إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّه وخَلِيلُه، وخِيرَتُه مِنْ خَلْقِهِ وحَبِيبُه:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، (آل عمران؛ 3: 102).
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، (النساء؛ 4: 1).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}، (الأحزاب؛ 33: 70ــ 71).
«إِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ ْهَدْيِ مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلَى آله وَسَلَّمَ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ».
والصلاة والسلام والتبريكات التامة الدائمة على نبينا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه المخلصين المجاهدين، وهو الأسوة الحسنة، نعم الأسوة، ونعم القدوة.
أَمَّا بَعْدُ: فقد كثر الجدل مؤخراً حول الحديث الصحيح، المتفق على صحته، حول (نجد): (هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان)، وهل المقصود المنطقة المشهورة المعلومة المسماة: (نجد) في وسط الجزيرة العربية، أم أنها (نجد العراق)، كما يزعم البعض. وزاد الطين بلة أن الدوافع والأهواء المذهبية، والطائفية، بل والقبلية والجهوية، دخلت في الموضوع وأوشكت أن تفسده.
ولتحرير المسألة والخروج بها من الشبهات والظنون إلى مرتبة القطع واليقين لا بد:
أولاً: من معرفة الواقع الحسي للمناطق المسماة بذلك وعلاقتها الجغرافية بعضها ببعض، ونسبتها إلى موقع المدينة النبوية المنورة الشريفة جغرافياً؛
ثانياً: استجلاء المعني اللغوي والأصل التاريخي للتسمية بـ(نجد) وكذلك (العراق) بحيث لا تبقى في معانيها أي شبهة، ومدي انطباق لفظة (نجد) على (العراق)؛
ثالثاً: ولا بد من دراسة الحديث بكافة طرقه دراسة مشبعة للتعرف على اللفظ النبوي المعصوم، على أن يكون ذلك وفق القواعد التي أصلناها في البيان التأسيسي لحزب التجديد الإسلامي، (ملحق أصول الأحكام، وقواعد الاستنباط)، حيث قلنا:
[مـــادة (4): لا يحل الاستشهاد، ولا تقوم الحجة، بنص من مرويات السنة إلا إذا ثبتت صحته ونسبته إلى النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إما ثبوتاً يقينياً قاطعاً بالتواتر، أو بأن يكون قد ثبت ثبوتاً يتجاوز كل شك معقول، أو مطعن مقبول، أو علة قادحة. كما لا يحل الاستشهاد بخبر ثابت صحيح إلا بعد استيعاب كل طرق روايته، وتحرير جميع ألفاظه، لتعيين اللفظ الثابت الصحيح، أو لاستنباط المعنى الثابت المشترك بين الطرق والروايات.
مـــادة (5): لا بد من اعتبار نصوص الكتاب والسنة جميعها نصاً واحداً متصلاً، على مرتبة واحدة من الحجية ومن وجوب الطاعة لها جميعها. فلا يجوز إعمال نص وإهمال آخر مطلقاً، ولا يحل تقديم نص على نص آخر أبداً، إلا ببرهان من النصوص نفسها، أو لضرورة حس أو عقل.
مـــادة (6): لا بد من إمضاء النصوص جميعها على عمومها وإطلاقها، فلا يحل تخصيص شئ منها أو تقييده إلا ببرهان منها، أو بضرورة حس أو عقل..... إلخ (راجع: البيان التأسيسي لتنظيم التجديد الإسلامي)].
فهذه القواعد تلزم باستقصاء الأحاديث الأخرى المتعلقة بالموضوع.
رابعاً: تحرير انطباق الأحاديث: هل هي لكل الأزمنة، أم لأزمنة مخصوصة فقط، وإن أمكن: على من تنطبق؟!
| فصل: المبحث الأول
بالنسبة للجزئية الأولى: نلاحظ أن الأحاديث الشريفة تتحدث عن اليمن، والشام، ونجد، والمشرق، وربما عن (العراق)، و(مصر). وكلها يزعم أنه قد تلفظ بها النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أبان إقامته في المدينة النبوية الشريفة المنورة (أو حولها)، فالمشرق إذاً ضرورة هو: بالنسبة للمدينة المنورة، وما حولها، ولا بد.
والمدينة النبوية الشريفة المنورة تقع تقريباً على خط عرض مدار السرطان. وإذا أردت الدقة المتناهية فإليك موقع المحراب الشريف (أو المنبر الشريف) الجغرافي بعينه:
(24°28‘02.78″N;039°36‘40.35″E) = (24°28.0463′N; 39°36.6725′E) = (24.4674389°N;39.6112083°E)
وموقع القبر الشريف (أو البيت الشريف) بعينه.
(24°28’3.21″N;39°36’41.18″E) = (24°28.0535′N; 39°36.6863′E) = (24.4675583°N; 39.6114389°E)
لذلك فإن الشمس تتعامد على المدينة المنورة في قمة الصيف (حوالي 23 من يونيو) فيكون مشرق الشمس، في رأي العين، شمال المشرق الجغرافي قليلاً. وإذا أردت الدقة فإليك الزاوية السمتية لشروق الشمس: 64 درجة. وكذلك يكون غروبها بزاوية سمتية مقدارها: 296 درجة. (الزاوية السمتية تقاس من الشمال الجغرافي، دوراناً مع عقارب الساعة نحو المشرق، من: صفر إلى 360 درجة). فمشرق الشمس في الصيف ليس هو المشرق الجغرافي (وزاويته السمتية: 90 درجة)، ولكنه منحرف نحو الشمال بنحو 26 درجة. أما في حضيض الشتاء (حوالي: 23 ديسمبر) فيكون مشرقها، في رأي العين، هو الجنوب الشرقي الجغرافي تقريباً. وإذا أردت الدقة فإليك الزاوية السمتية لشروق الشمس آنذاك: 116 درجة. وكذلك يكون غروبها بزاوية سمتية مقدارها: 244 درجة.
ولكن جمهور المخاطبين لا يتعاملون مع الخرائط الجغرافية والمساطر، لذلك نتوقع:
(1)- أن يطلق الإنسان العامي لفظة (المشرق) أيضاً على (الشرق) المنحرف بشمال خفيف، لذلك فإن الحزم والاحتياط يوجب السماح بالانحراف شمالاً (في اتجاه الشمال الشرقي) بزاوية معقولة. ولما كان الشمال الجغرافي المحض يبعد عن الشرق الصيفي المحض بأربع وستين درجة، فإنه من المستبعد أن يتساهل الناس فيدخلوا في مفهوم (الشرق) ما يجاوز ربع أو خمس هذه المسافة الزاوية أي نحو 14 درجة إضافية تجاه الشمال، أي بما مجموعه 40 من الشرق الجغرافي المحض، وإلا دخلنا منطقة الشمال الشرقي بلا شبهة؛
(2)- أنه نظراً لوقوع المدينة تقريباً على خط عرض مدار السرطان بحيث يبدوا مشرق الشمس منحرفاً إلى الجنوب في أكثر أيام السنة (بحيث تكون الشمس جنوبية شيئاً ما وقت الزوال)، ولقلة معلومات الناس الجغرافية، نتوقع أن يلتبس موقع العراق على كثير من الناس بالشمال الشرقي؛ وربما ظن بعضهم أن العراق في شرق المدينة؛
وبتأمل الخرائط والرسوم المرفقة يتضح أن الخط الحدِّي بزاوية سمتية مقدارها:52 درجة، وهو الخط الممتد من المدينة إلى الشرق بشمال بزاوية 38 درجة فقط، وهو شرق محتمل، ولعله أقصي ما يمكن أن يُسَمَّى شرقاً حتى من أقل العوام معرفة بالاتجاهات، وربما عده البعض شرقاً شمالياً ولا لوم عليهم في ذلك، لا يمر أصلاً في وسط العراق، وإنما يمر في الكويت (وهي من ولاية البصرة على التحقيق)، ماراً بأقصى جنوب منطقة البصرة، ثم يستمر نحو شمال شرق أيران، وهي الناحية المعروفة باسم: (خراسان)، ماراً ببلاد ما وراء النهر: تركمانستان، وأوزبكستان، وطاجيكستان، وقرغيزيا، ماراً بشمال تركستان الشرقية التي تحتلها الصين، ثم يدخل الصين، ويعود فيغادرها، فمنغوليا، ثم يدخل الصين مرة أخرى، ويعود فيخرج منها، عابراً كوريا حتي يصل، تقريباً، إلى منتصف بلاد اليابان، لا يكاد يفلت منه شيء من ديار الشعوب التركية الطورانية.
