(حجة
وأحدية التوحيد على بدعة تقسيم التوحيد)
منقول
من كتاب (وحدة التوحيد)
لمؤلفه: سماحة العارف بالله تعالى الشيخ عبد الرحيم الركيني، المندوب العام للطريقة الركينية
بسم
الله الرحمن الرحيم
(بدعة
تقسيم التوحيد إلى ثلاثة بدعة محدثة)
هذه
هي المادة موضوع النزع والنزاع.
تقسيم
التوحيد إلى ثلاثة بدعة سيئة، لأنه ما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما قالها
أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وتقسيم
التوحيد إلى ثلاثة ينافي مقصد (لا إله إلا الله)، ويخالف صريح الكتاب والسنة، فهذا
هو تقسيم التوحيد المبتدع، ويليه الرد عليه:
١. توحيد
الربوبية وهو كون الشخص يعرف أن الله هو الرب، أي إفراده بالخلق والملك والتدبير.
وهذا
معروف حتى عند اليهود، والنصارى ومشركي الجاهلية.
٢. توحيد
الألوهية وهو أفراد الله تعالى بالعبادة فلا تدعو غيره أو تعبد سواه.
٣. توحيد
الأسماء و الصفات أي الإيمان بأسماء الله وصفاته التي ذُكرت بالأدلة الشرعية من غير
تحريف أوتمثيل أوتشبيه أوتعطيل أوتكييف.
وهذا
هو الرد على تقسيم التوحيد إلى ثلاثة:
أولًا/
عقلًا توحيد الواحد الأحد لن يكون ثلاثة.
ثانيا/
نقلًا لم يرد هذا التقسيم بهذا الفهم في كتاب الله تعالى، ولم يرد نصًّا في سنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرد في أقوال الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
ثالثًا/
هذا التقسيم بدعة مُحدثة.
والبدعة
المحدثة هي كل ما خالف صريح الكتاب والسنة، مخالفة لا تقبل التأويل بوجه من الوجوه.
رابعًا/
أن أساس هذا التقسيم باطل.
وهو
قولهم أن جميع الكفار حتى عباد الأصنام موحِّدون
توحيد الربوبية، وهو الإقرار بأن الله هو الخالق والرازق والمدبر والمسيطر، فتعالوا
معي أيها المسلمون إلى كتاب الله تعالى، هل هذا الفهم صحيح؟
نجد
في آيات القرآن العظيم عدة أنواع من الكفار
ولكلٍّ سبب كفره.
أ/ اليهود
أهل كتاب وهو التوراة.
ب/ النصارى
أهل كتاب وهو الإنجيل.
ج/ عباد
الأصنام ليس عندهم كتاب.
فاليهود
والنصارى لأنهم أهل كتاب فلقد عرفوا من تعاليم التوراة والإنجيل أن الله هو الخالق
والرازق والمدبر والمسيطر. ولذا كل آيات الإقرار تتعلق بأهل الكتاب وهم اليهود والنصارى،
ولا صلة لآيات الإقرار بعُبَّاد الأصنام.
ومن
آيات الإقرار قوله تعالى:
§ (وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ)
§ (وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ
مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا
يَعْقِلُونَ)
§ (وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ
لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)
§ (قُلْ
مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)، (سَيَقُولُونَ
لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ)
§ (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ
يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ
ۚ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ)
ثم بين الله تعالى في الآيات التي تليها، أن هذا
الإقرار يخص أهل الكتاب ولا يخص عُبَّاد الأصنام.
قال
الله تعالى:
§ (بَلْ
أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)
§ (مَا
اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ
إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا
يَصِفُونَ)
ولكن عندما حرَّفوا التوراة والإنجيل تغير هذا
الإقرار الذي اعتمد عليه أصحاب التقسيم في تقسيم التوحيد. ومما
يجب الإنتباه إليه هو أنه بعد التحريف تعددت أقوال اليهود والنصارى على الوجوه الآتية:
1/ منهم
من أنكر أحدية الله تعالى، قال الله تعالى:
(وَقَالَتِ
الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ
ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ)
فهؤلاء
عندهم ربّان، بمعنى الله رب والإبن رب، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
2/ منهم
من يعتقد أن الله هو نبي الله عيسى عليه السلام، قال الله تعالى:
(لَقَدْ
كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَنْ
يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ
وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
وهذا
ينفي الإقرار بربوبية الله تعالى ويهدم بدعة تقسيم التوحيد.
