🍃🍂ردود سريعة على شبهات حول مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
(1) 👈قالوا: المولد بدعة، والنبي ﷺ قال: (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة).
✍الجواب:
⚪ عندما ترد عبارة "بدعة" في النصوص الشرعية وكلام العلماء فإن المقصود بها البدعة الضلالة أو البدعة المذمومة، وذلك لأن البدعة عند أهل العلم تنقسم إلى محمودة ومذمومة. قال الإمام الشافعي (ت 204هـ) رضي الله عنه: "البدعة بدعتان، بدعة محمودة، وبدعة مذمومة. فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم، واحتج بقول عمر بن الخطاب في قيام رمضان: نعمت البدعة هي"[1]
وقال الإمام العلامة أبو سليمان الخطابي (ت 388هـ) في شرح سنن أبي داود:
"وقوله كل محدثة بدعة فإن هذا خاص في بعض الأمور دون بعض، وكل شيء أحدث على غير أصل من أصول الدين وعلى غير عياره وقياسه. وأما ما كان منها مبنياً على قواعد الأصول ومردود إليها فليس ببدعة ولا ضلالة"
وقال الإمام الحافظ القرطبي (ت 672هـ) في تفسيره:
"كل بدعة صدرت من مخلوق فلا يخلو أن يكون لها أصل في الشرع أو لا، فإن كان لها أصل كانت واقعة تحت عموم ما ندب الله إليه وحض رسوله عليه، فهي في حيز المدح. وإن لم يكن مثاله موجوداً كنوع من الجود والسخاء وفعل المعروف، فهذا فعله من الأفعال المحمودة، وإن لم يكن الفاعل قد سبق إليه. ويعضد هذا قول عمر رضي الله عنه: نعمت البدعة هذه"
وقال الإمام الحافظ ابن الأثير (ت 630هـ) في النهاية: «البدعة بدعتان: بدعة هدى وبدعة ضلال. فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله ﷺ، فهو في حيز الذم والإنكار، وما كان واقعاً تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه أو رسوله فهو في حيز المدح»
وقال: «والبدعة الحسنة في الحقيقة سنّة، وعلى هذا التأويل يحمل حديث "كل محدثة بدعة" على ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة».
وقـال الإمام الحافظ تقي الدين السبكي (ت 756هـ): "البدعة فـي الشرع إنما يراد بها الأمر الحادث الذي لا أصل له في الشرع، وقد يطلق مقيداً، فيقال: بدعة هدى، وبدعة ضلالة". انتهى
وقال ابن رجب الحنبلي (ت 795 هـ): «والمراد بالبدعة ما أحدث مما ليس له أصل في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل في الشرع يدلّ عليه فليس ببدعة، وإن كان بدعة لغة»
⚪ هذه بعض تعريفات أهل العلم سلفًا وخلفًا للبدعة، وعلى هذا الفهم أيضًا أكابر أهل العلم كسلطان العلماء العز بن عبد السلام، وحجة الإسلام الغزالي، والحافظ ابن الجوزي، والإمام الحافظ النووي، والإمام العلامة الحافظ ابن حجر العسقلاني، والإمام الحافظ العلامة بدر الدين العيني الحنفي، والإمام العلامة الحافظ السيوطي، والإمام العلامة أحمد بن يحيى الونشريسي المالكي، والإمام العلامة الزرقاني المالكي وخلق كثير من أهل العلم لا يتسع المقام لذكرهم.
⚪ من أمثلة البدع الحسنة، صلاة التهجد في جماعة، جمع القرءان، تنقيط المصحف، وتشكيله، وتلوينه وتبيين أحكام التجويد وأماكن الوقف فيه، وتصنيف العلوم الشرعية كعلم الحديث وأصول الفقه، قيام المدارس والمعاهد الدينية، قيام المؤتمرات والندوات الإسلامية والأسابيع الدعوية، وإقامة المسابقات الدينية في حفظ وتلاوة القرآن الكريم.. إلخ.
⚪ تعريف البدعة الخاطئ الذي يتم الترويج له هذه الأيام منسوب للفقيه الأشعري أبي اسحاق الشاطبي المتوفى سنة 790هـ وهو مخالف لما عليه جمهور أهل العلم المعتبرين من السلف والخلف.
⚪ قوله ﷺ: "كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" من العام المخصوص كما بينه أهل العلم، وهو مبسوط بشرحه في كتب أهل العلم المذكورين.
⚪ جعل أهل العلم الضابط على البدعة الحسنة أن يكون لها أصل من الدين يدل عليها. قال الإمام العلامة التفتزاني (ت 792هـ) في شرح المقاصد: «ومن الجهل من يجعل كل أمر لم يكن في عهد الصحابة بدعة مذمومة، وإن لم يقم دليل على قبحه، تمسكاً بقوله عليه الصلاة والسلام: "إياكم ومحدثات الأمور" ولا يعلمون أن المراد بذلك هو أن يجعل من الدين ما ليس منه» وقال المباركفوري (1334 هـ) في "تحفة الأحوذي": "والمراد بالبدعة: ما أُحدث ممَّا لا أصل َله في الشريعة يدلُّ عليه، وأمَّا ما كان له أصل من الشَّرْع يدلُّ عليه، فليس ببدعة شَرْعًا". أهـ
⚪ أصَّل المحققون من أهل العلم للمولد من جملة من الأدلة الصحيحة، ومنها حديث أبي قتادة أن رسول الله ﷺ سئل عن صيام يوم الأثنين، فقال: (ذلك يوم فيه ولدتُّ، وفيه أنزل عليَّ) [أخرجه مسلم] وهذا صريح في التنبيه إلى عظمة ميلاد النبي ﷺ. ومن قوله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)، ففضل الله هو العلم ورحمته هو رسول الله ﷺ وهذا أمر رباني صريح بالفرح برسول الله ﷺ وأولى الفرح يكون باليوم الذي ولد فيه. قال الإمام الحافظ السيوطي في تفسيره [الدر المنثور]:
"أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: فضل الله العلم ورحمته محمد ﷺ قال الله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [سورة الأنبياء: 107]"
وقال الحافظ ابن الجوزي في [زاد المسير في علم التفسير]:
"فضل الله: العلم، ورحمته: محمّد ﷺ، رواه الضحاك عن ابن عباس."
وقال أبو حيان الأندلسي في [البحر المحيط]:
"وقال ابن عباس فيما روى الضحاك عنه: الفضل العلم والرحمة محمد ﷺ."
⚪ وأصلوا له أيضًا من إخبار النبي ﷺ صحابته ما جرى في ميلاده العظيم، فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قَال: سَمِعْت رسول اللَّه ﷺ يَقُول: (إني عبد الله وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأخبركم عن ذلك أني دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت وكذلك أمهات النبيين يرين وإن أم رسول الله ﷺ رأت حين وضعته نورًا أضاءت له قصور الشام) أخرجه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم وفي حديث أبي أمامة عند أحمد نحوه اهـ
⚪ وأصَّل الحافظ ابن حجر العسقلاني للمولد من حديث عاشوراء حيث قال: "وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي ﷺ قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى، فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم؟"
⚪ وأصَّل الحافظ السيوطي للمولد من حديث أنه ﷺ عق عن نفسه بعد النبوة حيث قال: "وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر، وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس أن النبي ﷺ عق عن نفسه بعد النبوة مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع ولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي ﷺ إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين وتشريع لأمته كما كان يصلي على نفسه لذلك، فيستحب لنا أيضا إظهار الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات" ذكره السيوطي في [حسن المقصد في عمل المولد]
فعلى رأي جماهير علماء الأمة فإن المولد عمل صالح يندب خاصة في هذه العصور المتأخرة التي كثر فيها الإنشغال عن رسول الله ﷺ وعن تعظيمه ومدارسة سيرته وشمائله وأوصافه.
(2) 👈قالوا: حديث أنه ﷺ عق عن نفسه بعد النبوة روايته ضعيفة.
✍الجواب:
لا يحكم على الحديث بالضعف من طريق واحدة ولكن من كل الطرق، أما الطريق الضعيفة فهي طريق عبد الله بن المحرر وهو ضعيف، لكن هناك طريق أخرى صحيحة، أخرجه الطبراني في الأوسط قال: حدثنا أحمد قال: نا الهيثم قال: نا عبد الله بن المثنى عن ثمامة، عن أنس، أن النبي ﷺ عق عن نفسه بعد ما بعث نبيًّا.
قال الهيثمي في المجمع: رواه البزار والطبراني في الأوسط ورجال الطبراني رجال الصحيح خلا الهيثم بن جميل، وهو ثقة، وأخرجه عبدُ الرزَّاقِ في «المصنَّف» (٤/ ٣٢٩) رقم: (٧٩٦٠)، وابنُ حبَّان في «الضعفاء» (٢/ ٣٣)، مِن طريق قتادةَ عن أنسٍ رضي الله عنه. كما أخرجه الطحاويُّ في «مُشْكِل الآثار» (١/ ٤٦١)، وابنُ حزمٍ في «المحلَّى» (٨/ ٣٢١)، مِن طريق ثُمامةَ بنِ أنسٍ عن أنسٍ رضي الله عنه.
⚪ لم يجد ألألبانيُّ بُدًا من تصحيحه، «السلسلة الصحيحة» (٦/ ١/ ٥٠٢) برقم: (٢٧٢٦).
(3) 👈قالوا: قال ابن الماجشون سمعت مالكًا يقول: "من ابتدع في الاسلام بدعة يراها حسنه فقد زعم ان محمدًا ﷺ، خان الرسالة لأن الله يقول: (اليوم أكملت لكم دينكم)، فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا."
✍الجواب:
⚪ هذا الأثر لا يثبت عن الإمام مالك لأن في سنده عبد الملك بن حبيب السلمي، وهو ضعيف. قال الحافظ في لسان الميزان: "كثير الوهم صحفي وكان بن حزم يقول: ليس بثقة، وقال الحافظ أبو بكر بن سيد الناس في تاريخ احمد بن سعيد الصدفي توهنه عبد الملك بن حبيب وانه صحفي لا يدري الحديث وقال أبو بكر: وضعفه غير واحد، ثم قال وبعضهم اتهمه بالكذب. قال بن حزم روايته ساقطة مطرحة". قال القاضي عياض في ترتيب المدارك "وحكى الباجي وابن حزم أن أبا عمر بن عبد البر كان يكذبه".
⚪ ولو افترضنا جدلًا ثبوت ذلك عن الإمام مالك فليس فيه حجة لأن أهل العلم سلفًا وخلفًا يقسمون البدعة إلى محمودة ومذمومة، وعبارة "بدعة" عند الإطلاق يراد بها البدعة الضلالة، تؤيده الزيادةُ التي أخرجها الحافظُ الترمذي من حديث عبد الله بن عبدالرحمن وحسَّنه في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم لبلال بن الحارث رضي الله عنه: "ومَن ابتدعَ بدعةً ضلالة"؛ لذا فالبدعة لا تُذمُّ بإطلاق، بل بِشَرْط أن تكون ضلالة، وأن تكون مخالِفةً لكليات الشريعة، فاقتضى هذا كلُّه أنَّ البدعة إذا لم تكنْ كذلك لم يَلْحقْها ذمٌّ، ولا يَتْبَع صاحبَها وزر. قال الإمام الحافظ السبكي: "فالبدعة عند الإطلاق لفظ موضوع في الشرع للحادث المذموم لا يجوز إطلاقه على غير ذلك، وإذا قيدت البدعة بالمستحبة ونحوه فيجوز، ويكون ذلك للقرينة، ويكون مجازا شرعيًا حقيقة لغوية" اهـ فيحمل كلام الإمام مالك على البدعة المذمومة.
⚪ قوله تعالى: (اليوم أكلمت لكم دينكم) لا يقتضي أن الدين قد اكتمل بكل أصوله وفروعه في ذلك اليوم لأن هذه الآية ليست آخر ما نزل من القرءان الكريم، بل آخر ما نزل هو قوله تعالى: (واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله). هذا فضلًا عن أن النبي ﷺ عاش شهورًا بعد نزول هذه الآية يفعل، ويتكلم، ويقر وهذا كله سنة، وكله دين. لذا لا يصلح الاحتجاج بها في هذا السياق.
⚪ بعد انتقال النبي ﷺ اكتملت أركان الدين وأصوله وبقيت مسائل فرعية مفتوحة إلى يوم القيامة كالإجتهاد في الدين، وتفسير القرءان الكريم، وبيان عجائب القرءان كمعاني الحروف المقطعة، والإعجاز العلمي في الكتاب والسنة، والسنن الحسنة وتجديد معاني الدين، وكل ذلك من الدين بلا شك.
⚪ لا يجوز أن يقال عن البدعة الحسنة: (ما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا) لأن البدعة الحسنة كانت دينًا يومئذ لما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وقرره أهل العلم.
⚪ ثبت عن الإمام مالك أنه كان لا يمشي منتعلًا في المدينة المنورة ولا راكبًا دابة حتى لا يطأ حافرها موضعًا وطئته أقدام المصطفى ﷺ، وهذا من باب الأدب مع سيدنا رسول الله ﷺ. ومع ذلك لم يثبت هذا عن الصحابة رضوان الله عليهم مع النبي ﷺ، فهل نقول فيه: (ما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا)؟ بل هو دين لأننا مأمورون بتوقير النبي ﷺ إطلاقًا.
(4) 👈قالوا: المولد لم يفعله الرسول ﷺ ولا الصحابة ولا التابعون، فلو كان خيرًا لسبقونا إليه.
✍الجواب:
⚪ ليس في ذلك حجة لأن الترك أوعدم الفعل لا يقتضي المنع أو النهي، فقد يكون الترك سهوًا، أو رحمةً، وتخفيفًا، وعفوًا، أو لعدم بروز الحاجة، أو لغير ذلك. فقد ترك ﷺ بعضًا من الصلاة سهوًا للتشريع، وترك التراويح في جماعة خشية أن تفرض تخفيفًا على الأمة، وترك هدم البيت وبناءه على أساس سيدنا إبراهيم عليه السلام رحمةً ومراعاةً لحال المسلمين آنذاك فقد كانوا حديثوا عهد بالكفر[1]، وترك أكل الضب لأنه عافه ﷺ[2] مع أنه مباح، وقال النبي ﷺ عن المباح والذي هو أصل الأحكام في الدين: (وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان، فلا تبحثوا عنها).
