كتب عارف الركابي الكاتب بالإنتباهة مقالين عن المولد النبوي الشريف نشرا بتاريخ الأثنين والثلاثاء 2 و3 نوفمبر 2015م فيهما من التعسف والتحامل على المحتفلين بذكرى ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم بما لا يخفى.
ويبدو أن الزمان قد اختلف فعلًا، فقد كان الذي لا يعجبه صيام رجب يعتبر شاذًا يضرب به المثل: (لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب) ويريدون أن يصير الأمر كذلك في ذكرى المولد، فصرنا نحتاج للبحث عن أدلته والتشريع له، فيا سبحان الله!
كلما اقترب شهر ربيع الأول، شهر ولادة الرحمة المهداة والنعمة المسداة صلى الله عليه وسلم، ارتفعت أصوات المنتسبين إلى السلف في اتجاه منع الناس من التعرض لنفحات هذه الذكرى العطرة. هذا شيء عجيب! ماذا فعل لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لماذا هذا التركيز الشديد على كل شيء له علاقة بتوقير النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتذكير الناس بسيرته وأوصافه وشمائله؟!
لماذا لا يتحدث أحد عن بدعية صلاة التهجد في جماعة والتي تصلى في الحرمين الشريفين وفي كل ربوع العالم الإسلامي في شهر رمضان المعظم ولم يثبت نص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلاها في كل أيام العشر الأواخر من الشهر، ولا واظب على ذلك إلى أن انتقل؟! وصلاة التهجد ليست هي صلاة التراويح، شتان ما بينهما، فالتراويح التي سنها سيدنا عمر رضي الله عنه تقام أول الليل عقب صلاة العشاء، وعدد ركعاتها محدد على خلاف فيه، وتقام في كل أيام الشهر الفضيل. أما صلاة التهجد فإنها تقام في العشر الأواخر فقط من كل رمضان، وتقام آخر الليل، ويقرأ فيها عادة بثلاثة أجزاء من القرءان؟!
لماذا لا يتحدث أحد عن بدعية تنقيط المصحف الشريف ولم يكن منقطًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟
لماذا لا يتحدث أحد عن بدعية تشكيل المصحف الشريف ولم يكن مشكَّلًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟
لماذا لا يتحدث أحد اليوم عن بدعية بناء المآذن وفرش المساجد وتزيينها ولم تكن كذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟
لماذا لا يتحدث أحد اليوم عن بدعية العلوم الشرعية وطرق تدريسها، كعلم مصطلح الحديث الذي يصنف كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى صحيح وحسن وضعيف وموضوع، والرواة إلى ثقة وثبت وإمام وضعيف وواه؟
أليست كلها أمور دينية بحتة؟ نعم إنها كلها بدع حسنة، لكن لماذا لا يقولون حيالها: "لو كان خيرًا لسبقونا إليه الصحابة"؟ لماذا لا يقولون حيالها: "إن الدين اكتمل، وما لم يكن يومئذٍ دين لا يكون اليوم دينًا"؟ لماذا لا يقولون حيالها: "لا يمكننا أن نتصور أنهم جهلوا خيراً يُقربهم إلى الله زلفى وعرفناه نحن" يعني الصحابة رضوان الله عليهم؟!!
لماذا يقول مفتي دولة إسلامية كبرى: "إقامة الموالد الشركية لا أساس له من الدين" ثم يقول نفس المفتي عن اليوم الوطني لتلك الدولة: "ينبغي أن يكون اليوم الوطني يوم شكر لله"!!!
لماذا لا يتحدثون عن البدع الضلالات الحقيقية كالتكفير والتشريك والتقتيل؟! وهي بدع ضلالات لا شك فيها.
ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما)؟! رواه مسلم
ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن ما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن حتى إذا رُئيت بهجته عليه وكان ردئاً للإسلام، غيَّره إلى ما شاء الله فانسلخ منه ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف ورماه بالشرك. قال: قلت: يا نبي الله أيهما أولى بالشرك المرمي أم الرامي؟ قال: بل الرامي)؟!
أخرجه ابن حبان في صحيحه، والبزار وحسنه، وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد.
ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه"؟! أخرجه الشيخان.
لماذا فقط رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!