3/ ومنهم
من أنكر إحاطة علم الله تعالى، قال الله تعالى:
(وَإِذَا
لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ
قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ
عِنْدَ رَبِّكُمْ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)
وقال
تعالى ردًّا عليهم:
(أَوَلَا
يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ)
4/ ومنهم
من أنكر أنَّ الرازق هو الله تعالى، قال الله تعالى:
§ (وَقَالَتِ
الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا
ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ )
§ (لَقَدْ
سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ
ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا
عَذَابَ الْحَرِيقِ)
وهذا
يهدم فهم تعميم الإقرار على جميع الكفار.
ويتبين
لك أيها المسلم أن الإقرار قد تغير وكل ذلك
بدليل من كتاب الله عز وجل.
وأما عُبَّاد الأصنام فليس عندهم كتاب، وبالتالى فهم لا يعرفون الله تعالى،
ولا يعرفون أن الله هو الخالق أو الرازق أو المدبِّر، وهذه بعض التفاصيل.
1/ عباد
الأصنام لا يعرفون الله تعالى، قال الله تعالى:
(وَإِذَا
قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا
تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ۩)
إنتبه!
عُبَّاد الأصنام لا يعرفون الرحمن، والرحمن هو الله الخالق.
2/ عباد
الأصنام في سبب نزول سورة الإخلاص قالوا: "يا محمد صف لنا ربك، هل هو من فضة أم
من ذهب؟"
فأنزل
الله تعالى سورة الإخلاص ردًّا على سؤالهم وجهلهم بالله العلي الكبير، قال الله تعالى:
(بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ
يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ).
إنتبه!
قالوا: "صف لنا ربك" وبرواية: "انسب لنا ربك" وما قالوا: "صف لنا إلهك".
3/ بعد
أن ثبت جهل عُبَّاد الأصنام بأنهم لا يعرفون
الله الرحمن، فهذا يثبت أنهم لا يعرفون الله تعالى خالقًا ورازقًا ومميتًا وباعثًا.
4/ عُبَّاد
الأصنام لا يعرفون الله تعالى رازقًا، قال الله تعالى:
(وَلَا
تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ
ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا)
والذين
يقتلون أولادهم هم عُبَّاد الأصنام.
5/ عُبَّاد
الأصنام ينكرون الله وأنه المميت وأنه المحي، قال الله تعالى:
(وَقَالُوا
مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا
الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُمْ بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)
6/ عُبَّاد
الأصنام ينكرون الله تعالى وأنه القادر على إحياء الموتى، قال الله تعالى:
§ (إِنْ
هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ)
§ (أَإِذَا
مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ۖ ذَٰلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ)
§ (وَقَالُوا
أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ۚ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ
رَبِّهِمْ كَافِرُونَ)
§ (ذَٰلِكَ
جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا
أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا)
§ (وَقَالُوا
أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا)
§ (وَضَرَبَ
لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)
§ (وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ
كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)
فرد
عليهم الله عز وجل قائلًا:
(اللَّهُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۖ هَلْ مِنْ
شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَٰلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ
عَمَّا يُشْرِكُونَ)
هؤلاء
هم عُبَّاد الأصنام الذين لا يعرفون الله تعالى، ولا يعرفون أنه الخالق والرازق والمدبر
والمسيطر.
7/ عُبَّاد
الأصنام ينكرون الله والعذاب، قال الله تعالى:
((وَقَالُوا
نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)
فيرد
عليهم الله تعالى قائلًا:
(ذَٰلِكَ
جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا
أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا)
8/ قال
تعالى: (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي
خَلْقٍ جَدِيدٍ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ الْأَغْلَالُ
فِي أَعْنَاقِهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
إنتبه!
كفروا بربهم، بمعنى لا يقرون بتوحيد الربوبية
أحد أقسام التوحيد الثلاثة،
وهذا
يهدم بدعة تقسيم التوحيد.
9/ عُبَّاد
الأصنام يسبون الله تعالى من أجل أصنامهم، قال الله تعالى:
(وَلَا
تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ
عِلْمٍ).
وهذا
ينافي الإقرار بربوبية الله تعالى.
