الجمعة، 6 أغسطس 2010

نظرة أوسع في مفهوم الذاكرة

بل كم يوم كدة فتحنا نقاش في توجيه التفكير إلى الكيمياء الحيوية كمستقبل واعد للنظم الحاسوبية، وطبعاً الأفكار دي لا تزال في البدايات، حتى أن بحثي في النت لم يعطني نتائج مفرحة عن الموضوع. لكن الجميل في النقاش دة انه خلق حراك جميل في الموضوع، وفتح آفاقاً في التفكير جيدة، استفدت جداً من مداخلات الجميع، حتى المعارض للفكرة والذي يرى أنها عديمة الفائدة أو صعبة المنال، ما مهم يكون الرأي الآن شنو، المهم يتحرك العقل تفكيراً.
السيد عادل قارب بين الموضوع وبين ما هو مذكور في القرآن الكريم وصحيح السنة، والمصدرين الأخيرين مصادرَ مهملة. مهملان عندنا لأسباب كثيرة لا أريد الآن الخوض فيها للآن، لكنهما في الحقيقة  مُلهِمَان بشكل مذهل، حتى أنني ذات مرة كتبت لموقع عالم الفيزياء النظرية الشهير استفين هوكينج، أطلب منه أن يلقي نظرة في ترجمة القرآن الكريم، عله يستفيد من الرمزيات والصور التمثيلية الكثيرة عن نشأة ونهاية الكون. على أي حال، ونسة الشباب في الموضوع كبرت عندي موضوع الذواكر، أحد أهم المحاور في النقاش داك.
بدا الكلام عن الذاكرة عند الانسان، سعتها المهولة، سرعة الوصول، ... الخ. ثم انتقل الحوار حول توزع الذاكرة بين الخلايا، ثم تمثيل البيانات في الكائنات الحية، ... الخ. لكنني الآن أنظر إلى مفهوم الذاكرة بشكل مختلف عما كان عليه الحال قبل النقاش. خاصة عندما نأتي إلى تمثيل البيانات. إذا كانت فكرة الذاكرة حفظ البيانات أو المعلومات ثم توفيرها لاحقاً، فإن هذا الكون يحوي عدد لا يكاد يحصى من الذواكر، فالكشوف الجغرافية والأثرية إنما تستنطق ذاكرة المكان والأشياء لتعرف من كان يعيش في هذه البقعة من الأرض، كيف كان يعيش، كيف انقرض، كم من الزمن عاشت حضارته، ... الخ من الأسئلة التي عادة ما تتبادر إلى الأذهان.
وعندما نخاف من خطر داهم على الأرض من جرم سماوي يتوقع أن يرتضم بها ويجب أن نعرفه ونحدد زمنه ونحتاط منه، وعندما نحاول فهم كيف تكون كوننا، وعندما نبحث عن معلومة تتعلق بالحياة في المريخ أو كوكب آخر، فإننا نستدعي ذواكر كثيرة تختزن المعلومات.
كل هذه الذواكر يتم تمثيل البيانات المعلومات فيها بشكل معقد ومختلف، تتعقد معه الطريقة التي يتم بها استرجاع البيانات أو المعلومات، وتستخدم تقنيات وطرق مختلفة كالتحليل والتقدير، الاشعاع، كربون 14، ... الخ ولا نزال نحتاج إلى فهم أكثر لتمثيل هذه البيانات وإلى طرق أخرى أكثر فعالية لاستدعاء البيانات.
إن كفاءة الذاكرة التي يتمتع بها الإنسان وبعض الكائنات الحية الأخرى استمدت روعتها من أنها قامت على المفهوم الواسع لتمثيل البيانات بشكل كيميائي وحيوي تفاصيله متناهية الصغر (حتى مستوى الذرات) يتفوق بشكل مذهل على تباديل الصفر والواحد. وهي نموذج من الذاكرة الكونية التي نعيش عليها. أحكي هذه القصة كثيراً، لكن أنسى متى حكيتها، على أي حال، لا أنسى الفريق البحثي الذي قدم إلى قرية سدوم القريبة من الأردن وفلسطين واسرائيل، بحثاً عن صدقية ما حدث لقوم نبي الله لوط المذكور عندهم في التوراة. الفريق عانى للحصول على إذن لزيارة المكان والغوص في قعر البحر الميت، في نهاية المطاف حصلوا على إذن لمعاينة المكان، فقرأوا من ذاكرة المكان عبر الاختبارات الجيولوجية والأثرية أن هؤلاء القوم هلكوا من بركان! وأذكر حينها أنني دلفت إلى قاموس لأعرف ماذا كانت تقصد العرب بكلمة سجيل، فوجدت "الطين المطبوخ بالنار"، هو الحمم البركانية ربما. قربت الذاكرة إلى مشهد المطر الحجري، وعاليها سافلها، وصياح الديكة المذكور في الأثر. ثم وجدوا في قعر البحر الميت بقايا بيوت، ربما تكون بيوتاً من القرية الآثمة. وإذا كان الفريق البحثي حاذقاً في استرجاع كل تفاصيل البيانات في الذاكرة التاريخية تلك، لأمكنه محاكاة ما حصل في مشهد تلفزيوني ننظر إليه نظر العين.
أعتقد أن البيانات كالطاقة، لا تفنى، لكنها تأخذ أشكالاً مختلفة ويمكن أن تسترجع، حتى البيانات التي يقال أنها تضيع في الثقب الأسود، ربما أمكن في يوم من الأيام استرجاعها إذا توصلنا إلى سرعة أعلى من سرعة الضوء. ويقال أن الملائكة والروح –إما جبريل عليه السلام أو الروح المعروفة- يمكن أن تسير بسرعة أعلى من الضوء استنباطاً من قوله سبحانه وتعالى: "تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة"
إن الذاكرة مفهوم واضح لكن نماذجها في الواقع إذا كبرنا الأفق مختلفة ومعقدة، لذلك يجب النظر إليها بهذا العمق، والذي من فوائده حسن الاستغلال، والمحاكاة في نظم الحاسوب.