وسوف يتبين قريباً، إن شاء الله تعالى، مسوغ تحديد هذه الزاوية السمتية (مقدارها: 52 درجة) بعينها، وذلك عند مناقشة طرق وألفاظ حديث عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما. وحسبنا الآن أن نقول أنه الخط المنطلق من المحراب الشريف حيث كان النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يقف خطيباً بعد الصلاة، أو يرتقي المنبر الشريف الملاصق لمصلاه، وموقعه مًعَلَّم بعلامات حسية أثرية محفوظة، معلوم علم يقين، ماراًبمسكن أم المؤمنين عائشة، رضوان الله وسلامه عليها. ومسكن أم المؤمنين عائشة، رضوان الله وسلامه عليها، معلوم بيقين كذلك، فهو بيتها الذي يقع فيه القبر الشريف بعينه، (والقبر الشريف يقع حالياً تحت القبة الخضراء، التي يحتال آل سعود – أحفاد مسيلمة الكذاب أو لعلهم أحفاد اليهود – هذه الأيام لهدمها، وإزالتها من الوجود). وقد بالغنا في الاحتياط فاعتمدنا الخط المنطلق من المحراب الشريف ماراًبالطرف الشمالي لمسكن أم المؤمنين عائشة، رضوان الله وسلامه عليها، حتى لا يحتج مكابر بأننا نحتال لإخراج العراق، أو غيره، من منطقة (المشرق) المذمومة؛
وإليك إحداثيات موقع الطرف الشمالي للقبة الخضراء، وهو في الحقيقة أبعد نحو الشمال من الطرف الشمالي لمسكن أم المؤمنين عائشة، حسما لأي جدل أو مماحكة:
(24°28’3.37“N;39°36’41.18″E) = (24°28.05616‘N; 39°36.6863′E) = (24.4676028°N; 39.6114389°E)
هذا التحديد الدقيق، من إنسان أُمِّي، لم يخرج من حدود جزير العرب إلا بفراسخ قليلة إلى بصرى الشام، في عصور ما قبل المساحة الجيوديسية والخرائط الجغرافية الدقيقة، أمر خارق للعادة عند المتأمل المنصف؛ وهو – بلا شك – آية له، وبرهان من براهين صدق نبوته، بأبي هو وأمي، عليه وعلى آله الصلاة والسلام.
ملاحظات:
(1)ــ الشمال الجغرافي يقع إلى يمين الصفحة؛
(2)ــ يبدوا موقع المحراب، وكذلك القبر الشريف في صورة جوجل المأخوذة ببرنامج (Googleــ Earth) مباشرة، (أعلاه، إلي اليمين) كأنها في غير مواقها. هذا وهم نشأ من ميل الزاوية الأصلية عند التصوير. أما خريطة جوجل (أعلاه، إلي اليسار) فهي الدقيقة. هذه مأخوذة من برنامج الحساب المذكور في البحث، هو يستخدم خرائط، وصور، جوجل، بطريق غير مباشر؛
(3)ــ الصورة إلى اليسار مأخوذة من برنامج الحساب، وهو في الموقع المذكور أدناه. (لاحظ الإزاحة الوهمية):
http://geographiclib. sourceforge.net/scripts/geodــ google.html
وآخر الصور المدرجة أعلاه (الأسفل إلى اليمين) هي لامتداد الخط الحدِّي من المحراب الشريف إلى مشرق الشمس الشتوي، وهو أقصى المشارق إلى الجنوب، بزاوية سمتية قدرها: 116 درجة. فشرق المدينة النبوية الشريفة المنورة يضم معظم (نجد)، أي نجد جزيرة العرب المعروفة، في المسافات المباشرة القريبة: اليمامة والبحرين، وحتى عمان وظفار. ويضم الأهواز وأصفهان وخوزستان وكرمان ومكران وسجستان وخراسان (وبعض هذا يتداخل مع بعض أفغانستان)، وبلاد ما وراء النهر، وشمال غرب الصين، وبلاد الترك (ومنهم المغول والتتار) في المدى البعيد.
هذه هي الحقائق الحسية القاطعة، التي لا يجوز إغفالها وتجاوزها، ولا بحال من الأحوال. فالعراق المعروف هو قطعاُ ليس إلى الشرق من المدينة، ولكن ثلثه الشمالي (الموصل، وما حولها) يقع في شمال المدينة النبوية الشريفة المنورة (بزاوية سمتية قدرها: 15 درجات)، ووسطه (بغداد والكوفة والحلة – وهي: بابل قديماًــ والرمادي) في الشمال بشمال شرقي خفيف (بزاوية سمتية قدرها: 26 درجة)؛ وثلثه الجنوبي (البصرة وما حولها) يقع بالكاد في الشمال الشرقي الخالص (بزاوية سمتية قدرها: 45 درجات)، كما يظهر من الصور الآتية:
وحتى لو بالغنا فقلنا أن أهل المدينة على زمنه، عليه وعلى آله الصلاة والسلام،كانوا لا يعرفون إلا أن الأرض كلها إنما تنقسم فقط إلى شرق وغرب وشمال (أو شام)، وجنوب (أو يمن)، وأنهم كانوا لا يعرفون مفاهيم (الشمال الشرقي) أو (الشمال الغربي)، … إلخ، أصلاً، حتى لو تواقحنا وكابرنا وزعمنا ذلك، لوجب علينا أن نعتمد الخط بزاوية 45 بين الشمال والشرق مثلاً، فاصلاً بين ما يسمَّى شمالاً، وشرقا (ولا يتصور أو يعقل خيار غير هذا أصلاً)، لما دخل في مفهوم (الشرق) إلا البصرة وما حولها، وهو جزء ضئيل لا يبلغ عشر مساحة العراق الذي يتوجب اعتبار معظمه من (الشمال)، (شاماً):
وبهذا يظهر لك، على كل حال، ومهما تساهلنا في تحديد الاتجاهات، بطلان قول الإمام الخطابي: [نجد من جهة المشرق. ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها وهي مشرق أهل المدينة]، ثم قال بعدها فوراً: [وأصل النجد ما ارتفع من الأرض وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها وتهامة كلها من الغور ومكة من تهامة]، انتهى كلام الإمام الخطابي.
فنقول: جملة الإمام الخطابي الثانية: (وأصل النجد ما ارتفع من الأرض وهو خلاف الغور … إلخ)، صواب، وهي تنقض كلامه الأول، كما سيظهر قريباً، إن شاء الله.
وأما فقرته الأولى فخطأ محض، وهو برهان على ضحالة المعلومات الجغرافية أيام الخطابي، ولا يقول به، في أزماننا هذه، إلا كذاب أشر، مكابر وقح، أو صاحب بدعة وهوى، جمح به هواه حتى اختل عقله، وفسد دماغه: فلم يستطع تمييز يمينه من شماله، عياذاً بالله. ومن أمثلة هذا الهوى الجامح الذي يجعل الشمال غرباً ما قاله أحد مقلدة الألباني، المعظمين له إلى درجة التقديس، في كتاب [العراق في أحاديث وآثار الفتن (1/349)]: [قال شيخنا أسد السنة، ومحدث العصر الألباني - رحمه الله تعالى - بعد تخريجه حديث سعد بن أبي وقاص السابق، وبيان صحّته ما نصه: «واعلم أن المراد بأهل الغرب في هذا الحديث أهل الشام؛ لأنهم يقعون في الجهة الغربية الشمالية بالنسبة للمدينة المنورة التي فيها نطق – عليه الصلاة والسلام - بهذا الحديث الشريف، وبهذا فسر الحديث الإمام أحمد - رحمه الله، وأيده شيخ الإسلام ابن تيمية في عدة مواضع من «الفتاوى» (7/446 و27/41، 507 و28/531، 552)، وقد أبعد النجعة من فسره من المعاصرين ببلاد (المغرب) المعروفة اليوم في شمال إفريقيا؛ لأنه مما لا سلف له؛ مع مخالفته لإمام السنة وشيخ الإسلام]، وقد نسفنا هذا القول نسفاً في صلب بحثنا المعنون: (بشائر النصر، بمناقب مصر) حيث حررنا معنى: (أهل الغرب)، و(الجند الغربي)، وألحقناه بكامله في ذبل يحثنا هذا، فليراجع.
وما أسلفنا يظهر لك أيضاً بطلان قول الشيخ حكيم محمد أشرف سندهو في رسالته المعنونة: (أكمل البيان في شرح حديث نجد قرن الشيطان)، حيث قال: (مقصود الأحاديث أن البلاد الواقعة في جهة المشرق من المدينة المنورة، هي مبدأ الفتنة والفساد، ومركز الكفر والإلحاد، ومصدر الابتداع والضلال، فانظروا في خريطة العرب بنظر الإمعان، يظهر لكم أن الأرض الواقعة في شرق المدينة إنما هي أرض العراق فقط موضع الكوفة والبصرة وبغداد)!!
ونحن نقول: ها هي الخرائط أمامنا، ولا تحتاج كبير نظر وإمعان للحكم على قوله بالسخف والتهافت والبطلان. فلعل الشيخ حكيم سندهو استخدم خريطة رسمها العور والعميان!
ولا صحة أيضاً لزعم الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ أن (العراق) هو المراد بالمشرق ونجد الذي ورد ذمه في الحديث فقال: (إن المراد بالمشرق ونجد في هذا الحديث وأمثاله هو العراق؛ لأنه يحاذي المدينة من جهة الشرق، يوضحه أن في بعض طرق هذا الحديث: وأشار إلى العراق).