تنبيه هام!!!!!
وبعد
هذا التوضيح فإن الذين قالوا كما جاء في الآية ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا
إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٌٰ)، هؤلاء ليسوا عُبَّاد الأصنام، إنما
هؤلاء أهل الكتاب، فاليهود يعبدون عزيرًا عليه السلام، والنصارى يعبدون عيسى عليه السلام
ليقربهم الابن إلى الأب بحسب عقيدتهم الباطلة، فهم لا يتوسلون بهم إنما (يعبدونهم)
بدلًا عن الله تعالى.
وإذا
أكملت الآية الكريمة والآية التي بعدها تبين لك أن المقصود بذلك هم أهل الكتاب، وهذه هي الآية المقصودة:
(أَلَا
لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا
نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ
بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ
كَاذِبٌ كَفَّارٌ)
وهذه
هي الآية التي تليها مباشرة:
(لَوْ
أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ
ۚ سُبْحَانَهُ ۖ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ).
وأما
عُبَّاد الأصنام فهم قوم يسبون الله من أجل أصنامهم لأنهم لا يعرفونه جل شأنه:
(وَلَا
تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ
عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ
فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
ويتضح
لك جليًّا أن أصحاب تقسيم التوحيد إلى ثلاثة
حملوا آيات الإقرار على عُبَّاد الأصنام
وهذا تحريف لفهم آيات التوحيد، ووضع للقرآن في غير موضعه،
وقد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أخوف ما أتخوف على أمتي رجل متأول للقرآن يضعه
في غير موضعه)
وعلى
أساس الرد على القسم الأول بطلت بدعة تقسيم التوحيد إلى ثلاثة، وهي بدعة محدثة.
القسم
الثاني في بدعة تقسيم التوحيد إلى ثلاثة: توحيد
الألوهية
وأما
قولهم إن توحيد الألوهية هو غير توحيد الربوبية، حتى إنهم يعتقدون أن فرعون إدعي الألوهية
ولكنه موحِّد توحيد الربوبية، فالقرآن الكريم يكذب هذا الفهم، قال الله تعالى: (قَالَ
فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ)
وما
قال فرعون وما إله العالمين. فجاء رد سيدنا موسى عليه السلام في الآية تليها:
(قَالَ
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ)
وما
قال إله السموات والأرض.
وجاء
رد فرعون في الآيتين بعدها.
§ (قَالَ
لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ)
§ (قَالَ
رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ)
وما
قال إلهكم.
ثم يعلن
فرعون إنكاره لربوبية الله عز وجل:
(قَالَ
إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ)
ثم يرد
عليه سيدنا موسى عليه السلام:
(قَالَ
رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)
ثم يوجه
فرعون الكلام لموسى عليه السلام، وقد جاء في الآية التي بعدها:
(قَالَ
لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ).
أيها
المسلم، هذه الآيات تبين أنه لا فرق في التوحيد بين ربوبية وألوهية. وتدبر هذه الآيات كذلك، قال الله تعالى:
§ (قَالَ
فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ)
§ (وَقَالَ
فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ
لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ
إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ)
§ (فَقَالَ
أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ)
فإن
فرعون كافر بالتوحيد والتوحيد واحد.
ويعتقدون
أن أبا لهب وأبا جهل موحِّدون توحيد الربوبية، ولكنهم كفروا بتوحيد الألوهية، والقرآن
العظيم يكذِّب هذا الفهم بدليل الآيات التي بينت أنَّ عبَّاد الأصنام لا يعرفون الله
تعالى و يسبُّون الله من أجل أصنامهم.
أيها
المسلمون إنَّ فهم تقسيم التوحيد فهم باطل
بدليل الكتاب والسنة، نجد في آيات القرآن العظيم أنه لا يوجد فرق بين الربوبية والألوهية
في التوحيد لما ورد في الآيات السابقة وآيات وآيات، قال الله تعالى:
§ (أَجَعَلَ
الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)
§ (أَأَرْبَابٌ
مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)
§ (قُلْ
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ
أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا
بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا
مُسْلِمُونَ).. (أَرْبَابًا)
§ (وَلَا
يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ۗ أَيَأْمُرُكُمْ
بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).. (أَرْبَابًا)
§ (اتَّخَذُوا
أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ
ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).. (أَرْبَابًا)
§ (ذَٰلِكُمُ
اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ
ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ).
