الثلاثاء، 8 نوفمبر 2022

على مر التاريخ لم يبغض ميلاد النبي ﷺ أكثر من اليهود والمنافقين

على مر التاريخ لم يبغض ميلاد النبي ﷺ أكثر من اليهود لأنه ﷺ سفَّه أحلامهم وكانت على يديه نهاية تبجحهم بأنهم شعب الله المختار، وأنهم أبناء الله وأحباؤه. فهيمن على كتابهم وعلى دينهم وفضح كذبهم وتزييفهم وتحريفهم. ولم يبغض ميلاد النبي ﷺ أيضًا أكثر من المنافقين الذين كان سيدهم عبد الله بن أبي بن سلول على وشك أن ينصَّب سيدًا على يثرب لولا الهجرة النبوية الشريفة ومقدم النور ﷺ الذي عندما دخل يثرب أضاء منها كل شيء كما قال سيدنا أنس رضي الله عنه وأرضاه فسميت المدينة بالمنورة.
فمبغض المولد اليوم لا يخرج عن موافقة اليهود أو المنافقين فكن على علم بذلك، فالمنكرون للاحتفال بالمولد فئتان: فئة جاهلة بواقع حال الأجيال وعلاقتها برسولها ﷺ، وجاهلة بمقاصد الشريعة وطريقة الاستدلال الشرعي السليم، وهذه فئة تحتاج لتنوير وتبصير بالمولد من ناحية المقاصد والاستدلال الشرعي فيزول عنها الإلتباس. وفئة تعاني من جفوة لرسول الله ﷺ والعياذ بالله، وحججهم التي يغطون بها جفوتهم أوهى من بيت العنكبوت، فإذا كانت المصالح المرسلة عندهم تشرِّع لهم جمع القرءان الكريم، وتشكيله، وتنقيطه، وبيان علامات الوقف والوصل ومعينات التجويد، وزخرفته، وبناء المآذن والمحاريب، وفرش المساجد، وقراءة خطبة الجمعة من ورقة، وصلاة التهجد في جماعة والمواظبة عليها، وقول "صلاة القيام أثابكم الله" وغيرها من الأمور المستجدة في صميم الدين مما لم يكن في العهد الأول فإن إحياء حضور النبي ﷺ في وجدان الأمة أولى من كل ذلك لأنه أصل كل خير يصلنا من الله عز وجل، ولأن حاجتنا الكبرى للنبي ﷺ لم تحن بعد ولم تأتِ، وهي الشفاعة الكبرى، ومرافقته ﷺ في الجنة.
سل الطلاب الجامعيين اليوم والدكاترة والمهندسين والمثقفين واستطلعهم عن أبسط المعلومات عن نبيهم ﷺ، عن نسبه الشريف ونشأته وحياته وصفاته وشمائله وإبتداء دعوته، سلهم مثلًا كم حوصر في الشِّعب؟ وكم فتر الوحي؟ من هن زوجاته أمهات المؤمنين؟ ! ستحصل على إجابات صادمة!
هذا فقط يكفي لمن يدرك الإهمال الذي اعترى الأمة اليوم فيما يخص نبيها، وسيد الأنبياء والمرسلين ﷺ، هذا الإهمال كافٍ ليحتم علينا إحياء ذكرى الميلاد دعك من الكلام عن مشروعية الحفل بميلاده ﷺ الذي شرعه الله عز وجل بتخصيص ذكرى ميلاد الأنبياء بعطاء رباني خاص: (السلام عليه يوم ولد)، (السلام علي يوم ولدت)، وشرعه النبي ﷺ بصيام يوم الإثنين والمواظبة على ذلك، وعندما قيل له في ذلك قال: «فيه ولدتُّ» وعقَّ عن نفسه ﷺ بعد الثلاث والخمسين وقيل في الستين من عمره الشريف، وجمع الصحابة وحدثهم عن ميلاده الشريف وما حدث فيه من الأمور العجيبة، والأدلة الشرعية أكثر من أن تحصى في هذا المقال.
وإذا كان جمهور أهل العلم يقسم البدعة لحسنة ومذمومة، ويستحسن عمل المولد ويثني عليه ويصنف فيه المصنفات البديعة، فما قيمة الإعتراض من متأخرين بأنه بدعة؟ وإذا كانت أقلية شاذة تراه بدعة فليتركوا الاحتفال به فهذا شأنهم، وليدعوا غالبية أهل القبلة والعلماء وشأنهم، لكنها الجفوة لرسول الله التي تكوي قلوبهم كلما رأوا تعظيمًا لرسول الله ﷺ وإظهارًا لحبه في الأمة.
هم لا يستطيعون الجهر بما يكنون في صدورهم من جفوة لأن ذلك سيفضح حقيقة نفاقهم، لذلك يلفقون حججًا واهية يلبسوها لباس الشرعية ليوهموا العوام أنهم لا يفعلون ما يفعلونه إلا غيرة على الدين وعلى صاحب الرسالة ﷺ، وما دروا المساكين أن صاحب الرسالة ﷺ لا يُرى أكثر ما يُرى إلا في منام وسوح المحتفلين بالمولد النبوي الشريف، وأن جفاته عنه محجوبون والعياذ بالله تعالى، محجوبون وما تفرقهم عنه سوى نومة لو كانت قلوبهم سليمة كما قال النبي ﷺ في الصحيحين: «من رأني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي».
وعلى كل حال فإننا كمحتفلين نتسلح بمحبتنا التي تثمر عن معية النبي ﷺ فالمرء مع من أحب، ومسلحين ببشارات رؤانا الصالحة، كما قال النبي ﷺ: «لم يبق من النبوة إلا المبشرات، الرؤيا الصالحة، يراها الرجل أو ترى له»، ومسلحين بأدلتنا الشرعية المتينة المحكمة، وبعمل جمهور علماء الأمة، والأمة لا تجتمع على ضلال.
إن الاحتفالات بذكرى المولد النبوي الشريف ليست كافية لإحياء حضور النبي ﷺ في الأجيال المتأخرة، نحتاج لمزيد من الفعاليات لتكون ذكراه في حياتنا كل أسبوع، بل كل يوم، بل كل لحظة.