وهذان الشيخان: حكيم محمد أشرف سندهو وعبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، إنما قالا ذلك في محاولةيائسة فاشلة للدفاع عن فرقتهم الوهابية الغالية المارقة الدموية، وزاد عليهما الألباني حيث اعترف بدوافعه صراحة في[سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (5/305)]: [وإنما أفضت في تخريج هذا الحديث الصحيح وذكر طرقه وبعض ألفاظه لأن بعضالمبتدعة المحاربين للسنة والمنحرفين عنالتوحيد يطعنون في الإمام محمد بن عبد الوهاب مجدد دعوة التوحيد في الجزيرة العربية، ويحملون الحديث عليه باعتباره من بلاد (نجد) المعروفة اليوم بهذا الاسم، وجهلوا أو تجاهلوا أنها ليست هي المقصودة بهذا الحديث، وإنما هي (العراق) كما دل عليه أكثر طرق الحديث، وبذلك قال العلماء قديما كالإمام الخطابي وابن حجر العسقلاني وغيرهم]؛ ولكن يأبى الله إلا أن يظهر الحق بالأدلة الحسية المرئية في الآفاق: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}، (فصلت؛ 41: 53)، ولأدلة السمعية المحفوظة بحفظ الذكر: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، (الحجر؛ 15: 9).
| فصل: المبحث الثاني
وأما بالنسبة للجزئية الثانية: وهي استجلاء المعني اللغوي والأصل التاريخي للتسمية بـ(نجد) وكذلك (العراق)؛ فلعلنا نتأمل أولاً النصوص التالية، فأولها استقصاء الإمام الحافظ الحجة الكبير الخطيب البغدادي، لأصل التسمية بـ(العراق)كما هو:
* في (تاريخ بغداد، ج1، ص24): [أخبرنا علي بن أبي علي البصري قال: أنبأنا إسماعيل بن سعيد المعدل قال: قال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري قال: بن الأعرابي: (إنما سمي العراق عراقا لأنهسفل عن نجد ودنا من البحر. أخذ من:عراق القربة، وهو الخرز الذي في أسفلها).
ــ وقال غيره: (العراق معناه في كلامهم الطير قالوا وهو جمع عرقة والعرقة ضرب من الطير. ويقال أيضا العراق جمع عرق).
ــ وقال قطرب: (إنما سمي العراق عراقا لأنه: دنا من البحر وفيه سباخ وشجر. يقال استعرقت ابلكم إذا أتت ذلك الموضع).
ــ أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي قال: نبأنا محمد بن العباس الخزاز قال: أنبأنا أبو أيوب سليمان بن إسحاق الجلاب قال: قال أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي: (العراق من بلد الى عبادان، وعرضه من العذيب الى جبل حلوان، وانما سميت العراق عراقا لأن كل استواء عند نهر أو عند بحر عراق، وإنما سمي السواد سوادا لأنهم قدموا يفتحون الكوفة فلما أبصروا سواد النخل قالوا ما هذا السواد!)].
وبغض النظر عن الأصل اللغوي الذي يحفه الغموض، فلا شك أن العراق المعروف بهذا الاسم: منخفض، مستوي، قريباً من سطح البحر، وهو قد سفل عن نجد، وهذه حقائق حسية، لا جدال فيها، كما هو ظاهر بيقين من الخرائط الطوبوغرافية التي ستأتي قريباً. ومن كان في شك من ذلك فليذهب بنفسه مصطحباً آلة قياس مناسبة، وليقس بنفسه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فالعراق أقرب أن يكون (غوراً)، وليس (نجداً) كما اعترف الإمام الخطابي، إذ قال: [وأصل (النجد) ما ارتفع من الأرض وهو خلاف (الغور) فإنه ما انخفض منها وتهامة كلها من الغور ومكة من تهامة].
وكذلك اعترف به الشيخ حكيم محمد أشرف سندهو في رسالته المشار إليها آنفاً، وهي المعنونة: (أكمل البيان في شرح حديث نجد قرن الشيطان)، حيث قال: (واتفقت كلمة شرّاح الحديث وأئمة اللغة ومهرة جغرافية العرب أن (النجد) ليس اسماً لبلد مخصوص، ولا اسماً لبلدة بعينها، بل يقال لكل قطعة من الأرض مرتفعة عما حواليها نجد، …)، مع كونه من أشد المدافعين عن القول بأن المقصود هو (العراق)، المعروف حالياً، أي (بلاد الرافدين)، وليس نجد جزيرة العرب.
ويؤيد هذا ما قاله الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني بعد نقله كلام الإمام الخطابي، آنف الذكر، إذ حكم بضعف كلام الداودي، كما هو في (فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج13، ص 47): [وعرف بهذا وهاء ما قاله الداودي: (ان نجدا من ناحية العراق)، فإنه توهم ان نجدا موضع مخصوص وليس كذلك بل: كل شيء ارتفع بالنسبة الى ما يليه يسمى المرتفع نجداً، والمنخفض غوراً].
والعراق، فضلاً، عن كونه ليس نجداً، أي ليس مرتفعاً من الأرض، فهو بالقطع خارج جزيرة العرب، الذي جاءت النصوص الشرعية بأحكام خاصة لها، من مثل: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)، ونحو ذلك، فمن المحال أن يكون هو المقصود بلفظة (نجدنا)، والتي تشعر الإضافة فيها إلى المتكلمين أنها مكان معلوم مخصوص، وليس مجرد أي (مرتفع) من الأرض: فحتى لو كان العراق نجداً، وهو بالقطع ليس كذلك، لما جاز تجاوز (نجد) القريبة المعلومة، إلى نجد آخر بعيد إلا بموجب نص لآخر، أو بضرورة حس أو عقل. وإليك مجموعة من الخرائط الطبوغرافية التي توجب القطع بما قلناه آنفا:
| فصل: المبحث الثالث
وأما بالنسبة للجزئية الثالثة: فهي العمل الرئيسي ها هنا. وسنكتفي ها هنا بالتلخيص، مع ذكر كافة النصوص بطولها، وكامل أسانيدها، في الملحق إلا من استثناءات قليلة.
* الحديث الرئيس في هذه المسألة:
* كما هو في الجامع الصحيح المختصر للإمام البخاري، (ج1/ص351/ح990): [حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا حسين بن الحسن قال: حدثنا بن عون عن نافع عن بن عمر قال: اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا قال: قالوا وفي (نجدنا؟!)، قال: قال اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا قال: قالوا وفي (نجدنا؟!)، قال: قال: (هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان)]
* وكما هو في الجامع الصحيح المختصر للإمام البخاري، (ج6/ص2598/ح6681): [حدثنا علي بن عبد الله حدثنا أزهر بن سعد عن بن عون عن نافع عن بن عمر قال: ذكر النبي، صلى الله عليه وسلم، اللهم بارك لنا في شأمنا اللهم بارك لنا في يمننا قالوا يا رسول الله وفي نجدنا قال: اللهم بارك لنا في شأمنا اللهم بارك لنا في يمننا قالوا يا رسول الله وفي نجدنا فأظنه قال في الثالثة: (هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان)]
وهو كذلك بنحو هذا اللفظ، بذكر (نجدنا)، برواية كل من: حسين بن الحسن، وأزهر بن سعد، كليهما عن بن عون عن نافع عن بن عمر، في عامة كتب الحديث: حيث أخرجه ابن حبان في صحيحه (ج16/ص292/ح7301)؛ والترمذي في سننه (ج5/ص734/ح3953)، وقال: (هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث بن عون وقد روي هذا الحديث أيضا عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي، صلى الله عليه وسلم)؛ والإمام أحمد بن حنبل في مسنده (ج2/ص118/ح5987)؛ والإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة (ج2/ص904/ح1724)؛ وغيرهم كثير، فلا يكاد يخلو منه شيء من المسانيد والمعاجم والمصنفات والسنن.
* ولكن جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل، (ج2/ص90/ح5642): [حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا سعيد حدثنا عبد الرحمن بن عطاء عن نافع عن بن عمر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: (اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا مرتين فقال رجل وفي (مشرقنا) يا رسول الله فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من هنالك يطلع قرن الشيطان ولها تسعة أعشار الشر)]
* وأخرجه الطبراني بنحوه في معجمه الأوسط (ج2/ص250/ح1889): [حدثنا أحمد بن طاهر قال: حدثنا جدي حرملة بن يحيى قال: حدثنا بن وهب قال: حدثني سعيد بن أبي أيوب قال: حدثني عبدالرحمن بن عطاء عن نافع عن بن عمر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: (اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا فقال رجل وفي مشرقنا يا رسول الله فقال اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا فقال الرجل وفي (مشرقنا) يا رسول الله فقال اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا إن من هنالك يطلع قرن الشيطان وبه تسعة أعشار الكفر وبه الداء العضال)]، ثم قال الإمام الطبراني: (لم يرو هذا الحديث عن عبد الرحمن بن عطاء إلا سعيد بن أبي أيوب تفرد به بن وهب).
قلت: ولكن عبد الرحمن بن عطاء بن كعب القرشي المدني، شيخ ليس بالقوي، وقال الحافظ: (صدوق فيه لين)، وذكره البخاري في كتاب الضعفاء فقال: (فيه نظر)، ولكن دافع عنه أبو حاتم حيث جاء في الجرح والتعديل (ج5/ص269/ت1269): [شيخ؛ قلت: (أدخله البخاري في كتاب الضعفاء)، فقال: (يحول من هناك)]؛ فلا يعارض به الأئمة الثقات الأثبات من أمثال عبد الله بن عون بن أرطبان (وعنه أبو بكر أزهر بن سعد السمان، وحسين بن الحسن). والظاهر أن أحاديث وآثار مختلفة تداخلت في ذهن عبد الرحمن بن عطاء فنشأ هذا المتن المنكر، ولعله هو الذي استبدل لفظة (نجدنا) بلفظة (مشرقنا)، وهو – على كل حالــ استبدال مقبول محتمل، لأن نجداً المعروفة تقع في مشرق المدينة النبوية قطعاً!