⚪ الداعي الأكبر إلى تشريع السنن الحسنة واستحسان أمور لم تكن في الصدر الأول هو الحاجة، والدين مرن: (وما جعل الله عليكم في الدين من حرج). خذ مثالًا على ذلك جمع القرءان الكريم. فإن النبي ﷺ لم يجمعه، بل بدأ جمعه سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، هل نقول لو كان خيرًا لسبقه إلى جمعه النبي ﷺ؟
لا يقول ذلك عاقل، فعلى عهد النبي ﷺ لم تكن هنالك حاجة إلى جمع القرءان، إذًا متى برزت الحاجة؟ برزت عندما كثر القتلى في القراء يوم اليمامة، وخُشي عليهم الإنقراض وذهاب القرءان الذي صدورهم. جاء في صحيح البخاري عن زيد بن ثابت، قال: بعث إليَّ أبو بكر لمقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: "إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بقراء القرآن في المواطن كلها، فيذهب قرآن كثير، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن"، قلت: «كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله ﷺ؟»، فقال عمر: "هو والله خير"، فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: «وإنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله ﷺ، فتتبع القرآن، فاجمعه»، قال زيد: "فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل علي مما كلفني من جمع القرآن، قلت: "كيف تفعلان شيئًا لم يفعله رسول الله ﷺ؟" قال أبو بكر: «هو والله خير»، فلم يزل يحث مراجعتي حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، ورأيت في ذلك الذي رأيا، فتتبعت القرآن، أجمعه من العسب والرقاع واللخاف وصدور الرجال. وكذلك عندما كثر دخول الأعاجم في الإسلام برزت الحاجة إلى تنقيط المصحف وتشكيله وكان هذا على عهد سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. وعندما تفشى الكذب على رسول الله ﷺ وخشي على السنة الضياع برزت الحاجة إلى علم مصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل، وغير ذلك من الأمثلة، فهل نقول: لو كان تنقيط المصحف وتشكيله خيرًا لسبقنا إليه النبي ﷺ وصحابته؟ أو لو كان تقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف وموضوع خير لسبقنا إليه رسول الله ﷺ؟ هذا منطق عقيم حري ألا يلتفت إليه.
⚪ برزت الحاجة إلى المولد كتظاهرة -سنوية على الأقل- تحيي ذكرى النبي ﷺ في الوجدان عندما تطاول الأمد، وطال العهد، وبعدت الأمة، وكثر الإنشغال عن رسول ﷺ، وكثر الجهل به وبقدره العظيم، وضعف حضوره في قلوب بعض الشباب، فصار اليوم المطرب أو لاعب الكرة أو المصارع أهم منه وهو ﷺ الذي نصت الشريعة على أن يكون أحب إلى قلوب المسلمين وأولى عندهم من النفس، والولد، والوالد، والناس أجمعين، أليس هذا واقع كارثي وحاجة مُلِحَّة؟!
⚪ وعليه فهل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف سنة أم بدعة حسنة؟ هو سنة قولية وفعلية مؤكدة، أما قولية فلقوله ﷺ عندما سئل عن صيام يوم الأثنين: (ذلك يوم فيه ولدت) فبين فيه ﷺ عظمة يوم الأثنين وأنه ذكرى يوم ميلاده الشريف واختاره الله تعالى لينزل عليه القرءان. أما سنة فعلية مؤكدة فلأنه ﷺ كان يداوم على صيام يوم الأثنين وكان يصومه الصحابة أيضًا ويحرصون على صيامه، وسنة فعلية كذلك لأنه ﷺ عق عن نفسه بعد أن بعث نبيًّا، والعقيقة (السماية) احتفال بالميلاد ولا تعاد، وقد أعادها رسول الله ﷺ وعمره الشريف بين الخمسين والستين وفي ذلك تأكيد على أهمية ذكرى الميلاد. وثبت كذلك أنه ﷺ جمع الصحابة رضوان الله عليهم وحدثهم عن ميلاده الشريف وأن أمه السيدة آمنة أخبرته أنه لما وُلد خرج معه نور أنار قصور كسرى والشام.
وقد أصَّل له بعض العلماء من باب البدعة الحسنة، فأصَّل له الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني من حديث عاشوراء المخرَّج في صحيح البخاري، فلا شك أن نعمة ميلاد الرحمة المهداة والنعمة المسداة ﷺ أعظم من نعمة إنجاء موسى عليه السلام من فرعون. وأصَّل له الإمام الحافظ السيوطي من حديث أن النبي ﷺ عق عن نفسه بعد النبوة[3].
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] جاء في الصحيحين عن عائشة أن النبي ﷺ قال: "لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه السّلام فإنَّ قريشاً استقصرت بناءه"
[2] وجاء في الصحيحين أنه قدّم إليه صلّى الله عليه وسلّم ضب مشوي فمد يده الشريفة ليأكل منه فقيل إنّه ضب، فأمسك عنه. فسئل: أحرام هو؟ فقال: "لا، ولكنّه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه"!
[3] حسن المقصد في عمل المولد للإمام الحافظ السيوطي.
(5) 👈قالوا: المولد لم يفعله الصحابة رضوان الله عليهم، فهل تحبون رسول الله ﷺ أكثر منهم؟
✍الجواب:
⚪ تقدم في جواب الشبهة رقم (4) أن الترك ليس فيه حجة للمنع أو النهي، فقد يكون الترك سهوًا، أو رحمةً، وتخفيفًا، وعفوًا، أو لعدم بروز الحاجة، أو لغير ذلك مما لا يوجب المنع أو يقتضي النهي.
⚪ تقدم بيان أن الدافع الشرعي لعمل أمور لم تكن موجودة في عهد النبي ﷺ هو الحاجة، فالحاجة إلى إحياء سيرة النبي ﷺ عند ذكرى ميلاده برزت عندما مرت قرون على انتقاله، وقل الذين يذكِّرون الناس به، وكثرت المشاغل عنه، وكثرت الفتن في أمته ﷺ.
⚪ الصحابة لم ينقطوا المصحف الشريف ولا شكَّلوه، ولا بينوا عليه علامات الوقف والتجويد، ولا ألفوا الكتب في علم القراءات، ولا نظَّموا المسابقات المحلية والعالمية في تلاوة القرءان الكريم، فهل يقتضي ذلك أننا نحب القرءان أكثر منهم؟! قطعًا لا، لكن برزت الحاجة إلى ذلك عندما كثر دخول الأعاجم في الإسلام وخشي عليه من اللحن والتحريف، واتسعت رقعة بلاد الإسلام بالفتوحات وقل القراء في الأمصار البعيدة. وعندما قلت في القرون المتأخرة العناية بالقرءان الكريم وحفظه برزت الحاجة لمعالجة ذلك فاستحسن المسلمون تنظيم مسابقات محلية وعالمية في حفظ القرءان الكريم ترصد لها جوائز معنوية ومادية عظيمة تكون دافعًا ومشجعًا للأمة على زيادة العناية بالقرءان الكريم وحفظه.
⚪ قال الإمام الشافعي المتوفى سنة 204 هجرية: رأيت بباب مالك -المتوفى سنة 179 هجرية- كراعًا من أفراس خراسان وبغال مصر فقلت: "ما أحسنها!" فقال: "هي هبة مني إليك."
فقلت: "دع لنفسك منها دابة تركبها."، قال: "أنا أستحي من الله أن أطأ تربة نبي الله بحافر دابة." [1]
وهذا المسلك في الأدب مع رسول الله ﷺ لم يفعله الصحابة رضوان الله عليهم، ومع ذلك ما قال الشافعي ولا أحد من التابعين للإمام مالك رضي الله عنه: هل تحب رسول الله ﷺ وتعظمه أكثر من الصحابة؟! وهم علماء القرون المفضلة؟!
⚪ ثبت عن سيدنا عبد الله مسعود رضي الله عنه قوله: "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئًا فهو عند الله سيء"، وقد رفعه بعض الحفاظ والمحدثين وقالوا إن ذلك من كلام النبي ﷺ رواه عنه سيدنا عبد الله بن مسعود. ويؤيده قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، وقوله ﷺ: "يد الله مع الجماعة"، وقوله ﷺ: "إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة"، ويؤيده فعل الصحابة في استحسانهم واختيارهم لسيدنا أبي بكر رضي الله عنه خليفة لرسول الله ﷺ وأميرًا للمؤمنين.
وقد استحسنت الأمة وأكابر علمائها وحفاظها عمل المولد، وصنَّفوا فيه التصانيف البديعة. قال إمام الحديث في زمانه وشيخ الإمام الحافظ النووي، الحافظ العلامة أبو شامة المقدسي المتوفى سنة 665 هجرية في كتابه [الباعث في إنكار البدع والحوادث]: "وَمن أحسن مَا ابتدع فِي زَمَاننَا من هَذَا الْقَبِيل مَا كَانَ يفعل بِمَدِينَة اربل جبرها الله تَعَالَى كل عَام فِي الْيَوْم الْمُوَافق ليَوْم مولد النَّبِي ﷺ من الصَّدقَات وَالْمَعْرُوف واظهار الزِّينَة وَالسُّرُور، فان ذَلِك مَعَ مَا فِيهِ من الإحسان الى الْفُقَرَاء، مشْعر بمحبة النَّبِي ﷺ وتعظيمه وجلالته فِي قلب فَاعله، وشكرًا لله تَعَالَى على مَا من بِهِ من ايجاد رَسُوله الَّذِي أرْسلهُ رَحْمَة للْعَالمين ﷺ وعَلى جَمِيع الْمُرْسلين". وممن أجاز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من أكابر أهل العلم والحفاظ وصنَّف فيه:
▪ الإمام الحافظ ابن الجوزي [توفي 597هـ]: له مولد باسم "العروس"، وقد طبع في مصر بتحقيق الدكتور عبد الحفيظ البقالي الغزواني.
▪الإمام الحافظ أبو الخطاب عمر بن علي بن محمد المعروف بابن دحية الكلبي [توفي 633هـ]: له مولد باسم "التنوير في مولد البشير النذير".
▪الإمام الحافظ أبو العباس العَزَفي [توفي 633هـ]: له مولد باسم "الدر المنظم في مولد النبي المعظم".
▪الإمام الحافظ ابن كثير صاحب التفسير [ت 774هـ]: له (مولد رسول الله ﷺ) طبع بتحقيق د. صلاح الدين المنجد، طبع دار الكتب ببيروت.
▪الإمام الحافظ عبد الرحيم العراقي [توفي 808هـ]: له مولد باسم "المورد الهني في المولد السني".
▪إمام القراء الحافظ شمس الدين ابن الجزري [توفي 833هـ]: له مولد باسم "عرف التعريف بالمولد الشريف".
▪الإمام الحافظ شمس الدين ابن ناصر الدين الدمشقي [توفي 842هـ]: له مولد باسم "مورد الصادي في مولد الهادي" وكذلك له "جامع الآثار في مولد المختار" و"اللفظ الرائق في مولد خير الخلائق".
▪الإمام الحافظ شمس الدين السخاوي [توفي 902هـ]: له مولد باسم "الفخر العلوي في المولد النبوي".
▪الإمام الحافظ علي زين العابدين السمهودي [توفي 911هـ]: له مولد اسمه "الموارد الهنية في مولد خير البرية".
▪الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي [توفي 911هـ]: له مصنف باسم "حسن المقصد في عمل المولد".
▪الإمام الحافظ عبد الرحمن بن علي بن محمد الشيباني المعروف بابن الديبع [توفي 944هـ].
▪الإمام المحدث الفقيه ابن حجر الهيتمي [توفي 974هـ]: له مولد باسم "إتمام النعمة على العالم بمولد سيد ولد آدم".
▪الإمام المحدث الفقيه ملا علي قاري [توفي 1014هـ]: له مولد باسم "المورد الروي في المولد النبوي".
▪الإمام المحدث الفقيه محمد عبد الرؤوف المناوي صاحب "فيض القدير شرح الجامع الصغير" المتوفى سنة 1031 هـ.
وممن أجازه من أهل العلم ولم يصنف فيه، الإمام الحافظ العلامة أبو شامة المقدسي [توفي 665هـ]، والإمام الحافظ العلامة ابن حجر العسقلاني [توفي 852هـ]. حتى ابن تيمية [توفي 728هـ] قال في كتابه [اقتضاء الصراط المستقيم]: "فتعظيم المولد واتخاذه موسمًا قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله ﷺ" انتهى
ومن المعاصرين الذين ينتمون لمؤسسات دينية كانت تحارب الإحتفال بالمولد النبوي الشريف الشيخ عبد الله المطلق، المستشار بالديوان الملكي وعضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية حيث قال: "إن المحتفلين بالمولد النبوي ليسوا كلهم على خطأ"، مشيراً إلى أن هناك منهم من يستغل هذه الفرصة للتعريف بالرسول ﷺ ونقل الصحيح من أخباره وسيرته ومنهجه، بحكم أن الناس يستمعون فيها إلى سيرته أكثر من غيرها، واعتبر المطلق هذا من "أفضل الأعمال، ومن انتهاز الفرص لإسماع الناس الخير".
ولم يشذ عن جمهور هؤلاء العلماء إلا قلة مغمورون لا يتجاوز عددهم أصابع اليد، عاشوا في القرن السابع والثامن الهجري، فعاصروا ابن تيمية وتأثروا بفكره المنحرف المتحامل على تعظيم الأمة لرسول الله ﷺ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ترتيب المدارك وتقريب المسالك للقاضي عياض.
(6) 👈قالوا: المولد أحدثه الفاطميون الروافض.
✍الجواب:
⚪ استند المحتفلون بالمولد على تأصيل شرعي متين من الكتاب والسنة على فهم أهل العلم المعتبرين ولم يأخذوه عن أحد آخر.
⚪ عندما وجد النبي ﷺ اليهود يصومون عاشوراء بمناسبة ذكرى إنجاء الله تعالى لموسى عليه السلام من فرعون قال لهم: "نحن أولى بموسى منكم" فصامه وأمر بصيامه، لم يمنعه من شكر نعمة الله تعالى أن اليهود سبقوه إليها بل قرر لهم أننا نحن المسلمين أولى بذلك، وكذا في ذكرى ميلاد النبي ﷺ فنحن أولى به من غيرنا كائنًا من كان.
⚪ الإحتفال بالمولد الذي عرفه أهل السنة والجماعة وتقبلته الأمة بالقبول كان أول من أقامه هو الملك المظفر صاحب إربل. قال الحافظ السيوطي(ت 911هـ) في حسن المقصد: "وأول من أحدث فعل ذلك صاحب إربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدّين علي بن بكتكين أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد، وكان له آثار حسنة، وهو الذي عمَّر الجامع المظفري بسفح قاسيون".
