26 رمضان، ليلة القدر، الموافق ليلة السابع والعشرين من رمضان فلا تفوتك:
ليلة القدر ليلة عظيمة وكنز من كنوز هذه الأمة المكرومة، أنزل فيها القرءان جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا، قال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر)، ثم نزل بعد ذلك مفرقًا على النبي ﷺ بعد البعثة. وهي ليلة مباركة من تعرَّض لها تعرَّض لبركات الله فيها، قال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة)، ومن بركتها أن من قامها غُفر الله له ما تقدم من ذنبه، فيخرج من رمضان كيوم ولدته أمه، فقد قال رسول الله ﷺ: "من يقم ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر لله ما تقدم من ذنبه" [رواه البخاري]، ومن بركتها أن العمل الصالح في هذه الليلة الواحدة أفضل من العمل الصالح في ألف شهر، أي ما يعادل أكثر من 83 سنة، فقد قال تعالى: (ليلة القدر خير من ألف شهر).
وقد كانت خافية على الصحابة رضوان الله عليهم قبل الهجرة، لا يدرون أي ليلة هي ليلة القدر، فكانوا يتحرونها في كل ليالي السنة، وهذا كان تربية ودربة لهم على قيام الليل. وقضت حكمة العليم الحكيم عز وجل أن تتدرج الشريعة في كشف حقيقتها رويدًا رويدًا، فبعد أن هاجر النبي ﷺ إلى المدينة المنورة، كشف الله للصحابة جزءًا من حقيقتها أنها في شهر رمضان، فقال تعالى في سورة البقرة وهي سورة مدينة: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان)، فكانوا يقومون الليل كل السنة لكن يزدادون حرصًا على تحريها في ليالي شهر رمضان. ثم أراد الله أن يكشف لهم مزيدًا من حقيقتها فقال لهم النبي ﷺ: (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان) [رواه البخاري ومسلم]، ثم خصص لهم أكثر فقال ﷺ: (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) [رواه البخاري]، ثم خصص لهم أكثر فقال ﷺ: (إلتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة) [رواه البخاري ومسلم]، وفي رواية: (إلتمسوها في السبع الأواخر) [رواه البخاري ومسلم].
ليلة السابع والعشرين هي ليلة القدر على التحقيق:
ثم حدد النبي ﷺ لهم أنها ليلة السابع والعشرين، وذلك من باب التيسير على الأمة فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا أتى النبي ﷺ فقال: يا نبي الله إني شيخ كبير عليل، يشق علي القيام فأمرني بليلة لعل الله يوفقني فيها لِلَيْلَةِ القدر. قال: "عليك بالسابعة" [رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط البخاري]، وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عن النبي في ليلة القدر قال: "ليلة القدر ليلة سبع وعشرين" [رواه أبو داود في وابن عبد البر وصححه]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: تذاكرنا ليلة القدر عند رسول الله ﷺ، فقال: (أيكم يذكر حين طلع القمر وهو مثل شق جفنة؟" وشق جفنة: أي نصف قصعة، أي ليلة سبع وعشرين لأن القمر يطلع فيها بتلك الصفة. وعن سيدنا أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: (والله إني لأعلمها، وأكثر علمي هي الليلة التي أمرنا رسول الله ﷺ بقيامها، هي ليلة سبع وعشرين) [رواه مسلم]، وقال رضي الله عنه: (هي ليلة صبيحة سبع وعشرين، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها) [رواه مسلم]، وعن زر بن حبيش، يقول: سألت أبي بن كعب رضي الله عنه، فقلت: إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر؟ فقال رحمه الله: "أراد أن لا يتكل الناس، أما إنه قد علم أنها في رمضان، وأنها في العشر الأواخر، وأنها ليلة سبع وعشرين"، ثم حلف لا يستثني، أنها ليلة سبع وعشرين، فقلت: "بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟"، قال: بالعلامة، أو بالآية التي أخبرنا رسول الله ﷺ أنها تطلع يومئذ، لا شعاع لها" [رواه مسلم، والترمذي وقال حسن صحيح]، وعن قنان بن عبد الله النهمي، قال: سألت زرًا عن ليلة القدر، فقال: "كان عمر، وحذيفة، وناس من أصحاب رسول الله ﷺ لا يشكون أنها ليلة سبع وعشرين تبقى ثلاث" [رواه ابن أبي شيبة]