بشرى لنا بخير مولد *** أتى بخير دين أسعدا
#الركينية

الأحد، 6 نوفمبر 2022

براءة نسل سيدنا إبراهيم عليه السلام من الآباء المشركين

 براءة نسل سيدنا إبراهيم عليه السلام من الآباء المشركين:

قال تعالى: {وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[سورة الأنعام: 74]

فهل كان آزر والدًا لسيدنا إبراهيم عليه السلام؟ بالطبع لا، فالأنبياء أشرف عند الله تعالى من أن يخرجهم من أصلاب نجسة وأرحام نجسة والمشركون نجس كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}، فضلًا عن أن يخرج من أصلاب المشركين وأرحامهم أولي العزم من الرسل الذين هم عند الله أشرف من سائر الأنبياء، فقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[سورة آل عمران: 33-34]، وبموجب هذا الاصطفاء الإلهي لا يليق بالسلسلة النسبية لذرية الأنبياء عليهم السلام إلا الطهر والكرامة لأجل ذلك قال تعالى: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ} قال أهل التفسير: ذرية بعضها من بعض في الموالاة في الدين، والمؤازرة على الإسلام والحق، وقيل: في الاجتباء والاصطفاء والنبوة. يؤيده ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله ﷺ قال: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم»، وأخرج الإمام الترمذي وحسنه وأحمد البيهقي وأبو نعيم بسند جيد عن المطلب بن أبي وداعة رضي الله عنه قال: جاء العباس رضي الله عنه إلى رسول الله ﷺ وكأنه سمع شيئًا، فقام النبي ﷺ على المنبر، فقال: «من أنا؟» قالوا: «أنت رسول الله عليك السلام»، فقال ﷺ: «أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، إن الله خلق الخلق، فجعلني في خيرهم ثم جعلهم فرقتين، فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم قبائل، فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتا، فجعلني في خيرهم بيتًا، فأنا خيركم بيتًا، وخيركم نفسًا»، وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طرق، والسيوطي في الخصائص عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: «لم يلتق أبواي في سفاح، لم يزل الله عز وجل ينقلني من أصلاب طيبة إلى أرحام طاهرة، صافيًا، مهذبًا، لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما»، وقوله تعالى: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}[سورة الشعراء: 219] أي انتقالك بين الموحدين الساجدين لله عز وجل، وأخرج البزار والطبراني وأبو نعيم من طريق عكرمة عن ابن عباس  رضي الله عنهما في قوله تعالى {وتقلبك في الساجدين} قال: «ما زال النبي ﷺ يتقلب في أصلاب الأنبياء حتى ولدته أمه» وهذا الذي يليق بالأنبياء الأنقياء عليهم السلام وبخاتم الأنبياء والرسل وسيدهم ﷺ.


أورد مسلم بن قتيبة الدينوري في المعارف نسب سيدنا إبراهيم عليه السلام عند أهل الكتاب فقال: هو إبراهيم بن تَارَخْ -أو تَارَحْ بالمهملة، وقد يكون ذلك لتقارب النطق بين حرفي الحاء والخاء، أو تصحيفًا في النَّسْخ- بن ناحور بن أشرغ بن أرغوا بن فالغ بن عابر بن شالخ ابن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام، قال: «هكذا قال وهب، وقابلت بهذه النسبة ما في التوراة فوجدتها موافقة، إلا أنى وجدت مكان [أشرغ] شاروغ». وذكرنا النسب من أهل الكتاب لكونهم أعلم بأنسابهم خصوصًا اليهود لكونه عليه السلام جدهم، والد سيدنا يعقوب عليهما السلام الذي يسمى إسرائيل وينتسبون إليه، ولأن النبي ﷺ أجاز التحديث عن بني إسرائيل فقال ﷺ: «وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»، ما دام أن ما ينقل عنهم لا يناقض ما عندنا. أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} قال: «إن أبا إبراهيم لم يكن اسمه آزر، إنما كان اسمه تارح»، وعن مجاهد قال: «ليس آزر أبا إبراهيم»، وأخرج ابن المنذر بسند صحيح عن ابن جريج أن اسمه تيرح أو تارح، وقال الزجاج: «ليس بين النسّابين اختلاف أن اسم أبى إبراهيم تارح»! وجاء في معجم تاج العروس: «وتَارَحُ، كآدَمَ: أَبو إِبراهيمَ الخَليلِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعلَى نَبيّنا» وهذا هو الصواب الذي عليه جمهور النسابين. 


