الخميس، 27 أكتوبر 2022

التفنيد المفصل لجميع شبهات رمي المسلمين الموحدين بالشرك


الشبهة:
زعم الوهابية ومن سار على دربهم أن من دعا غير الله أو استغاث بغير الله أو ذبح لغير الله أو طاف بقبر فقد صرف عبادة لغير الله، ومن صرف عبادة لغير الله فقد أشرك. 

التفنيد:
هذا باطل من وجوه كثيرة جدا لكن خذ منها:
أولا الشرك هو اتخاذ إله آخر مع الله رب الغالمين، والتوحيد هو اعتقاد أن الله واحد لا شريك له، قال تعالى {وَقَالَ ٱللَّهُ لَا تَتَّخِذُوۤا۟ إِلَـٰهَیۡنِ ٱثۡنَیۡنِۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهࣱ وَ ٰ⁠حِدࣱ فَإِیَّـٰیَ فَٱرۡهَبُونِ}[سُورَةُ النَّحۡلِ: ٥١]، وقال تعالى {أَجَعَلَ ٱلۡـَٔالِهَةَ إِلَـٰهࣰا وَ ٰ⁠حِدًاۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَیۡءٌ عُجَابࣱ}[سُورَةُ صٓ: ٥]، ومن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله مسلم موحِّد، لا يمكن أن يعتقد بوجود إله آخر إلا الله عز وجل، فالجمع بين الشرك والتوحيد محال لأنه جمع بين نقيضين.
ثانيا النية هي أساس كل عمل لقول رسول الله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» [متفق عليه]، وهي الفيصل بين العادة والعبادة، فما عمل بنية التعبد كان عبادة، وما لم يعمل بنية التعبد لم يكن عبادة، فهناك من يصلي لله، وهناك من يصلي نفاقًا، وهناك من يصوم لله وهناك من يصوم لإجراء عملية جراحية، وهناك من يذبح لله وهناك من يذبح لرحلة خلوية، وهناك من يطوف لله وهناك من يطوف للرياضة وتخفيف الوزن وغير ذلك من الأمثلة. لذا لا تصح عبادة في الإسلام بغير نية، فالنية هي أول شرط صحة في أي عبادة في الإسلام. لأجل ذلك لا يكون العمل عبادة إلا إذا نوي به التعبد، ومن نوى التعبد بعمل فلابد أنه يعتقد أن من عبده إله يعبد، فهل المسلمون المتهمون بهتانًا بالشرك فعلوا ما فعلوا بنية التعبد؟ قطعًا لا وإنما أخذًا بالأسباب أو توسلًا أو تبركًا أو أي نية أخرى غير التعبد. وهل يعتقدون أن من عملوا له هذا العمل إله يعبد؟ قطعًا، لا فإنهم يشهدون أن الله واحد لا شريك له، وأن الأولياء مخلوقين، وعباد صالحين، مكرمين من رب العالمين. 
لذلك فاتهام كل من دعا غير الله أو استعان بغير الله أو استغاث بغير الله أو ذبح لغير الله أو غير ذلك أنه صرف عبادة لغير الله باطل لأنها ليست عبادة ولا العامل يعتقد أن المعمول له إله يعبد. 
ثالثا دعاء غير الله العادي مشروع، فيمكن أن تدعو من تشاء لما تشاء، كما جاء في التنزيل: {... قَالَتۡ إِنَّ أَبِی یَدۡعُوكَ لِیَجۡزِیَكَ أَجۡرَ مَا سَقَیۡتَ لَنَاۚ}[سُورَةُ القَصَصِ: ٢٥]، أما الدعاء بنية التعيد (الدعاء التعبدي) فلا يكون إلا لله كما قال تعالى: {وَٱلَّذِینَ لَا یَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءَاخَرَ وَلَا یَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِی حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا یَزۡنُونَۚ وَمَن یَفۡعَلۡ ذَ ٰ⁠لِكَ یَلۡقَ أَثَامࣰا}[سُورَةُ الفُرۡقَانِ: ٦٨] 

رابعًا الاستعانة بالمخلوقين مشروعة على سبيل الأخذ بالأسباب، فقد قال تعالى: {.. وَتَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَ ٰ⁠نِۚ.. }[سُورَةُ المَائـِدَةِ: ٢]، تعاونوا على وزن تفاعلوا، أي أعينوا واستعينوا، وقال رسول الله ﷺ: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» [أخرجه مسلم]، أما قوله ﷺ: «وإذا استعنت فاستعن بالله» تنبيه إلى أن المعين حقيقة هو الله، فالإعانة من المخلوق شيء وحصول العون من الله شيء آخر، فالله يعين عند السبب وبلا سبب. 