⚪ وقال الإمام الحافظ أبو شامة المقدسي (ت 665هـ) في الباعث: "وَمن أحسن مَا ابتدع فِي زَمَاننَا من هَذَا الْقَبِيل مَا كَانَ يفعل بِمَدِينَة اربل جبرها الله تَعَالَى كل عَام فِي الْيَوْم الْمُوَافق ليَوْم مولد النَّبِي ﷺ من الصَّدقَات وَالْمَعْرُوف واظهار الزِّينَة وَالسُّرُور فان ذَلِك مَعَ مَا فِيهِ من الاحسان الى الْفُقَرَاء مشْعر بمحبة النَّبِي ﷺ وتعظيمه وجلالته فِي قلب فَاعله وشكرا لله تَعَالَى على مَا من بِهِ من ايجاد رَسُوله الَّذِي أرْسلهُ رَحْمَة للْعَالمين ﷺ وعَلى جَمِيع الْمُرْسلين". انتهى
⚪ وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية في ترجمة الملك المظفر أبو سعيد كوكبرى صاحب إربل:
"أحد الأجواد والسادات الكبراء والملوك الأمجاد، له آثار حسنة وقد عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون... وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالًا هائلًا، وكان مع ذلك شهمًا شجاعًا فاتكًا بطلًا عاقلًا عالمًا عادلًا رحمه الله وأكرم مثواه. وقد صنف الشيخ أبو الخطاب ابن دحية له مجلدًا في المولد النبوي سماه التنوير في مولد البشير النذير، فأجازه على ذلك بألف دينار"أهـ
⚪ وقال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة الملك المظفر أبو سعيد كوكبرى صاحب إربل:
"وأما احتفاله بالمولد، فيقصر التعبير عنه؛ كان الخلق يقصدونه من العراق والجزيرة، وتنصب قباب خشب له ولأمرائه وتزين، وفيها جوق المغاني واللعب، وينزل كل يوم العصر، فيقف على كل قبة ويتفرج، ويعمل ذلك أياما، ويخرج من البقر والإبل والغنم شيئا كثيرا، فتنحر، وتطبخ الألوان، ويعمل عدة خلع للصوفية، ويتكلم الوعاظ في الميدان، فينفق أموالا جزيلة. وقد جمع له ابن دحية -الحافظ- (كتاب المولد)، فأعطاه ألف دينار. وكان متواضعًا، خيرًا، سُنِّيًّا، يحب الفقهاء والمحدثين"
(7) 👈قالوا: لم يثبت تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.
✍الجواب:
قال ابن كثير في البداية والنهاية: "قيل: لثنتى عشرة خلت منه، نصَّ عليه ابن إسحاق، ورواه ابن أبى شيبة في "مصنفه" عن عفان عن سعيد بن ميناء عن جابر وابن عباس أنهما قالا: ولد رسول الله ﷺ عام الفيل يوم الأثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وفيه بعث، وفيه عرج به إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات. وهذا هو المشهور عند الجمهور."
(8) 👈قالوا: لماذا لا تكتفون بصيام يوم الأثنين كما فعل النبي ﷺ والصحابة؟
✍الجواب:
⚪ مداومة النبي ﷺ على صيام يوم الأثنين يشرع التنبيه لعظمة ميلاد النبي ﷺ ويلفت النظر إلى التعرض لنفحات تلك الذكرى العظيمة بما يستوجب الشكر على الرحمة المهداة والنعمة المسداة.
⚪ الغرض من الاحتفال بالمولد اليوم هو الاستمرار في تنبيه الأجيال وتذكيرهم بعظمة النبي ﷺ، فكيف سيصوم من لا يعرف قدر نبيه وعظمة نعمة ميلاده؟! يجب أن يعرف أولًا، لذلك نحتاج إلى المولد لإبقاء ذكرى الميلاد حية في الوجدان لنهيئ الأجيال للإحساس بنعمة الميلاد بما يؤهلهم للصيام شكرًا لله عليها.
⚪ ليس بمقدور الجميع الصيام، قال تعالى: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، فالمريض، والمسافر، والطفل الصغير، والحامل، والنفساء، والمرضع، قد لا يستطيعون الصيام بحسب الحالة، لكن من حق الجميع الفرح برسول الله ﷺ وذكرى ميلاده.
⚪ كثير من المسلمين اليوم يصومون كل أثنين فرحًا بميلاد النبي ﷺ، لكن يستفاد من حديث صيام يوم الأثنين أيضًا في تأصيل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف كل سنة في الثاني عشر من ربيع الأول لأن الحديث يلفت النظر لذكرى الميلاد.
⚪ كونه ﷺ دوام على صيام يوم الأثنين، وجمع الصحابة وعق عن نفسه بعد النبوة وعمره الشريف فوق الثلاث والخمسين سنة، وجمع الصحابة وحدثهم عن ميلاده الشريف، كل ذلك لتشريع تعدد طرق الاحتفال بذكرى الميلاد.
(9) 👈قالوا: المولد تشبه بالكفار ومجاراة لهم في عيد ميلاد المسيح.
✍الجواب:
⚪ عندما كان المسلمون يصلون إلى بيت المقدس، هل كان هذا تشبهًا بأهل الكتاب أم حق وافق؟
⚪ وعندما قال رسول الله ﷺ: (خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله) هل كان هذا تشبهًا بأهل الكتاب أم حق وافق؟
⚪ وعندما وجد النبي ﷺ اليهود يصومون عاشوراء بمناسبة ذكرى إنجاء الله تعالى لموسى عليه السلام من فرعون، وقال: "نحن أولى بموسى منكم" وأمر بصيامه، هل كان هذا تشبهًا بأهل الكتاب أم حق وافق؟
⚪ إذًا إذا وافق الحق أهل الكتاب لا نخالف بل نكون نحن الأولى، فنحن أحق بالحق أينما وجد لأننا خير أمة أخرجت للناس، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها.
⚪ لقد أثنى النبي ﷺ على حلف الفضول الذي حدث في الجاهلية وقال عنه: «لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت»، فهل ذمه لأنه كان أيام الجاهلية ودعا إليه المشركون؟ بل أثنى عليه وقرر أنه لو دعي إليه في الإسلام لأجابه.
⚪ لا علاقة بين مسلم يحتفل بذكرى ميلاد النبي ﷺ مستندًا على أدلة شرعية من الكتاب والسنة على فهم أهل العلم المعتبرين، وبين من يحتفل بميلاد عيسى عليه السلام على سبيل الاعتياد، بل هو نصراني ينسب لله الولد ويؤمن بالثالوث.
⚪ ضابط التشبه هو أن تقصد بعملك مشابهة المتشبه به ومحاكاته ومماثلته بغية أن تنتسب إليه، وتندرج في سياقه، وتحسب منه، وهذا معدوم في إقامة المولد لأن النية هي إحياء ذكرى النبي ﷺ في نفوس الأمة ونشر المعرفة به ﷺ وبصفاته وشمائله وسيرته وسنته وليس تشبهًا بأحد.
(10) 👈قالوا: المولد قد يشتمل على بعض المنكرات والمحظورات لذلك هو باطل.
✍الجواب:
إن اختلاط الرجال بالنساء في الحج والعمرة معلوم، واستحباب خروج النساء لصلاة العيد وشهود الخير ودعوة المسلمين ثابت لما رواه الشيخان عن أم عطية رضي الله عنها قالت: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن -أي الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ- في الفطر والأضحى» ومع ذلك فلو وقعت منكرات أو محظورات في الاجتماع للحج أو العمرة أو صلاة العيدين أو صلاة الجمعة لوجب إنكارها بدون أن يعني ذلك إبطال الحج والعمرة وصلاة العيدين وصلاة الجمعة. يجب إنكار كل فعل قبيح جاز أن يقع في ساحات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف دون أن يكون ذلك ذريعة إلى إبطال أصل الاحتفال.
(11) 👈قالوا: لماذا لا تحتفلون بيوم مماته أيضًا وقد وافق يوم ولادته؟
✍الجواب:
⚪ الله تعبدنا في الميلاد بإظهار الفرح والسرور، وبشكر النعمة، لذلك شرع لنا العقيقة (السماية) وهي وليمة يدعى لها الناس شكرًا لله وتعبيرًا عن الفرح والسرور، أما في الوفاة فإن الله تعالى تعبدنا بالصبر والسلوان.
⚪ الموت لم يغيب النبي ﷺ فهو ﷺ بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى حي وحاضر لقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [سورة الجمعة: 2 - 4]
عن مجاهد في قول الله: (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) قال: "من ردف الإسلام من الناس كلهم".
وعن ابن زيد قال: "هؤلاء كلّ من كان بعد النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى يوم القيامة، كلّ من دخل في الإسلام من العرب والعجم" [تفسير الطبري]
ولقوله ﷺ: (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون)[1]
ولقوله ﷺ: (حياتي خير لكم تُحَدِّثُونَ وَيُحَدَّثُ لكم، ووفاتي خير لكم تعرض عليَّ أعمالكم، فما رأيتُ من خيرٍ حمدتُّ الله عليه، وما رأيتُ من شرٍ استغفرتُ الله لكم)[2]
ولقوله تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ) [سورة البقرة: 154] فإذا كان الشهداء أحياء فكيف بالأنبياء؟ وكيف بسيدهم ﷺ وأكرمهم على ربه عز وجل؟
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] رواه أبو يعلى بسند رجاله ثقات والبيهقي والهيثمي وصححاه.
[2]رواه البزار في مسنده، وجود إسناده الحافظ العراقي في طرح التثريب، وقال الهيثمي في المجمع: رجاله رجال الصحيح.
(12) 👈قالوا: الاهتمام برسول الله ﷺ يكون في سائر الأيام وليس في يوم أيام محددة من ربيع الأول.
✍الجواب:
نعم هو كذلك، لكن هنالك دائمًا أيام مواسم تزداد فيها الهمة ويزيد فيها النفح الرباني ويستحب فيها زيادة الاجتهاد، ألم تر أن المؤمن يعبد الله في سائر أيامه لكنه يزيد همة واجتهادًا في رمضان، ويضاعف جهده في العشر الأواخر؟! عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله ﷺ يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها»[رواه مسلم].
وتجده يعبد الله حتى الصباح تحريًا لليلة القدر في السابع والعشرين من رمضان؟! والناسك تراه يتنسك في سائر أيامه ويشتد نسكه في الحج، والعائل تراه ينفق على عياله ويوسع عليهم في عاشوراء وهكذا.
(13) 👈قالوا: في قوله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) الفضل هو القرءان والرحمة هي الإسلام كما قال أهل التفسير ولم يرد معنى أن الرحمة هي سيدنا محمد ﷺ.
✍الجواب:
⚪ قال الإمام الحافظ السيوطي في تفسيره [الدر المنثور]:
"وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: فضل الله العلم ورحمته محمد ﷺ قال الله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [سورة الأنبياء: 107]"
⚪ وقال الحافظ ابن الجوزي في [زاد المسير في علم التفسير]:
"فضل الله: العلم، ورحمته: محمّد ﷺ، رواه الضحاك عن ابن عباس."
⚪ وقال أبو حيان الأندلسي في [البحر المحيط]:
"وقال ابن عباس فيما روى الضحاك عنه: الفضل العلم والرحمة محمد ﷺ."
(14) 👈قالوا: المولد عادة أم عبادة؟ إن كان عادة فليس لكم فيه ثواب، وإن كان عبادة فأين الدليل عليه؟
✍الجواب:
إن تقسيم الشريعة إلى عادة وعبادة بهذا الإطلاق تقسيم فاسد ومبتدع، فإن سئلت عن الطعام أو الشراب، أهو عادة أم عبادة؟ ماذا تقول؟ إن قلت عبادة كنت مخطئًا لإن الكافر بقولك هذا عابد لله، بل وأفضل عبادة من المسلم لقول النبي ﷺ: (الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحد)، وإن قلت عادة فقد أخطأت أيضًا لأنك بذلك نفيت وألغيت أحكام الشريعة المتعلقة بالطعام والشراب، وجوزت بذلك أكل الخنزير والميتة والدم وما أهل به لغير الله، وأبحت شرب الخمر، وغير ذلك، فيظهر بذلك فساد هذا التقسيم.
لذلك قسم أهل العلم الشريعة على الأحكام الخمسة المعروفة: الحلال والمستحب والحرام والمكروه والمباح وهي تستوعب كل الأحكام، فمن الطعام ما هو حلال كبهيمة الأنعام، ومنه ما هو مستحب كالتمر والزيتون وكل ما رود في القرءان الكريم والسنة المطهرة، ومنه ما هو حرام كلحم الخنزير والميتة، ومنه ما هو مكروه كالبصل والثوم والكراث، ومنه مباح كسائر الطعام الذي لم يرد فيه نص. وللطعام والشراب آداب شرعية أيضًا كالبسملة، وأن تأكل مما يليك، وأن تشرب جالسًا، وأن لا تتنفس في الإناء، وفيه سنن كلعق الأصابع بعد الأكل، والأكل بثلاث، أصابع والشرب على ثلاث دفعات، وأن لا تعيب طعامًا وغير ذلك، وكل ذلك دين. لذلك قسم العلماء البدعة للأحكام الخمسة، فمنها المحرمة والمكروهة والواجبة والمستحبة والمباحة وهو تقسيم يستوعب أقسام البدعة بشقيها الحسنة والسيئة.
أما تأصيل المولد والدليل عليه فقد سبق الإشارة إليه باستفاضة في الرد على الشبهة رقم (4).
(15) 👈قالوا: ليس في تذكر يوم الميلاد تعظيم للمولود حتى ولو كان نبيًّا.
✍الجواب:
⚪ بلى فيه، وذلك بتذكره وتذكُّر سيرته ومناقبه وفضله والنعمة بميلاده. وقد أثنى الله تبارك وتعالى على الأنبياء في أيام ميلادهم فقال تعالى عن يحيى عليه السلام: (وسلام عليه يوم ولد) وعلى لسان عيسى عليه السلام: (والسلام عليَّ يوم ولدت)، وروى ابن الجوزي في تفسيره أن الحسن البصري قال: "التقى يحيى وعيسى، فقال يحيى لعيسى: أنتَ خير مني، فقال عيسى ليحيى: بل أنت خير مني، سلَّم الله عليك، وأنا سلَّمتُ على نفسي. وقال سعيد بن جبير مثله، إِلا أنه قال: أثنى الله عليك، وأنا أثنيت على نفسي."أهـ
فالسلام هنا ثناء وكرامة.