أولًا: جمهور علماء الأمة يقسمون البدعة إلى محمودة ومذمومة، ومنهم من قسمها إلى أحكام الشريعة الخمسة. وهم أكابر علماء الأمة المتفق على جلالتهم وورعهم وعلمهم كالإمام الشافعي، والزرقاني المالكي، وابن عابدين الحنفي والبدر العيني الحنفي، وابن رجب الحنبلي، والعز بن عبد السلام، والنووي، والسبكي وابن حجر العسقلاني، والسيوطي، وغيرهم خلق كثير.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: "كل ما لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم يسمى بدعة، لكن منها ما يكون حسنًا ومنها ما يكون بخلاف ذلك "اهـ.
قال ابن رجب الحنبلي: «والمراد بالبدعة ما أحدث مما ليس له أصل في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل في الشرع يدلّ عليه فليس ببدعة، وإن كان بدعة لغة»
قال التفتزاني: «ومن الجهل من يجعل كل أمر لم يكن في عهد الصحابة بدعة مذمومة، وإن لم يقم دليل على قبحه، تمسكاً بقوله عليه الصلاة والسلام: "إياكم ومحدثات الأمور" ولا يعلمون أن المراد بذلك هو أن يجعل من الدين ما ليس منه»
وبذلك يقررالعلماء أن كل عمل جديد له أصل في الدين يدل عليه فهو ليس بدعة شرعًا وإن كان بدعة لغة، وهذا معنى "ليس منه" في قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد"
ثاانيًا: إن ورود كلمة "كل" في الحديث "كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" من العام المخصوص كما قال العلماء، لأن سيدنا عمر رضي الله عنه قال عن صلاة التراويح "نعمت البدعة" وفي رواية "نعم البدعة" فلو كانت كل بدعة ضلالة لما أثنى عليها. ثم إن الله تعالى وصف كتابه العزيز بأنه محدث فقال: "وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين" فهل القرءان الكريم بدعة ضلالة لأنه محدث؟!!! ثم إن الله تعالى قال: "الزاني والزانية فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" والجلد إنما هو لغير المحصن، وغير ذلك من الأدلة الصريحة في هذا المعنى.
ثالثًا: الذين تكلموا في المولد غالبيتهم لا علاقة لهم بالسلف الصالح، بل عاشوا في القرن الثامن الهجري وما تلاه، ويبدو أنهم تأثروا بأفكار ابن تيمية الشاذة وأساليبه الماكرة في تضليل العوام. ابن تيمية الذي قاله عنه تلميذه الذهبي في (زغل العلم والطلب): "قد تعبتُ في وزنه وفتَّشتُه حتى مللتُ في سنين متطاولة، فما وجدت قد أخرَّه بين أهل مصر والشام ومقتته نفوسهم وازدروا به وكذَّبوه وكفَّروه، إلا الكبر والعجب وفرط الغرام في رياسة المشيخة والازدراء بالكبار. فانظر كيف وبال الدعاوى ومحبة الظهور" أهـ
ابن تيمية الذي استتيب سنة 707هـ وتاب وكتب توبته بخط يده بشهود قضاة المذاهب الأربعة وولي الأمر. ذكره الحافظ،في الدرر الكامنة والكتبي في تاريخه. والمستتاب في أمور العقيدة أحط من أن يقتدى به ويؤتم، بل الأولى تركه.
والعلماء الأجلاء الذي سبقوا قرن ابن تيمية ما أنكروا المولد النبوي الشريف بل أثنوا عليه واستحسنوه، قال أبو شامة المقدسي [ت 665هـ] شيخ الإمام النووي في (الباعث على إنكار البدع والحوداث): "ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل كل عام في اليوم الموافق ليوم مولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان للفقراء مشعر بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكرا لله على ما من به من إيجاد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم الذي أرسله رحمة للعالمين". اهـ
وقال السخاوي: "لم يفعله أحد من السلف في القرون الثلاثة وإنما حدث بعد، ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم" أهـ. والأبعد من ذلك أنهم ألفوا كتب موالد كالحافظ ابن الجوزي، والحافظ ابن دحية الكلبي، والحافظ ابن الجرزي والحافظ ابن كثير صاحب التفسير والحافظ العراقي، والحافظ السخاوي له مولد اسمه: "الفخر العلوي في المولد النبوي" وخلق كثير من حفاظ وعلماء الأمة الثقات. وقد صح عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله: "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن" أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي في التلخيص.
