أمة الدعوة هم كل من بعث فيهم رسول الله ﷺ كما قال تعالى: (كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ)، وكما قال النبي ﷺ: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم، فقوله ﷺ: (من هذه الأمة) يعني به أمة الدعوة، وكذا قوله ﷺ عن أبي جهل لعنه الله: (هذا فرعون هذه الأمة) يعني أمة الدعوة. وتشمل أمة الدعوة كافة الناس الذين بعث فيهم النبي ﷺ من الثقلين إلى يوم القيامة، وذلك لأن الأنبياء كانوا يرسلون إلى قومهم خاصة بينما أرسل سيدنا محمد ﷺ إلى الناس عامة كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
أما أمة الإجابة أو الاستجابة فهم من آمن بدعوة النبي ﷺ ودخل الإسلام، كما في قوله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)، وقوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، ويخاطب القرءان الكريم أمة الدعوة بيأيها الناس، ويا بني آدم، ويخاطب أمة الإجابة بيأيها الذين ءامنوا.
أما ربط مفهوم الأمة مع النصوص الشرعية ذات الصلة فكما في حديث افتراق الأمة: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى إلى اثنين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة). قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: (ما أنا عليه وأصحابي)
فالأمة المقصودة في قوله ﷺ: (وتفترق أمتي) هي أمة الدعوة، وهي كلها النار إلا فرقة واحدة وهي أمة الأجابة فإنهم في الجنة، وذلك لقوله تعالى: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس)، فأمة الإجابة هي خير الأمم، ولقوله ﷺ: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) فأصحاب النار هم الذين سمعوا بدعوة النبي ﷺ ولم يجيبوها.
أما الفرق والطوائف داخل أمة الإجابة فمشروعة، بل وكانت موجودة على عهد النبي ﷺ ونزل بها القرءان الكريم، مثل قوله تعالى: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين)، وقوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) فكلا الطائفتين من المؤمنين، وقوله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ). ومن أمثلة هذه الطوائف المشروعة: أهل بيت النبوة كما قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)، ومثل الصحابة من المهاجرين والأنصار، ومثل التابعين كما قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ)، ومثل أهل بيعة العقبة الأولى والثانية، والعشرة المبشرين بالجنة، وأهل بدر، وأهل القرءان، وأهل الحديث، والأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة ..إلخ.