وأسباب الخطأ باعتقاد أن آزر هو والد إبراهيم عليه السلام أولًا التقصير في تنزيه الأنبياء والرسل عليهم السلام عما لا يليق بمقام النبوة والرسالة، وثانيًا الخلط بين وصف الأب والوالد، فالأب كثيرًا ما يطلق على العم والجد بينما الوالد عادة ما يطلق على الأب الحقيقي الذي أنجب الولد. ثالثًا الغفلة عن الحكمة من وراء ذكر الإسم مقرونًا بصفة الأبوة، رابعًا إهمال مراعاة السياق الزماني للأحداث التي تثبت أن سيدنا إبراهيم عليه السلام تبرأ من عمه وأبيه المجازي في الشباب ودعا لوالديه وأبويه الحقيقيين في الكبر، خامسًا الغفلة عن الآثار الكثيرة التي تتكاثف لتعضد حقيقة أن آزر إنما كان عمًّا لإبراهيم عليه السلام وليس والده، وذلك من عدة وجوه منها:

1/ أن وصف الأب لا يعني بالضرورة الوالد، فالعم والجد يطلق عليهما أيضًا لفظ الأب كما في قوله تعالى: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[سورة البقرة: 133]، فإبراهيم عليه السلام جده، وإسماعيل عليه السلام عمه، وإسحاق عليه السلام والده ومع ذلك جاء في التنزيل: {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ}، فكلهم آباء. وكذلك قول سيدنا يوسف عليه السلام لصاحبي السجن: {وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءَابَآءِىٓ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ}[سورة يوسف: 38] فيعقوب عليه السلام والده بينما إسحاق وإبراهيم عليهما السلام أجداده ومع ذلك وصفوا بالآباء. وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني والطحاوي وابن عساكر وغيرهما أن رسول الله ﷺ قال عن عمه العباس رضي الله عنه: «ردُّوا عليَّ أبي, ردُّوا عليَّ أبي» وفي رواية:«إن عمَّ الرجل صِنْو أبيه»، وفي أخرى: «هذا بقية آبائي» فدل على أن العم يقال له أب. وأخرج الحاكم وغيره عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قال: «إن رسول الله ﷺ كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده»، ومن الشائع أن يطلق على العم أب كما يطلق على الخالة أم. لذلك فقوله تعالى: (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) ليس صريحًا في أن آزر والده لأن وصف الأب يحتمل العم والجد أيضًا، وكل الآيات التي تناولت الأحداث ومواقف سيدنا إبراهيم عليه السلام مع عمه الكافر كانت بصيغة الأبوة وهي غير صريحة في أنه والده.


2/ أن آزر هذا هو عمه لما أخرجه ابن المنذر في تفسيره بسند صحيح عن سليمان بن صرد قال: «لما أرادوا أن يلقوا إبراهيم في النار جعلوا يجمعون الحطب حتى أن كانت العجوز لتجمع الحطب، فلما أن أرادوا أن يلقوه في النار قال: حسبي الله ونعم الوكيل، فلما ألقوه قال الله: {يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم} فقال عم إبراهيم: من أجلي دُفِعَ عنه، فأرسل الله عليه شرارة من النار فوقعت على قدمه فأحرقته».وجاء في السيرة الحلبية لعلي بن برهان الدين الحلبي: «أجمع أهل الكتاب على أن آزر كان عمه، والعرب تسمي العم أبا كما تسمي الخالة أمًّا»، ويؤيد ذلك أن سيدنا إبراهيم عليه السلام تكلم مع آزر بشيء من الحدة والشدة التي لا تكون بين الولد ووالده، فقال له: {أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} والذي يليق بالوالد: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا}، {فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريمًا}، وهو الحليم الأواه،  فكيف يليق بالرجل الحليم مثل هذا الجفاء مع والده، فدل على أنه لم يكن والده وإنما كان عمه.


