الخميس، 8 يونيو 2017

الصلة بين الأحياء والأموات

الموت ليس نهاية الحياة، بل هو انتقال من حياة إلى حياة، وقد تكون الحياة الجديدة أفضل، أو قد تكون أسوأ حسب العمل، وبالنسبة للكفار فإن الموت هو نهاية الحياة لأنهم لا يؤمنون بالبعث، ولا يؤمنون بنعيم القبر أو عذابه، ولا يؤمنون بقدرة الله عز وجل على كل شيء ومن ذلك إحياء الموتى. لذلك تجد علاقة الكافر بالشخص تنقطع بموته كما قال تعالى: (قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور)، أما المؤمن فيعلم أن الموت انتقال إلى حياة أخرى، فلئن مات الجسد فإن الأرواح لا تموت، بل تتواصل وهذا عزاء طيب بأننا لا نفقد موتانا تمامًا والحمد لله، قال الإمام مالك بن أنس: "بلغني أن الأرواح مرسلة تذهب حيث شاءت". والمؤمن يعلم أن الميت حسب درجة صلاحه وقدره عند الله تكون كرامة الله له، في الموت وبعد الموت، أما في الموت فإن الرجل الصالح يختم على بخاتمة صالحة، أما بعد الموت بكرامات كثيرة حسب درجة صلاحه، فيحرم جسده على الأرض كالأنبياء فلا يتحلل جسده، ويحيا في البرزخ حياة كريمة فالأنبياء أحياء في قبورهم يصلون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون كما قال الحق سبحانه وتعالى، بل ونهانا عن أن نقول لهم أموات: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات، بل أحياء ولكن لا تشعرون)، وهنالك تواصل عجيب بين الأحياء والصالحين من الاموات، فيما يلي نعرض طرفًا من النصوص الدالة على ذلك:

الزيارة والسلام:
عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تذكر بالآخرة". رواه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله كيف أقول لهم - يعني أهل القبور- قال: قولي: "السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون") رواه مسلم
وعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية" رواه مسلم
وعن أبي هريرة رضي الله عنه:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» أخرجه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي، حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ » صحيح أخرجه الإمام أحمد وأبوداود وصححه النووي في رياض الصالحين والحافظ في الفتح.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يمر على قبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام" أخرجه ابن عبد البر وصححه، وابن المبارك وصححه، والإشبيلي وصححه، والعراقي وصححه، والزبيدي وصححه وغيرهم.
وعن ابن عباس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأسماء بنت عميس قريبة منه إذ رد السلام، ثم قال: "يا أسماء هذا جعفر بن أبي طالب مع جبريل وميكائيل وإسرافيل سلموا علينا فردي عليهم السلام، وقد أخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا قبل ممره على رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث أو أربع، فقال: لقيت المشركين فأصبت في جسدي من مقاديمي ثلاثا وسبعين بين رمية وطعنة وضربة، ثم أخذت اللواء بيدي اليمنى فقطعت، ثم أخذت بيدي اليسرى فقطعت، فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل أنزل من الجنة حيث شئت، وآكل من ثمارها ما شئت، فقالت: أسماء هينئاً لجعفر ما رزقه الله من الخير، ولكن أخاف أن لا يصدق الناس فاصعد المنبر أخبر به، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس إن جعفر مع جبريل وميكائيل، له جناحان عوضه الله من يديه سلم علي، ثم أخبرهم كيف كان أمره حيث لقي المشركين، فاستبان للناس بعد اليوم الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جعفر لقيهم، فلذلك سمي الطيار في الجنة". 
أخرجه الحاكم في المستدرك وسكت عنه الذهبي في التلخيص
وعن الفضل بن موفق ابن خال سفيان بن عيينة قال: لما مات أبى جزعت عليه جزعًا شديدا فكنت آتى قبره في كل يوم ثم قصرت عن ذلك ما شاء الله، ثم إنى أتيته يومًا، فبينا أنا جالس عند القبر غلبتنى عيناي فنمت، فرأيت كأن قبر أبى قد انفرج وكأنه قاعد في قبره متوشحًا أكفانه، عليه سحنة الموتى، قال: فكأني بكيت لما رأيته، قال: يا بُني ما أبطأ بك عني؟! قلت: وإنك لتعلم بمجيئي؟! قال: ما جئت مرة إلا علمتها، وقد كنت تأتيني فآنس بك وأُسَرُّ بك ويُسَرُّ من حولي بدعائك. قال: فكنت آتية بعد ذلك كثيرًا. أخرجه بن القيم في الروح
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزور قبر حمزة كل جمعة. أخرجه عبد الرزاق في المصنف
وعن أبي التياح قال: كان مطرف يغدو -أي يذهب في الصباح- فإذا كان يوم الجمعة أدلج -ذهب الليل- قال: وسمعت أبا التياح يقول: بلغنا أنه كان ينوَّر له في سوطه -أي أن صوته يضيء له- فأقبل ليلة حتى إذا كان عند مقابر القوم وهو على فرسه فرأى أهل القبور كل صاحب قبر جالسًا على قبره فقالوا: هذا مطرف يأتي الجمعة، قلت: وتعلمون عندكم يوم الجمعة؟ قالوا: نعم، ونعلم ما تقول الطير، قلت: وما يقولون؟ قالوا يقولون: سلام سلام. أخرجه ابن أبي الدنيا
وعن حسن القصاب قال: كنت أغدو مع محمد بن واسع في كل غداة سبت حتى نأتى الجبان فنقف على القبور فنسلم عليهم وندعو لهم ثم ننصرف، فقلت ذات يوم: لو صيرت هذا اليوم يوم الاثنين؟!ّ قال: بلغنى أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويومًا قبلها ويومًا بعدها. أخرجه ابن القيم في الروح
وعن بشر بن منصور قال لما كان زمن الطاعون كان رجل يختلف إلى الجبان فيشهد الصلاة على الجنائز فإذا أمسى وقف على باب المقابر فقال آنس الله وحشتكم ورحم غربتكم وتجاوز عن مسيئكم وقبل حسناتكم لا يزيد على هؤلاء الكلمات قال فأمسيت ذات ليلة وانصرفت إلى أهلى ولم آت المقابر فأدعو كما كنت أدعو قال فبينا أنا نائم إذا بخلق كثير قد جاءونى فقلت ما أنتم وما حاجتكم قالوا نحن أهل المقابر قلت ما حاجتكم قالوا إنك عودتنا منك هدية عند انصرافك إلى أهلك فقلت وما هى قالوا الدعوات التي كنت تدعو بها قال قلت فإنى أعود لذلك قال فما تركتها بعد