ودخول
الإسلام بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصيغة
السؤال في القبر يقول الملَك: (من ربك) ولا يقول: (من إلهك).
وقال
صلى الله عليه وسلم: (من قال رضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا،
وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا رسولًا ذاق حلاوة الإيمان)
والخلاصة؛
فمن رضي بالله ربًّا فقد رضي به إلها، ومن رضي بالله إلهًا فقد رضي به ربًّا، لأن معنى
الإله هو الذي تألهه الخلائق لعبادته ولقضاء حوائجها، بمعني تقصده الخلائق. ومعنى الرب
هو الذي ترُبُّه الخلائق لعبادته ولقضاء حوائجها، بمعنى تقصده الخلائق ((فالرَّب هو
الإله والإله هو الرَّب)) وهذا لا ينافيه الأخذ بالأسباب، مع التوكل على ربِّ الأسباب
لا على الأسباب.
إذًا
فأصحاب بدعة تقسيم التوحيد -إن علموا بذلك أو جهلوا- فهو منهج لتغيير مفهوم التوحيد
في الإسلام، وبالتالى فهو ذريعة لتكفير المسلمين الذين رضوا بالله ربًّا وبالإسلام
دينًا وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا رسولًا.
والقسم
الثالث في بدعة تقسيم التوحيد هو ما سموه بتوحيد الأسماء والصفات، ولكن حقيقة التوحيد
هو أنَّ من رضي بالله ربًّا فقد رضي به إلهًا، ومن رضي بالله إلهًا فقد رضي به ربًّا،
ومن رضي بالله ربًّا لن يكون ذلك بمعزل عن أسماء الله تعالى وصفاته، ولا يكون بمعزل
عن كمال التنزيه لله تعالى. فلا يوجد دليل عقلًا أو نقلًا يفصل صفات الله تعالى وأسمائه
عن ذاته العلية في التوحيد، فالرب من أسمائه تعالى، والإله من أسمائه تعال، والله من
أسمائه تعالى.
وأما
أصحاب بدعة تقسيم التوحيد فهم لا يعرفون كمال التنزيه لله تعالى، فقد اتخذوا القسم
الثالث في بدعة تقسيم التوحيد من أجل الأخذ بظاهر الصفات، بمفهوم الجوارح، فهم حينًا
يجسِّمون الله تعالى، وحينًا يشبِّهونه بوضع النصوص في غير موضع فهمها، وأكبر دليل على ذلك كتابهم (عقيدة أهل
الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن)، ففي هذا الكتاب أخذوا بمعنى اليد الجارحة وتركوا
المعنى الذي يليق بالله تعالى في كل آيات اليد. وأخذوا من آيات الإستواء الإستقرار
وتركوا كل ما يليق بالله تعالى في آيات الإستواء. وأخذوا في آيات الوجه بالجارحة وتركوا المعنى الذي يليق بالله تعالى
في آيات الوجه. وكذلك فعلوا في آيات العين وغيرها متجاهلين لفهم قول الله تعالى: (لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
فكل
فهم يؤدي إلى التجسيم والتشبيه فهو باطل، ولو أنهم لم يقسِّموا التوحيد
بهذه
الكيفية المبتدعة لما وجدوا مدخلًا لتكفير المسلمين، فكل من لم يعتقد عقيدتهم هذه فهو
عندهم كافر، مباح دمه وماله.
إنتبهوا لهذا الكتاب جيدًا فإنه يشبه الله تعالى
بصورة البشر تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
(إستراحة)
إعلم
أنه لا يوجد نصٌّ في الكتاب أو السنة يقول: (من طاف بغير الله فقد أشرك)
لأن
الطواف لا يكون بالله عز وجل، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، إنما الطواف يكون حول
وبين حرمات الله وشعائر الله تعالى، قال الله تعالى:
(ثُمَّ
لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)
والبيت
العتيق هو الكعبة المشرفة، وهو مخلوق.
وقال
تعالى:
(إِنَّ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ
فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ
اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)
والصفا
والمروة مخلوقان، يطوف المسلم تعظيمًا لها، ومن ثَمَّ التقرب بتعظيمها إلى الله تعالى،
قال الله تعالى:
(ذَٰلِكَ
وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)
وقال
تعالى:
(ذَٰلِكَ
وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)
ولكن
لا أحد يطوف بالله تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.