خامسًا الإستغاثة بالمخلوقين مشروعة على سبيل الأخذ بالأسباب، فقد قال تعالى: {... فَٱسۡتَغَـٰثَهُ ٱلَّذِی مِن شِیعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِی مِنۡ عَدُوِّهِۦ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَیۡهِۖ... }[سُورَةُ القَصَصِ: ١٥]، وأخرج البخاري في صحيحه في حديث الشفاعة أن رسول الله ﷺ قال: «ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم، وقال إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم»، أما الاستغاثة بنية التعبد فلا تكون إلا بالله كما قال تعالى: {إِذۡ تَسۡتَغِیثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّی مُمِدُّكُم بِأَلۡفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُرۡدِفِینَ}[سُورَةُ الأَنفَالِ: ٩]. 
سادسًا تقييد الإستعانة والإستغاثة بما يقدر عليه المخلوق، أو بأن يكون حيًّا أو قريبًا فباطل من عدة وجوه: أولا لأن فيه شبه شرك إذ تجعل للمخلوق قدرة مستقلة عن قدرة الله عز وجل. ثانيا المخلوق في الحقيقة عاجز، فلا حول ولا قوة له إلا بالله، لا يقدر على أهون شيء إلا أن يقدره الله تعالى عليه. ثالثا المخلوق سبب، فالقادر القدير هو الله عز وجل. رابعًا الله يقدر من خلقه من شاء على ما يشاء، فقد أقدر آصف بن برخياء على إحضار عرش بلقيس من اليمن إلى بيت المقدس في أقل من طرفة عين، وهذا بمقاييس دعاة الشبهة لا يقدر عليه إلا الله. خامسًا قدرة الله صالحة لتبصير البعيد كما يبصر القريب، وإسماع البعيد كما يسمع القريب، وفي قصة سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاهلإ وسارية الصحيحة خير شاهد، فقد أبصر سيدنا عمر وضع جيش سارية فحذره من العدو خلف الجبل وسمع سارية التحذير وبينهما مسيرة شهر بالبعير. سادسًا قدر الله صالحة لتبصير الميت كما يبصر الحي وإسماع الميت كما يسمع الحي، أما الأولى فبدليل قصة درع سيدنا قيس بن ثابت بن شماس رضي الله عنه وأرضاه التي أخرجها الطبراني بإسناد صحيح، فقد أخبر بعد موته أحد المسلمين في رؤيا منام بمن أخذ درعه وأين خبأها. أما الثانية فبدليل حديث قليب أهل بدر، فقد قال رسول الله ﷺ لسيدنا عمر رضي الله عندما استغرب خطابه ﷺ لقتلى المشركين في غزوة بدر: «والذي نفس محمد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم»، وفي صحيح مسلم: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا علي شيئا»، فيتضح أن الحي والميت، والقريب والبعيد أمام قدرة الله سواء. 
سابعًا العبادات لا يحكم عليها بظاهر الأفعال لوجود النية، فالمسلمون اليوم يصلون إلى الكعبة وهي أحجار، لكنهم في الحقيقة يصلون لله وما الكعبة إلا قبلة يعبد الله عليها. 
ثامنًا الإستدلال بحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه في قوله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) على وجود عبادات بدون اعتقاد أن المعبود إله آخر باطل من وجوه: 
أولًا الحديث ضعيف ولا تقوم به حجة، قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ. وَغُطَيْفُ بْنُ أَعْيَنَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ فِي الْحَدِيثِ.
وهو مضطرب، فقد أخرجه الطبري في تفسيره بألفاظ متناقضة، ففي رواية: قلت: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدُهم! فقال: «أليس يحرِّمون ما أحلَّ الله فتحرِّمونه، ويحلُّون ما حرَّم الله فتحلُّونه؟» قال: قلت: بلى! قال: «فتلك عبادتهم» 
وفي رواية إخرى: «أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكن كانوا يحلّون لهم فيُحلُّون»، 
ثانيا الصحيح أنها ليس عبادة على المعنى الشرعي للعبادة وإنما على المعنى اللغوي لأن الطاعة معنى من معاني العبادة، وذلك بدليل ما رواه الْأَعْمَشُ وَسُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبَى الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: سُئِلَ حُذَيْفَةُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ" هَلْ عبد وهم؟ فَقَالَ: «لَا، وَلَكِنْ أَحَلُّوا لَهُمُ الْحَرَامَ فَاسْتَحَلُّوهُ، وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمُ الْحَلَالَ فَحَرَّمُوهُ». وهذا إسناد صحيح.