السماع والإحساس:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا، فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا. فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَسْمَعُوا، وَأَنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا؟ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا. ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا فَأُلْقُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ» أخرجه البخاري ومسلم
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ» أخرجه البخاري ومسلم
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال في وصيته عند موته:«فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا، حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي » رواه مسلم
وعن ابن وهب قال حدثني عطاف بن خالد قال: حدثتني خالة لي يقال لها تهلل بنت العطاف، وكانت من العوابد، وكانت كثيرًا ما تركب إلى الشهداء، قالت: «ركبت إليهم يوما فصليت عند قبر حمزة بن عبد المطلب ما شاء الله أن أصلي، حتى إذا فرغت فقمت، فقلت هكذا بيدي، السلام عليكم، قالت: فسمعت أذناي السلام يخرج إلي من تحت الأرض، أعرفه كما أعرف أن الله خلقني، وكما أعرف الليل من النهار، وما في الوادي داع، ولا مجيب يتحرك إلا غلامي نائما أخذ برأس دابتي، فاقشعرت كل شعرة مني، فدعوت الغلام: يا بني هلم دابتي، فأدنى دابتي فركبت » أخرجه الطبري في تهذيب الآثار وابن عبد البر في الإستذكار
وعن عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْقَنَّادُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ طَرِيفٍ الْبَجَلِيُّ، قَالَ: تُوُفِّيَ أَخِي عُمَيْرُ بْنُ طَرِيفٍ عَامَ الْجَمَاجِمِ، فَلَمَّا دُفِنَ وَضَعْتُ رَأْسِي عَلَى قَبْرِهِ، فَإِنَّ أُذُنِي الْيُسْرَى عَلَى الْقَبْرِ، إِذْ سَمِعْتُ صَوْتَ أَخِي، أَعْرِفُ صَوْتًا ضَعِيفًا، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: اللَّهُ . فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: فَمَا دِينُكَ؟ قَالَ: الْإِسْلَامُ. أخرجه الطبري في تهذيب الآثار