⚪ ولذكرى ميلاد النبي ﷺ تعظيم خاص فقد اختار الله تبارك وتعالى يوم ذكرى يوم ميلاده ليكون يوم نزول القرءان، ويوم الإسراء والمعراج، ويوم الهجرة، ويوم دخول المدينة، ويوم الإنتقال إلى الملأ الأعلى، وهذا تعظيم استثنائي.
(16) 👈قالوا: تعظيم النبي ﷺ ومحبته تكون باتباع سنته.
✍الجواب:
⚪ لا يوجد مؤمن غير متبع وغير مطيع لرسول الله ﷺ وإلا لما صلح أن يكون مؤمنا من الأساس، فالمؤمن الذي يشهد الشهادتين ويقيم أركان الدين ويطيع الرسول ﷺ في كثير من أمور الشريعة هو متبع ومطيع لرسول الله ﷺ.
⚪ محبة النبي ﷺ نفسها طاعة وعمل من أعمال القلوب أمرت الشريعة بالمبالغة في تحريه وتحصيله، كما قال النبي ﷺ: (والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه)، فهي نفسها اتباع وطاعة.
⚪ المحبة أساس التعظيم، فإنك لا تعظم في قبلك من تكره.
⚪ المحبة إحساس يخالج القلب لأنها من أعمال القلوب، والطاعة وحدها لا تكفي لتكون علامة على صحة المحبة، فقد تطيع وأنت مجبر ومكره كما في العسكرية أو تحت تهديد السلاح مثلا أو تطيع بداعي الخوف أو نفاقًا، أو لغرض دنيوي. والمخالفة وحدها من الناحية الأخرى لا تكفي لتكون علامة على الجفاء وضعف المحبة، فقد تقع المخالفة من باب الأدب الجم وفرط المحبة مثلما أبى سيدنا أبو بكر رضي الله عنه أن يثبت في الصلاة عندما حضر رسول الله ﷺ، وأمره بالثبات. وقد تقع من باب الغيرة وفرط المحبة مثلما أبى سيدنا علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه أن يمحو اسم النبي ﷺ من الصحيفة يوم الحديبية، وقد تقع بسبب مرض أو ابتلاء أو ضعف في العزيمة وغير ذلك، وشارب الخمر الذي شهد له رسول الله ﷺ بالمحبة خير مثال.
⚪ علامة المحبة الصادقة هي الشوق لرؤية المحبوب فقال النبي ﷺ: (إن من أشد أمتي لي حبًّا ناس يكونون بعدي، يود أحدهم لو رآني بأهله وماله) [رواه مسلم]، وهذا صريح في أن الشوق له ﷺ علامة على شدة محبته.
⚪ السعي لمحبة النبي ﷺ أكثر من النفس هو في حد ذاتها طاعة لقوله ﷺ: (والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه) [أخرجه الإمام أحمد]
⚪ الإنسان لا يحب من يجهل، فلكي تحب يجب أن تتعرف على المحبوب وهذا الذي يفعله الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.
⚪ لو كان الإتباع علامة المحبة لما شهد النبي ﷺ لمدمن خمر بأنه يحب الله ورسوله كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأين الإتباع والطاعة في إدمان أم الكبائر؟!!
⚪ المحبة أصل والطاعة فرع، فإن تعاهد المحبة يثمر لاحقًا عن الطاعة والصدق والتضحية والإيثار لكن لا تلازم بينهما في الأصل.
⚪ ورد في الصحيحين أن أعرابيًّا سأل النبي ﷺ: متى الساعة؟ فقال له: "وماذا أعددت لها؟" قال: ما أعددت لها من شيء، غير أني أحب الله ورسوله. فقال له ﷺ: "أنت مع من أحببت"، فلو كان الإتباع علامة المحبة لما قبل النبي ﷺ منه إجابته: "ما أعددت لها من شيء" فضلًا عن أن يبشره بأنه مع الله ورسوله.
⚪ بعد أن بشر النبي ﷺ الأعرابي بأن المرء مع من أحب قال سيدنا أنس رضي الله عنه: "فما فرحنا بشيء فرَحَنا بقول النبي ﷺ: (أنت مع من أحببت)، قال أنس: فأنا أحب النبي ﷺ وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم" وهذا صريح في فهم الصحابة أن الإتباع ليس علامة للمحبة.
⚪ لو كان الإتباع علامة المحبة لاقتضى ذلك أن المؤمنين لا يحبون الله تعالى لقول النبي ﷺ: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون".
⚪ أما قوله تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) فإن الآية تتحدث عن محبة الله عز وجل (إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ) وليس عن محبة رسوله ﷺ. وقد نزلت فيمن زعم محبة الله عز وجل ولا يريد أن يؤمن برسالة سيدنا محمد ﷺ لأن الاتباع هنا بمعنى الإيمان بالرسالة، فأوجب الله عليه الإيمان برسوله حتى يقبله الله عز وجل. قال الطبري في تفسيره: "هذا أمرٌ من الله نبيَّه محمدًا ﷺ أن يقول لوفد نجران الذين قدموا عليه من النصارى: إن كان الذي تَقولونه في عيسى من عظيم القول، إنما تقولونه تعظيمًا لله وحبًّا له، فاتبعوا محمدًا ﷺ" انتهى.
(17) 👈قالوا: حلوى المولد وطعامه حرام
الجواب:
⚪ إطعام الطعام مستحب وحضت عليه الشريعة كما قال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)[سورة الإنسان: 8-9]، وقال تعالى: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ)[سورة البلد: 14-16]، وقال رسول الله ﷺ: «اتقوا النار ولو بشق تمرة» [متفق عليه]، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلا سأل رسول الله ﷺ: أي الإسلام خير؟ قال :«تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» [متفق عليه]، وقال رسول الله ﷺ: «أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» [أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح]، وقال رسول الله ﷺ :«أحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تطرد عنه جوعًا، أو تقضي عنه دينا» [صحيح أخرجه الطبراني]، وقال رسول الله ﷺ :«خياركم من أطعم الطعام» [صحيح أخرجه أحمد وابن حبان وغيرهما]، وغير ذلك من النصوص الدالة على استحباب إطعام الفقراء والمساكين.
⚪ الأصل في الأشياء الحل والإباحة ما لم يرد نص صحيح وصريح بالتحريم.
⚪ الحرام من الطعام هو ما حرمه الله عز وجل في كتابه العزيز كالدم المسفوح، ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، والمنخنقة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع إلا ما ذكيتم، والخمر، وما حرمه رسول الله ﷺ في سنته كذي الناب من السباع وذي المخلب من الطيور.
⚪ إن تحريم الحلال جرم عظيم لقوله ﷺ: «إن محرم الحلال كمحل الحرام» [رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح]
⚪ استحسن طعام المولد علماء الجمهور مثل الإمام أبي شامة المقدسي، والإمام الحافظ الذهبي، والإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني، والإمام الحافظ السيوطي، وغيرهم من أكابر أهل العلم.
⚪ تقدم بيان مشروعية الإحتفال بالمولد النبوي الشريف استنادًا على أصول شرعية متينة.
⚪ يمكن النظر إلى التمر والرطب على أنها كانت تمثل الحلوى على أيام الصحابة رضوان الله عليهم، فعندما يصومون يوم الأثنين بمناسبة ذكرى ميلاد النبي ﷺ كانوا يفطرون على هذه الحلوى. واليوم فإن من يصوم الإثنين يفطر على التمر والرطب، وأيضًا على العصائر التي هي في الحقيقة حلوى سائلة إذا جمدتها صارت حلوى صلبة.
⚪ كون أن حلوى الأطفال تكون على شكل دمى فليس في ذلك حرج لأن دمى الأطفال في صورة بشر أو حيوان أمر مباح على مذهب الجمهور، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: (قدم رسول الله ﷺ من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سهوتها ستر فهبت ريح، فكشفت ناحية الستر عن بناتي. ورأى بينهن فرساً له جناحان من رقاع. فقال: "ما هذا الذي أرى وسطهن؟" قالت: فرس. قال: ما هذا الذي عليه؟ قالت: جناحان. قال: "فرس له جناحان؟" قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة؟ قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه) [رواه أبو داود والنسائي]
والسهوة: ما يكون شبيهًا بالرف الذي توضع فيه الأشياء.
⚪ إذا كان طعام الذين أوتوا الكتاب حلال أيكون طعام المسلم فرحًا برسول الله حرامًا؟ هذه مبالغة في الجفوة مع النبي ﷺ وتحريض صريح بغضه والجفاء معه في حين أن العكس هو المطلوب، خاصة في هذه العصور المتأخرة.
(18) 👈قالوا: أنكر المولد ابن الحاج والمالكي والفاكهاني والشوكاني من العلماء.
✍الجواب:
⚪ جمهور أهل العلم لم ينكروا عمل المولد بل استحسنوه لما فيه من التذكير بفضل النبي ﷺ.
⚪ الإمام الصوفي الأشعري المالكي ابن الحاج لم ينكر عمل المولد بل أثنى عليه لكن كانت له تحفظات على بعض المسائل فيه.
⚪ رد الإمام الحافظ السيوطي في رسالتين على الإمام ابن الحاج والفاكهاني وأثبت في رده بطلان كلامهما في المولد، يرجى مراجعة حسن المقصد في عمل المولد للإمام الحافظ السيوطي.
⚪ بعض العلماء الذين أنكروا عمل المولد لا يبلغوا في العلم والجلالة من خالفهم ممن أجازه واستحسنه، وأغلب من تحفظ على عمل المولد هم ممن عاشوا في القرن الثامن الهجري وما تلاه ويبدو أنهم تأثروا بآراء ابن تيمية الشاذة والمتحاملة على تعظيم النبي ﷺ.
⚪ جمهور أهل العلم وأكابر العلماء الذين حضروا قيام احتفالات المولد في ذلك الوقت استحسنوها، وصنفوا في المولد التصانيف البديعة، قال الإمام الحافظ أبو شامة المقدسي: "وَمن أحسن مَا ابتدع فِي زَمَاننَا من هَذَا الْقَبِيل مَا كَانَ يفعل بِمَدِينَة اربل جبرها الله تَعَالَى كل عَام فِي الْيَوْم الْمُوَافق ليَوْم مولد النَّبِي ﷺ من الصَّدقَات وَالْمَعْرُوف واظهار الزِّينَة وَالسُّرُور فان ذَلِك مَعَ مَا فِيهِ من الاحسان الى الْفُقَرَاء مشْعر بمحبة النَّبِي ﷺ وتعظيمه وجلالته فِي قلب فَاعله وشكرا لله تَعَالَى على مَا من بِهِ من ايجاد رَسُوله الَّذِي أرْسلهُ رَحْمَة للْعَالمين ﷺ وعَلى جَمِيع الْمُرْسلين". انتهى
⚪ أجاز عمل المولد جمهور أهل العلم من الفقهاء والحفاظ والعلماء المعتبرين. وممن أجاز الاحتفال بالمولد من أهل العلم الإمام الحافظ العلامة أبو شامة المقدسي شيخ الإمام الحافظ النووي، والإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني، الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي، وممن أجازه وألف فيه كتبًا تقرأ في احتفالات المولد:
▪ الإمام الحافظ ابن الجوزي [ت 597هـ]: له مولد باسم "العروس"، وقد طبع في مصر بتحقيق الدكتور عبد الحفيظ البقالي الغزواني.
▪الإمام الحافظ أبو الخطاب عمر بن علي بن محمد المعروف بابن دحية الكلبي [ت 633هـ]: له مولد باسم "التنوير في مولد البشير النذير".
▪الإمام الحافظ أبو العباس العَزَفي [ت 633هـ]: له مولد باسم "الدر المنظم في مولد النبي المعظم".
▪الإمام الحافظ ابن كثير صاحب التفسير [ت 774هـ]: له (مولد رسول الله ﷺ) طبع بتحقيق د. صلاح الدين المنجد، طبع دار الكتب ببيروت.
▪الإمام الحافظ عبد الرحيم العراقي [ت 808هـ]: له مولد باسم "المورد الهني في المولد السني".
▪إمام القراء الحافظ شمس الدين ابن الجزري [ت 833هـ]: له مولد باسم "عرف التعريف بالمولد الشريف".
▪الإمام الحافظ شمس الدين ابن ناصر الدين الدمشقي [ت 842هـ]: له مولد باسم "مورد الصادي في مولد الهادي" وكذلك له "جامع الآثار في مولد المختار" و"اللفظ الرائق في مولد خير الخلائق".
▪الإمام الحافظ شمس الدين السخاوي [ت 902هـ]: له مولد باسم "الفخر العلوي في المولد النبوي".
▪الإمام الحافظ علي زين العابدين السمهودي [ت 911هـ]: له مولد اسمه "الموارد الهنية في مولد خير البرية".
▪الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي [ت 911هـ]: له مصنف باسم "حسن المقصد في عمل المولد".
▪الإمام الحافظ عبد الرحمن بن علي بن محمد الشيباني المعروف بابن الديبع [ت 944هـ].
▪الإمام المحدث الفقيه ابن حجر الهيتمي [ت 974هـ]: له مولد باسم "إتمام النعمة على العالم بمولد سيد ولد آدم".
▪الإمام المحدث الفقيه ملا علي قاري [ت 1014هـ]: له مولد باسم "المورد الروي في المولد النبوي".
▪الإمام المحدث الفقيه محمد عبد الرؤوف المناوي صاحب "فيض القدير شرح الجامع الصغير" المتوفى سنة 1031 هـ.
⚪ ثبت عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله: (ما رآه المسلمون حسنًا فهو حسن)، وجمهور أهل القبلة يستحسنون المولد ويحتفلون بذكرى ميلاد النبي ﷺ، قال الإمام الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي المتوفى سنة 597هـ في كتابه [بيان المولد النبوي]: "لا زال أهل الحرمين الشريفين ومصر واليمن والشام وسائر بلاد العرب من المشرق والمغرب يحتفلون بمجلس مولد النبي ﷺ، ويفرحون بقدوم هلال شهر ربيع الأول، ويهتمون إهتمامًا بليغًا على السماع والقراءة لمولد النبي ﷺ، وينالون بذالك أجرًا جزيلًا وفوزًا عظيمًا" أهـ
(1) 👈قالوا: المولد بدعة، والنبي ﷺ قال: (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة).