3/ لا يؤتى بالإسم بعد صفة الأبوة عادة إلا للتمييز، فعندما يقال لك: أين أبوك؟ فإنك ستفهم أن السؤال عن والدك لأنه ذكر مبهمًا، أما إن قيل لك أين أبوك فلان فهذا يدل على أن المقصود أب مجازي آخر غير والدك. فلو أن الله تعالى قال مثلا: {وإذ قال إبراهيم لأبيه أتتخذ أصنامًا آلهة} بدون ذكر الإسم لانصرف الذهن إلى أن المراد هو الوالد والأب الحقيقي، لكن الله أتبع صفة الأبوة بذكر الإسم (آزر) فدل على أن المقصود أب مجازي آخر وليس الوالد أو الأب الحقيقي حتى لو لم يأت ذكره بالإسم في الآيات الأخرى التي نقلت الحوارات الدعوية والأحداث التي ربطت سيدنا إبراهيم عليه السلام بعمه. وقد أُثبٍت الإسم أيضًا في السنة المطهرة، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: «يلقى إبراهيم أباه [آزر] يوم القيامة، وعلى وجه [آزر] قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني، فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله تعالى: {إني حرمت الجنة على الكافرين}» الحديث، فميز رسول الله ﷺ أباه بذكر اسمه ما يدل على أنه ليس والده وأباه الحقيقي، ثم هناك إشارة أخرى في الحديث وهي قوله: «من أبي الأبعد»، حيث يستخدم وصف الأقرب والأبعد كثيرًا في النسب والمواريث، فالأب الأقرب هو الوالد والأبعد هو العم أو الجد، جاء في لسان العرب: «وَيُقَال فلَان قصير النّسَب إِذا كَانَ أَبوهُ مَعْرُوفًا إِذا ذكره الابْن كَفاهُ عَن الانتماء إِلَى [الْجد الْأَبْعَد]» فاستخدمت عبارة [الجد الأبعد] في سياق النسب دلالة على أنه ليس والده.


4/ يدل السياق الزماني لقصة سيدنا إبراهيم عليه السلام أن دعوته لعمه آزر ومحاججته لقومه إنما كانت أيام الشباب عندما كان فتىً، وهي الفترة التي كاد فيها أصنامهم وأقام عليهم بذلك الحجة على رؤوس الأشهاد، كما قال تعالى في سورة الأنبياء: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} فعندما وجدوا أن آلهتهم قد أهينت {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} وهنا عبارة صريحة بأن سيدنا إبراهيم عليه السلام وكان فتىً في سن الشباب: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}، فطلبوا أن حضوره ليوبَّخ أمام جميع الناس على ما فعله بآلهتهم: {قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} وعندما أحضروه، جعلوا يستجوبونه ويستوضحونه فعلته وهو يرد عليهم بالحجة والبرهان حتى حيرهم: {قَالُوا أأنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} ليثبت لهم أنها جمادات لا تنطق، وهنا وقع الحق وبطل ما كانوا يفترون: {فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤوسِهِمْ} ثم اعترفوا له بعجز أصنامهم: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ}، فأثبت لهم ضلالهم الذي هم فيه: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ؟ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}، فعندما أقام الحجة عليهم وأفقدهم صوابهم عدلوا عن الجدال والمناظرة ولم يبقَ لهم إلا استعمال القوة والسلطان لينتصروا لباطلهم وينصروا أصنامهم: { قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}. 

ثم عمد إلى دعوة عمه هذه المرة بالرفق واللين طمعًا في أن يسلم بعد أن أظهر له من الحجة والبرهان في المناظرة التي كانت على رؤوس الأشهاد ما فيه الكفاية، كما قال تعالى: {إِذْ قَالَ [لِأَبِيهِ] يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا}[سورة مريم: 43-45]، لكن عمه استكبر وأبى وقابله بالكفر والإنكار كما جاء في التنزيل: {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا}، فتوعده بالرجم والإيذاء وطرده، لكن سيدنا إبراهيم عليه السلام قابله بالحسنى: {قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} فوعده أن يدعو له ويستغفر، وعزم على أن يتركهم وشأنهم، ويعتزل قومًا أبوا الحق بعد أن ظهر جليًّا: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا}. لكن قومه كانوا قد عزموا على التخلص منه عليه السلام،  فشرعوا يجمعون حطبًا من جميع الأماكن، ومكثوا مدة يجمعون له ما يستطيعون من الحطب، حتى إن المرأة منهم كانت إذا مرضت تنذر لئن عوفيت لتحملن حطبًا لإحراق إبراهيم عليه السلام، فجمعوا حطبًا عظيمًا وأشعلوا فيه النار، فاضطربت وتأججت والتهبت وعلاها شرر لم ير مثله قط، ثم أوثقوه وجعلوه في منجنيق ورموه في النار ليحرقوه ويتخلصوا منه، كما جاء في سورة الأنبياء: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ}، فنجاه الله من كيدهم ونصره عليهم وأظهر قدرته الجلية عز وجل فلم تأكل النار إلا وثاقه، وقيل مكث أربعين يومًا هي من أطيب الأيام والليالي التي عاشها في الدنيا. 

ومما يدل أيضًا في هذا السياق على أن والديه وأبويه الحقيقيين كانا مؤمنين على خلاف عمه الكافر ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: «أحسن كلمة قالها أبو إبراهيم إذ قال لما رأى ولده على تلك الحال: نعم الرب ربك يا إبراهيم» وهذا ثناء على الله عز وجل لا يكون إلا من مؤمن، وروي عنه أيضًا رضي الله عنه: «أن أم إبراهيم نظرت إلى ابنها عليه السلام فنادته: يا بني إني أريد أن أجيء إليك، فادعُ الله أن ينجيني من حر النار حولك، فقال: نعم. فأقبلت إليه لا يمسها شيء من حر النار، فلما وصلت إليه اعتنقته وقبلته، ثم عادت»، فلو لم تكن مؤمنة وحانية على ولدها لأحرقتها النار، فدل على إيمانها مع أنه لم يكن بمقدورهما -والدته ووالده- أن يدفعا عنه أذى قومهما لكنهما تفاعلا معه وسعدا بما أكرمه به ربه عز وجل، وهذا أقصى ما يستطيعان. بعد حادثة محاولة الإحراق التي ظاهر فيها عمه قومه على ابن أخيه تبين لسيدنا إبراهيم عليه السلام بأن عمه آزر عدو لله، لذلك تبرأ منه وترك الإستغفار له، كما قال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}[سورة التوبة: 113-114].