رابعًا: الحفل بالشيء هو الاهتمام به وإظهار العناية به، وهذا ثابت في ميلاد الأنبياء عليهم السلام من القرءان: "والسلام علي يوم ولدت"، وأثبت في ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم حيث روى مسلم أنه عندما سئل عن صيام يوم الأثنين قال: "فيه ولدت". فصامه الصحابة رضوان الله عليهم احتفاءًا بذكرى ميلاده صلى الله عليه وسلم وكل من يصومه اليوم إنما يصومه احتفالًا بهذه الذكرى العظيمة.
خامسًا: أصَّل الحافظ الكبير ابن حجر العسقلاني، الملقب بأمير المؤمنين في الحديث للمولد الشريف من حديث صيام عاشوراء، فإذا كنا نصومه شكرًا لنعمة إنجاء الله موسى عليه السلام من فرعون، فأي نعمة أعظم من ميلاد خير خلق الله أجمعين؟ الرحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم؟!!!
سادسًا: المباح هو ما لم يرد نص ينهى عنه، والمباح حلال، ومحرم الحلال كمستحل الحرام كما قال صلى الله عليه وسلم من حديث سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. ولم يرد نص بالنهي عن المولد ولا كل بدعة حسنة، بل البدعة الحسنة سنة لقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها لا ينقص ذلك من أجورهم شيء".
سابعًا: أما إنكار الاحتفال بالمولد بحجة أن فيه مشابهة لاحتفالات النصارى بميلاد المسيح فإننا لم نؤمر في الشريعة بمخالفة أهل الكتاب بشكل مطلق، بل في تعظيم الأنبياء والرسل والفرح بنعم الله عليهم نحن ليس فقط نوافقهم بل نكون أولى بها منهم، ألم تر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم في صيام عاشوراء: "نحن أولى بموسى منكم"؟ فصامه وندب صيامه ورغب فيه ولم يقل نخالف أهل الكتاب في هذه الذكرى المباركة ونتجاهلها.
ثامنًا: أما إنكار الاحتفال بدعوى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم" فإن إطراء النبي صلى الله عليه وسلم -أي مدحه في حضوره- ثابت في شعر سادتنا حسان والعباس رضي الله وكثير من الصحابة رضي الله عنهم، فالنهي ليس عن الإطراء والمدح، وإنما عن المدح الذي يخرجه صلى الله عليه وسلم من العبودية لله تعالى كما فعل النصار فعبدوا عيسى واليهود فعبدوا عزيرًا، وهذا لا يقع من مسلم، بل إن الصحابة من شدة تعظيمهم للنبي صلى الله عليه وسلم كما أخرج البخاري في صحيحه كانوا يقتتلون على ماء وضوئه ولا يحدون النظر إليه تعظيمًا له، ولا يدعون نخامته الشريفة تقع إلا على يد أحد منهم فيدلك بها وجهه وجلده، هذا فعل الصحابة رضوان الله عليهم سلفنا الصالح الذين نقتدي بهم ونتأسى في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوفيره.
تاسعًا: أما إنكار الاحتفال بدعوى أنه تقع فيه مخالفات، فإنها لو وقعت في صلاة العيدين أو في صلاة الجمعة أو في صلاة كسوف أو خسوف فإنها تكون مستنكرة، لكن لا يعني هذا أن نبطل صلاة العيدين أو صلاة الجمعة أو صلاة الكسوف والخسوف لأجل هذه المخالفات، بل يجب أن ننبه إليها لتصحيحها.
عاشرًا: لماذا يصر هؤلاء على إرغام الناس على ترك هذا العمل المبارك مع كل ما فيه من خير بادعاءات واهية؟ لماذا لا يعتبرونها مسألة خلافية كألوف المسائل التي تختلف فيها وجهات النظر مع وجود الدليل والحجة لدى كل طرف؟ لماذا يصرون على حمل الناس على فهمهم الضيق والسقيم؟ لماذا كل هذا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لماذا يتأذَّون عندما ينفق المسلمون في هذه الذكرى العظيمة على إطعام المساكين والتوسيع وإدخال السرور على العيال والأهل والأقارب؟ أليس ذلك في سبيل الله؟!!! وكل إنفاق في سبيل الله قال العلماء إنه ليس من الإسراف في شيء.
ألا يا من تحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة الصالح، لا تكترثوا لدعاوى الخوارج في كل عصر. وكل عام والأمة بخير، بمناسبة قدوم ذكرى المولد النبوي الشريف.
