكتابة.
▪ ليس هناك دليل على استحالة تعلم النبي ﷺ القراءة والكتابة بعد أن أقيمت الحجة على المشركين، وهبط الوحي عليه بالعلم والحكمة. قال الشيخ الإمام أبو العباس أحمد بن عمر: "المسألة ليست قطعية، بل مستندها ظواهر أخبار آحاد صحيحة، غير أن العقل لا يحيلها، وليس في الشريعة قاطع يحيل وقوعها."
▪ قول الملك له في أول نزول الوحي: (إقرأ) وقوله ﷺ: (ما أنا بقاريء) فيه دليل صريح على أن محو الأمية المجازية للنبي ﷺ بدأ منذ أول يوم لنزول الوحي، قال الحافظ في الفتح: "قوله ما أنا بقارئ ثلاثا ما نافية إذ لو كانت استفهامية لم يصلح دخول الباء وإن حكي عن الأخفش جوازه فهو شاذ والباء زائدة لتأكيد النفي أي ما أحسن القراءة فلما قال ذلك ثلاثا قيل له أقرأ بأسم ربك أي لا تقرؤه بقوتك ولا بمعرفتك لكن بحول ربك وإعانته فهو يعلمك كما خلقك .. ذكره السهيلي" 
▪ أثبت الله تعالى لنبيه ﷺ التلاوة بعد البعثة فقال تعالى: (رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً)، وقال تعالى: (رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ)، بعد أن نفاها قبل البعثة بقوله تعالى: (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ). وكذا يمكن أن يخط بيمينه بعد البعثة.
▪ ثبت أن الله عز وجل علم نبيه ﷺ كل شيء، فقال تعالى: (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ)، وهذه نكرة في سياق النفي تفيد العموم والإطلاق، وليست القراءة والكتاب استثناءً، وكذا قوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ)، (مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ)، وغير ذلك من النصوص الكثيرة التي تثبت سعة علم النبي ﷺ.
▪ ذكر الله عز وجل معنى الدراسة والتلقي والتعلم في قوله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)، قال النحَّاس: "وفي المعنى قول آخر حسن، وهو أن يكون معنى [نصرف الآيات] نأتي بها آية بعد آية ليقولوا درست علينا، فيذكرون الأول بالآخر."
▪ كونه ﷺ كتب وقرأ بعد البعثة لا ينفي عنه صفة الأمي، كما أن وصف النبوة لا ينتفي بعد البعثة. لذلك يظل ﷺ وسلم في عرف الناس أمي لأنه لم يرتد معلما من البشر يعلمه القراءة ولا الكتابة.
▪ أثبت الله تعالى لنبيه ﷺ تعليمه للأمة الأمية ومحوه لأميتها وجهلها بعد نزول الوحي عليه، مع بقاء وصف الأممين عليها، حيث قال تعالى: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)، وقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)
▪ إن الله تعالى على كل شيء قدير، وقد ثبت أن الأمي وغير الأمي يقرأ عبارة "كافر" المكتوبة بين عيني الدجال، قال ﷺ: (يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب)، وخاتم الأنبياء والمرسلين من باب أولى.
▪ تعلم النبي ﷺ الحروف والهجاء من الوحي، كما في الحروف المقطعة في أوائل السور:
"الم: البقرة، آل عمران، العنكبوت، الروم، لقمان، السجدة
المص: الأعراف
الر: يونس، هود، يوسف، إبراهيم، الحجر"
المر: الرعد
كهيعص: مريم
طه: طه
طسم: الشعراء، القصص
طس: النمل
يس: يس
ص: ص
حم: غافر، فصلت، الزخرف، الدخان، الجاثية، الأحقاف
حم عسق: الشورى
ق: ق
ن: ن"
التي تقرأ بالهجاء.