ثم تزوج سارة التي كانت تصغره بعشر سنوات وكانت عاقرًأ، وهاجر مع والده تارخ إلى أرض كنعان (الشام) كما ذكر ابن كثير وغيره من أهل التاريخ، وهذا يدل على أنه هاجر مع والده المؤمن واعتزل عمه الكافر تصديقًا لقوله عليه السلام في سورة الأنبياء {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا}. فتزوج السيدة هاجر بناءً على رغبة سارة في الولد، وأنجب من السيدة هاجر رضي الله عنها سيدنا إسماعيل عليه السلام وأسكنهما بالحجاز حيث بنى هو وولده إسماعيل عليه السلام الكعبة المشرفة، ثم عافى الله سارة فأنجبت له سيدنا إسحاق عليه السلام ويعقوب من بعده، فذكر نعم الله عليه وهو في أواخر عمره ودعا لوالديه بالخير، ويدل السياق على أن إبراهيم عليه السلام تبرأ من أبيه المجازي في شبابه، بينما دعا واستغفر لأبويه الحقيقيين في كبره وأواخر عمره، وللتفريق بينهما جاءت صيغة الدعاء بلفظ [والدي] وليس [أبوي] أو [أبي] كما قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}[سورة إبراهيم: 39-40] فجاءت الآيات صريحةً في الدعاء كان على الكِبَر، وأن ذلك كان بعد أن هاجر إلى الحجاز، وذكر والديه في زمرة المؤمنين، وربط دعاءه بيوم الحساب، فدل على أن حديث تعذيب آزر الوارد في صحيح البخاري وغيره لا يشمل تعذيب والديه الحقيقيين لكونها مغفور لهما يوم يقوم الحساب.


والله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلم

الخميس، 27 أكتوبر 2022

التفنيد المفصل لجميع شبهات رمي المسلمين الموحدين بالشرك


الشبهة:
زعم الوهابية ومن سار على دربهم أن من دعا غير الله أو استغاث بغير الله أو ذبح لغير الله أو طاف بقبر فقد صرف عبادة لغير الله، ومن صرف عبادة لغير الله فقد أشرك. 

التفنيد:
هذا باطل من وجوه كثيرة جدا لكن خذ منها:
أولا الشرك هو اتخاذ إله آخر مع الله رب الغالمين، والتوحيد هو اعتقاد أن الله واحد لا شريك له، قال تعالى {وَقَالَ ٱللَّهُ لَا تَتَّخِذُوۤا۟ إِلَـٰهَیۡنِ ٱثۡنَیۡنِۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهࣱ وَ ٰ⁠حِدࣱ فَإِیَّـٰیَ فَٱرۡهَبُونِ}[سُورَةُ النَّحۡلِ: ٥١]، وقال تعالى {أَجَعَلَ ٱلۡـَٔالِهَةَ إِلَـٰهࣰا وَ ٰ⁠حِدًاۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَیۡءٌ عُجَابࣱ}[سُورَةُ صٓ: ٥]، ومن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله مسلم موحِّد، لا يمكن أن يعتقد بوجود إله آخر إلا الله عز وجل، فالجمع بين الشرك والتوحيد محال لأنه جمع بين نقيضين.
ثانيا النية هي أساس كل عمل لقول رسول الله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» [متفق عليه]، وهي الفيصل بين العادة والعبادة، فما عمل بنية التعبد كان عبادة، وما لم يعمل بنية التعبد لم يكن عبادة، فهناك من يصلي لله، وهناك من يصلي نفاقًا، وهناك من يصوم لله وهناك من يصوم لإجراء عملية جراحية، وهناك من يذبح لله وهناك من يذبح لرحلة خلوية، وهناك من يطوف لله وهناك من يطوف للرياضة وتخفيف الوزن وغير ذلك من الأمثلة. لذا لا تصح عبادة في الإسلام بغير نية، فالنية هي أول شرط صحة في أي عبادة في الإسلام. لأجل ذلك لا يكون العمل عبادة إلا إذا نوي به التعبد، ومن نوى التعبد بعمل فلابد أنه يعتقد أن من عبده إله يعبد، فهل المسلمون المتهمون بهتانًا بالشرك فعلوا ما فعلوا بنية التعبد؟ قطعًا لا وإنما أخذًا بالأسباب أو توسلًا أو تبركًا أو أي نية أخرى غير التعبد. وهل يعتقدون أن من عملوا له هذا العمل إله يعبد؟ قطعًا، لا فإنهم يشهدون أن الله واحد لا شريك له، وأن الأولياء مخلوقين، وعباد صالحين، مكرمين من رب العالمين. 
لذلك فاتهام كل من دعا غير الله أو استعان بغير الله أو استغاث بغير الله أو ذبح لغير الله أو غير ذلك أنه صرف عبادة لغير الله باطل لأنها ليست عبادة ولا العامل يعتقد أن المعمول له إله يعبد. 
ثالثا دعاء غير الله العادي مشروع، فيمكن أن تدعو من تشاء لما تشاء، كما جاء في التنزيل: {... قَالَتۡ إِنَّ أَبِی یَدۡعُوكَ لِیَجۡزِیَكَ أَجۡرَ مَا سَقَیۡتَ لَنَاۚ}[سُورَةُ القَصَصِ: ٢٥]، أما الدعاء بنية التعيد (الدعاء التعبدي) فلا يكون إلا لله كما قال تعالى: {وَٱلَّذِینَ لَا یَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءَاخَرَ وَلَا یَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِی حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا یَزۡنُونَۚ وَمَن یَفۡعَلۡ ذَ ٰ⁠لِكَ یَلۡقَ أَثَامࣰا}[سُورَةُ الفُرۡقَانِ: ٦٨] 