من علم الإشارة:
وهي ليلة السابع والعشرين أيضًا من خلال علم الإشارة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدعوني مع أصحاب محمد ﷺ ويقول لي: "لا تتكلم حتى يتكلموا"، قال: فدعاهم وسألهم عن ليلة القدر، قال: "أرأيتم قول رسول الله ﷺ: (التمسوها في العشر الأواخر، أي ليلة ترونها؟) قال: فقال بعضهم ليلة إحدى، وقال بعضهم: ليلة ثلاث، وقال آخر: خمس، وأنا ساكت فقال: "ما لك لا تتكلم؟" فقلت: "إن أذنت لي يا أمير المؤمنين تكلمت"، قال: فقال: "ما أرسلت إليك إلا لتتكلم"، قال: فقلت: "أحدثكم برأيي؟" قال: "عن ذلك نسألك"، قال: فقلت: "السبع، رأيت الله ذكر سبع سماوات، ومن الأرضين سبعًا، وخلق الإنسان من سبع، وبرز نبت الأرض من سبع"، قال: فقال: "هذا أخبرتني ما أعلم، أرأيت ما لا أعلم ما قولك نبت الأرض من سبع؟" قال: فقلت: إن الله يقول: {شققنا الأرض شقا} [عبس: 26] إلى قوله {وفاكهة وأبا} [عبس: 31] والأب نبت الأرض مما يأكله الدواب ولا يأكله الناس، قال: فقال عمر: "أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الذي لم يجتمع شئون رأسه بعد؟ إني والله ما أرى القول إلا كما قلت"، قال: وقال: "قد كنت أمرتك أن لا تتكلم حتى يتكلموا، وإني آمرك أن تتكلم معهم" [رواه اسحاق بن راهويه، والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم]
وتعجب بعضهم كيف يخصص العدد 7 وينسى العشرين؟ فأجيب عليه بأن العشرين هي الأيام التي مضت من الشهر، والسبع هي التي بقيت منه إلى الليلة.
ومن علم الإشارة أيضًا أن كلمة "ليلة القدر" مكونة من تسعة أحرف وقد وردت في سورة القدر ثلاث مرات، فحاصل الضرب 9×3 يساوي 27. ومن علم الإشارة أيضًا أن سورة القدر مكونة من 30 كلمة بعدد أجزاء القرءان الكريم، والكلمة السابعة والعشرين هي إسم الإشارة "هي" فدلت كذلك على أنها ليلة السابع والعشرين. ومن علم الإشارة أيضًا أن كلمة "القدر" وردت ثلاث مرات، في الموضع 5، و10، و12 ومجموعها يساوي 27.
هل تتنقل ليلة القدر من ليلة إلى ليلة؟
لا يمكن أن تتنقل الليلة بين الليالي لأنها هي ليلة واحدة ومحددة نزل فيها القرءان الكريم، في السابع والعشرين من رمضان، وهو تاريخ محدد، تمامًا مثل تاريخ غزوة بدر الكبرى، فنحن اليوم نتدارس ذكرى غزوة بدر الكبرى يوم السابع عشر من رمضان لأن الغزوة حدثت في ذلك اليوم، فهل يمكن أن نتعرض لهذه الذكرى في يوم آخر؟ مرة 17 ومرة 16 ومرة 18 وهكذا؟ قطعًا لا. ويجب الانتباه إلى أن التقويم الإسلامي في كتاب الله عز وجل هو التوقيت القمري بالشهور العربية، ولا علاقة له بالتقويم الشمسي. أما ما يروى من تحريها في ليالٍ متعددة في العشر الأواخر فتلك كانت مراحل تدرج الكشف عن حقيقتها حتى لا يتكل الناس.
الواجب تجاهها:
الحرص على قيامها والتعرض لنفحاتها وتذكير الناس بها، فقد كان يقول النبي ﷺ عند دخول رمضان: "إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم" [صحيح أخرجه ابن ماجة]. وأيضًا الدعاء لك ولأهلك وأقربائك وزملائك وسائر المسلمين بخير الدنيا والآخرة مع التركيز على خير الآخرة، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: يا نبي الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: "تقولين: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" [رواه الإمام أحمد]