الأربعاء، 23 مارس 2016

من سيرة الإمام القدوة بشر الحافي، أحد أعلام التصوف في القرن الثالث الهجري:

هو بشر الحافي هو بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال بن ماهان بن عبد الله المروزي أبو نصر، المعروف بالحافي. ولد سنة ١٧٩هـ في بغداد وعاش فيها، وصحب الفضيل بن عياض، توفي سنة 227هـ.
وكان يمشي حافيًا لا يلبس نعلًا، فجاء يوما إلى باب فطرقه فقيل: من ذا؟ فقال: بشر الحافي، فقالت له جارية صغيرة: لو اشترى نعلا بدرهم لذهب عنه اسم الحافي. قالوا: وكان سبب تركه النعل أنه جاء مرة إلى حذّاء فطلب منه شراكًا لنعله فقال: ما أكثر كلفتكم يا فقراء على الناس؟! فطرح النعل من يده وخلع الأخرى من رجله وحلف لا يلبس نعلا أبدًا.
وذكر غير واحد أن بشرًا كان شاطراً في بدء أمره، أي لص، وأن سبب توبته أنه وجد رقعة فيها اسم الله عز وجل في أتون حمام فرفعها ورفع طرفه إلى السماء وقال: "سيدي اسمك ههنا ملقى يداس" ثم ذهب إلى عطَّار فاشترى بدرهم غالية وضمَّخ تلك الرقعة منها ووضعها حيث لا تُنال، فأحيا الله قلبه وألهمه رشده وصار إلى ما صار إليه من العبادة والزهادة والعلم والورع والصلاح.

قال إبراهيم الحربي: ما أخرجت بغداد أتم عقلا من بشر، ولا أحفظ للسانه، كان في كل شعرة منه عقل، وطئ الناس عقبه خمسين سنة، ما عرف له غيبة لمسلم، ما رأيت أفضل منه.
وقال مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى لأحمد بن حنبل رضي الله عنه: ما تقول في هذا الرجل فقال: أي رجل قيل: بشر، فقال: سألتني عن رابع سبعة من الأبدال.

وقال إبراهيم الحربي: رأيت رجالات الدنيا، لم أرَ مثل ثلاثة: رأيت أحمد بن حنبل وتعجز النساء أن تلد مثله، ورأيت بشر بن الحارث من قرنه إلى قدمه مملوءًا عقلا، ورأيت أبا عبيد القاسم بن سلام كأنه جبل نُفخ فيه علم.
وقيل لأحمد: مات بشر. قال: مات والله وما له نظير، إلا عامر بن عبد قيس، فإن عامرًا مات ولم يترك شيئا.
وقال أبو بكر بن عثمان: سمعت بشر بن الحارث يقول: إني لأشتهي شواء منذ أربعين سنة، ما صفا لي درهمه.

ومن كلامه الحكيم:
إذا أعجبك الكلام، فاصمت، وإذا أعجبك الصمت، فتكلم.
قد يكون الرجل مرائيًا بعد موته، يحب أن يكثر الخلق في جنازته.
لا تجد حلاوة العبادة حتى تجعل بينك وبين الشهوات سدا.
من أحب الدنيا فليتهيأ للذل.
ما اتقى الله من أحب الشهرة.
لا تعمل لتُذكر، اكتم الحسنة كما تكتم السيئة.
شاطرٌ سخي أحب إلى الله من صوفي بخيل.

وروى أبو نعيم في الحلية بسنده عن أبي عبد الله بن خزيمة قال: لما مات أحمد بن حنبل اغتممت غما شديدًا فبت من ليلتي فرأيته في المنام وهو يتبختر في مشيته فقلت له: يا أبا عبد الله أي مشية هذه؟ قال: مشية الخُدَّام في دار السلام. قال: قلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر الله لي وتوَّجني وألبسني نعلين من ذهب، وقال لي: "يا أحمد، هذا بقولك القرآن كلامي غير مخلوق". ثم قال: "يا أحمد: أدعني بتلك الدعوات التي بلغتك عن سفيان الثوري كنت تدعو بها في دار الدنيا". قال فقلت: "يا ربَّ كل شيء فبقدرتك على كل شيء لا تسألني عن شيء واغفر لي كل شيء"، فقال: "يا أحمد هذه الجنة، فقم فادخل إليها" فدخلت فإذا أنا بسفيان الثوري وله جناحان أخضران يطير بهما من نخلة إلى نخلة، وهو يقول: "الحمد لله الذي أورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين" قال: فقلت: ما فعل عبد الوهاب الوراق؟ قال: تركته في بحر من نور في زلالة من نور يزور ربه الملك الغفور. فقلت له: ما فعل ببشر -الحافي-، قال لي: "بخ بخ! ومن مثل بِشر؟!، تركته بين يدي الجليل وبين يديه مائدة من الطعام، والجليل جل جلاله مُقبل عليه وهو يقول: "كل يا من لم يأكل، واشرب يا من لم يشرب، وانعم يا من لم ينعم".

وكان من إمامًا في الحديث لكنه زهد في التحديث ورعًا.
قال السلمي: سألت الدارقطني عنه فقال: زاهد جبل ثقة، ليس يروي إلا حديثا صحيحًا.
وعن أيوب العطار: أنه سمع بشرًا يقول: حدثنا حماد بن زيد..، ثم قال: أستغفر الله، إن لِذِكْرِ الإسناد في القلب خُيَلاء.
وقيل له: ألا تُحدِّث؟ قال: أنا أشتهي أن أحدِّث، وإذا اشتهيت شيئا، تركته.
وقال يعقوب بن بختان: سمعت بشر بن الحارث يقول: لا أعلم أفضل من طلب الحديث لمن اتقى الله، وحسنت نيته فيه، وأما أنا، فأستغفر الله من طلبه، ومن كل خطوة خطوتُ فيه.
وقال إسحاق الحربي: سمعت بشر بن الحارث يقول: ليس الحديث من عدة الموت. فقلت له: قد خرجت إلى أبي نعيم فقال: أتوب إلى الله.
قال أبو نشيط: نهاني بشر عن الحديث وأهله.
قال الحافظ موسى بن هارون: حدثنا محمد بن نعيم قال: رأيتهم جاءوا إلى بشر، فقال: "يا أهل الحديث، علمتم أنه يجب عليكم فيه زكاة، كما يجب على من ملك مائتي درهم خمسة".
لعله عنى الإخلاص والفهم والعمل به وتعليم الناس.