✍الجواب:
⚪ عندما ترد عبارة "بدعة" في النصوص الشرعية وكلام العلماء فإن المقصود بها البدعة الضلالة أو البدعة المذمومة، وذلك لأن البدعة عند أهل العلم تنقسم إلى محمودة ومذمومة. قال الإمام الشافعي (ت 204هـ) رضي الله عنه: "البدعة بدعتان، بدعة محمودة، وبدعة مذمومة. فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم، واحتج بقول عمر بن الخطاب في قيام رمضان: نعمت البدعة هي"[1]
وقال الإمام العلامة أبو سليمان الخطابي (ت 388هـ) في شرح سنن أبي داود:
"وقوله كل محدثة بدعة فإن هذا خاص في بعض الأمور دون بعض، وكل شيء أحدث على غير أصل من أصول الدين وعلى غير عياره وقياسه. وأما ما كان منها مبنياً على قواعد الأصول ومردود إليها فليس ببدعة ولا ضلالة"
وقال الإمام الحافظ القرطبي (ت 672هـ) في تفسيره:
"كل بدعة صدرت من مخلوق فلا يخلو أن يكون لها أصل في الشرع أو لا، فإن كان لها أصل كانت واقعة تحت عموم ما ندب الله إليه وحض رسوله عليه، فهي في حيز المدح. وإن لم يكن مثاله موجوداً كنوع من الجود والسخاء وفعل المعروف، فهذا فعله من الأفعال المحمودة، وإن لم يكن الفاعل قد سبق إليه. ويعضد هذا قول عمر رضي الله عنه: نعمت البدعة هذه"
وقال الإمام الحافظ ابن الأثير (ت 630هـ) في النهاية: «البدعة بدعتان: بدعة هدى وبدعة ضلال. فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله ﷺ، فهو في حيز الذم والإنكار، وما كان واقعاً تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه أو رسوله فهو في حيز المدح»
وقال: «والبدعة الحسنة في الحقيقة سنّة، وعلى هذا التأويل يحمل حديث "كل محدثة بدعة" على ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة».
وقـال الإمام الحافظ تقي الدين السبكي (ت 756هـ): "البدعة فـي الشرع إنما يراد بها الأمر الحادث الذي لا أصل له في الشرع، وقد يطلق مقيداً، فيقال: بدعة هدى، وبدعة ضلالة". انتهى
وقال ابن رجب الحنبلي (ت 795 هـ): «والمراد بالبدعة ما أحدث مما ليس له أصل في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل في الشرع يدلّ عليه فليس ببدعة، وإن كان بدعة لغة»
⚪ هذه بعض تعريفات أهل العلم سلفًا وخلفًا للبدعة، وعلى هذا الفهم أيضًا أكابر أهل العلم كسلطان العلماء العز بن عبد السلام، وحجة الإسلام الغزالي، والحافظ ابن الجوزي، والإمام الحافظ النووي، والإمام العلامة الحافظ ابن حجر العسقلاني، والإمام الحافظ العلامة بدر الدين العيني الحنفي، والإمام العلامة الحافظ السيوطي، والإمام العلامة أحمد بن يحيى الونشريسي المالكي، والإمام العلامة الزرقاني المالكي وخلق كثير من أهل العلم لا يتسع المقام لذكرهم.
⚪ من أمثلة البدع الحسنة، صلاة التهجد في جماعة، جمع القرءان، تنقيط المصحف، وتشكيله، وتلوينه وتبيين أحكام التجويد وأماكن الوقف فيه، وتصنيف العلوم الشرعية كعلم الحديث وأصول الفقه، قيام المدارس والمعاهد الدينية، قيام المؤتمرات والندوات الإسلامية والأسابيع الدعوية، وإقامة المسابقات الدينية في حفظ وتلاوة القرآن الكريم.. إلخ.
⚪ تعريف البدعة الخاطئ الذي يتم الترويج له هذه الأيام منسوب للفقيه الأشعري أبي اسحاق الشاطبي المتوفى سنة 790هـ وهو مخالف لما عليه جمهور أهل العلم المعتبرين من السلف والخلف.
⚪ قوله ﷺ: "كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" من العام المخصوص كما بينه أهل العلم، وهو مبسوط بشرحه في كتب أهل العلم المذكورين.
⚪ جعل أهل العلم الضابط على البدعة الحسنة أن يكون لها أصل من الدين يدل عليها. قال الإمام العلامة التفتزاني (ت 792هـ) في شرح المقاصد: «ومن الجهل من يجعل كل أمر لم يكن في عهد الصحابة بدعة مذمومة، وإن لم يقم دليل على قبحه، تمسكاً بقوله عليه الصلاة والسلام: "إياكم ومحدثات الأمور" ولا يعلمون أن المراد بذلك هو أن يجعل من الدين ما ليس منه» وقال المباركفوري (1334 هـ) في "تحفة الأحوذي": "والمراد بالبدعة: ما أُحدث ممَّا لا أصل َله في الشريعة يدلُّ عليه، وأمَّا ما كان له أصل من الشَّرْع يدلُّ عليه، فليس ببدعة شَرْعًا". أهـ
⚪ أصَّل المحققون من أهل العلم للمولد من جملة من الأدلة الصحيحة، ومنها حديث أبي قتادة أن رسول الله ﷺ سئل عن صيام يوم الأثنين، فقال: (ذلك يوم فيه ولدتُّ، وفيه أنزل عليَّ) [أخرجه مسلم] وهذا صريح في التنبيه إلى عظمة ميلاد النبي ﷺ. ومن قوله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)، ففضل الله هو العلم ورحمته هو رسول الله ﷺ وهذا أمر رباني صريح بالفرح برسول الله ﷺ وأولى الفرح يكون باليوم الذي ولد فيه. قال الإمام الحافظ السيوطي في تفسيره [الدر المنثور]:
"أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: فضل الله العلم ورحمته محمد ﷺ قال الله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [سورة الأنبياء: 107]"
وقال الحافظ ابن الجوزي في [زاد المسير في علم التفسير]:
"فضل الله: العلم، ورحمته: محمّد ﷺ، رواه الضحاك عن ابن عباس."
وقال أبو حيان الأندلسي في [البحر المحيط]:
"وقال ابن عباس فيما روى الضحاك عنه: الفضل العلم والرحمة محمد ﷺ."
⚪ وأصلوا له أيضًا من إخبار النبي ﷺ صحابته ما جرى في ميلاده العظيم، فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قَال: سَمِعْت رسول اللَّه ﷺ يَقُول: (إني عبد الله وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأخبركم عن ذلك أني دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت وكذلك أمهات النبيين يرين وإن أم رسول الله ﷺ رأت حين وضعته نورًا أضاءت له قصور الشام) أخرجه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم وفي حديث أبي أمامة عند أحمد نحوه اهـ
⚪ وأصَّل الحافظ ابن حجر العسقلاني للمولد من حديث عاشوراء حيث قال: "وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي ﷺ قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى، فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم؟"
⚪ وأصَّل الحافظ السيوطي للمولد من حديث أنه ﷺ عق عن نفسه بعد النبوة حيث قال: "وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر، وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس أن النبي ﷺ عق عن نفسه بعد النبوة مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع ولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي ﷺ إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين وتشريع لأمته كما كان يصلي على نفسه لذلك، فيستحب لنا أيضا إظهار الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات" ذكره السيوطي في [حسن المقصد في عمل المولد]
فعلى رأي جماهير علماء الأمة فإن المولد عمل صالح يندب خاصة في هذه العصور المتأخرة التي كثر فيها الإنشغال عن رسول الله ﷺ وعن تعظيمه ومدارسة سيرته وشمائله وأوصافه.
(2) 👈قالوا: حديث أنه ﷺ عق عن نفسه بعد النبوة روايته ضعيفة.
✍الجواب:
لا يحكم على الحديث بالضعف من طريق واحدة ولكن من كل الطرق، أما الطريق الضعيفة فهي طريق عبد الله بن المحرر وهو ضعيف، لكن هناك طريق أخرى صحيحة، أخرجه الطبراني في الأوسط قال: حدثنا أحمد قال: نا الهيثم قال: نا عبد الله بن المثنى عن ثمامة، عن أنس، أن النبي ﷺ عق عن نفسه بعد ما بعث نبيًّا.
قال الهيثمي في المجمع: رواه البزار والطبراني في الأوسط ورجال الطبراني رجال الصحيح خلا الهيثم بن جميل، وهو ثقة، وأخرجه عبدُ الرزَّاقِ في «المصنَّف» (٤/ ٣٢٩) رقم: (٧٩٦٠)، وابنُ حبَّان في «الضعفاء» (٢/ ٣٣)، مِن طريق قتادةَ عن أنسٍ رضي الله عنه. كما أخرجه الطحاويُّ في «مُشْكِل الآثار» (١/ ٤٦١)، وابنُ حزمٍ في «المحلَّى» (٨/ ٣٢١)، مِن طريق ثُمامةَ بنِ أنسٍ عن أنسٍ رضي الله عنه.
⚪ لم يجد ألألبانيُّ بُدًا من تصحيحه، «السلسلة الصحيحة» (٦/ ١/ ٥٠٢) برقم: (٢٧٢٦).
(3) 👈قالوا: قال ابن الماجشون سمعت مالكًا يقول: "من ابتدع في الاسلام بدعة يراها حسنه فقد زعم ان محمدًا ﷺ، خان الرسالة لأن الله يقول: (اليوم أكملت لكم دينكم)، فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا."
✍الجواب:
⚪ هذا الأثر لا يثبت عن الإمام مالك لأن في سنده عبد الملك بن حبيب السلمي، وهو ضعيف. قال الحافظ في لسان الميزان: "كثير الوهم صحفي وكان بن حزم يقول: ليس بثقة، وقال الحافظ أبو بكر بن سيد الناس في تاريخ احمد بن سعيد الصدفي توهنه عبد الملك بن حبيب وانه صحفي لا يدري الحديث وقال أبو بكر: وضعفه غير واحد، ثم قال وبعضهم اتهمه بالكذب. قال بن حزم روايته ساقطة مطرحة". قال القاضي عياض في ترتيب المدارك "وحكى الباجي وابن حزم أن أبا عمر بن عبد البر كان يكذبه".
⚪ ولو افترضنا جدلًا ثبوت ذلك عن الإمام مالك فليس فيه حجة لأن أهل العلم سلفًا وخلفًا يقسمون البدعة إلى محمودة ومذمومة، وعبارة "بدعة" عند الإطلاق يراد بها البدعة الضلالة، تؤيده الزيادةُ التي أخرجها الحافظُ الترمذي من حديث عبد الله بن عبدالرحمن وحسَّنه في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم لبلال بن الحارث رضي الله عنه: "ومَن ابتدعَ بدعةً ضلالة"؛ لذا فالبدعة لا تُذمُّ بإطلاق، بل بِشَرْط أن تكون ضلالة، وأن تكون مخالِفةً لكليات الشريعة، فاقتضى هذا كلُّه أنَّ البدعة إذا لم تكنْ كذلك لم يَلْحقْها ذمٌّ، ولا يَتْبَع صاحبَها وزر. قال الإمام الحافظ السبكي: "فالبدعة عند الإطلاق لفظ موضوع في الشرع للحادث المذموم لا يجوز إطلاقه على غير ذلك، وإذا قيدت البدعة بالمستحبة ونحوه فيجوز، ويكون ذلك للقرينة، ويكون مجازا شرعيًا حقيقة لغوية" اهـ فيحمل كلام الإمام مالك على البدعة المذمومة.
⚪ قوله تعالى: (اليوم أكلمت لكم دينكم) لا يقتضي أن الدين قد اكتمل بكل أصوله وفروعه في ذلك اليوم لأن هذه الآية ليست آخر ما نزل من القرءان الكريم، بل آخر ما نزل هو قوله تعالى: (واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله). هذا فضلًا عن أن النبي ﷺ عاش شهورًا بعد نزول هذه الآية يفعل، ويتكلم، ويقر وهذا كله سنة، وكله دين. لذا لا يصلح الاحتجاج بها في هذا السياق.
⚪ بعد انتقال النبي ﷺ اكتملت أركان الدين وأصوله وبقيت مسائل فرعية مفتوحة إلى يوم القيامة كالإجتهاد في الدين، وتفسير القرءان الكريم، وبيان عجائب القرءان كمعاني الحروف المقطعة، والإعجاز العلمي في الكتاب والسنة، والسنن الحسنة وتجديد معاني الدين، وكل ذلك من الدين بلا شك.
⚪ لا يجوز أن يقال عن البدعة الحسنة: (ما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا) لأن البدعة الحسنة كانت دينًا يومئذ لما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وقرره أهل العلم.
⚪ ثبت عن الإمام مالك أنه كان لا يمشي منتعلًا في المدينة المنورة ولا راكبًا دابة حتى لا يطأ حافرها موضعًا وطئته أقدام المصطفى ﷺ، وهذا من باب الأدب مع سيدنا رسول الله ﷺ. ومع ذلك لم يثبت هذا عن الصحابة رضوان الله عليهم مع النبي ﷺ، فهل نقول فيه: (ما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا)؟ بل هو دين لأننا مأمورون بتوقير النبي ﷺ إطلاقًا.
(4) 👈قالوا: المولد لم يفعله الرسول ﷺ ولا الصحابة ولا التابعون، فلو كان خيرًا لسبقونا إليه.
✍الجواب:
⚪ ليس في ذلك حجة لأن الترك أوعدم الفعل لا يقتضي المنع أو النهي، فقد يكون الترك سهوًا، أو رحمةً، وتخفيفًا، وعفوًا، أو لعدم بروز الحاجة، أو لغير ذلك. فقد ترك ﷺ بعضًا من الصلاة سهوًا للتشريع، وترك التراويح في جماعة خشية أن تفرض تخفيفًا على الأمة، وترك هدم البيت وبناءه على أساس سيدنا إبراهيم عليه السلام رحمةً ومراعاةً لحال المسلمين آنذاك فقد كانوا حديثوا عهد بالكفر[1]، وترك أكل الضب لأنه عافه ﷺ[2] مع أنه مباح، وقال النبي ﷺ عن المباح والذي هو أصل الأحكام في الدين: (وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان، فلا تبحثوا عنها).