ولا
يوجد نصٌّ في الكتاب أو السنة يقول: (من تمسَّح بغير الله فقد أشرك) لأن التمسُّح لا
يكون بالله الخالق، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، فلا أحد يلمس الله تعالى، إنما
التمسُّح يكون بالمخلوقات المباركة، قال الله تعالى:
(إِنَّ
أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ).
وأجساد
الأنبياء والمرسلين عليهم السلام مباركة، قال الله تعالى:
(وَجَعَلَنِي
مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا).
وجسد
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مبارك، وكان الصحابة رضوان الله عليهم، الفرقة الناجية،
يتمسحون بعرق ونخامة وتفل وفضل وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم طلبًا للبركة، ولكن
لا أحد يتمسَّح بالله تعالى، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.
ولا
يوجد نصٌّ في الكتاب أو السنة يقول: (من قبّل غير الله فقد أشرك) لأن التقبيل لا يكون
لذات الله عز وجل، فلا أحد يقوم بتقبيل الله في الدنيا، ولا أحد له تقبيل الله في الآخرة، تعالى الله عن ذلك علوًّا
كبيرًا. إنما التقبيل يكون لحرمات الله تعالى، والتقبيل يكون لشعائر الله تعالى، والتقبيل
يكون لأماكن البركة، فقد قبَّل المصطفى صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود. والصحابة،
الفرقة الناجية، رضي الله عنهم كانوا يقبِّلون يد ورِجل رسول الله صلى الله عليه وسلم،
والصحابة رضي الله عنهم كانوا يقبِّلون أيادي بعضهم.
ولا
يوجد نصٌّ يقول: (من إنحنى لغير الله فقد كفر)، ولكن يوجد نصٌّ يقول: (إنما الأعمال
بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى). فننحني راكعين وساجدين لله ولكن إتجاه الكعبة وليس
إتجاه الله، لأن الله تعالى عن الجهات، قال الله تعالى:
(وَمِنْ
حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ
فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهَُ).
وننحني
راكعين وساجدين لله ولكن إتجاه مقام إبراهيم عليه السلام، وليس بإتجاه الله تعالى،
لأن الله تعالى عن الجهات، قال الله تعالى:
(وَاتَّخِذُوا
مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّىِ)
وانحنى
سيدنا يعقوب عليه السلام وأبناؤه لسيدنا يوسف عليه السلام وكانت نيتهم إنحناء تعظيم
لا إنحناء عبادة، وسماه الله تعالى سجودًا في رؤيا يوسف عليه السلام وفي تحقيقها في الواقع، ولكنه كان إنحناء تعظيم بحسب
نيَّتهم، قال الله تعالى:
(وَرَفَعَ
أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ
رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا )
وانحنى
الصحابة، الفرقة الناجية، رضوان الله عليهم لتقبيل (يد) بل و(رِجل) رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وكانت نيتهم التعظيم وطلب البركة لا العبادة. وانحنى الصحابة، الفرقة الناجية،
رضي الله عنهم لتقبيل أيادي بعضهم وما كان قصدهم العبادة. ولا
يحق تشبيه المتوسِّلين والمتبركين بعُبَّاد الأصنام لما علمت من أدلة سابقة، وأن التوسُّل
والتبرُّك هو من أفعال الفرقة الناجية وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي
الله عنهم.
وعندما
أصحاب بدعة تقسيم التوحيد إتهموا حكومة السودان بأنهم فعلوا ذلك من أجل إرضاء الصوفية
فالرد على ذلك أن الحكومة من حقها أن تتخذ كل الإصلاحات التي تؤدي إلى أمن السودان
وتماسك نسيجه الإجتماعي وتعايشه في سلام حالًا ومستقبلًا، ولكن قرار حذف مادة بدعة
تقسيم التوحيد ليس هي من أجل الصوفية فقط، أنما هذا القرار إنتصار لكلمة التوحيد بصونها
من بدعة التقسيم المحدثة، وبالتالى هو إرضاء
لكل أهل لا إله إلا الله، وحفظ للسودان بعيدًا بعيدًا عن التكفير والتهجير الدواعشي.