عرض الأعمال على الأموات:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حياتي خير لكم تُحَدِّثُونَ وَيُحَدَّثُ لكم، ووفاتي خير لكم تعرض عليَّ أعمالكم، فما رأيتُ من خيرٍ حمدتُّ الله عليه، وما رأيتُ من شرٍ استغفرتُ الله لكم).
رواه البزار في مسنده، وقال الحافظ العراقي في طرح التثريب: إسناده جيد، وقال الهيثمي في المجمع: رجاله رجال الصحيح.
وعن أوس بن أوس رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا عليّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي) فقالوا: يا رَسُول اللَّهِ وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أَرِمْت (قال: يقول بَلِيْتَ) قال: (إن اللَّه حرم على الأرض أجساد الأنبياء) رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ بإسناد صحيح.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «إنّ أعمالكم تعرض على أقربائكم من موتاكم، فإن رأوا خيرا فرحوا به، وإن رأوا شرًا كرهوه، وإنهم يستخبرون الميت إذا أتاهم، من مات بعدهم؟ حتى إن الرجل يسأل عن امرأته أتزوجت أم لا؟ وحتى إن الرجل يسأل عن الرجل، فإذا قيل: قد مات قال: هيهات، ذهب ذاك، فإن لم يحسوه عندهم، قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئس المربية» أخرجه الطبري في تهذيب الآثار وصححه الحافظ في الفتح
وعن سيدنا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: قَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم «إِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى أَقَارِبِكُمْ وَعَشَائِرِكُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَإِنْ كَانَ خَيْراً اسْتَبْشَرُوا بِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ قَالُوا اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْهُمْ حَتَّى تَهْدِيَهُمْ كَمَا هَدَيْتَنَا» حديث حسن رواه الإمام أحمد
وعن سيدنا أبي أيوب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قبضت نفس العبد تلقاه أهل الرحمة من عباد الله كما يلقون البشير في الدنيا، فيقبلون عليه ليسألوه، فيقول بعضهم لبعض: أنظروا أخاكم حتى يستريح، فإنه كان في كرب، فيقبلون عليه، فيسألونه: ما فعل فلان؟ ما فعلت فلانة؟ هل تزوجت؟ فإذا سألوا عن الرجل قد مات قبله قال لهم: إنه قد هلك، فيقولون: إنا لله و إنا إليه راجعون، ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم و بئست المربية. قال: فيعرض عليهم أعمالهم، فإذا رأوا حسنا فرحوا و استبشروا و قالوا: هذه نعمتك على عبدك فأتمها، و إن رأوا سوءا قالوا: اللهم راجع بعبدك" حديث حسن أخرجه ابن المبارك في الزهد، والطبراني في الكبير، والإمام أحمد في المسند
وعن أبي الدرداء رضي لله عنه قال: "ألا إن أعمالكم تعرض على عشائركم، فَمُسَاؤُون ومسررون، فأعوذ بالله أن أعمل عملا يخزى به عبد الله بن رواحة" وعبد الله بن رواحة خاله. صحيح أخرجه ابن المبارك في الزهد وأبو داود في الزهد وابن أبي الدنيا في المنامات.
وعن عبد الغفور بن عبد العزيز عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس على الله تعالى، وتعرض على الأنبياء وعلي الآباء والأمهات يوم الجمعة، فيفرحون بحسناتهم وتزداد وجوههم بياضًا وإشراقًا، فاتقوا الله ولا تؤذوا موتاكم" رواه الحكيم الترمذي في النوادر من حديث.