رابعًا الاستعانة بالمخلوقين مشروعة على سبيل الأخذ بالأسباب، فقد قال تعالى: {.. وَتَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَ ٰ⁠نِۚ.. }[سُورَةُ المَائـِدَةِ: ٢]، تعاونوا على وزن تفاعلوا، أي أعينوا واستعينوا، وقال رسول الله ﷺ: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» [أخرجه مسلم]، أما قوله ﷺ: «وإذا استعنت فاستعن بالله» تنبيه إلى أن المعين حقيقة هو الله، فالإعانة من المخلوق شيء وحصول العون من الله شيء آخر، فالله يعين عند السبب وبلا سبب. 

خامسًا الإستغاثة بالمخلوقين مشروعة على سبيل الأخذ بالأسباب، فقد قال تعالى: {... فَٱسۡتَغَـٰثَهُ ٱلَّذِی مِن شِیعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِی مِنۡ عَدُوِّهِۦ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَیۡهِۖ... }[سُورَةُ القَصَصِ: ١٥]، وأخرج البخاري في صحيحه في حديث الشفاعة أن رسول الله ﷺ قال: «ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم، وقال إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم»، أما الاستغاثة بنية التعبد فلا تكون إلا بالله كما قال تعالى: {إِذۡ تَسۡتَغِیثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّی مُمِدُّكُم بِأَلۡفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُرۡدِفِینَ}[سُورَةُ الأَنفَالِ: ٩]. 
سادسًا تقييد الإستعانة والإستغاثة بما يقدر عليه المخلوق، أو بأن يكون حيًّا أو قريبًا فباطل من عدة وجوه: أولا لأن فيه شبه شرك إذ تجعل للمخلوق قدرة مستقلة عن قدرة الله عز وجل. ثانيا المخلوق في الحقيقة عاجز، فلا حول ولا قوة له إلا بالله، لا يقدر على أهون شيء إلا أن يقدره الله تعالى عليه. ثالثا المخلوق سبب، فالقادر القدير هو الله عز وجل. رابعًا الله يقدر من خلقه من شاء على ما يشاء، فقد أقدر آصف بن برخياء على إحضار عرش بلقيس من اليمن إلى بيت المقدس في أقل من طرفة عين، وهذا بمقاييس دعاة الشبهة لا يقدر عليه إلا الله. خامسًا قدرة الله صالحة لتبصير البعيد كما يبصر القريب، وإسماع البعيد كما يسمع القريب، وفي قصة سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاهلإ وسارية الصحيحة خير شاهد، فقد أبصر سيدنا عمر وضع جيش سارية فحذره من العدو خلف الجبل وسمع سارية التحذير وبينهما مسيرة شهر بالبعير. سادسًا قدر الله صالحة لتبصير الميت كما يبصر الحي وإسماع الميت كما يسمع الحي، أما الأولى فبدليل قصة درع سيدنا قيس بن ثابت بن شماس رضي الله عنه وأرضاه التي أخرجها الطبراني بإسناد صحيح، فقد أخبر بعد موته أحد المسلمين في رؤيا منام بمن أخذ درعه وأين خبأها. أما الثانية فبدليل حديث قليب أهل بدر، فقد قال رسول الله ﷺ لسيدنا عمر رضي الله عندما استغرب خطابه ﷺ لقتلى المشركين في غزوة بدر: «والذي نفس محمد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم»، وفي صحيح مسلم: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا علي شيئا»، فيتضح أن الحي والميت، والقريب والبعيد أمام قدرة الله سواء. 
سابعًا العبادات لا يحكم عليها بظاهر الأفعال لوجود النية، فالمسلمون اليوم يصلون إلى الكعبة وهي أحجار، لكنهم في الحقيقة يصلون لله وما الكعبة إلا قبلة يعبد الله عليها. 
ثامنًا الإستدلال بحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه في قوله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) على وجود عبادات بدون اعتقاد أن المعبود إله آخر باطل من وجوه: 
أولًا الحديث ضعيف ولا تقوم به حجة، قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ. وَغُطَيْفُ بْنُ أَعْيَنَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ فِي الْحَدِيثِ.
وهو مضطرب، فقد أخرجه الطبري في تفسيره بألفاظ متناقضة، ففي رواية: قلت: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدُهم! فقال: «أليس يحرِّمون ما أحلَّ الله فتحرِّمونه، ويحلُّون ما حرَّم الله فتحلُّونه؟» قال: قلت: بلى! قال: «فتلك عبادتهم» 
وفي رواية إخرى: «أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكن كانوا يحلّون لهم فيُحلُّون»، 