⚪ الداعي الأكبر إلى تشريع السنن الحسنة واستحسان أمور لم تكن في الصدر الأول هو الحاجة، والدين مرن: (وما جعل الله عليكم في الدين من حرج). خذ مثالًا على ذلك جمع القرءان الكريم. فإن النبي ﷺ لم يجمعه، بل بدأ جمعه سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، هل نقول لو كان خيرًا لسبقه إلى جمعه النبي ﷺ؟
لا يقول ذلك عاقل، فعلى عهد النبي ﷺ لم تكن هنالك حاجة إلى جمع القرءان، إذًا متى برزت الحاجة؟ برزت عندما كثر القتلى في القراء يوم اليمامة، وخُشي عليهم الإنقراض وذهاب القرءان الذي صدورهم. جاء في صحيح البخاري عن زيد بن ثابت، قال: بعث إليَّ أبو بكر لمقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: "إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بقراء القرآن في المواطن كلها، فيذهب قرآن كثير، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن"، قلت: «كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله ﷺ؟»، فقال عمر: "هو والله خير"، فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: «وإنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله ﷺ، فتتبع القرآن، فاجمعه»، قال زيد: "فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل علي مما كلفني من جمع القرآن، قلت: "كيف تفعلان شيئًا لم يفعله رسول الله ﷺ؟" قال أبو بكر: «هو والله خير»، فلم يزل يحث مراجعتي حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، ورأيت في ذلك الذي رأيا، فتتبعت القرآن، أجمعه من العسب والرقاع واللخاف وصدور الرجال. وكذلك عندما كثر دخول الأعاجم في الإسلام برزت الحاجة إلى تنقيط المصحف وتشكيله وكان هذا على عهد سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. وعندما تفشى الكذب على رسول الله ﷺ وخشي على السنة الضياع برزت الحاجة إلى علم مصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل، وغير ذلك من الأمثلة، فهل نقول: لو كان تنقيط المصحف وتشكيله خيرًا لسبقنا إليه النبي ﷺ وصحابته؟ أو لو كان تقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف وموضوع خير لسبقنا إليه رسول الله ﷺ؟ هذا منطق عقيم حري ألا يلتفت إليه.
⚪ برزت الحاجة إلى المولد كتظاهرة -سنوية على الأقل- تحيي ذكرى النبي ﷺ في الوجدان عندما تطاول الأمد، وطال العهد، وبعدت الأمة، وكثر الإنشغال عن رسول ﷺ، وكثر الجهل به وبقدره العظيم، وضعف حضوره في قلوب بعض الشباب، فصار اليوم المطرب أو لاعب الكرة أو المصارع أهم منه وهو ﷺ الذي نصت الشريعة على أن يكون أحب إلى قلوب المسلمين وأولى عندهم من النفس، والولد، والوالد، والناس أجمعين، أليس هذا واقع كارثي وحاجة مُلِحَّة؟!
⚪ وعليه فهل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف سنة أم بدعة حسنة؟ هو سنة قولية وفعلية مؤكدة، أما قولية فلقوله ﷺ عندما سئل عن صيام يوم الأثنين: (ذلك يوم فيه ولدت) فبين فيه ﷺ عظمة يوم الأثنين وأنه ذكرى يوم ميلاده الشريف واختاره الله تعالى لينزل عليه القرءان. أما سنة فعلية مؤكدة فلأنه ﷺ كان يداوم على صيام يوم الأثنين وكان يصومه الصحابة أيضًا ويحرصون على صيامه، وسنة فعلية كذلك لأنه ﷺ عق عن نفسه بعد أن بعث نبيًّا، والعقيقة (السماية) احتفال بالميلاد ولا تعاد، وقد أعادها رسول الله ﷺ وعمره الشريف بين الخمسين والستين وفي ذلك تأكيد على أهمية ذكرى الميلاد. وثبت كذلك أنه ﷺ جمع الصحابة رضوان الله عليهم وحدثهم عن ميلاده الشريف وأن أمه السيدة آمنة أخبرته أنه لما وُلد خرج معه نور أنار قصور كسرى والشام.
وقد أصَّل له بعض العلماء من باب البدعة الحسنة، فأصَّل له الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني من حديث عاشوراء المخرَّج في صحيح البخاري، فلا شك أن نعمة ميلاد الرحمة المهداة والنعمة المسداة ﷺ أعظم من نعمة إنجاء موسى عليه السلام من فرعون. وأصَّل له الإمام الحافظ السيوطي من حديث أن النبي ﷺ عق عن نفسه بعد النبوة[3].
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] جاء في الصحيحين عن عائشة أن النبي ﷺ قال: "لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه السّلام فإنَّ قريشاً استقصرت بناءه"
[2] وجاء في الصحيحين أنه قدّم إليه صلّى الله عليه وسلّم ضب مشوي فمد يده الشريفة ليأكل منه فقيل إنّه ضب، فأمسك عنه. فسئل: أحرام هو؟ فقال: "لا، ولكنّه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه"!
[3] حسن المقصد في عمل المولد للإمام الحافظ السيوطي.
(5) 👈قالوا: المولد لم يفعله الصحابة رضوان الله عليهم، فهل تحبون رسول الله ﷺ أكثر منهم؟
✍الجواب:
⚪ تقدم في جواب الشبهة رقم (4) أن الترك ليس فيه حجة للمنع أو النهي، فقد يكون الترك سهوًا، أو رحمةً، وتخفيفًا، وعفوًا، أو لعدم بروز الحاجة، أو لغير ذلك مما لا يوجب المنع أو يقتضي النهي.
⚪ تقدم بيان أن الدافع الشرعي لعمل أمور لم تكن موجودة في عهد النبي ﷺ هو الحاجة، فالحاجة إلى إحياء سيرة النبي ﷺ عند ذكرى ميلاده برزت عندما مرت قرون على انتقاله، وقل الذين يذكِّرون الناس به، وكثرت المشاغل عنه، وكثرت الفتن في أمته ﷺ.
⚪ الصحابة لم ينقطوا المصحف الشريف ولا شكَّلوه، ولا بينوا عليه علامات الوقف والتجويد، ولا ألفوا الكتب في علم القراءات، ولا نظَّموا المسابقات المحلية والعالمية في تلاوة القرءان الكريم، فهل يقتضي ذلك أننا نحب القرءان أكثر منهم؟! قطعًا لا، لكن برزت الحاجة إلى ذلك عندما كثر دخول الأعاجم في الإسلام وخشي عليه من اللحن والتحريف، واتسعت رقعة بلاد الإسلام بالفتوحات وقل القراء في الأمصار البعيدة. وعندما قلت في القرون المتأخرة العناية بالقرءان الكريم وحفظه برزت الحاجة لمعالجة ذلك فاستحسن المسلمون تنظيم مسابقات محلية وعالمية في حفظ القرءان الكريم ترصد لها جوائز معنوية ومادية عظيمة تكون دافعًا ومشجعًا للأمة على زيادة العناية بالقرءان الكريم وحفظه.
⚪ قال الإمام الشافعي المتوفى سنة 204 هجرية: رأيت بباب مالك -المتوفى سنة 179 هجرية- كراعًا من أفراس خراسان وبغال مصر فقلت: "ما أحسنها!" فقال: "هي هبة مني إليك."
فقلت: "دع لنفسك منها دابة تركبها."، قال: "أنا أستحي من الله أن أطأ تربة نبي الله بحافر دابة." [1]
وهذا المسلك في الأدب مع رسول الله ﷺ لم يفعله الصحابة رضوان الله عليهم، ومع ذلك ما قال الشافعي ولا أحد من التابعين للإمام مالك رضي الله عنه: هل تحب رسول الله ﷺ وتعظمه أكثر من الصحابة؟! وهم علماء القرون المفضلة؟!
⚪ ثبت عن سيدنا عبد الله مسعود رضي الله عنه قوله: "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئًا فهو عند الله سيء"، وقد رفعه بعض الحفاظ والمحدثين وقالوا إن ذلك من كلام النبي ﷺ رواه عنه سيدنا عبد الله بن مسعود. ويؤيده قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، وقوله ﷺ: "يد الله مع الجماعة"، وقوله ﷺ: "إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة"، ويؤيده فعل الصحابة في استحسانهم واختيارهم لسيدنا أبي بكر رضي الله عنه خليفة لرسول الله ﷺ وأميرًا للمؤمنين.
وقد استحسنت الأمة وأكابر علمائها وحفاظها عمل المولد، وصنَّفوا فيه التصانيف البديعة. قال إمام الحديث في زمانه وشيخ الإمام الحافظ النووي، الحافظ العلامة أبو شامة المقدسي المتوفى سنة 665 هجرية في كتابه [الباعث في إنكار البدع والحوادث]: "وَمن أحسن مَا ابتدع فِي زَمَاننَا من هَذَا الْقَبِيل مَا كَانَ يفعل بِمَدِينَة اربل جبرها الله تَعَالَى كل عَام فِي الْيَوْم الْمُوَافق ليَوْم مولد النَّبِي ﷺ من الصَّدقَات وَالْمَعْرُوف واظهار الزِّينَة وَالسُّرُور، فان ذَلِك مَعَ مَا فِيهِ من الإحسان الى الْفُقَرَاء، مشْعر بمحبة النَّبِي ﷺ وتعظيمه وجلالته فِي قلب فَاعله، وشكرًا لله تَعَالَى على مَا من بِهِ من ايجاد رَسُوله الَّذِي أرْسلهُ رَحْمَة للْعَالمين ﷺ وعَلى جَمِيع الْمُرْسلين". وممن أجاز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من أكابر أهل العلم والحفاظ وصنَّف فيه:
▪ الإمام الحافظ ابن الجوزي [توفي 597هـ]: له مولد باسم "العروس"، وقد طبع في مصر بتحقيق الدكتور عبد الحفيظ البقالي الغزواني.
▪الإمام الحافظ أبو الخطاب عمر بن علي بن محمد المعروف بابن دحية الكلبي [توفي 633هـ]: له مولد باسم "التنوير في مولد البشير النذير".
▪الإمام الحافظ أبو العباس العَزَفي [توفي 633هـ]: له مولد باسم "الدر المنظم في مولد النبي المعظم".
▪الإمام الحافظ ابن كثير صاحب التفسير [ت 774هـ]: له (مولد رسول الله ﷺ) طبع بتحقيق د. صلاح الدين المنجد، طبع دار الكتب ببيروت.
▪الإمام الحافظ عبد الرحيم العراقي [توفي 808هـ]: له مولد باسم "المورد الهني في المولد السني".
▪إمام القراء الحافظ شمس الدين ابن الجزري [توفي 833هـ]: له مولد باسم "عرف التعريف بالمولد الشريف".
▪الإمام الحافظ شمس الدين ابن ناصر الدين الدمشقي [توفي 842هـ]: له مولد باسم "مورد الصادي في مولد الهادي" وكذلك له "جامع الآثار في مولد المختار" و"اللفظ الرائق في مولد خير الخلائق".
▪الإمام الحافظ شمس الدين السخاوي [توفي 902هـ]: له مولد باسم "الفخر العلوي في المولد النبوي".
▪الإمام الحافظ علي زين العابدين السمهودي [توفي 911هـ]: له مولد اسمه "الموارد الهنية في مولد خير البرية".
▪الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي [توفي 911هـ]: له مصنف باسم "حسن المقصد في عمل المولد".
▪الإمام الحافظ عبد الرحمن بن علي بن محمد الشيباني المعروف بابن الديبع [توفي 944هـ].
▪الإمام المحدث الفقيه ابن حجر الهيتمي [توفي 974هـ]: له مولد باسم "إتمام النعمة على العالم بمولد سيد ولد آدم".
▪الإمام المحدث الفقيه ملا علي قاري [توفي 1014هـ]: له مولد باسم "المورد الروي في المولد النبوي".
▪الإمام المحدث الفقيه محمد عبد الرؤوف المناوي صاحب "فيض القدير شرح الجامع الصغير" المتوفى سنة 1031 هـ.
وممن أجازه من أهل العلم ولم يصنف فيه، الإمام الحافظ العلامة أبو شامة المقدسي [توفي 665هـ]، والإمام الحافظ العلامة ابن حجر العسقلاني [توفي 852هـ]. حتى ابن تيمية [توفي 728هـ] قال في كتابه [اقتضاء الصراط المستقيم]: "فتعظيم المولد واتخاذه موسمًا قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله ﷺ" انتهى
ومن المعاصرين الذين ينتمون لمؤسسات دينية كانت تحارب الإحتفال بالمولد النبوي الشريف الشيخ عبد الله المطلق، المستشار بالديوان الملكي وعضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية حيث قال: "إن المحتفلين بالمولد النبوي ليسوا كلهم على خطأ"، مشيراً إلى أن هناك منهم من يستغل هذه الفرصة للتعريف بالرسول ﷺ ونقل الصحيح من أخباره وسيرته ومنهجه، بحكم أن الناس يستمعون فيها إلى سيرته أكثر من غيرها، واعتبر المطلق هذا من "أفضل الأعمال، ومن انتهاز الفرص لإسماع الناس الخير".
ولم يشذ عن جمهور هؤلاء العلماء إلا قلة مغمورون لا يتجاوز عددهم أصابع اليد، عاشوا في القرن السابع والثامن الهجري، فعاصروا ابن تيمية وتأثروا بفكره المنحرف المتحامل على تعظيم الأمة لرسول الله ﷺ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ترتيب المدارك وتقريب المسالك للقاضي عياض.
(6) 👈قالوا: المولد أحدثه الفاطميون الروافض.
✍الجواب:
⚪ استند المحتفلون بالمولد على تأصيل شرعي متين من الكتاب والسنة على فهم أهل العلم المعتبرين ولم يأخذوه عن أحد آخر.
⚪ عندما وجد النبي ﷺ اليهود يصومون عاشوراء بمناسبة ذكرى إنجاء الله تعالى لموسى عليه السلام من فرعون قال لهم: "نحن أولى بموسى منكم" فصامه وأمر بصيامه، لم يمنعه من شكر نعمة الله تعالى أن اليهود سبقوه إليها بل قرر لهم أننا نحن المسلمين أولى بذلك، وكذا في ذكرى ميلاد النبي ﷺ فنحن أولى به من غيرنا كائنًا من كان.
⚪ الإحتفال بالمولد الذي عرفه أهل السنة والجماعة وتقبلته الأمة بالقبول كان أول من أقامه هو الملك المظفر صاحب إربل. قال الحافظ السيوطي(ت 911هـ) في حسن المقصد: "وأول من أحدث فعل ذلك صاحب إربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدّين علي بن بكتكين أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد، وكان له آثار حسنة، وهو الذي عمَّر الجامع المظفري بسفح قاسيون".