تاسعًا عبارة (من دون الله)، (من دونه)، (غير الله) ونظائرها في القرءان الكريم المقصود بها (إله غير الله)، (إله من دون الله)، (إله من دونه)، بدليل قوله تعالى_ (لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذًا شططًا)، وقوله تعالى: (هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة)، (أم اتخذوا من دونه آلهة)، (أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون)، وغيرها، ولا تعني العباد المخلوقين، وإلا لكان كل دعاء شركًا، حتى لو قلت يا محمد أقبل، ويا ولدي تعال، ويا فلان إذهب لكنت مشركا، ولم يقل أحد بذلك، فقد قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: (يا بني اركب معنا)، وقال يعقوب عليه السلام: (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف)، وقال إبراهيم عليه السلام: (يا بني إني أرى في المنام أني اذبحك)، وغيرها، لذلك الإستدلال بآيات كقوله تعالى: {وَلَا تَدۡعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا یَنفَعُكَ وَلَا یَضُرُّكَۖ فَإِن فَعَلۡتَ فَإِنَّكَ إِذࣰا مِّنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ}[سُورَةُ يُونُسَ: ١٠٦]، وقوله تعالى: {... وَٱلَّذِینَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مَا یَمۡلِكُونَ مِن قِطۡمِیرٍ}[سُورَةُ فَاطِرٍ: ١٣]، وقوله تعالى: {وَأَنَّ ٱلۡمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُوا۟ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدࣰا}[سُورَةُ الجِنِّ: ١٨] وأمثالها على تشريك من يستعين ويستغيث بالخلق باطل، فهذه الآيات تخاطب عباد الأصنام والأوثان الذين يعبدون غير الله من الآلهة.
عاشرًا: الإستدلال بحديث ذات أنواط على إمكانية وقوع الشرك من المسلم الموحد بدون أن يدري باطل من عدة وجوه:
أولا تكلم بعض العلماء في صحة الحديث والعقائد لا تثبت بأحاديث فيها مقال معتبر. 
ثانيا ولو قبلنا بالحديث جدلًا فليس فيه حجة لأنه لا يدل على أن الصحابة رضوان الله عليهم أشركوا عندما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم شجرة ذات أنواط، فلو كان أشركوا للزمهم أن يشهدوا الشهادتين ليسلموا مرة أخرى، وهذا الوجه كاف لنسف الإستدلال بهذا الحديث.
ثالثًا رغمًا عن حداثة عهدهم بالجاهلية إلا أن ما طلبوه هو شجرةٌ يعلقون بها السلاحَ ويستمدُّون البركةَ والنصر بها مِن الله عز وجل وليس من الشجرة، لكنهم بهذا الطلب العفوي وقعوا بدون قصد في التشبه بالمشركين قبل أن يعلموا النهي بعدم التشبه بالمشركين، وسبب التشبه هو أن الشجرة التي طلبوا نظيرها كانت شجرة يعلق فيها المشركون أسلحتهم ويعبدونها من دون الله، فكان لسؤالهم هذا مشابهة مع سؤالَ بني إسرائيل لموسى عليه السلام اتِّخاذَ إله لا أنهم طلبوا اتخاذ إله، فالتشابه من وجهٍ لا يَلزم منه التشابه من كلِّ الوجوه، مثلا كقول رسول الله ﷺ في تعلُّق قلبِ المدمن بالخمر: «مُدْمِنُ الخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ»، فوجهُ التشابه بينهما أنَّ المدمنَ لا يكاد يستغني عن الخمرَ، كما لا يستغني عابِدُ الوثن عن عبادتَه، ولم يقُلْ أحدٌ: إنَّ مدمن الخمر مشركٌ بهذه المشابهة.
وكذلك كقوله ﷺ: «أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ»، قال العلماء: «وليس تشبيه رؤية الله تعالى برؤية الشمس والقمر تشبيهًا لله، بل هو تشبيه الرؤية بالرؤية، لا تشبيه المرئيِّ بالمرئيِّ». 

ملاحظة:
يرجى الإضافة والإثراء والتنبيه للخلل والخطأ اللفظي والمعنوي، القصد إعداد رسالة شاملة تتناول هذا الموضوع تكون عونا للإخوان خصوصا الدعاة