ثانيا الصحيح أنها ليس عبادة على المعنى الشرعي للعبادة وإنما على المعنى اللغوي لأن الطاعة معنى من معاني العبادة، وذلك بدليل ما رواه الْأَعْمَشُ وَسُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبَى الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: سُئِلَ حُذَيْفَةُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ" هَلْ عبد وهم؟ فَقَالَ: «لَا، وَلَكِنْ أَحَلُّوا لَهُمُ الْحَرَامَ فَاسْتَحَلُّوهُ، وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمُ الْحَلَالَ فَحَرَّمُوهُ». وهذا إسناد صحيح.
تاسعًا عبارة (من دون الله)، (من دونه)، (غير الله) ونظائرها في القرءان الكريم المقصود بها (إله غير الله)، (إله من دون الله)، (إله من دونه)، بدليل قوله تعالى_ (لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذًا شططًا)، وقوله تعالى: (هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة)، (أم اتخذوا من دونه آلهة)، (أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون)، وغيرها، ولا تعني العباد المخلوقين، وإلا لكان كل دعاء شركًا، حتى لو قلت يا محمد أقبل، ويا ولدي تعال، ويا فلان إذهب لكنت مشركا، ولم يقل أحد بذلك، فقد قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: (يا بني اركب معنا)، وقال يعقوب عليه السلام: (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف)، وقال إبراهيم عليه السلام: (يا بني إني أرى في المنام أني اذبحك)، وغيرها، لذلك الإستدلال بآيات كقوله تعالى: {وَلَا تَدۡعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا یَنفَعُكَ وَلَا یَضُرُّكَۖ فَإِن فَعَلۡتَ فَإِنَّكَ إِذࣰا مِّنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ}[سُورَةُ يُونُسَ: ١٠٦]، وقوله تعالى: {... وَٱلَّذِینَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مَا یَمۡلِكُونَ مِن قِطۡمِیرٍ}[سُورَةُ فَاطِرٍ: ١٣]، وقوله تعالى: {وَأَنَّ ٱلۡمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُوا۟ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدࣰا}[سُورَةُ الجِنِّ: ١٨] وأمثالها على تشريك من يستعين ويستغيث بالخلق باطل، فهذه الآيات تخاطب عباد الأصنام والأوثان الذين يعبدون غير الله من الآلهة.
عاشرًا: الإستدلال بحديث ذات أنواط على إمكانية وقوع الشرك من المسلم الموحد بدون أن يدري باطل من عدة وجوه:
أولا تكلم بعض العلماء في صحة الحديث والعقائد لا تثبت بأحاديث فيها مقال معتبر. 
ثانيا ولو قبلنا بالحديث جدلًا فليس فيه حجة لأنه لا يدل على أن الصحابة رضوان الله عليهم أشركوا عندما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم شجرة ذات أنواط، فلو كان أشركوا للزمهم أن يشهدوا الشهادتين ليسلموا مرة أخرى، وهذا الوجه كاف لنسف الإستدلال بهذا الحديث.
ثالثًا رغمًا عن حداثة عهدهم بالجاهلية إلا أن ما طلبوه هو شجرةٌ يعلقون بها السلاحَ ويستمدُّون البركةَ والنصر بها مِن الله عز وجل وليس من الشجرة، لكنهم بهذا الطلب العفوي وقعوا بدون قصد في التشبه بالمشركين قبل أن يعلموا النهي بعدم التشبه بالمشركين، وسبب التشبه هو أن الشجرة التي طلبوا نظيرها كانت شجرة يعلق فيها المشركون أسلحتهم ويعبدونها من دون الله، فكان لسؤالهم هذا مشابهة مع سؤالَ بني إسرائيل لموسى عليه السلام اتِّخاذَ إله لا أنهم طلبوا اتخاذ إله، فالتشابه من وجهٍ لا يَلزم منه التشابه من كلِّ الوجوه، مثلا كقول رسول الله ﷺ في تعلُّق قلبِ المدمن بالخمر: «مُدْمِنُ الخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ»، فوجهُ التشابه بينهما أنَّ المدمنَ لا يكاد يستغني عن الخمرَ، كما لا يستغني عابِدُ الوثن عن عبادتَه، ولم يقُلْ أحدٌ: إنَّ مدمن الخمر مشركٌ بهذه المشابهة.
وكذلك كقوله ﷺ: «أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ»، قال العلماء: «وليس تشبيه رؤية الله تعالى برؤية الشمس والقمر تشبيهًا لله، بل هو تشبيه الرؤية بالرؤية، لا تشبيه المرئيِّ بالمرئيِّ». 