الضرر يلحق بالأموات من أفعال الأحياء:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) رواه البخاري ومسلم، فإن نواح أهل الميت يبلغه فيؤذيه، وعن قيلة بنت مخرمة قالت: (قلت: يا رسول الله، قد ولدته فقاتل معك يوم الربذة، ثم أصابته الحمى فمات، ونزل عليَّ البكاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيغلب أحدكم أن يصاحب صويحِبَه في الدنيا معروفًا، وإذا مات استرجع؟ فوالذي نفس محمد بيده، إن أحدكم ليبكي فيستَعبِر إليه صويحبه -أي يحزن وتسيل دمعته- فيا عباد الله، لا تعذبوا موتاكم") قال الحافظ في الفتح: "حسن الإسناد، أخرجه ابن أبي خيثمة، وابن أبي شيبة، والطبراني"
كما روى الإمام أحمد من حديث أبي موسى مرفوعا: (الميت يعذب ببكاء الحي، إذا قالت النائحة: واعضداه واناصراه واكاسياه، جُبذ الميت وقيل له: أنت عضدها؟ أنت ناصرها؟ أنت كاسيها؟) ورواه ابن ماجه بلفظ: (يتعتع به ويقال: أنت كذلك؟)، ورواه الترمذي بلفظ: (ما من ميت يموت فتقوم نادبته فتقول: واجبلاه واسنداه، أو شبه ذلك من القول، إلا وكل به ملكان يلهزانه، أهكذا كنت؟) وشاهده ما رواه البخاري في المغازي من حديث النعمان بن بشير قال: (أغمي على عبد الله بن رواحة، فجعلت أخته تبكي وتقول: واجبلاه واكذا واكذا، فقال حين أفاق: ما قلت شيئًا إلا قيل لي: أنت كذلك؟) وهذا التعريض والتوبيخ يؤذي الميت في دار الحق والسؤال.

الأموات ينفعون الأحياء بإذن الله:
النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر للمؤمنين عندما تعرض عليه أعمالهم، كما في حديث البزار المتقدم، ويزورهم في المنام كما قال في الصحيح: (من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي)، وأي نفع أعظم من رؤية سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم.
وانتفع الأحياء بتخفيف الصلاة من خمسين إلى خمس بأجر الخمسين وذلك بمراجعة سيدنا موسى عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج، فعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ففرض الله عز وجل على أمتي خمسين صلاة فرجعت بذلك حتى مررت على موسى فقال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، قلت: وضع شطرها، فقال: راجع ربك فإن أمتك لا تطيق، فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إليه، فقال: ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعته، فقال: هي خمس، وهي خمسون، لا يبدل القول لدي، فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك، فقلت: استحييت من ربي) رواه البخاري ومسلم.
واستسقى الصحابة في عام الرمادة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فعن الأعمش، عن أبي صالح، عن مالك الدار -وكان خازن سيدنا عمر رضي الله عنه على الطعام- قال: (أصاب الناس قحط في زمان عمر بن الخطاب، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله، استسق الله لأمتك فإنهم قد هلكوا" فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال ائت عمر فأقرئه السلام، وأخبره أنكم مُسْقَوْنَ، وقل له: "عليك الْكَيْسَ الْكَيْسَ". فأتى الرجل عمر، فأخبره، فبكى عمر ثم قال: "يا رب ما آلو إلا ما عَجَزْتُ عنه" أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف والبيهقي في دلائل النبوة وصححه الحافظ في الفتح، وقال الحافظ في الفتح: (وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة)
واستطعم زوار الحبيب صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم عندما فتك بهم الجوع، فقد قال الحافظ أبو بكر ابن المقرئ مسند أصبهان: (كنت أنا والطبراني وأبو الشيخ في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، فضاق بنا الوقت فوصلنا ذلك اليوم، فلما كان وقت العشاء أتيت إلى القبر الشريف وقلت: "يارسول الله الجوع" فقال لي الطبراني:"اجلس فإما أن يكون الرزق أو الموت!" فقمت أنا وأبو الشيخ فحضر الباب علوي ففتحنا له فإذا معه غلامان بزنبيلين بهما شيء كثير فقال:" ياقوم، شكيتم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإني رأيته فأمرني بحمل شيء إليكم.") رواها ابن الجوزي في الوفاء والسخاوي في القول البديع، والسمهودي في وفاء الوفاء. وابن المقريء والطبراني وأبو الشيخ كلهم من كبار الحفاظ الأثبات
والصالحون من المؤمنين عندما تعرض عليهم أعمال ذويهم يسألون الله لهم الهدى والصلاح إذا رأوا ما يسوؤهم، كما في الحديث: (وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ قَالُوا اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْهُمْ حَتَّى تَهْدِيَهُمْ كَمَا هَدَيْتَنَا) حديث حسن رواه الإمام أحمد، والحديث: (و إن رأوا سوءا قالوا: اللهم راجع بعبدك) حديث حسن أخرجه ابن المبارك في الزهد، والطبراني في الكبير، والإمام أحمد في المسند
والميراث، ميراث العلم والمال، فكل العلماء الأحياء عالة على العلماء الأموات بدءًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلماء الصحابة والتابعون وتابعو التابعين وبقية علماء الأمة.