⚪ وقال الإمام الحافظ أبو شامة المقدسي (ت 665هـ) في الباعث: "وَمن أحسن مَا ابتدع فِي زَمَاننَا من هَذَا الْقَبِيل مَا كَانَ يفعل بِمَدِينَة اربل جبرها الله تَعَالَى كل عَام فِي الْيَوْم الْمُوَافق ليَوْم مولد النَّبِي ﷺ من الصَّدقَات وَالْمَعْرُوف واظهار الزِّينَة وَالسُّرُور فان ذَلِك مَعَ مَا فِيهِ من الاحسان الى الْفُقَرَاء مشْعر بمحبة النَّبِي ﷺ وتعظيمه وجلالته فِي قلب فَاعله وشكرا لله تَعَالَى على مَا من بِهِ من ايجاد رَسُوله الَّذِي أرْسلهُ رَحْمَة للْعَالمين ﷺ وعَلى جَمِيع الْمُرْسلين". انتهى
⚪ وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية في ترجمة الملك المظفر أبو سعيد كوكبرى صاحب إربل:
"أحد الأجواد والسادات الكبراء والملوك الأمجاد، له آثار حسنة وقد عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون... وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالًا هائلًا، وكان مع ذلك شهمًا شجاعًا فاتكًا بطلًا عاقلًا عالمًا عادلًا رحمه الله وأكرم مثواه. وقد صنف الشيخ أبو الخطاب ابن دحية له مجلدًا في المولد النبوي سماه التنوير في مولد البشير النذير، فأجازه على ذلك بألف دينار"أهـ
⚪ وقال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة الملك المظفر أبو سعيد كوكبرى صاحب إربل:
"وأما احتفاله بالمولد، فيقصر التعبير عنه؛ كان الخلق يقصدونه من العراق والجزيرة، وتنصب قباب خشب له ولأمرائه وتزين، وفيها جوق المغاني واللعب، وينزل كل يوم العصر، فيقف على كل قبة ويتفرج، ويعمل ذلك أياما، ويخرج من البقر والإبل والغنم شيئا كثيرا، فتنحر، وتطبخ الألوان، ويعمل عدة خلع للصوفية، ويتكلم الوعاظ في الميدان، فينفق أموالا جزيلة. وقد جمع له ابن دحية -الحافظ- (كتاب المولد)، فأعطاه ألف دينار. وكان متواضعًا، خيرًا، سُنِّيًّا، يحب الفقهاء والمحدثين"
(7) 👈قالوا: لم يثبت تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.
✍الجواب:
قال ابن كثير في البداية والنهاية: "قيل: لثنتى عشرة خلت منه، نصَّ عليه ابن إسحاق، ورواه ابن أبى شيبة في "مصنفه" عن عفان عن سعيد بن ميناء عن جابر وابن عباس أنهما قالا: ولد رسول الله ﷺ عام الفيل يوم الأثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وفيه بعث، وفيه عرج به إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات. وهذا هو المشهور عند الجمهور."
(8) 👈قالوا: لماذا لا تكتفون بصيام يوم الأثنين كما فعل النبي ﷺ والصحابة؟
✍الجواب:
⚪ مداومة النبي ﷺ على صيام يوم الأثنين يشرع التنبيه لعظمة ميلاد النبي ﷺ ويلفت النظر إلى التعرض لنفحات تلك الذكرى العظيمة بما يستوجب الشكر على الرحمة المهداة والنعمة المسداة.
⚪ الغرض من الاحتفال بالمولد اليوم هو الاستمرار في تنبيه الأجيال وتذكيرهم بعظمة النبي ﷺ، فكيف سيصوم من لا يعرف قدر نبيه وعظمة نعمة ميلاده؟! يجب أن يعرف أولًا، لذلك نحتاج إلى المولد لإبقاء ذكرى الميلاد حية في الوجدان لنهيئ الأجيال للإحساس بنعمة الميلاد بما يؤهلهم للصيام شكرًا لله عليها.
⚪ ليس بمقدور الجميع الصيام، قال تعالى: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، فالمريض، والمسافر، والطفل الصغير، والحامل، والنفساء، والمرضع، قد لا يستطيعون الصيام بحسب الحالة، لكن من حق الجميع الفرح برسول الله ﷺ وذكرى ميلاده.
⚪ كثير من المسلمين اليوم يصومون كل أثنين فرحًا بميلاد النبي ﷺ، لكن يستفاد من حديث صيام يوم الأثنين أيضًا في تأصيل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف كل سنة في الثاني عشر من ربيع الأول لأن الحديث يلفت النظر لذكرى الميلاد.
⚪ كونه ﷺ دوام على صيام يوم الأثنين، وجمع الصحابة وعق عن نفسه بعد النبوة وعمره الشريف فوق الثلاث والخمسين سنة، وجمع الصحابة وحدثهم عن ميلاده الشريف، كل ذلك لتشريع تعدد طرق الاحتفال بذكرى الميلاد.
(9) 👈قالوا: المولد تشبه بالكفار ومجاراة لهم في عيد ميلاد المسيح.
✍الجواب:
⚪ عندما كان المسلمون يصلون إلى بيت المقدس، هل كان هذا تشبهًا بأهل الكتاب أم حق وافق؟
⚪ وعندما قال رسول الله ﷺ: (خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله) هل كان هذا تشبهًا بأهل الكتاب أم حق وافق؟
⚪ وعندما وجد النبي ﷺ اليهود يصومون عاشوراء بمناسبة ذكرى إنجاء الله تعالى لموسى عليه السلام من فرعون، وقال: "نحن أولى بموسى منكم" وأمر بصيامه، هل كان هذا تشبهًا بأهل الكتاب أم حق وافق؟
⚪ إذًا إذا وافق الحق أهل الكتاب لا نخالف بل نكون نحن الأولى، فنحن أحق بالحق أينما وجد لأننا خير أمة أخرجت للناس، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها.
⚪ لقد أثنى النبي ﷺ على حلف الفضول الذي حدث في الجاهلية وقال عنه: «لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت»، فهل ذمه لأنه كان أيام الجاهلية ودعا إليه المشركون؟ بل أثنى عليه وقرر أنه لو دعي إليه في الإسلام لأجابه.
⚪ لا علاقة بين مسلم يحتفل بذكرى ميلاد النبي ﷺ مستندًا على أدلة شرعية من الكتاب والسنة على فهم أهل العلم المعتبرين، وبين من يحتفل بميلاد عيسى عليه السلام على سبيل الاعتياد، بل هو نصراني ينسب لله الولد ويؤمن بالثالوث.
⚪ ضابط التشبه هو أن تقصد بعملك مشابهة المتشبه به ومحاكاته ومماثلته بغية أن تنتسب إليه، وتندرج في سياقه، وتحسب منه، وهذا معدوم في إقامة المولد لأن النية هي إحياء ذكرى النبي ﷺ في نفوس الأمة ونشر المعرفة به ﷺ وبصفاته وشمائله وسيرته وسنته وليس تشبهًا بأحد.
(10) 👈قالوا: المولد قد يشتمل على بعض المنكرات والمحظورات لذلك هو باطل.
✍الجواب:
إن اختلاط الرجال بالنساء في الحج والعمرة معلوم، واستحباب خروج النساء لصلاة العيد وشهود الخير ودعوة المسلمين ثابت لما رواه الشيخان عن أم عطية رضي الله عنها قالت: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن -أي الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ- في الفطر والأضحى» ومع ذلك فلو وقعت منكرات أو محظورات في الاجتماع للحج أو العمرة أو صلاة العيدين أو صلاة الجمعة لوجب إنكارها بدون أن يعني ذلك إبطال الحج والعمرة وصلاة العيدين وصلاة الجمعة. يجب إنكار كل فعل قبيح جاز أن يقع في ساحات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف دون أن يكون ذلك ذريعة إلى إبطال أصل الاحتفال.
(11) 👈قالوا: لماذا لا تحتفلون بيوم مماته أيضًا وقد وافق يوم ولادته؟
✍الجواب:
⚪ الله تعبدنا في الميلاد بإظهار الفرح والسرور، وبشكر النعمة، لذلك شرع لنا العقيقة (السماية) وهي وليمة يدعى لها الناس شكرًا لله وتعبيرًا عن الفرح والسرور، أما في الوفاة فإن الله تعالى تعبدنا بالصبر والسلوان.
⚪ الموت لم يغيب النبي ﷺ فهو ﷺ بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى حي وحاضر لقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [سورة الجمعة: 2 - 4]
عن مجاهد في قول الله: (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) قال: "من ردف الإسلام من الناس كلهم".
وعن ابن زيد قال: "هؤلاء كلّ من كان بعد النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى يوم القيامة، كلّ من دخل في الإسلام من العرب والعجم" [تفسير الطبري]
ولقوله ﷺ: (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون)[1]
ولقوله ﷺ: (حياتي خير لكم تُحَدِّثُونَ وَيُحَدَّثُ لكم، ووفاتي خير لكم تعرض عليَّ أعمالكم، فما رأيتُ من خيرٍ حمدتُّ الله عليه، وما رأيتُ من شرٍ استغفرتُ الله لكم)[2]
ولقوله تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ) [سورة البقرة: 154] فإذا كان الشهداء أحياء فكيف بالأنبياء؟ وكيف بسيدهم ﷺ وأكرمهم على ربه عز وجل؟
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] رواه أبو يعلى بسند رجاله ثقات والبيهقي والهيثمي وصححاه.
[2]رواه البزار في مسنده، وجود إسناده الحافظ العراقي في طرح التثريب، وقال الهيثمي في المجمع: رجاله رجال الصحيح.
(12) 👈قالوا: الاهتمام برسول الله ﷺ يكون في سائر الأيام وليس في يوم أيام محددة من ربيع الأول.
✍الجواب:
نعم هو كذلك، لكن هنالك دائمًا أيام مواسم تزداد فيها الهمة ويزيد فيها النفح الرباني ويستحب فيها زيادة الاجتهاد، ألم تر أن المؤمن يعبد الله في سائر أيامه لكنه يزيد همة واجتهادًا في رمضان، ويضاعف جهده في العشر الأواخر؟! عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله ﷺ يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها»[رواه مسلم].
وتجده يعبد الله حتى الصباح تحريًا لليلة القدر في السابع والعشرين من رمضان؟! والناسك تراه يتنسك في سائر أيامه ويشتد نسكه في الحج، والعائل تراه ينفق على عياله ويوسع عليهم في عاشوراء وهكذا.
(13) 👈قالوا: في قوله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) الفضل هو القرءان والرحمة هي الإسلام كما قال أهل التفسير ولم يرد معنى أن الرحمة هي سيدنا محمد ﷺ.
✍الجواب:
⚪ قال الإمام الحافظ السيوطي في تفسيره [الدر المنثور]:
"وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: فضل الله العلم ورحمته محمد ﷺ قال الله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [سورة الأنبياء: 107]"
⚪ وقال الحافظ ابن الجوزي في [زاد المسير في علم التفسير]:
"فضل الله: العلم، ورحمته: محمّد ﷺ، رواه الضحاك عن ابن عباس."
⚪ وقال أبو حيان الأندلسي في [البحر المحيط]:
"وقال ابن عباس فيما روى الضحاك عنه: الفضل العلم والرحمة محمد ﷺ."
(14) 👈قالوا: المولد عادة أم عبادة؟ إن كان عادة فليس لكم فيه ثواب، وإن كان عبادة فأين الدليل عليه؟
✍الجواب:
إن تقسيم الشريعة إلى عادة وعبادة بهذا الإطلاق تقسيم فاسد ومبتدع، فإن سئلت عن الطعام أو الشراب، أهو عادة أم عبادة؟ ماذا تقول؟ إن قلت عبادة كنت مخطئًا لإن الكافر بقولك هذا عابد لله، بل وأفضل عبادة من المسلم لقول النبي ﷺ: (الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحد)، وإن قلت عادة فقد أخطأت أيضًا لأنك بذلك نفيت وألغيت أحكام الشريعة المتعلقة بالطعام والشراب، وجوزت بذلك أكل الخنزير والميتة والدم وما أهل به لغير الله، وأبحت شرب الخمر، وغير ذلك، فيظهر بذلك فساد هذا التقسيم.
لذلك قسم أهل العلم الشريعة على الأحكام الخمسة المعروفة: الحلال والمستحب والحرام والمكروه والمباح وهي تستوعب كل الأحكام، فمن الطعام ما هو حلال كبهيمة الأنعام، ومنه ما هو مستحب كالتمر والزيتون وكل ما رود في القرءان الكريم والسنة المطهرة، ومنه ما هو حرام كلحم الخنزير والميتة، ومنه ما هو مكروه كالبصل والثوم والكراث، ومنه مباح كسائر الطعام الذي لم يرد فيه نص. وللطعام والشراب آداب شرعية أيضًا كالبسملة، وأن تأكل مما يليك، وأن تشرب جالسًا، وأن لا تتنفس في الإناء، وفيه سنن كلعق الأصابع بعد الأكل، والأكل بثلاث، أصابع والشرب على ثلاث دفعات، وأن لا تعيب طعامًا وغير ذلك، وكل ذلك دين. لذلك قسم العلماء البدعة للأحكام الخمسة، فمنها المحرمة والمكروهة والواجبة والمستحبة والمباحة وهو تقسيم يستوعب أقسام البدعة بشقيها الحسنة والسيئة.
أما تأصيل المولد والدليل عليه فقد سبق الإشارة إليه باستفاضة في الرد على الشبهة رقم (4).
(15) 👈قالوا: ليس في تذكر يوم الميلاد تعظيم للمولود حتى ولو كان نبيًّا.
✍الجواب:
⚪ بلى فيه، وذلك بتذكره وتذكُّر سيرته ومناقبه وفضله والنعمة بميلاده. وقد أثنى الله تبارك وتعالى على الأنبياء في أيام ميلادهم فقال تعالى عن يحيى عليه السلام: (وسلام عليه يوم ولد) وعلى لسان عيسى عليه السلام: (والسلام عليَّ يوم ولدت)، وروى ابن الجوزي في تفسيره أن الحسن البصري قال: "التقى يحيى وعيسى، فقال يحيى لعيسى: أنتَ خير مني، فقال عيسى ليحيى: بل أنت خير مني، سلَّم الله عليك، وأنا سلَّمتُ على نفسي. وقال سعيد بن جبير مثله، إِلا أنه قال: أثنى الله عليك، وأنا أثنيت على نفسي."أهـ
فالسلام هنا ثناء وكرامة.
