فمبغض المولد اليوم لا يخرج عن موافقة اليهود أو المنافقين فكن على علم بذلك، فالمنكرون للاحتفال بالمولد فئتان: فئة جاهلة بواقع حال الأجيال وعلاقتها برسولها ﷺ، وجاهلة بمقاصد الشريعة وطريقة الاستدلال الشرعي السليم، وهذه فئة تحتاج لتنوير وتبصير بالمولد من ناحية المقاصد والاستدلال الشرعي فيزول عنها الإلتباس. وفئة تعاني من جفوة لرسول الله ﷺ والعياذ بالله، وحججهم التي يغطون بها جفوتهم أوهى من بيت العنكبوت، فإذا كانت المصالح المرسلة عندهم تشرِّع لهم جمع القرءان الكريم، وتشكيله، وتنقيطه، وبيان علامات الوقف والوصل ومعينات التجويد، وزخرفته، وبناء المآذن والمحاريب، وفرش المساجد، وقراءة خطبة الجمعة من ورقة، وصلاة التهجد في جماعة والمواظبة عليها، وقول "صلاة القيام أثابكم الله" وغيرها من الأمور المستجدة في صميم الدين مما لم يكن في العهد الأول فإن إحياء حضور النبي ﷺ في وجدان الأمة أولى من كل ذلك لأنه أصل كل خير يصلنا من الله عز وجل، ولأن حاجتنا الكبرى للنبي ﷺ لم تحن بعد ولم تأتِ، وهي الشفاعة الكبرى، ومرافقته ﷺ في الجنة.
سل الطلاب الجامعيين اليوم والدكاترة والمهندسين والمثقفين واستطلعهم عن أبسط المعلومات عن نبيهم ﷺ، عن نسبه الشريف ونشأته وحياته وصفاته وشمائله وإبتداء دعوته، سلهم مثلًا كم حوصر في الشِّعب؟ وكم فتر الوحي؟ من هن زوجاته أمهات المؤمنين؟ ! ستحصل على إجابات صادمة!
هذا فقط يكفي لمن يدرك الإهمال الذي اعترى الأمة اليوم فيما يخص نبيها، وسيد الأنبياء والمرسلين ﷺ، هذا الإهمال كافٍ ليحتم علينا إحياء ذكرى الميلاد دعك من الكلام عن مشروعية الحفل بميلاده ﷺ الذي شرعه الله عز وجل بتخصيص ذكرى ميلاد الأنبياء بعطاء رباني خاص: (السلام عليه يوم ولد)، (السلام علي يوم ولدت)، وشرعه النبي ﷺ بصيام يوم الإثنين والمواظبة على ذلك، وعندما قيل له في ذلك قال: «فيه ولدتُّ» وعقَّ عن نفسه ﷺ بعد الثلاث والخمسين وقيل في الستين من عمره الشريف، وجمع الصحابة وحدثهم عن ميلاده الشريف وما حدث فيه من الأمور العجيبة، والأدلة الشرعية أكثر من أن تحصى في هذا المقال.
وإذا كان جمهور أهل العلم يقسم البدعة لحسنة ومذمومة، ويستحسن عمل المولد ويثني عليه ويصنف فيه المصنفات البديعة، فما قيمة الإعتراض من متأخرين بأنه بدعة؟ وإذا كانت أقلية شاذة تراه بدعة فليتركوا الاحتفال به فهذا شأنهم، وليدعوا غالبية أهل القبلة والعلماء وشأنهم، لكنها الجفوة لرسول الله التي تكوي قلوبهم كلما رأوا تعظيمًا لرسول الله ﷺ وإظهارًا لحبه في الأمة.
هم لا يستطيعون الجهر بما يكنون في صدورهم من جفوة لأن ذلك سيفضح حقيقة نفاقهم، لذلك يلفقون حججًا واهية يلبسوها لباس الشرعية ليوهموا العوام أنهم لا يفعلون ما يفعلونه إلا غيرة على الدين وعلى صاحب الرسالة ﷺ، وما دروا المساكين أن صاحب الرسالة ﷺ لا يُرى أكثر ما يُرى إلا في منام وسوح المحتفلين بالمولد النبوي الشريف، وأن جفاته عنه محجوبون والعياذ بالله تعالى، محجوبون وما تفرقهم عنه سوى نومة لو كانت قلوبهم سليمة كما قال النبي ﷺ في الصحيحين: «من رأني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي».
وعلى كل حال فإننا كمحتفلين نتسلح بمحبتنا التي تثمر عن معية النبي ﷺ فالمرء مع من أحب، ومسلحين ببشارات رؤانا الصالحة، كما قال النبي ﷺ: «لم يبق من النبوة إلا المبشرات، الرؤيا الصالحة، يراها الرجل أو ترى له»، ومسلحين بأدلتنا الشرعية المتينة المحكمة، وبعمل جمهور علماء الأمة، والأمة لا تجتمع على ضلال.
إن الاحتفالات بذكرى المولد النبوي الشريف ليست كافية لإحياء حضور النبي ﷺ في الأجيال المتأخرة، نحتاج لمزيد من الفعاليات لتكون ذكراه في حياتنا كل أسبوع، بل كل يوم، بل كل لحظة.
بشرى لنا بخير مولد *** أتى بخير دين أسعدا
#الركينية