* وجاء أيضاً في (المعجم الكبير)، (ج12/ص384/ح13422): [حدثنا الحسن بن علي المعمري حدثنا إسماعيل بن مسعود حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن عون عن أبيه عن نافع عن بن عمر ان النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك في يمننا فقالها مرارا فلما كان في الثالثة أو الرابعة قالوا يا رسول الله وفي (عراقنا) قال: إن بها الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان]
قلت: وهذا أيضاً لا شئ، لفظة شاذة: عبيد الله بن عبد الله بن عون ليس بذلك المشهور، وليس هو من أكابر أهل الحديث، ولم يخرج له الستة، ولا الإمام أحمد، وقال البخاري عنه في التاريخ الكبير: (معروف الحديث)، وقال أبو حاتم في (الجرح والتعديل): (صالح الحديث) فقط، فلا يعارض به الثقات الأثبات المشاهير من أمثال: أبي بكر أزهر بن سعد السمان، وحسين بن الحسن؛ ولا حتى عبد الرحمن بن عطاء بن كعب القرشي المدني، على عجره وبجره!
ولم يأت هذا عن سالم بن عبد الله عن أبيه إلا في روايتين، فيهما نظر:
* أولاهما كما هي في المعجم الأوسط (ج4/ص245/ح4098): [حدثنا علي بن سعيد قال: حدثنا حماد بن إسماعيل بن علية قال: حدثنا ابي قال: حدثنا زياد بن بيان قال: حدثنا سالم بن عبد الله بن عمر عن ابيه قال: صلى النبي، صلى الله عليه وسلم، صلاة الفجر ثم انفتل فأقبل على القوم فقال اللهم بارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في مدنا وصاعنا اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا فقال رجل: (والعراق) يا رسول الله فسكت ثم قال: اللهم بارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في مدنا وصاعنا اللهم بارك لنا في حرمنا وبارك لنا في شامنا ويمننا فقال رجل: (والعراق) يا رسول الله قال: (من ثم يطلع قرن الشيطان وتهيج الفتن)]
قلت: شيخ الطبراني علي بن سعيد بن بشير، أبو الحسن الرازي، حافظ مختلف فيه: تكلم فيه الدارقطني، وغيره. ولكن هذا لا تأثير له ها هنا لأن الإمام ابن عساكر أخرجه في (تاريخ دمشق، ج: 1 ص: 131) بسنده إلى محمد بن عبدوس: حدثنا حماد بن إسماعيل بن علية به إلى منتهاه. كما أخرجه بإسناد آخر إلى سليمان بن عمر بن خالد الأقطع حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية به إلى منتهاه. ونسبه الألباني في (السلسلة الصحيحة، ج: 5 ص: 302)، عند دراسة الحديث رقم (2246) أيضاً إلى كل من: الربعي في (فضائل الشام ودمشق)؛ وأبي علي القشيري الحراني في (تاريخ الرقة) من طريق: العلاء بن إبراهيم حدثنا زياد بن بيان به.
وزياد بن بيان، وإن كان صدوقاً عابداً، كما نص عليه الحافظ، إلا أنه ليس من أهل الحديث المشاهير، وليس له من الحديث إلا هذا الحديث أعلاه، وحديث مرفوع آخر: (المهدي من ولد فاطمة)، وقد أنكر الإمام البخاري رفعه، وأثر في التسليم عن أبي بكر الصديق، رضوان الله وسلامه عليه، فلعلنا ندرس حاله في ملحق مستقل؛ فزياد بن بيان عن سالم ليس بالذي ينهض لمخالفة الإمام الثقة الثبت المشهور عبد الله بن عون عن نافع.
فالراجح أن الخطأ هنا إنما هو من زياد بن بيان، ولعله سمع كلام سالم لأهل العراق، أو علم به، فظن أن سالماً يعتقد انطباق الحديث على العراق أو أن (نجداً) المذكورة في الحديث تعني (العراق)، فتساهل في لفظ الحديث ورواه بالمعنى حسب فهمه. وقد يكون هذا التساهل اللفظي من سالم بن عبد الله بن عمر، كما سيتبين قريباً، إن شاء الله.
* وربما استند البعض، كما فعل الألباني، على ما جاء في مسند الشاميين، (ج2/ص247/ح1276): [حدثنا عبد الله بن العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي حدثني أبي أخبرني أبي حدثني عبد الله بن شوذب حدثني عبد الله بن القاسم ومطر الوراق وكثير أبو سهل عن توبة العنبري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: (اللهم بارك في مكتنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في شامنا وبارك لنا في يمننا اللهم بارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا فقال رجل يا رسول الله وعراقنا فأعرض عنه فرددها ثلاثا وكان ذلك الرجل يقول وعراقنا فيعرض عنه ثم قال: بها الزلازل والفتن وفيها يطلع قرن الشيطان]،
قلت: لم يبين عبد الله بن شوذب من أي الثلاثة (عبد الله بن القاسم ومطر بن طهمان الوراق وأبو سهل كثير بن زياد) أخذ اللفظ، لا سيما وأن مطر بن طهمان الوراق معروف بكثرة الخطأ. فيحتمل أن يكون هذا هو لفظه، أو تداخلت الألفاظ في بعضها البعض، وما كان هكذا فلا تقوم به حجة قاطعة، خصوصاً وأن مدار البحث يدور حول لفظة واحدة بعينها، فلا بد إذاً من المبالغة في تحرير الألفاظ، والتشدد في ذلك.
.* وجاء في (حلية الأولياء، ج: 6 ص: 133) ما يقوي مخاوفنا، إذ قال الإمام أبو نعيم الأصبهاني: [حدثنا عبدالله بن جعفر حدثنا إسماعيل بن عبدالله حدثنا الحسن بن رافع الرملي حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن توبة العنبري عن سالم بن عبدالله عن أبيه أن عمر قال إن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا،... إلخ)، فرددها ثلاث مرات، فقال الرجل: (يا رسول الله ولعراقنا)، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (بها الزلازل والفتن ومنها يطلع قرن الشيطان)].
وهذا إسناد منقطع مدلس، ثم قال الإمام أبو نعيم: (كذا رواه ضمرة عن ابن شوذب عن توبة ورواه الوليد بن مزيد عن ابن شوذب عن مطر عن توبة)، ثم ساقه: [حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر حدثنا عبدالله بن جامع الحلواني حدثنا عباس ابن الوليد بن مزيد حدثنا أبي حدثنا ابن شوذب حدثني عبدالله بن القاسم ومطر وكثير أبو سهل عن توبة عن سالم عن أبيه أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال اللهم بارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في مكتنا وبارك لنا في شامنا وبارك لنا في يمننا وبارك لنا في صاعنا ومدنا فقال رجل يا رسول الله وفي عراقنا فأعرض عنه فقال فيها الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان]
وقد أخرج الإمام ابن عساكر في (تاريخ دمشق، ج: 1 ص: 130) إسناد بن شوذب المدلس، فقال: [أخبرنا أبو الفرج جعفر بن أحمد بن محمد بن عبد العزيز العباسي المكي بمدينة الرسول في مسجده بين قبره ومنبره، أنبأنا الحسن بن عبد الرحمن بن الحسن أنبأنا أحمد بن إبراهيم بن فراس أنبأنا أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن عبد الله الديبلي حدثنا أبو عمير عيسى بن محمد بن النحاس حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن توبة العنبري عن سالم، أراه عن أبيه بنحوه]، ثم قال الإمام ابن عساكر: (كذا أخبرنا أبو جعفر، وكان أول كتابه قد ذهب، فكتب إسناده من لا يعرف فقال فيه: أخبرنا الديبلي؛ وإنما يرويه ابن فراس عن العباس بن محمد بن الحسن بن قتيبة عن أبي عمير؛ ورواه غير أبي عمير عن ضمرة بغير شك: أخبرناه أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر الزاغوني ببغداد أنبأنا محمد بن أحمد بن مسلمة حدثنا أبو طاهر المخلس). ثم أخرج إسنادين مختلفين إلى العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي بمثل حديث الطبراني في (مسند الشاميين).
ودرسه الألباني في (السلسلة الصحيحة، ج: 5 ص: 302)، الحديث رقم (2246)، فنسبه إلى ما ذكرنا أعلاه من المراجع باستثناء (مسند الشاميين) الذي فاته، كما نسبه أيضاً إلى كل من: الفسوي في (المعرفة، ج: 2 ص: 746)؛ والمخلص في (الفوائد المستقاة، ج: 7 ص: 2)؛ والجرجاني في (الفوائد، ج: 2 ص: 164). ثم قال الألباني: (من طرق عن توبة العنبري عن سالم عن أبيه أن النبي دعا، فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين).