التماس البركة في قبور الصالحين، فإنها أماكن إجابة دعاء:
قال الإمام الحافظ ابن حبان في ترجمة على بن موسى الرضا رضي الله عنه وهو على بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين من كتابه "الثقات" (8 /456): "ما حلت بي شدة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر على بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله إزالتها عنى إلا أستجيب لي وزالت عنى تلك الشدة، وهذا شيء جربته مرارا فوجدته كذلك، أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته صلى الله عليه وسلم الله عليه وعليهم أجمعين" انتهى
وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب قال الحاكم (صاحب المستدرك) في تاريخ نيسابور:"سمعت أبا بكر محمد بن المؤمل يقول خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة مع جماعة من مشايخنا وهم إذ ذاك متوافرون إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضى بطوس قال فرأيت من تعظيمه يعني ابن خزيمة لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرعه عندها ماتحيرنا."
وعن الحافظ إبراهيم الحربي أنه قال: قبر معروف -يعني الكرخي- الترياق المجرب. أخرجه الذهبي في سير أعلام النبلاء
وعن أبي الحسين محمد بن أحمد بن جميع قال: سمعت أبا عبد الله بن المحاملي يقول: (أعرف قبر معروف الكرخي منذ سبعين سنة، ما قصده مهموم إلا فرج الله همه). أخرجه الحافظ الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد بسند صحيح
وعن أبي الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزهري قال سمعت أبي يقول: (قبر معروف الكرخي مجرب لقضاءالحوائج ويقال إن من قرأ عنده مائة مرة قل هو الله أحد وسأل الله تعالى ما يريد قضى الله له حاجته).
رواه الحافظ الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد بسند صحيح
وقال ابن خلكان: وكان بكَّار تاليًا للقرآن، بكاءً صالحًا دينًا، وقبره مشهور قد عرف باستجابة الدعاء عنده. 

ثواب الأعمال الموهوبة:
أول ما ينتفع به الميت يكون بعد سماع الناس خبر وفاته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى لهم النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه وكبَّر أربع تكبيرات، وقال: "استغفروا لأخيكم" أخرجه البخاري ومسلم، وعن أم سَلَمةَ رضي الله عنها قالت: (لما مات أبو سَلَمَةَ أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إنَّ أبا سلمة قد مات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولي اللهم اغفر له) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي، 
ثم ينتفع بصلاة الجنازة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من صلى عليه أربعون وفي رواية مائة شفعوا فيه، وينتفع بدعاء المصلين له في صلاة الجنازة، وينتفع باستغفار المسلمين والدعاء له بعد الفراغ من الدفن، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت يقول: (استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيتَ فإنه الآنَ يُسأل) أخرجه أبو داود والحاكم، 
وينتفع بقضاء الدَّين عنه والنذور، قال تعالى: (من بعد وصية يوصي بها أو دَين) [النساء: 12] وعن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما قال: استفتى سعد بن عبادة الأنصاري رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نذرٍ كان على أمه توفيت قبل أن تقضيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقضه عنها" متفق عليه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم نذر، فقال: "أكنت قاضيةً عنها دَينًا لو كان على أمك؟". قالت: نعم. قال: "فصومي عنها" أخرجه مسلم، 
وينتفع من هبات صالح الأعمال كالصلاة والصيام والحج والعمرة والصدقات، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه" متفق عليه، وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي ماتت ولم تحج أفأحج عنها؟ قال: "نعم حجي عنها" أخرجه الترمذي وصححه، وعن بن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شُبرُمة، قال من شُبرُمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي، قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة. أخرجه أبو داود غيره. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن سعدًا بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها شيء إن تصدقت عنها؟ قال: "نعم"، وفي رواية: "قال: أي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء" قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عنها. أخرجه البخاري، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي مات ولم يوصِ، أفينفعه أن أتصدق عنه؟ قال: "نعم"أخرجه أحمد ومسلم والنسائي، وعن عائشة رضي الله عنها أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها وأراها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال "نعم" متفق عليه، والصدقات اسم جامع لكل أعمال البر والخير وهي كثيرة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإنَّ لكم بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، والأمر بالمعروف صدقة، والنهي عن المنكر صدقة) أخرجه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة) متفق عليه