وكما في قوله ﷺ في ذكر فضل القرءان الكريم وقراءته قال: (لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف) وفي رواية ابن أبي شيبة والطبراني: (من قرأ حرفا من القرآن كتب له به حسنة، لا أقول الم ذلك الكتاب، ولكن الألف واللام والميم والذال واللام والكاف، وفي رواية للبيهقي: لا أقول بسم الله ولكن باء وسين وميم ولا أقول الم، ولكن الألف واللام والميم، وهذا التهجي لا يتيسر لجاهل بالخط، قال الزمخشري في تفسيره:
"وذلك أنّ النطق بالحروف أنفسها كانت العرب فيه مستوية الأقدام: الأميون منهم وأهل الكتاب، بخلاف النطق بأسامى الحروف، فإنه كان مختصاً بمن خط وقرأ وخالط أهل الكتاب وتعلم منهم، وكان مستغرباً مستبعداً من الأمى التكلم بها استبعاد الخط والتلاوة، كما قال عز وجل: (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) . فكان حكم  مع اشتهار أنه لم يكن ممن اقتبس شيئا من أهله▪ حكم الأقاصيص المذكورة في القرآن، التي لم تكن قريش ومن دان بدينها في شيء من الإحاطة بها، في أن ذلك حاصل له من جهة الوحى، وشاهد بصحة نبوته، وبمنزلة أن يتكلم بالرطانة من غير أن يسمعها من أحد.".
▪ الجهل بالقراءة والكتابة يفتح باب الطعن في صحة ما كتبه كتاب الوحي بين يدي النبي ﷺ.
▪ الشواهد التي سنذكرها لاحقا التي تلقيه معرفة القراءة والكتابة عن ربه عز وجل.
ثامنًا: الشواهد التي تدل على أن الله عز وجل علم نبيه ﷺ القراءة والكتابة:
▪ أن الله عز وجل بعثه في الأميين ليعلمهم الكتاب، والكتاب له جانبان أساسيان: القراءة والكتابة، ويستحيل أن ينجز ذلك من يجهل القراءة والكتابة، قال تعالى: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)، فمحا الله تبارك وتعالى أمية قومه وجهلهم بهذا الدين، لذلك روي عنه ﷺ وقوله لسيدنا معاوية رضي الله عنه: (ألق الدواة وحرف القلم وأقم الباء وفرق السين ولا تعور الميم). وقوله ﷺ: (لا تمد بسم الله) وهذه لا تكون من جاهل بالقراءة.
▪ أخرج البخاري  في صحيحه (2699) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه في قصة صلح الحديبية:
ثم قال لعلي: «امح رسول الله»، قال: لا والله لا أمحوك أبدا، فأخذ رسول الله ﷺ الكتاب، «فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله»
▪ وأخرجه مسلم أيضًا في صحيحه (1783):
قال لعلي: «اكتب الشرط بيننا، بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله»، فقال له المشركون: لو نعلم أنك رسول الله تابعناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فأمر عليا أن يمحاها، فقال علي: لا والله، لا أمحاها، فقال رسول الله ﷺ: «أرني مكانها»، فأراه مكانها فمحاها، وكتب ابن عبد الله.
قال القرطبي في التفسير: «وقع في صحيح مسلم من حديث البراء في صلح الحديبية أن النبي ﷺ قال لعلي:" اكتب الشرط بيننا بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله" فقال له المشركون: لو نعلم أنك رسول الله تابعناك -وفي رواية بايعناك- ولكن اكتب محمد بن عبد الله فأمر عليا أن يمحوها، فقال علي: والله لا أمحها. فقال رسول الله ﷺ:"أرني مكانها" فأراه فمحاها وكتب ابن عبد الله. قال علماؤنا رضي الله عنهم: وظاهر هذا أنه عليه السلام محا تلك الكلمة التي هي رسول الله ﷺ بيده، وكتب مكانها ابن عبد الله. وقد رواه البخاري بأظهر من هذا. فقال: فأخذ رسول الله ﷺ الكتاب فكتب. وزاد في طريق أخرى: ولا يحسن أن يكتب.  فقال جماعة: بجواز هذا الظاهر عليه وأنه كتب بيده، منهم السمناني وأبو ذر -الهروي- والباجي، ورأوا أن ذلك غير قادح في كونه أميًّا، ولا معارض بقوله: (وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك) ولا بقوله: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) بل رأوه زيادة في معجزاته، واستظهارا على صدقه وصحة رسالته وذلك أنه كتب من غير تعلم لكتابة، ولا تعاط لأسبابها وإنما أجرى الله تعالى على يده وقلمه حركات كانت عنها خطوط مفهومها ابن عبد الله لمن قرأها، فكان ذلك خارقا للعادة، كما أنه عليه السلام علم علم الأولين والآخرين من غير تعلم ولا اكتساب، فكان ذلك أبلغ في معجزاته، وأعظم في فضائله. لا يزول عنه اسم الأمي بذلك، ولذلك قال الراوي عنه في هذه الحالة: ولا يحسن أن يكتب. فبقي عليه اسم الأمي مع كونه قال كتب.»