فنقول: هذا في أحسن أحواله تدليس شنيع من الألباني، إن لم يكن خيانة صريحة: فكل الطرق تنتهي إلى عبد الله بن شوذب ثم تصعد مدلسة منقطعة، أو عن ثلاثة من الرواة لا يدرى لفظ من منهم هو، وبعضهم ليس بالمتقن: فكيف يكون هذا على شرط الشيخين؟؟!!
فهذه اللفظة: (عراقنا) في هذه الرواية إذاً في أحسن أحوالها شاذة، وإن كان الأرجح أنها منكرة، فهي لا تثبت أصلاً، ولا تجوز نسبتها إلى نبي الله، عليه وعلى آله صلوات وتسليمات وتبريكات من الله، ولا بحال من الأحوال.
غير أن ورود لفظة (عراقنا) من طريقين مستقلتين، وإن كان فيهما كلام، إلا أنهما ليستا بالساقطتين كلية عن الاعتبار، تشعر بأنها ربما كانت عن سالم بن عبد الله، ويكون سالم روى الحديث بالمعني لقناعته بأن (نجدنا) تعني العراق، حيث فهم ذلك، من الحديث الآخر، الذي سيأتي قريباً، وهو فهم خاطئ يقيناً، كما أسلفنا، وكما سيأتي. وعلى كل حال فإن سالم بن عبد الله، على وثاقته وجلالة قدره، لا يتقدم على نافع. وجمهور الأئمة على تقديم نافع على سالم في حالة الخلاف، لا سيما أن نافعاً أكثر تثبتاً في الألفاظ.
وشذَّت رواية عن نافع عن بن عمر لا يعتد بها، لا سنداً ولا متناً:
* كما هي في مسند الشاميين (ج2/ص270/ح1319): [حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة حدثنا أبو فروة يزيد بن محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي حدثني أبي عن أبيه حدثني أبو رزين الفلسطيني عن أبي عبيد حاجب سليمان بن عبد الملك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: (اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا وفي مكتنا وفي مدينتنا وفي شامنا وفي يمننا!)، فقال رجل: يا رسول الله: وفي العراق ومصر؟!)، فقال: (هناك يطلع قرن الشيطان؛ وثم الزلازل والفتن)]، وقد أخرجه الإمام ابن عساكر في (تاريخ دمشق، ج: 1 ص: 135) من عدة طرق كلها إلى محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي هذا عن أبيه، وفيما أعلم لم يتابعهما أحد في العالم على هذا قط.
قلت: وهذا إسناد ساقط، بل هو ظلمات بعضها فوق بعض: يزيد بن سنان الرهاوي، وكذلك ابنه محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي ضعاف. وأبو رزين الفلسطيني مجهول، ومن المحتمل، وإن كان هذا مستبعداً، أن يكون مسرة بن معبد اللخمي الفلسطيني، وهو مختلف فيه: ذكره في الضعفاء وقال: (لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد: يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الاثبات)؛ ذكره بن حبان في الثقات، فقال: (كان ممن يخطى)؛ وذكره في مشاهير الأمصار، وقال: (وكان يغرب). والمتن أكثر سقوطاً: فما ورد في مصر ذم من هذا النوع إطلاقاً: هذا كلام متعصب كاذب أراد الثناء على الشام، وفي نفس الوقت مذمة مصر والعراق!
وشذَّ حديث عن ابن عباس، لا يعتد به، لا سنداً ولا متناً:
* كما هو في المعجم الكبير (ج12/ص84/ح12553): [حدثنا محمد بن علي المروزي حدثنا أبو الدرداء عبد العزيز بن المنيب حدثنا إسحاق بن عبد الله بن كيسان عن أبيه عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال: دعا نبي الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: (اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا وبارك لنا في مكتنا ومدينتنا وبارك لنا في شامنا ويمننا!)، فقال رجل من القوم: (يا نبي الله، وعراقنا؟!) فقال: (إن بها قرن الشيطان، وتهيج الفتن. وإن الجفاء بالمشرق!)]، وقد أخرجه الإمام ابن عساكر في (تاريخ دمشق، ج: 1 ص: 138) من طريق الطبراني هذه،
ولكن: عبد الله بن كيسان، هو أبو مجاهد عبد الله بن كيسان المروزي، وهو كثير الخطأ، لا تقوم به حجة. وابنه إسحاق بن عبد الله بن كيسان أضعف منه، وهو (منكر الحديث) كما قال الإمام البخاري، لا سيما إذا روى عن أبيه؛ وجاء في لسان الميزان (ج1/ص365/ت1134): [إسحاق بن عبد الله بن كيسان المروزي شيخ لعبد العزيز بن المنيب لينه أبو أحمد الحاكم انتهى. وقال البخاري في ترجمة عبد الله بن كيسان: (له ابن يسمى إسحاق منكر الحديث)؛ وقال بن حبان في الثقات: (يتقي حديثه من رواية ابنه عنه)؛ وأورد أيضا في مسند بن عباس من المختارة من رواية إسحاق هذا عن أبيه عن عكرمة عن بن عباس حديثا طويلا في نزول: {إذا جاء نصر الله والفتح}، فتعقبه الصدر الياسوفي فيما رأيت بخطه فقال: (هو من رواية إسحاق عن أبيه وفيهما الضعف الشديد)].
قلت: فظهر بذلك أن قول الهيثمي في (مجمع الزوائد) عند تعقيبه على هذا الحديث: [رجاله ثقات] وهم فاحش. وبذلك تكون لفظة (عراقنا) في الحديث لفظة منكرة (رواية)، أي من حيث الإسناد، لمخالفة الراوية الضعيف للثقات، وهي كذلك منكرة (دراية)، أي من حيث المتن، بقرينة لفظة (المشرق)، والعراق ليس بمشرق المدينة أصلاً، كما حررناه أعلاه، على فرض ثبوت أصل الحديث، أو بعض فقرات الحديث، عن ابن عباس أصلاً، وهو لا يثبت بمثل هذا الإسناد الساقط!!
ولا شك أنه من المحال الممتنع أن يكون العراق المعروف بعينه هو نجد جزيرة العرب المعروف بعينه، لأنهما مكانان معروفان مختلفان منفصلان، ومن المحال أيضاً أن يكون المقصود هو العراق، ويسميه نبي الله الخاتم: نجداً، فيكون قد لبس علينا، ولم يقم بما أوجب الله عليه من البيان الكافي، لا سيما أنه أن خاتمة أنبياء الله، عليه وعلى آله صلوات وتسليمات وتبريكات من الله، وقت لأهل نجد (قرن المنازل) يهلون منه، ووقت لأهل العراق (ذات عرق): فما باله هنا صرح وأبان، وهناك تكلم بالأحاجي والألغاز؟!
فلا بد إذاً من أن أحد ثلاث احتمالات:
(1) اللفظ النبوي هو (نجدنا) في أحاديث، و(مشرقنا) في أحاديث أخر: فلفظة (عراقنا) من أوهام الرواة، أو من روايتهم بالمعنى وفق ظنهم. وهذا هو ما ترشد إليه دراسة الأسانيد وفق أصول هذا الفن؛
(2) اللفظ النبوي هو (عراقنا). ولفظة (نجدنا) من أوهام الرواة، وهذا بعيد جداً، بل هو إلى المحال أقرب؛
(3) اللفظ النبوي هو (مشرقنا). ولفظتا: (نجدنا)، و(عراقنا) كلاهما من تصرفات أو أوهام الرواة، وهذا أيضاً بعيد جداً؛
والاحتمال الأول هو الحق المقطوع به، كما تشهد به الأحاديث التالية، التي تقطع الشك باليقين، وتبرهن أن لفظة (المشرق) قد وردت في أحاديث أخرى، فتداخل الأمر في أذهان بعض الرواة الضعاف أو المتساهلين في الرواية بالمعنى:
* حديث عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر: [رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يشير إلى المشرق، ويقول: (ها: إن الفتنة ههنا، إن الفتنة ههنا، من حيث يطلع قرن الشيطان)]، كما رواه عنه النجوم الثواقب: مالك، وسفيان بن عيينة، وإسماعيل بن جعفر.
وهو مروي بنحوه عن نافع عن عبد الله بن عمر، رواه عنه النجوم الثواقب: عبيد الله بن عمر، وهو في الطبقة العليا من الرواة عن نافع، والبعض يقدمه حتى على مالك وأيوب، وليث بن سعد، وأيوب بن موسى، وهما من أهل المراتب العالية في نافع، وإن كانا دون عبيد الله بن عمر ومالك وأيوب.
وهو مروي بنحوه أيضاً عن سالم بن عبد الله عن أبيه، رواه عنه محمد بن شهاب الزهري، وحسبك به، وعكرمة بن عمار. وأبو خريم عقبة بن أبي الصهباء الباهلي، وعمر بن محمد، وفضيل بن عزوان، وعلي بن زيد بن جدعان قولاً واحداً، واضطرب فيه راوية أو إثنان، كما سيأتي قريباً، إن شاء الله:
* كما هو في الجامع الصحيح المختصر للإمام البخاري، (ج3/ص1195/ح3105): [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يشير إلى المشرق فقال: (ها إن الفتنة ها هنا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان)]، وتجد في الملحق كافة الأسانيد والطرق التي لخصناها أعلاه.