صلاح الدين الصادق العوض
الخرطوم
ويبدو أن الزمان قد اختلف فعلًا، فقد كان الذي لا يعجبه صيام رجب يعتبر شاذًا يضرب به المثل: (لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب) ويريدون أن يصير الأمر كذلك في ذكرى المولد، فصرنا نحتاج للبحث عن أدلته والتشريع له، فيا سبحان الله!
كلما اقترب شهر ربيع الأول، شهر ولادة الرحمة المهداة والنعمة المسداة صلى الله عليه وسلم، ارتفعت أصوات المنتسبين إلى السلف في اتجاه منع الناس من التعرض لنفحات هذه الذكرى العطرة. هذا شيء عجيب! ماذا فعل لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لماذا هذا التركيز الشديد على كل شيء له علاقة بتوقير النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتذكير الناس بسيرته وأوصافه وشمائله؟!
لماذا لا يتحدث أحد عن بدعية صلاة التهجد في جماعة والتي تصلى في الحرمين الشريفين وفي كل ربوع العالم الإسلامي في شهر رمضان المعظم ولم يثبت نص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلاها في كل أيام العشر الأواخر من الشهر، ولا واظب على ذلك إلى أن انتقل؟! وصلاة التهجد ليست هي صلاة التراويح، شتان ما بينهما، فالتراويح التي سنها سيدنا عمر رضي الله عنه تقام أول الليل عقب صلاة العشاء، وعدد ركعاتها محدد على خلاف فيه، وتقام في كل أيام الشهر الفضيل. أما صلاة التهجد فإنها تقام في العشر الأواخر فقط من كل رمضان، وتقام آخر الليل، ويقرأ فيها عادة بثلاثة أجزاء من القرءان؟!
لماذا لا يتحدث أحد عن بدعية تنقيط المصحف الشريف ولم يكن منقطًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟
لماذا لا يتحدث أحد عن بدعية تشكيل المصحف الشريف ولم يكن مشكَّلًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟
لماذا لا يتحدث أحد اليوم عن بدعية بناء المآذن وفرش المساجد وتزيينها ولم تكن كذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟
لماذا لا يتحدث أحد اليوم عن بدعية العلوم الشرعية وطرق تدريسها، كعلم مصطلح الحديث الذي يصنف كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى صحيح وحسن وضعيف وموضوع، والرواة إلى ثقة وثبت وإمام وضعيف وواه؟
أليست كلها أمور دينية بحتة؟ نعم إنها كلها بدع حسنة، لكن لماذا لا يقولون حيالها: "لو كان خيرًا لسبقونا إليه الصحابة"؟ لماذا لا يقولون حيالها: "إن الدين اكتمل، وما لم يكن يومئذٍ دين لا يكون اليوم دينًا"؟ لماذا لا يقولون حيالها: "لا يمكننا أن نتصور أنهم جهلوا خيراً يُقربهم إلى الله زلفى وعرفناه نحن" يعني الصحابة رضوان الله عليهم؟!!
لماذا يقول مفتي دولة إسلامية كبرى: "إقامة الموالد الشركية لا أساس له من الدين" ثم يقول نفس المفتي عن اليوم الوطني لتلك الدولة: "ينبغي أن يكون اليوم الوطني يوم شكر لله"!!!
لماذا لا يتحدثون عن البدع الضلالات الحقيقية كالتكفير والتشريك والتقتيل؟! وهي بدع ضلالات لا شك فيها.
ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما)؟! رواه مسلم
ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن ما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن حتى إذا رُئيت بهجته عليه وكان ردئاً للإسلام، غيَّره إلى ما شاء الله فانسلخ منه ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف ورماه بالشرك. قال: قلت: يا نبي الله أيهما أولى بالشرك المرمي أم الرامي؟ قال: بل الرامي)؟!
أخرجه ابن حبان في صحيحه، والبزار وحسنه، وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد.
ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه"؟! أخرجه الشيخان.
لماذا فقط رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!