⚪ ولذكرى ميلاد النبي ﷺ تعظيم خاص فقد اختار الله تبارك وتعالى يوم ذكرى يوم ميلاده ليكون يوم نزول القرءان، ويوم الإسراء والمعراج، ويوم الهجرة، ويوم دخول المدينة، ويوم الإنتقال إلى الملأ الأعلى، وهذا تعظيم استثنائي.
(16) 👈قالوا: تعظيم النبي ﷺ ومحبته تكون باتباع سنته.
✍الجواب:
⚪ لا يوجد مؤمن غير متبع وغير مطيع لرسول الله ﷺ وإلا لما صلح أن يكون مؤمنا من الأساس، فالمؤمن الذي يشهد الشهادتين ويقيم أركان الدين ويطيع الرسول ﷺ في كثير من أمور الشريعة هو متبع ومطيع لرسول الله ﷺ.
⚪ محبة النبي ﷺ نفسها طاعة وعمل من أعمال القلوب أمرت الشريعة بالمبالغة في تحريه وتحصيله، كما قال النبي ﷺ: (والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه)، فهي نفسها اتباع وطاعة.
⚪ المحبة أساس التعظيم، فإنك لا تعظم في قبلك من تكره.
⚪ المحبة إحساس يخالج القلب لأنها من أعمال القلوب، والطاعة وحدها لا تكفي لتكون علامة على صحة المحبة، فقد تطيع وأنت مجبر ومكره كما في العسكرية أو تحت تهديد السلاح مثلا أو تطيع بداعي الخوف أو نفاقًا، أو لغرض دنيوي. والمخالفة وحدها من الناحية الأخرى لا تكفي لتكون علامة على الجفاء وضعف المحبة، فقد تقع المخالفة من باب الأدب الجم وفرط المحبة مثلما أبى سيدنا أبو بكر رضي الله عنه أن يثبت في الصلاة عندما حضر رسول الله ﷺ، وأمره بالثبات. وقد تقع من باب الغيرة وفرط المحبة مثلما أبى سيدنا علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه أن يمحو اسم النبي ﷺ من الصحيفة يوم الحديبية، وقد تقع بسبب مرض أو ابتلاء أو ضعف في العزيمة وغير ذلك، وشارب الخمر الذي شهد له رسول الله ﷺ بالمحبة خير مثال.
⚪ علامة المحبة الصادقة هي الشوق لرؤية المحبوب فقال النبي ﷺ: (إن من أشد أمتي لي حبًّا ناس يكونون بعدي، يود أحدهم لو رآني بأهله وماله) [رواه مسلم]، وهذا صريح في أن الشوق له ﷺ علامة على شدة محبته.
⚪ السعي لمحبة النبي ﷺ أكثر من النفس هو في حد ذاتها طاعة لقوله ﷺ: (والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه) [أخرجه الإمام أحمد]
⚪ الإنسان لا يحب من يجهل، فلكي تحب يجب أن تتعرف على المحبوب وهذا الذي يفعله الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.
⚪ لو كان الإتباع علامة المحبة لما شهد النبي ﷺ لمدمن خمر بأنه يحب الله ورسوله كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأين الإتباع والطاعة في إدمان أم الكبائر؟!!
⚪ المحبة أصل والطاعة فرع، فإن تعاهد المحبة يثمر لاحقًا عن الطاعة والصدق والتضحية والإيثار لكن لا تلازم بينهما في الأصل.
⚪ ورد في الصحيحين أن أعرابيًّا سأل النبي ﷺ: متى الساعة؟ فقال له: "وماذا أعددت لها؟" قال: ما أعددت لها من شيء، غير أني أحب الله ورسوله. فقال له ﷺ: "أنت مع من أحببت"، فلو كان الإتباع علامة المحبة لما قبل النبي ﷺ منه إجابته: "ما أعددت لها من شيء" فضلًا عن أن يبشره بأنه مع الله ورسوله.
⚪ بعد أن بشر النبي ﷺ الأعرابي بأن المرء مع من أحب قال سيدنا أنس رضي الله عنه: "فما فرحنا بشيء فرَحَنا بقول النبي ﷺ: (أنت مع من أحببت)، قال أنس: فأنا أحب النبي ﷺ وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم" وهذا صريح في فهم الصحابة أن الإتباع ليس علامة للمحبة.
⚪ لو كان الإتباع علامة المحبة لاقتضى ذلك أن المؤمنين لا يحبون الله تعالى لقول النبي ﷺ: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون".
⚪ أما قوله تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) فإن الآية تتحدث عن محبة الله عز وجل (إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ) وليس عن محبة رسوله ﷺ. وقد نزلت فيمن زعم محبة الله عز وجل ولا يريد أن يؤمن برسالة سيدنا محمد ﷺ لأن الاتباع هنا بمعنى الإيمان بالرسالة، فأوجب الله عليه الإيمان برسوله حتى يقبله الله عز وجل. قال الطبري في تفسيره: "هذا أمرٌ من الله نبيَّه محمدًا ﷺ أن يقول لوفد نجران الذين قدموا عليه من النصارى: إن كان الذي تَقولونه في عيسى من عظيم القول، إنما تقولونه تعظيمًا لله وحبًّا له، فاتبعوا محمدًا ﷺ" انتهى.
(17) 👈قالوا: حلوى المولد وطعامه حرام
الجواب:
⚪ إطعام الطعام مستحب وحضت عليه الشريعة كما قال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)[سورة الإنسان: 8-9]، وقال تعالى: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ)[سورة البلد: 14-16]، وقال رسول الله ﷺ: «اتقوا النار ولو بشق تمرة» [متفق عليه]، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلا سأل رسول الله ﷺ: أي الإسلام خير؟ قال :«تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» [متفق عليه]، وقال رسول الله ﷺ: «أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» [أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح]، وقال رسول الله ﷺ :«أحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تطرد عنه جوعًا، أو تقضي عنه دينا» [صحيح أخرجه الطبراني]، وقال رسول الله ﷺ :«خياركم من أطعم الطعام» [صحيح أخرجه أحمد وابن حبان وغيرهما]، وغير ذلك من النصوص الدالة على استحباب إطعام الفقراء والمساكين.
⚪ الأصل في الأشياء الحل والإباحة ما لم يرد نص صحيح وصريح بالتحريم.
⚪ الحرام من الطعام هو ما حرمه الله عز وجل في كتابه العزيز كالدم المسفوح، ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، والمنخنقة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع إلا ما ذكيتم، والخمر، وما حرمه رسول الله ﷺ في سنته كذي الناب من السباع وذي المخلب من الطيور.
⚪ إن تحريم الحلال جرم عظيم لقوله ﷺ: «إن محرم الحلال كمحل الحرام» [رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح]
⚪ استحسن طعام المولد علماء الجمهور مثل الإمام أبي شامة المقدسي، والإمام الحافظ الذهبي، والإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني، والإمام الحافظ السيوطي، وغيرهم من أكابر أهل العلم.
⚪ تقدم بيان مشروعية الإحتفال بالمولد النبوي الشريف استنادًا على أصول شرعية متينة.
⚪ يمكن النظر إلى التمر والرطب على أنها كانت تمثل الحلوى على أيام الصحابة رضوان الله عليهم، فعندما يصومون يوم الأثنين بمناسبة ذكرى ميلاد النبي ﷺ كانوا يفطرون على هذه الحلوى. واليوم فإن من يصوم الإثنين يفطر على التمر والرطب، وأيضًا على العصائر التي هي في الحقيقة حلوى سائلة إذا جمدتها صارت حلوى صلبة.
⚪ كون أن حلوى الأطفال تكون على شكل دمى فليس في ذلك حرج لأن دمى الأطفال في صورة بشر أو حيوان أمر مباح على مذهب الجمهور، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: (قدم رسول الله ﷺ من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سهوتها ستر فهبت ريح، فكشفت ناحية الستر عن بناتي. ورأى بينهن فرساً له جناحان من رقاع. فقال: "ما هذا الذي أرى وسطهن؟" قالت: فرس. قال: ما هذا الذي عليه؟ قالت: جناحان. قال: "فرس له جناحان؟" قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة؟ قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه) [رواه أبو داود والنسائي]
والسهوة: ما يكون شبيهًا بالرف الذي توضع فيه الأشياء.
⚪ إذا كان طعام الذين أوتوا الكتاب حلال أيكون طعام المسلم فرحًا برسول الله حرامًا؟ هذه مبالغة في الجفوة مع النبي ﷺ وتحريض صريح بغضه والجفاء معه في حين أن العكس هو المطلوب، خاصة في هذه العصور المتأخرة.
(18) 👈قالوا: أنكر المولد ابن الحاج والمالكي والفاكهاني والشوكاني من العلماء.
✍الجواب:
⚪ جمهور أهل العلم لم ينكروا عمل المولد بل استحسنوه لما فيه من التذكير بفضل النبي ﷺ.
⚪ الإمام الصوفي الأشعري المالكي ابن الحاج لم ينكر عمل المولد بل أثنى عليه لكن كانت له تحفظات على بعض المسائل فيه.
⚪ رد الإمام الحافظ السيوطي في رسالتين على الإمام ابن الحاج والفاكهاني وأثبت في رده بطلان كلامهما في المولد، يرجى مراجعة حسن المقصد في عمل المولد للإمام الحافظ السيوطي.
⚪ بعض العلماء الذين أنكروا عمل المولد لا يبلغوا في العلم والجلالة من خالفهم ممن أجازه واستحسنه، وأغلب من تحفظ على عمل المولد هم ممن عاشوا في القرن الثامن الهجري وما تلاه ويبدو أنهم تأثروا بآراء ابن تيمية الشاذة والمتحاملة على تعظيم النبي ﷺ.
⚪ جمهور أهل العلم وأكابر العلماء الذين حضروا قيام احتفالات المولد في ذلك الوقت استحسنوها، وصنفوا في المولد التصانيف البديعة، قال الإمام الحافظ أبو شامة المقدسي: "وَمن أحسن مَا ابتدع فِي زَمَاننَا من هَذَا الْقَبِيل مَا كَانَ يفعل بِمَدِينَة اربل جبرها الله تَعَالَى كل عَام فِي الْيَوْم الْمُوَافق ليَوْم مولد النَّبِي ﷺ من الصَّدقَات وَالْمَعْرُوف واظهار الزِّينَة وَالسُّرُور فان ذَلِك مَعَ مَا فِيهِ من الاحسان الى الْفُقَرَاء مشْعر بمحبة النَّبِي ﷺ وتعظيمه وجلالته فِي قلب فَاعله وشكرا لله تَعَالَى على مَا من بِهِ من ايجاد رَسُوله الَّذِي أرْسلهُ رَحْمَة للْعَالمين ﷺ وعَلى جَمِيع الْمُرْسلين". انتهى
⚪ أجاز عمل المولد جمهور أهل العلم من الفقهاء والحفاظ والعلماء المعتبرين. وممن أجاز الاحتفال بالمولد من أهل العلم الإمام الحافظ العلامة أبو شامة المقدسي شيخ الإمام الحافظ النووي، والإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني، الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي، وممن أجازه وألف فيه كتبًا تقرأ في احتفالات المولد:
▪ الإمام الحافظ ابن الجوزي [ت 597هـ]: له مولد باسم "العروس"، وقد طبع في مصر بتحقيق الدكتور عبد الحفيظ البقالي الغزواني.
▪الإمام الحافظ أبو الخطاب عمر بن علي بن محمد المعروف بابن دحية الكلبي [ت 633هـ]: له مولد باسم "التنوير في مولد البشير النذير".
▪الإمام الحافظ أبو العباس العَزَفي [ت 633هـ]: له مولد باسم "الدر المنظم في مولد النبي المعظم".
▪الإمام الحافظ ابن كثير صاحب التفسير [ت 774هـ]: له (مولد رسول الله ﷺ) طبع بتحقيق د. صلاح الدين المنجد، طبع دار الكتب ببيروت.
▪الإمام الحافظ عبد الرحيم العراقي [ت 808هـ]: له مولد باسم "المورد الهني في المولد السني".
▪إمام القراء الحافظ شمس الدين ابن الجزري [ت 833هـ]: له مولد باسم "عرف التعريف بالمولد الشريف".
▪الإمام الحافظ شمس الدين ابن ناصر الدين الدمشقي [ت 842هـ]: له مولد باسم "مورد الصادي في مولد الهادي" وكذلك له "جامع الآثار في مولد المختار" و"اللفظ الرائق في مولد خير الخلائق".
▪الإمام الحافظ شمس الدين السخاوي [ت 902هـ]: له مولد باسم "الفخر العلوي في المولد النبوي".
▪الإمام الحافظ علي زين العابدين السمهودي [ت 911هـ]: له مولد اسمه "الموارد الهنية في مولد خير البرية".
▪الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي [ت 911هـ]: له مصنف باسم "حسن المقصد في عمل المولد".
▪الإمام الحافظ عبد الرحمن بن علي بن محمد الشيباني المعروف بابن الديبع [ت 944هـ].
▪الإمام المحدث الفقيه ابن حجر الهيتمي [ت 974هـ]: له مولد باسم "إتمام النعمة على العالم بمولد سيد ولد آدم".
▪الإمام المحدث الفقيه ملا علي قاري [ت 1014هـ]: له مولد باسم "المورد الروي في المولد النبوي".
▪الإمام المحدث الفقيه محمد عبد الرؤوف المناوي صاحب "فيض القدير شرح الجامع الصغير" المتوفى سنة 1031 هـ.
⚪ ثبت عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله: (ما رآه المسلمون حسنًا فهو حسن)، وجمهور أهل القبلة يستحسنون المولد ويحتفلون بذكرى ميلاد النبي ﷺ، قال الإمام الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي المتوفى سنة 597هـ في كتابه [بيان المولد النبوي]: "لا زال أهل الحرمين الشريفين ومصر واليمن والشام وسائر بلاد العرب من المشرق والمغرب يحتفلون بمجلس مولد النبي ﷺ، ويفرحون بقدوم هلال شهر ربيع الأول، ويهتمون إهتمامًا بليغًا على السماع والقراءة لمولد النبي ﷺ، وينالون بذالك أجرًا جزيلًا وفوزًا عظيمًا" أهـ