* وعقب الإمام أبو حاتم محمد بن حبان في (صحيح ابن حبان) بعد ذكر الحديث بنحوه قائلاً: [مشرق المدينة هو البحرين ومسيلمة منها وخروجه كان أول حادث حدث في الإسلام]، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: (إسناده صحيح على شرطهما)؛ قول الإمام ابن حبان: (البحرين ومسيلمة منها) ليس بالدقيق، إلا إذا قلنا أنه قصد: جهة البحرين، فهذا صحيح: لأن مسيلمة من اليمامة، وهي من سافلة نجد، وبعدها صحراء الدهناء، ثم (البحرين) التي تسمَّى في أيامنا هذه: (الأحساء)، والناس، في عصرنا هذا، يقتصرون بلفظة (البحرين) على الجزيرة الصغيرة المعروفة.
* وفي (صحيح الإمام مسلم (ج4/ص2229/ح2905)) ذكر المكان الذي تكلم فيه النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بذلك: [وحدثنا عبيد الله بن عمر القواريري ومحمد بن المثني (ح) وحدثنا عبيد الله بن سعيد كلهم عن يحيى القطان (قال القواريري: حدثني يحيى بن سعيد) عن عبيد الله بن عمر حدثني نافع عن بن عمر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قام عند باب حفصة فقال بيده نحو المشرق: (الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان)، قالها مرتين أو ثلاثا]، وقال الإمام مسلم: (وقال عبيد الله بن سعيد في روايته قام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عند باب عائشة).
قلت: الصحيح هو ذكر (عائشة) كما يظهر من مجموع الروايات المتضافرة، وتجد طرفاً منها في الملحق.
* ولكن جاء في الجامع الصحيح المختصر (ج3/ص1130/ح2937): [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جويرية عن نافع عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: قام النبي، صلى الله عليه وسلم، خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال هنا الفتنة ثلاثا من حيث يطلع قرن الشيطان].
قلت: هذا اللفظ: (فأشار نحو مسكن عائشة) تفرد به جويرية عن نافع. وأكثر الرواة يقول: (كان قائما عند باب عائشة)، وجاء أيضاً: (خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من بيت عائشة):
* كما هو في صحيح الإمام مسلم (ج4/ص2229/ح2905): [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن عكرمة بن عمار عن سالم عن بن عمر قال: خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من بيت عائشة فقال: (رأس الكفر من ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان)، يعني المشرق]، وهو بنحوه في مسند الإمام أحمد بن حنبل (ج2/ص26/ح4802)، وغيرهما.
وبتأمل ألفاظ الحديث المختلفة وملابساتها، يظهر الآن – خلافاُ لما قلته في الإصدار القديم – أنه من المستبعد لأن يكون النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال ما قاله، أو قام خطيباُ عند باب عائشة. بل كانت عادته أن بصعد المنبر فيخطب، أو ينفتل من صلاته فيقف في محرابه ويتكلم. ولذلك نرجح أنه خطب (فأشار نحو مسكن عائشة): فإما أن يكون ذكر (باب عائشة) وهماً من بعض الرواة، التبست عليه جملة (أشار نحو مسكن عائشة) بجملة (خرج من مسكن عائشة)؛ أو، وهو الأولى: أن يكون حديث جويرية عن نافع هو الصحيح، ولكن فيه اختصار، والأصل هو: [خرج النبي، صلى الله عليه وسلم، من باب عائشة، فصعد المنبر خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال هنا الفتنة ثلاثا من حيث يطلع قرن الشيطان]، أو نحواً من ذلك، فإن كان هذا صحيحاً فإنه يعني أن النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، خرج من بيت عائشة متوجها إلى المنبر فمخاطباً الحضور فوراً، وهذا يدل على الاهتمام والاستعجال، فكأنه جاءه وحي بذلك تلك الساعة.
* وكذلك جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل، (ج2/ص143/ح6302): [حدثنا بن نمير حدثنا حنظلة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن بن عمر قال: رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يشير بيده يؤمالعراق ها ان الفتنة ههنا ها ان الفتنة ههنا ثلاث مرات من حيث يطلع قرن الشيطان]
قلت: هذه تفرد بها عبد الله بن نمير عن حنظلة، خالفه إسحاق بن سليمان العبدي الرازي، فرواه بلفظ (المشرق)، كما هو عند الإمام مسلم في الصحيح من طريق محمد بن عبد الله بن نمير عن إسحاق بن سليمان العبدي الرازي!
وكنا قد تعجلنا فحكمنا على لفظة (العراق) بالشذوذ وذلك لما يظهر من متابعة الروايات الأخرى عن سالم بن عبد الله بن عمر، رضوان الله عليهم، من غير طريق حنظلة، والصحاح منها تجمع كلها على لفظة: (المشرق) أو (من حيث يطلع قرن الشيطان)، وليس فيها لفظة (العراق) البتة، كما هو في رواية الإمام محمد بن شهاب الزهري (وهو أجل وأحفظ وأثبت من حنظلة)، وكل من: عكرمة بن عمار. وعقبة بن أبي الصهباء أبو خريم الباهلي، وعمر بن محمد، وفضيل بن غزوان، وكلهم ثقات مشاهير، وكذلك علي بن زيد بن جدعان (وليس هو بالقوي). وقلنا، أيضاً آنذاك: فهذه نصوص صريحة على صحة وثبوت لفظة: (المشرق) عن رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ونحن نستدرك الآن فنقول: الذي يظهر أن أصل حديث بن عمر هو: [خرج النبي، صلى الله عليه وسلم، من باب عائشة، فصعد المنبر خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال هنا الفتنة ثلاثا من حيث يطلع قرن الشيطان]، أو نحواً من ذلك، ومسكن عائشة هو في الشمال الشرقي من المحراب أو المنبر: فذكره نافع عن عبد الله بن عمر هكذا صراحة في بعض المرات، وترجمه إلى: المشرق في أكثر المرات، وأما سالم فجعله نحو العراق، ولا لوم عليه في ذلك لأن جانب العراق الجنوبي هو إلى الشمال الشرقي من المدينة، ونصفه الشمالي يكاد أن يكون شمال المدينة خالصاً، ولا ننتظر من سالم، أو غيره من أهل ذلك العصر، أن يكون لهم علم بالمساحة الأرضية والجغرافيا أكثر من ذلك. ولذلك لا نستغرب أن تأتي بعض من الروايات عن سالم بلفظ: (العراق).
* وجاء إيضاح الإشكالات في صحيح الإمام مسلم (ج4/ص2229/ح2905): [حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان وواصل بن عبد الأعلى وأحمد بن عمر الوكيعي (واللفظ لابن أبان) قالوا: حدثنا ابن فضيل عن أبيه قال: سمعت سالم بن عبد الله بن عمر يقول: (يا أهل العراق، ما أسألكم عن الصغيرة، وأركبكم للكبيرة: سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: (إن الفتنة تجيء من هاهنا)، وأومأ بيده نحوالمشرق، (من حيث يطلع قرنا الشيطان!). وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض؛ وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ فقال الله عز وجل له: {وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا}]. وقال الإمام مسلم: (قال: أحمد بن عمر في روايته عن سالم لم يقل سمعت)، وهو بعينه في (مسند أبي يعلى) وقال الشيخ حسين أسد: (إسناده صحيح)، قلت: نعم هو كذلك، وهو أيضاً على شرط مسلم!
قلت: أما توبيخ سالم بن عبد الله بن عمر لأهل العراق، كما جاء في الحديث الصحيح، آنف الذكر، فإنما هو رأي واجتهاد من سالم فقط، فليس هو إذاً حجة، وإنما الحجة في روايته، لا في رأيه؛ وهو قد روى صراحة: (وأومأ بيده نحو المشرق). فلعل سالماً توهم أن الحديث ينطبق على العراق لأنه ظنه، كما أسلفنا، شرق المدينة محضاً، وهو ليس كذلك يقيناً، والله أعلم.
وبهذا تتضح المسألة، وتنجلي الإشكالية، بأن لفظة (العراق) إنما هي في الأصل من سالم بن عبد الله بن عمر، الذي ضاق ذرعاً بتقاتل أهل العراق في عصره، فوبخهم على ذلك، وهو محق في هذاً التوبيخ، وظن أن الحديث ينطبق عليهم، فذكره لهم، وهو مخطئ في هذا التطبيق، لأن التقاتل موجود في كل أنحاء الدنيا، شرقاً وغرباً، شاماً ويمناً؛ وإنما تميزت نجد (مشرق المدينة)، والمشرق الأقصى بزيادة من ذلك فاحشة، تفوق ما يوجد في غيرها من الأقطار، كما سيأتي مزيد بيان له.