ملاحظة:
يرجى الإضافة والإثراء والتنبيه للخلل والخطأ اللفظي والمعنوي، القصد إعداد رسالة شاملة تتناول هذا الموضوع تكون عونا للإخوان خصوصا الدعاة

تخريج حديث: (وا شوقي لإخواني)

أخرج الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: «وددت أني لقيت إخواني»، قال: فقال أصحاب النبي ﷺ: «أوليس نحن إخوانك؟» قال: «أنتم أصحابي، ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني»، وفي رواية لأبي يعلى: «ومتى ألقى إخواني؟»، قالوا: «يا رسول الله، ألسنا إخوانك؟» قال: «بل أنتم أصحابي، وإخواني الذين آمنوا بي ولم يروني».
وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: «يا ليتني قد لقيت إخواني»، قالوا: «يا رسول الله، ألسنا إخوانك وأصحابك؟» قال: «بلى، ولكن قوما يجيئون من بعدكم يؤمنون بي إيمانكم، ويصدقوني تصديقكم، وينصروني نصركم، فيا ليتني قد لقيت إخواني»
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ أتى المقبرة فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ودَدِتُّ أنَّا قد رأينا إخواننا»، قالوا «أولسنا إخوانك يا رسول الله؟» قال: «أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد»
وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق عن عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي قال: كنا عند رسول الله ﷺ فقال: «يا ليتني قد لقيت إخواني» فقال له عمر بن الخطاب: «يا رسول الله أو لسنا إخوانك؟» قال: «أنتم أصحابي، إخواني قوم آمنوا بي ولم يروني، وصدقوني ولم يروني» قال: فجاء أبو بكر على هيئة ذلك فقال له عمر بن الخطاب: «يا أبا بكر ألا تسمع ما يقول رسول الله ﷺ؟» قال: «وما يقول؟» قال: «يا ليتني لقيت إخواني، فقلت له: يا رسول الله: أو لسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي إخواني قوم آمنوا بي ولم يروني، وصدقوا بي ولم يروني» قال: فقال النبي ﷺ: «صدق يا أبا بكر، أما تحب قوما بلغهم أنك تحبني وأحبوك لحبك إياي فأحبهم أحبهم الله عز وجل»، وغير ذلك من الأسانيد والألفاظ

قوله ﷺ: «ودَدِتُّ أني لقيت إخواني»، وقوله ﷺ: «يا ليتني قد لقيت إخواني»أي وا شوقي إلى إخواني، أتمنى أن أراهم.

الربط بين مفهوم أمة الدعوة وأمة الإجابة وبين النصوص الشرعية ذات العلاقة

أمة الدعوة هم كل من بعث فيهم رسول الله ﷺ كما قال تعالى: (كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ)، وكما قال النبي ﷺ: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم، فقوله ﷺ: (من هذه الأمة) يعني به أمة الدعوة، وكذا قوله ﷺ عن أبي جهل لعنه الله: (هذا فرعون هذه الأمة) يعني أمة الدعوة. وتشمل أمة الدعوة كافة الناس الذين بعث فيهم النبي ﷺ من الثقلين إلى يوم القيامة، وذلك لأن الأنبياء كانوا يرسلون إلى قومهم خاصة بينما أرسل سيدنا محمد ﷺ إلى الناس عامة كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

أما أمة الإجابة أو الاستجابة فهم من آمن بدعوة النبي ﷺ ودخل الإسلام، كما في قوله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)، وقوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، ويخاطب القرءان الكريم أمة الدعوة بيأيها الناس، ويا بني آدم، ويخاطب أمة الإجابة بيأيها الذين ءامنوا.

أما ربط مفهوم الأمة مع النصوص الشرعية ذات الصلة فكما في حديث افتراق الأمة: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى إلى اثنين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة). قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: (ما أنا عليه وأصحابي)
فالأمة المقصودة في قوله ﷺ: (وتفترق أمتي) هي أمة الدعوة، وهي كلها النار إلا فرقة واحدة وهي أمة الأجابة فإنهم في الجنة، وذلك لقوله تعالى: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس)، فأمة الإجابة هي خير الأمم، ولقوله ﷺ: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) فأصحاب النار هم الذين سمعوا بدعوة النبي ﷺ ولم يجيبوها.

أما الفرق والطوائف داخل أمة الإجابة فمشروعة، بل وكانت موجودة على عهد النبي ﷺ ونزل بها القرءان الكريم، مثل قوله تعالى: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين)، وقوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) فكلا الطائفتين من المؤمنين، وقوله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ). ومن أمثلة هذه الطوائف المشروعة: أهل بيت النبوة كما قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)، ومثل الصحابة من المهاجرين والأنصار، ومثل التابعين كما قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ)، ومثل أهل بيعة العقبة الأولى والثانية، والعشرة المبشرين بالجنة، وأهل بدر، وأهل القرءان، وأهل الحديث، والأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة ..إلخ.