السبت، 7 مايو 2016

نزول الحق تبارك وتعالى في الثلث الأخير كناية عن قرب المتهجدين وفتح باب الأنس للعاشقين

نزول الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل كناية عن دنوه من المتهجدين وقربه من المستغفرين وفتح باب أنسه للعاشقين.
أخذ الفضيل بن عياض رحمه الله بيد الحسين بن زياد رحمه الله فقال له:
يا حسين، ينزل الله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول الرب: كذب من أدعى محبتي فإذا جنَّه الليل نام عني!! أليس كل حبيب يخلو بحبيبه؟!! ها أنا ذا مطَّلع على أحبائي إذا جنَّهم الليل ، غدًا أقر عيون أحبائي في جنَّاتي. [سير أعلام النبلاء]
▪وقال ابن الجوزي رحمه: لما امتلأت أسماع المتهجدين بمعاتبة "كذب من أدعى محبتي فإذا جنَّه الليل نام عني" حلفت أجفانهم على جفاء النوم.
▪وقال محمد بن المنكدر رحمه الله: كابدت نفسي أربعين عامًا حتى استقامت لي.
▪كان ثابت البناني يقول: كابدت نفسي على القيام عشرين سنة، وتلذذت به عشرين سنة.

المشبهة والمجسِّمة -الذين يرون أن الله جسم كالأجسام تعالى الله عن قولهم- استدلوا بحديث النزول على نسبة الجهة والمكان والحركة لله تبارك وتعالى عن افترائهم، وهذا خلل عقدي كبير، فالله (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، لا يشبه خلقه في شيء. ومذهب جمهور أهل العلم إما تأويل المعنى بما يليق بالله تبارك وتعالى وتحتمله لغة العرب، خاصة المجاز. أو بالتفويض، وهو عدم محاولة فهم ذلك بالعقل السليم، والتفويض في حد ذاته هو تأويل لمعنى آخر يعلمه الله، فكأن مذهب الجمهور هو التأويل، إما لمعنى يليق بالله تبارك وتعالى وتحتمله لغة العرب، أو لمعنى آخر لا يعلمه إلا الله. أما التشبيه والتجسيم الذي جاء به الخوارج وغلاة الحنابلة والفرق التكفيرية والمتطرفة في العصر الحديث فهو كفر وبدعة ضلالة أجار الله المسملين من شرها.

قال الإمام الحافظ ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري:
"قوله ينزل ربنا إلى السماء الدنيا استدل به من أثبت الجهة وقال هي جهة العلو وأنكر ذلك الجمهور لأن القول بذلك يفضي إلى التحيز تعالى الله عن قولهم." أهـ
وقال أيضًا:
"النزول محال على الله لأن حقيقته الحركة من جهة العلو إلى السفل وقد دلت البراهين القاطعة على تنزيهه على ذلك، فليتأول ذلك بأن المراد نزول مَلَك الرحمة ونحوه أو يفوض مع اعتقاد التنزيه" أهـ
وقال أيضًا:
"قال بن بطال: هو وقت شريف خصه الله بالتنزيل فيه فيتفضل على عباده بإجابة دعائهم وإعطاء سؤلهم وغفران ذنوبهم وهو وقت غفلة وخلوة واستغراق في النوم واستلذاذ له ومفارقة اللذة والدعة صعب لا سيما أهل الرفاهية وفي زمن البرد وكذا أهل التعب ولا سيما في قصر الليل فمن آثر القيام لمناجاة ربه والتضرع إليه مع ذلك دل على خلوص نيته وصحة رغبته فيما عند ربه فلذلك نبه الله عباده على الدعاء في هذا الوقت الذي تخلو فيه النفس من خواطر الدنيا وعلقها ليستشعر العبد الجد والإخلاص لربه" أهـ
وقال أيضًا:
"قال ابن العربي: حُكي عن المبتدعة رد هذه الأحاديث وعن السلف إمرارها وعن قوم تأويلها وبه أقول، فأما قوله ينزل فهو راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته بل ذلك عبارة عن ملكه الذي ينزل بأمره ونهيه والنزول كما يكون في الأجسام يكون في المعاني فإن حملته في الحديث على الحسي قتلك صفة الملك المبعوث بذلك وإن حملته على المعنوي بمعنى أنه لم يفعل ثم فعل فيسمى ذلك نزولا عن مرتبة إلى مرتبة فهي عربية صحيحة" أهـ
وقال أيضًا:
"قال البيضاوي: ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه فالمراد نور رحمته أي ينتقل من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرأفة والرحمة" أهـ
وقال الخطابي في معالم السنن:
"الله سبحانه لا يوصف بالحركة لأن الحركة والسكون يتعاقبان في محل واحد، وإنما يجوز أن يوصف بالحركة من يجوز أن يوصف بالسكون وكلاهما من أعراض الحدث وأوصاف المخلوقين والله جل وعز متعال عنهما ليس كمثله شيء" أهـ
وقال الإمام البدر العيني في شرح سنن أبي داود:
"اعلم أن النزول والصعود، والحركة والسكون من صفات الأجسام، والله تعالى منزه عن ذلك. فقيل: معناه: ينتقل كل ليلة من صفات الجلال إلى صفات الرحمة والكمال، وقيل: المراد به نزول الرحمة والألطاف الإلهية، وقربها من العباد، أو نزول مَلك من خواص ملائكته فينقل حكاية الرب."أهـ