أولًا: جمهور علماء الأمة يقسمون البدعة إلى محمودة ومذمومة، ومنهم من قسمها إلى أحكام الشريعة الخمسة. وهم أكابر علماء الأمة المتفق على جلالتهم وورعهم وعلمهم كالإمام الشافعي، والزرقاني المالكي، وابن عابدين الحنفي والبدر العيني الحنفي، وابن رجب الحنبلي، والعز بن عبد السلام، والنووي، والسبكي وابن حجر العسقلاني، والسيوطي، وغيرهم خلق كثير.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: "كل ما لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم يسمى بدعة، لكن منها ما يكون حسنًا ومنها ما يكون بخلاف ذلك "اهـ.
قال ابن رجب الحنبلي: «والمراد بالبدعة ما أحدث مما ليس له أصل في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل في الشرع يدلّ عليه فليس ببدعة، وإن كان بدعة لغة»
قال التفتزاني: «ومن الجهل من يجعل كل أمر لم يكن في عهد الصحابة بدعة مذمومة، وإن لم يقم دليل على قبحه، تمسكاً بقوله عليه الصلاة والسلام: "إياكم ومحدثات الأمور" ولا يعلمون أن المراد بذلك هو أن يجعل من الدين ما ليس منه»
وبذلك يقررالعلماء أن كل عمل جديد له أصل في الدين يدل عليه فهو ليس بدعة شرعًا وإن كان بدعة لغة، وهذا معنى "ليس منه" في قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد"
ثاانيًا: إن ورود كلمة "كل" في الحديث "كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" من العام المخصوص كما قال العلماء، لأن سيدنا عمر رضي الله عنه قال عن صلاة التراويح "نعمت البدعة" وفي رواية "نعم البدعة" فلو كانت كل بدعة ضلالة لما أثنى عليها. ثم إن الله تعالى وصف كتابه العزيز بأنه محدث فقال: "وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين" فهل القرءان الكريم بدعة ضلالة لأنه محدث؟!!! ثم إن الله تعالى قال: "الزاني والزانية فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" والجلد إنما هو لغير المحصن، وغير ذلك من الأدلة الصريحة في هذا المعنى.
ثالثًا: الذين تكلموا في المولد غالبيتهم لا علاقة لهم بالسلف الصالح، بل عاشوا في القرن الثامن الهجري وما تلاه، ويبدو أنهم تأثروا بأفكار ابن تيمية الشاذة وأساليبه الماكرة في تضليل العوام. ابن تيمية الذي قاله عنه تلميذه الذهبي في (زغل العلم والطلب): "قد تعبتُ في وزنه وفتَّشتُه حتى مللتُ في سنين متطاولة، فما وجدت قد أخرَّه بين أهل مصر والشام ومقتته نفوسهم وازدروا به وكذَّبوه وكفَّروه، إلا الكبر والعجب وفرط الغرام في رياسة المشيخة والازدراء بالكبار. فانظر كيف وبال الدعاوى ومحبة الظهور" أهـ
ابن تيمية الذي استتيب سنة 707هـ وتاب وكتب توبته بخط يده بشهود قضاة المذاهب الأربعة وولي الأمر. ذكره الحافظ،في الدرر الكامنة والكتبي في تاريخه. والمستتاب في أمور العقيدة أحط من أن يقتدى به ويؤتم، بل الأولى تركه.
والعلماء الأجلاء الذي سبقوا قرن ابن تيمية ما أنكروا المولد النبوي الشريف بل أثنوا عليه واستحسنوه، قال أبو شامة المقدسي [ت 665هـ] شيخ الإمام النووي في (الباعث على إنكار البدع والحوداث): "ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل كل عام في اليوم الموافق ليوم مولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان للفقراء مشعر بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكرا لله على ما من به من إيجاد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم الذي أرسله رحمة للعالمين". اهـ
وقال السخاوي: "لم يفعله أحد من السلف في القرون الثلاثة وإنما حدث بعد، ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم" أهـ. والأبعد من ذلك أنهم ألفوا كتب موالد كالحافظ ابن الجوزي، والحافظ ابن دحية الكلبي، والحافظ ابن الجرزي والحافظ ابن كثير صاحب التفسير والحافظ العراقي، والحافظ السخاوي له مولد اسمه: "الفخر العلوي في المولد النبوي" وخلق كثير من حفاظ وعلماء الأمة الثقات. وقد صح عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله: "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن" أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي في التلخيص.