وربما كابر بعض الزاعمين بان المقصود هو: (العراق)، فاحتج بالحديث التالي:
* الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (ج6/ص2541/ح6535): [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد حدثنا الشيباني حدثنا يسير بن عمرو قال قلت لسهل بن حنيف هل سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول في الخوارج شيئا قال سمعته يقول، وأهوى بيده قبل (العراق)، يخرج منه قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية]؛
ــ وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير (ج6/ص91/ح5608): [حدثنا زكريا بن يحيى الساجي حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب (ح) وحدثنا محمد بن حيان المازني حدثنا محمد بن عبيد بن حساب (ح) وحدثنا أبو حصين القاضي حدثنا يحيى الحماني قالوا حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا سليمان الشيباني حدثنا يسير بن عمرو قال قلت لسهل بن حنيف هل سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول في الخوارج شيئا قال سمعته يقول وأهوى بيده نحو (العراق) يخرج بينهم قوم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية]؛
فنقول: جملة: (أهوى بيده قبل (العراق) من كلام سهل بن حنيف، وفق فهمه لإشارة النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ فقد يكون مصيباً، وقد يكون مخطئاً في تقدير الاتجاهات، كما كان هو الحال بالنسبة لسالم بن عبد الله بن عمر. والصحيح أنه مخطئ بشهادة الحديث التالي:
* الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (ج6/ص2749/ح7123): [حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ، يُحَدِّثُ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ (المَشْرِقِ)، وَيَقْرَؤونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لاَ يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ»، قِيلَ: (مَا سِيمَاهُمْ؟)، قَالَ: «سِيمَاهُمْ التَّحْلِيقُ»، أَوْ قَالَ:«التَّسْبِيدُ»]؛ وهو بعينه فس شرح السنة للبغوي (10/234/2558): [أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ به]، وعقَّب محي السنة قائلاً: (التَّسْبِيدُ: هُوَ الحَلْقُ وَاسْتِئْصَالُ الشَّعْرِ، وَيُقَالُ: هُوَ تَرْكُ التَّدَهُّنِ وَغَسْلِ الرَّأْسِ. رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسَ قدِمَ مَكَّةَ مُسَبِّدًا رَأْسَهُ، وَأَرَادَ تَرْكَ التَّدَهُّنِ وَغَسْلِ الرَّأْسِ)؛
ــ وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (ج3/ص64/ح11632) بلفظ: [حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «يَخْرُجُ أُنَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ، حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ عَلَى فُوقِهِ» قِيلَ: (مَا سِيمَاهُمْ؟)، قَالَ: «سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ وَالتَّسْبِيتُ»]
ــ وبنحوه أبو يعلى في مسنده (ج2/ص409/ح1193): [حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، بنحوه]؛
فنقول: أولاً: جملة: (يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ (المَشْرِقِ)) فإنما هي من كلام المعصوم، صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ وهذا قطعاُ أولى بالتقديم من فهم سهل بن حنيف لإشارته، صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛
وثانياً: لا يشك أحد في العالم أن أبا سعيد الخدري، رضي الله عنه، أحفظ وأثبت وأتقن وأوسع رواية من سهل ين حنيف، رضي الله عنه؛ وأبو سعيد معروف بالتشدد في الرواية باللفظ؛ وكذلك لا يشك أحد أن معبد بن سيرين أشهر وأوثق من يسير (أو: أسير) بن عمرو؛ والإمام محمد بن سيرين من رؤوس الحفظ والتثبت والإتقان؛ وهو أيضاً معروف بالتشدد في الرواية باللفظ، بل ورفض الرواية بالمعنى، ولا شك أنه فوق أبي إسحاق سليمان بن أبي سليمان الشيباني؛ ومهدي بن ميمون ليس بدون عبد الواحد بن زياد، بل لعله فوقه؛ فهذا الإسناد إذاً أصح وأولى بالتقديم من إسناد حديث سهل بن حنيف؛
وثالثاً: إن كان أبو سعيد الخدري سمع من النبي ، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، في مناسبة أو جلسة غير التي سمع فيها سهل بن حنيف، فحيثه زيادة بيان وإيضاح لإشارة النبي ، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، التي ربما كانت نحو بيت عائشة، فأساء سهل بن حنيف فهمها. وأما إن كانا سمعا ذلك في نفس الجلسة فرواية أبي سعيد برهان على أن سهلاً لم يحفظ كما ينبغي: فهو لم يحفظ تمام اللفظ النبوي، ولعله لم يحفظ أو يفهم الإشارة على وجهها.
ويؤيد قولنا هذا:
* ما جاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم (4/556/8558): [أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْعَنَزِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: خَرَجْتُ حَاجًّا، فَقَالَ لِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَتَرٍ قَاضِي أَهْلِ مِصْرَ: أَبْلِغْ أَبَا هُرَيْرَةَ مِنِّي السَّلَامَ، وَأَعْلِمْهُ أَنِّي قَدِ اسْتَغْفَرْتُ الْغَدَاةَ لَهُ وَلِأُمِّهِ، فَلَقِيتُهُ فَأَبْلَغْتُهُ، قَالَ: وَأَنَا قَدِ اسْتَغْفَرْتُ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: (كَيْفَ تَرَكْتُمْ أُمَّ حَنْو، يَعْنِي مِصْرَ؟)، قَالَ: فَذَكَرْتُ لَهُ مِنْ رَفَاهِيَتِهَا وَعَيْشِهَا، قَالَ: (أَمَا إِنَّهَا أَوَّلُ الْأَرْضِ خَرَابًا، ثُمَّ أَرْمِينِيَةُ، قُلْتُ: (سَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم؟)، قَالَ: لَا؛ وَلَكِنْ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: «إِنَّهَا تَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَخِيَارُ أَهْلِ الْأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ، وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا تَلْفِظُهُمْ أَرْضُوهُمْ، وَتُقَذِّرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ فَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ»؛ وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: «يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ (الْمَشْرِقِ) يَقْرَأُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا قُطِعَ قَرْنٌ نَشَأَ قَرْنٌ، حَتَّى يَخْرُجَ فِي بَقِيَّتِهِمُ الدَّجَّالُ»]، ثم قال الإمام الحاكم: (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ؛ فَقَدِ اتَّفَقَا جَمِيعًا عَلَى أَحَادِيثِ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيِّ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ)؛
قلت: إنما أخرج البخاري لموسى بن علي بن رباح اللخمي المصري وأبيه في الأدب المفرد فقط؛ وكلاهما ثقة صدوق؛ ولكن في أبي صالح عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني، كاتب الليث نزاع معروف. ولكن هذا لا يضر ها هنا لورود الحديث من طريق مستقلة تمام الاستقلال:
* فقد جاء في مسند أبي داود الطيالسي (4/48/2407): [حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: أَتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو نَوْفًا فَقَالَ: حَدِّثْ، فَإِنَّا، قَدْ نُهِينَا عَنِ الْحَدِيثِ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأُحَدِّثَ وَعِنْدِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: «سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، يَخْرُجُ خِيَارُ الْأَرْضِ إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا، تَلْفِظُهُمْ أَرْضُوهُمْ وَتَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ، وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ»؛ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: «يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ (الْمَشْرِقِ) يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا قُطِعَ قَرْنٌ نَشَأَ قَرْنٌ كُلَّمَا قُطِعَ قَرْنٌ نَشَأَ قَرْنٌ كُلَّمَا قُطِعَ قَرْنٌ نَشَأَ قَرْنٌ ثُمَّ يَخْرُجُ فِي بَقِيَّتِهِمُ الدَّجَّالُ»]؛ وهو في إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة (8/118/7622)، ثم قال: (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ مِنْه: “يَخْرُجُ نَاسٌ… ” إِلَى آخِرِهِ دُونَ بَقِيَّتِهِ).
ــ وهو بأتم لفظ في تاريخ دمشق لابن عساكر (1/161): [أخبرنا أبو القاسم بن الحصين حدثنا أبو علي بن المذهب أخبرنا أبو بكر بن مالك حدثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي حدثنا أبو داود (وعبد الصمد المعني)، قالا: حدثنا هشام عن قتادة عن شهر قال أتى عبد الله بن عمرو على نوف يعني البكائي، وهو يحدث فقال حدث فإنا قد نهينا عن الحديث فقال ما كنت لأحدث وعندي رجل من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم من قريش فقال عبد الله بن عمرو سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول ستكون هجرة بعد هجرة بخيار الأرض قال عبد الصمد لخيار الأرض إلى مهاجر إبراهيم فيبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم الأرضون وتقذرهم نفس الله عز وجل وتحشرهم النار مع القردة والخنازير ثم قال حدث فإنا قد نهينا عن الحديث فقال ما كنت لأحدث وعندي رجل من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم من قريش فقال عبد الله بن عمرو سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول يخرج قوم من قبل (المشرق) يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم كلما قطع قرن نشأ قرن كلما قطع قرن نشأ قرن حتى يخرج في بقيتهم الدجال]؛
ــ وهو باختصار في المعجم الكبير للطبراني (ج13-14/ص618/ح14540): [حدثنا محمَّد بن علي الصَّائغ، حدثنا بكر بن خَلَف، حدثنا معاذُ بن هشام، حدثني أبي، عن قَتادة، عن شَهْر بن حَوْشَب، عن عبد الله بن عَمرو، قال: سمعتُ النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، يقول: «يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ (المَشْرِقِ)، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا قُطِعَ قَرْنٌ نَشَأَ قَرْنٌ، حَتَّى يَكُونَ مَعَ بَقِيَّتِهِمُ الدَّجَّالُ»]؛ وبعينه في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (6/230/10417)، ثم قال: (رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ)؛ قلت: بل هو إلى الصحيح أقرب لعدم صحة الكلام في شهر بن حوشب.
