الاثنين، 26 يونيو 2017

البدعة الحسنة سنة نبوية

الذي اجتمع عليه جمهور أهل العلم في الأمة أن البدعة بدعتان: بدعة هدى وهي ما وافقت تعاليم الإسلام وروحه ومقاصد شريعته، وبدعة ضلال وهي ما خالفت تعاليم الإسلام وروحه ومقاصد شريعته، وروي ذلك عن أكابر الفقهاء وحفاظ الحديث وشراح السنة وأهل القرءان من السلف والخلف، كالإمام الفقيه الشافعي، والإمام الحافظ الخطابي الشافعي، والإمام الحافظ ابن عبد البر المالكي، والإمام الحافظ ابن حزم الظاهري، والإمام الفقيه ابن عربي المالكي، والإمام الفقيه أبي حامد الغزالي الشافعي، والإمام الحافظ ابن الجوزي الحنبلي، والإمام الحافظ ابن الأثير الشافعي، والإمام الفقيه العز بن عبد السلام الشافعي، والإمام الحافظ أبي شامة المقدسي الشافعي، والإمام الفقيه القرافي المالكي، والإمام الحافظ القرطبي المالكي، والإمام الحافظ النووي، والإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي، والإمام العلامة التفتزاني الحنفي، والإمام الحافظ البدر العيني الحنفي، والإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني، وغيرهم خلق كثير بما في ذلك ابن تيمية الحراني في كتابه "درء تعارض العقل والنقل"، لم يشذ عن ذلك الإجتماع سوى أبي اسحاق الشاطبي المالكي الأشعري المتوفى في أواخر القرن الثامن الهجري سنة 790 هجرية، ولا شك أن مخالفته للسلف ولهؤلاء الجهابذة من نقلة الشريعة وأعمدة العلم في الأمة وشذوذه عليهم يجعل رأيه غير ملتفت إليه.

والتحقيق أن البدعة الحسنة أو بدعة الهدى هي سنة نبوية وذلك من عدة وجوه:
1. السنة التقريرية، وهي إقرار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة على أمور لم يفعلها أو يأمر بها، كتقبيل يده صلى الله عليه وسلم ورجله، والتبرك بماء وضوئه ونخامته الشريفة، والتمسح ببطنه الشريف، والرقية بالفاتحة من لدغة الحية والعقرب، ومداومة الصلاة بسورة الإخلاص.. إلخ. بل وكان يثني على بعضها ولا يكتفي صلى الله عليه وسلم بالإقرار، كثنائه على من قال في الصلاة: "حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد" بعد قول "سمع الله لمن حمده". فلو كان كل أمر ديني جديد هو بدعة ضلالة لما أقر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة على ما عملوه بدون سابق أمر منه لأنه لا يقر على ضلال أو باطل، والشاهد على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يقرهم على الشفاعة في أمر المخزومية التي سرقت، ولا في قتل المشرك الذي شهد الشهادتين، ولا في قبول عامل الخراج للهدية، وغير ذلك من الأمثلة. ولذا فإن ابتداع أمر يوافق أصول الإسلام هو في الحقيقة سنة أصَّلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته التقريرية.
2. قوله صلى الله عليه وسلم: (من سنَّ في [الإسلام] سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، لا ينقص ذلك من أجورهم سيء) [رواه مسلم]، والسنة هي ابتداع شيء لم يكن فيعمل به الناس ويسيرون عليه ويقتدون فيه بفاعله. وفي هذا الحديث الشريف بشر النبي صلى الله عليه وسلم فاعل البدعة الحسنة في الدين وأشار إليها بقوله (في الإسلام)، والتي يتابعه عليها الناس بالأجر والثواب الدائم، وسماها (سنة). ولذا فإن البدعة الحسنة هي إمتثال لتشجيع النبي صلى الله عليه وسلم الوارد في هذا الحديث وحضه على سن أمور طيبة يدعو إليها الإسلام ويؤصِّل لها.
3. قوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ) [أخرجه الترمذي وقال وصححه]، فجعل للخلفاء الراشدين سنة مستقلة تنسب إليهم، ولا شك أنها مما لم يفعله او يقله أو يقرره النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا لكان ذلك سنته هو صلى الله عليه وسلم وليس سنة خلفائه رضي الله عنهم، فجعل صلى الله عليه وسلم إحداث خلفائه لأمور جديدة في الدين على الأصول الشرعية سنة.
4. سنة صلاة التراويح حيث جمع سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه الصحابة خلف إمام واحد طيلة أيام شهر رمضان، وهي سنة تنسب له رضي الله عنه وأرضاه ومع ذلك سماها بدعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الحق يجري على لسان عمر وقلبه.
5. الإجتهاد في الدين، فمن حكم وأصاب فله أجران، ومن حكم وأخطأ فله أجر واحد كما روي عن النبي صلى الله، ولا شك أنه لا اجتهاد مع نص، فدل ذلك على أن الاجتهاد هو ابتداع حكم شرعي غير مسبوق قياسًا على الأصول الشرعية، والاجتهاد في الدين سنة بلا شك فدل ذلك على أن البدعة الحسنة سنة.

وللبدع الحسنة أو بالمسمى الصحيح السنن الحسنة دواعٍ شرعية منها:
1. مرونة الدين وصلاحيته لكل زمان ومكان لأنه الدين الختام. وبهذه السنن تتم الاستجابة للتحديات المعاصرة بالقياس على أصول الشريعة ومقاصدها، وكان من ذلك تصنيف العلوم الشرعية، وجمع القرءان، وتنقيط المصحف وتشكيله وبيان علامات التجويد فيه، وبناء المآذن في المساجد، وإحياء ذكرى المناسبات الإسلامية العظيمة كالمولد وليلة القدر وليلة النصف من شعبان وليلة الإسراء والمعراج والهجرة النبوية وغزوة بدر الكبرى، وإقامة المؤتمرات الإسلامية والأسابيع الدعوية، .. إلخ.
2. تشجيع أهل الهمم العالية على فتح أبواب الخير امتثالًا لقوله تعالى: (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)

فإذا تبين أن البدعة الحسنة سنة فإن إطلاق لفظ بدعة بدون تقييد كما في بعض كتب السلف وأهل العلم فيقصد به البدعة الضلالة المخالفة للكتاب والسنة كالتبديع والتكفير ورمي المسلمين بالشرك وسفك دمائهم.

أما الاحتجاج بأن لفظة (كل بدعة ضلالة) لم تفرق بين الحسنة والمذمومة فمردود لأن جمهور أهل العلم أجابوا عن ذلك بشواهده بأنه من العام المخصوص. وأما الإحتجاج بقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) فمردود لأن البدعة الحسنة تكون على أصول الشريعة وبذلك فهي (منه) أي الإسلام ولا ينطبق عليها قوله صلى الله عليه وسلم (ما ليس منه).