رابعًا: الحفل بالشيء هو الاهتمام به وإظهار العناية به، وهذا ثابت في ميلاد الأنبياء عليهم السلام من القرءان: "والسلام علي يوم ولدت"، وأثبت في ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم حيث روى مسلم أنه عندما سئل عن صيام يوم الأثنين قال: "فيه ولدت". فصامه الصحابة رضوان الله عليهم احتفاءًا بذكرى ميلاده صلى الله عليه وسلم وكل من يصومه اليوم إنما يصومه احتفالًا بهذه الذكرى العظيمة.
خامسًا: أصَّل الحافظ الكبير ابن حجر العسقلاني، الملقب بأمير المؤمنين في الحديث للمولد الشريف من حديث صيام عاشوراء، فإذا كنا نصومه شكرًا لنعمة إنجاء الله موسى عليه السلام من فرعون، فأي نعمة أعظم من ميلاد خير خلق الله أجمعين؟ الرحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم؟!!!
سادسًا: المباح هو ما لم يرد نص ينهى عنه، والمباح حلال، ومحرم الحلال كمستحل الحرام كما قال صلى الله عليه وسلم من حديث سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. ولم يرد نص بالنهي عن المولد ولا كل بدعة حسنة، بل البدعة الحسنة سنة لقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها لا ينقص ذلك من أجورهم شيء".
سابعًا: أما إنكار الاحتفال بالمولد بحجة أن فيه مشابهة لاحتفالات النصارى بميلاد المسيح فإننا لم نؤمر في الشريعة بمخالفة أهل الكتاب بشكل مطلق، بل في تعظيم الأنبياء والرسل والفرح بنعم الله عليهم نحن ليس فقط نوافقهم بل نكون أولى بها منهم، ألم تر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم في صيام عاشوراء: "نحن أولى بموسى منكم"؟ فصامه وندب صيامه ورغب فيه ولم يقل نخالف أهل الكتاب في هذه الذكرى المباركة ونتجاهلها.
ثامنًا: أما إنكار الاحتفال بدعوى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم" فإن إطراء النبي صلى الله عليه وسلم -أي مدحه في حضوره- ثابت في شعر سادتنا حسان والعباس رضي الله وكثير من الصحابة رضي الله عنهم، فالنهي ليس عن الإطراء والمدح، وإنما عن المدح الذي يخرجه صلى الله عليه وسلم من العبودية لله تعالى كما فعل النصار فعبدوا عيسى واليهود فعبدوا عزيرًا، وهذا لا يقع من مسلم، بل إن الصحابة من شدة تعظيمهم للنبي صلى الله عليه وسلم كما أخرج البخاري في صحيحه كانوا يقتتلون على ماء وضوئه ولا يحدون النظر إليه تعظيمًا له، ولا يدعون نخامته الشريفة تقع إلا على يد أحد منهم فيدلك بها وجهه وجلده، هذا فعل الصحابة رضوان الله عليهم سلفنا الصالح الذين نقتدي بهم ونتأسى في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوفيره.
تاسعًا: أما إنكار الاحتفال بدعوى أنه تقع فيه مخالفات، فإنها لو وقعت في صلاة العيدين أو في صلاة الجمعة أو في صلاة كسوف أو خسوف فإنها تكون مستنكرة، لكن لا يعني هذا أن نبطل صلاة العيدين أو صلاة الجمعة أو صلاة الكسوف والخسوف لأجل هذه المخالفات، بل يجب أن ننبه إليها لتصحيحها.
عاشرًا: لماذا يصر هؤلاء على إرغام الناس على ترك هذا العمل المبارك مع كل ما فيه من خير بادعاءات واهية؟ لماذا لا يعتبرونها مسألة خلافية كألوف المسائل التي تختلف فيها وجهات النظر مع وجود الدليل والحجة لدى كل طرف؟ لماذا يصرون على حمل الناس على فهمهم الضيق والسقيم؟ لماذا كل هذا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لماذا يتأذَّون عندما ينفق المسلمون في هذه الذكرى العظيمة على إطعام المساكين والتوسيع وإدخال السرور على العيال والأهل والأقارب؟ أليس ذلك في سبيل الله؟!!! وكل إنفاق في سبيل الله قال العلماء إنه ليس من الإسراف في شيء.
ألا يا من تحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة الصالح، لا تكترثوا لدعاوى الخوارج في كل عصر. وكل عام والأمة بخير، بمناسبة قدوم ذكرى المولد النبوي الشريف.
صلاح الدين الصادق العوض
الخرطوم