وذكر الحافظ في الفتح أن الذين شنعوا على الإمام الباجي في ما ذهب إليه ناظرهم وانتصر عليهم، قال: "فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه ورموه بالزندقة وأن الذي قاله مخالف القرآن حتى قال قائلهم برئت ممن شرى دنيا بآخرة وقال إن رسول الله قد كتبا فجمعهم الأمير فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة"
وقال الحافظ في الفتح أيضًا: "وذكر بن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك منهم شيخه أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء إفريقية وغيرها"
ورد شيخ القرطبي أبو العباس أحمد بن عمر على من استنكر على الإمام الباجي ما ذهب إليه بقوله: "وذلك دليل على عدم العلوم النظرية، وعدم التوقف في تكفير المسلمين، ولم يتفطنوا، لأن تكفير المسلم كقتله على ما جاء عنه عليه السلام في الصحيح، لا سيما رمي من شهد له أهل العصر بالعلم والفضل والإمامة، على أن المسألة ليست قطعية، بل مستندها ظواهر أخبار آحاد صحيحة، غير أن العقل لا يحيلها، وليس في الشريعة قاطع يحيل وقوعها."
▪ أخرج البخاري ومسلم أنه ﷺ في مرضه الأخير قال: «ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده»، وفي رواية لمسلم قال: «ائتوني بالكتف والدواة» والمراد بالكتف عظم الكتف لأنهم كانوا يكتبون، وفي رواية للإمام أحمد قال سيدنا علي رضي الله عنه: «أمرني النبي ﷺ أن آتيه بطبق أي كتف يكتب ما لا تضل أمته من بعده» وفيه دليل على أنه أراد أن يكتب لهم بنفسه.
▪ أخرج الإمام مسلم في صحيحه أنه ﷺ قال في أوائل مرضه وهو عند السيدة عائشة رضي الله عنها: «ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر» وفيه دليل على أنه أراد أن يكتب لهم بنفسه.
▪ عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: «الدجال ممسوح العين مكتوب بين عينيه كافر ثم تهجاها ك ا ف ر يقرؤه كل مسلم» رواه مسلم وفي رواية للإمام أحمد: (يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب) والأمي المستمر على أميته لا يتهجأ الكلمات ولا يعرف أسماء الحروف.
▪ عن عون بن عبد الله قال: «ما مات رسول الله ﷺ حتى كتب وقرأ» [أخرجه ابن أبي شيبة، وابن شبة]، قال مجاهد: فذكرته للشعبي فقال: صدق.
▪ وعن سهل بن الحنظلية أن النبي ﷺ أمر معاوية أن يكتب للأقرع وعيينة فقال عيينة: أتراني أذهب بصحيفة الْمُتَلَمِّسِ؟ فأخذ رسول الله ﷺ الصحيفة فنظر فيها فقال: «قد كتب لك بما أُمِرَ لك» 
قال يونس فنرى أن رسول الله ﷺ كتب بعد ما أنزل عليه.

الخلاصة:
أنه ﷺ نشأ أميا على عرف الناس، لا يحسن القراءة ولا الكتابة حتى هبط عليه الوحي فعرف كل شيء، وليست القراءة والكتابة بأشق من الرسالة نفسها، وإنما الأمية كانت مشروطة ببداية الوحي بدليل قوله تعالى: (وما كنت تتلو من قبله). ولم يزل ﷺ على وصفه أميًّا لكون لا يعرف له معلم من البشر، ولا يناقض ذلك ما جاء في القراءن ولا السنة المطهرة، قال الإمام الباجي: «هذا لا ينافي القرآن بل يؤخذ من مفهوم القرآن لأنه قيد النفي بما قبل ورود القرآن فقال وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك وبعد أن تحققت أميته وتقررت بذلك معجزته وأمن الارتياب في ذلك لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم فتكون معجزة أخرى» [فتح الباري]
وعلى ذلك من أهل العلم عون بن عبد الله، والشعبي ويونس بن ميسرة، والقاضي عياض، وأبو الوليد الباجي، وابن دحية الكلبي، وأبو ذر الهروي، وأبو الفتح النيسابوري، وأبو جعفر السمناني، وابن الجوزي، وأبو العباس أحمد بن عمر، وغيرهم من أهل العلم.