| فصل: روايات مؤيدة لحديث الباب
* ويؤيده (أي حديث الباب)، ويزيده بياناً، أيضاً حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري: [أشار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بيده نحو اليمن فقال: (الإيمان يمان ها هنا؛ ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر)]
* كما هو في الجامع الصحيح المختصر (ج3/ص1202/ح3126): [حدثنا مسدد، حدثنا يحيى عن إسماعيل قال: حدثني قيس عن عقبة بن عمرو أبي مسعود قال: أشار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بيده نحو اليمن فقال: (الإيمان يمان ها هنا؛ ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر)]؛ وأخرجه البخاري في صحيحه (ج3/ص1289/ح3307)؛ ومسلم في صحيحه (ج1/ص71/ح51)؛ والحميدي في مسنده (ج1/ص217/ح458)؛ والإمام أحمد بن حنبل في مسنده (ج4/ص118/ح17107)، و(ج5/ص273/ح22397)؛ والطبراني في معجمه الكبير (ج17/ص209/ح565)، و(ج17/ص209/ح566)، و(ج17/ص209/ح567)، و(ج17/ص210/ح568)، و(ج17/ص212/ح577)؛ والقضاعي في مسند الشهاب (ج1/ص129/ح163)؛ وابن حنبل في فضائل الصحابة (ج2/ص862/ح1608)؛ وربما غيرها.
قلت: وهذا الحديث أكثر صراحة في ذكر (نجد) جزيرة العرب، فهي:
(1)ــ أرض الفدادين، رعاء الإبل. والعراق أرض زراعة وصناعة وتجارة، وما كانت آنذاك أرضاً لرعاء الإبل، ولا هي كذلك الآن؛
(2)ــ و(نجد) جزيرة العرب، هي بلاد ربيعة ومضر. وليس بالعراق آنذاك من مضر أحد يعتد به. وفي أقصى جنوبه (المناطق التي يسمونها الكويت وما حولها) يسكن بعض بني شيبان، من ربيعة، رهط المثنى بن حارثة الشيباني، رضي الله عنه؛ وفي أقصى شماله الغربي، من جهة الجزيرة، بطون من تغلب، إلا أن الجزيرة تعتبر في العادة شامية، وليست عراقية. أما العراق فعامة أهله من الفرس والأكراد والنبط (وهؤلاء، في الأرجح، من أصول سامية وقحطانية قديمة)، ثم بطون من قبائل اليمن.
* ويؤيده حديث أبي هريرة: وتمام نصه، كما هو من مجموع الروايات الصحيحة في البخاري ومسلم وغيرهما، التي تجدها في الملحق، إذا ألفت تأليفاً صحيحاً: [لما نزلت: {إذا جاء نصر الله والفتح}، قال: النبي، صلى الله عليه وسلم: (أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوباً وأرق أفئدة: الإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان؛ السكينة والوقار في أهل الغنم؛ والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل؛ والجفاء والقسوة وغلظ القلوب في الفدادين أهل الوبر عند أصول أذناب الإبل من ربيعة ومضر، ورأس الكفر نحو المشرق)]؛(وجاءت رواية صحيحة بزيادة: وأجد نفس الرحمن من قبل اليمن)؛
ورواه كذلك العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه، وزاد فيه (أي: العلاء): [ويأتي المسيح من قبل المشرق وهمته المدينة، حتى إذا جاء دبر أحد تلقته الملائكة: فضربت وجهه (وقال مرة: صرفت وجهه) قبل الشام هنالك يهلك، هنالك يهلك!]؛ وهي زيادة صحيحة على شرط الإمام مسلم، وقد أخرجها الإمام مسلم.
وهو كالمتواتر عن أبي هريرة، رواه: الأعرج، وأبو صالح ذكوان، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ومحمد بن سيرين، وسعيد بن المسيب، وهمام بن منبه، وأبو مصعب هلال بن يزيد المازني البصري، وأبو الغيث سالم مولى أبي مطيع المدني، وأبو رزين مسعود بن مالك الأسدي الكوفي، وثابت بن الحارث، وأبو روح شبيب بن نعيم، وموسى بن مطير عن أبيه.
قلت: وهذا الحديث الصحيح الصريح كسابقه ينص على (نجد) المعروفة، نجد جزيرة العرب، ولكن فيه زيادة فائدة تبين أن المسيح الدجال هو أحد ما تصدق عليه جملة: (رأس الكفر نحو المشرق)، فيكون المشرق ها هنا هو المشرق الأقصى من بلاد الترك، وما وراء النهر، حيث يخرج عدو الله الأعور الدجال، لعنه الله.
وأهل اليمن هنا، كما يدل عليه مجموع الروايات، وسيأتي طرف طيب منها، هم جميع قبائل اليمن، وليس فقط الأنصار، ولا هم أهل تهامة، كما ظنه الإمام سفيان بن عيينة عندما قال: (وإنما يعني قوله أتاكم أهل اليمن أهل تهامة لأن مكة يمن وهي تهامة وهو قوله الإيمان يمان والحكمة يمانية).
وهناك أحاديث كثيرة جداً، مؤيدة لما سبق، يصعب حصرها، فلعلنا نجتزئ بالأهم منها، مع مناقشة أهم طرقها في الملحق:
* حديث جابر بن عبد الله: (الإيمان في أهل الحجاز، والقسوة وغلظ القلوب قبل المشرق في ربيعة ومضر)، بإسناد صحيح.
* وحديث بشر بن حرب عن عبد الله بن عمر: (اللهم بارك لنا في مدينتنا وفي صاعنا ومدنا ويمننا وشامنا ثم استقبل مطلع الشمس فقال: من ههنا يطلع قرن الشيطان، من ههنا الزلازل والفتن)،
قلت: بشر بن حرب صدوق، ولكنه ليس بالقوي، والظاهر أنه أدخل حديثاً في حديث، أو تساهل في الرواية بالمعنى، وربما كان هذا من حماد بن سلمة، لأن حماد بن زيد، وهو أقوى وأثبت، خالفه، كما هو في الملحق.
* وحديث أبي سعيد الخدري: (أهل اليمن أرق أفئدة وألين قلوبا) بإسناد جيد.
* وحديث آخر عن أبي سعيد الخدري: [افتخر أهل الإبل عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (السكينة والوقار في أهل الغنم، والفخر والخيلاء في أهل الإبل)]
* وأثر عبد الله بن مسعود: [الإيمان يمان]، بإسناد صحيح.
* وحديث أنس بن مالك: [الإيمان يمان (هكذا إلى لخم وجذام) والجفاء في هذين الحيين من ربيعة ومضر]، بإسناد صحيح.
* وحديث آخر لأنس بن مالك: [قد أقبل أهل اليمن وهم أرق قلوبا منكم: فهم أول من جاء بالمصافحة]، بإسناد صحيح على شرط مسلم.
* وحديث عقبة بن عامر: [أهل اليمن أرق قلوبا وألين أفئدة وأنجع طاعة]، بأسانيد حسنة جياد.
* وحديث آخر لعقبة بن عامر (وربما عن عبد الله بن مسعود): [الإيمان يمان؛ ومضر عند اذناب الإبل] بإسناد جيد.
* وحديث جبير بن مطعم: [آتاكم أهل اليمن كقطع السحاب خير أهل الأرض]، بإسناد حسن، لا بأس به.
* وحديث أبي كبشة الأنماري: [الإيمان يمان، والحكمة ههنا إلى لخم وجذام]، بإسناد صحيح.
* وحديث بن عباس: [قوم رقيقة قلوبهم، لينة قلوبهم، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية]؛ بإسناد قوي.
* وحديث عثمان بن عفان: [الإيمان يمان: ورحى الإسلام في قحطان].
* وحديث عبادة بن الصامت: [«الْإِيمَانُ يَمَانٍ، وَهَكَذَا إِلَى جُذَامَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَى جُذَامَ، يُقَاتِلُونَ الْعَدُوَّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عَلَى شَعَفَ الْجِبَالِ»]، بإسناد حسن قوي، والحديث صحيح بشواهده ومتابعاته.
* وحديث روح بن زنباع: [الإيمان يمان]، بإسناد جيد.
* وحديث معاذ بن جبل: [بعثتك إلى قوم رقيقة قلوبهم]، وأمره أن ينزل بيم السكون والسكاسك.
عباس بن الوليد
وهناك روايات أخرى حول هذا الموضوع، منها:
* ما جاء في الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (4/264/2279) بإسناد صحيح: [حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حدثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ، عَنْ ثَوْبَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «إِنِّي عِنْدَ عُقْرِ حَوْضِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَذُودُ عَنْهُ النَّاسَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ»]
* وما جاء في الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (4/265/2280): [حَدَّثَنَا الْحَوْطِيُّ، وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ بُحَيْرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ السَّلَمِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْعَنْ أَهْلَ الْيَمَنِ: فَإِنَّهُمْ شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ، كَثِيرَةٌ عَدَدُهُمْ، حَصِينَةٌ حُصُونُهُمْ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: «لَا» ثُمَّ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، الْأَعْجَمَيْنِ فَارِسَ وَالرُّومَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَرُّوا بِكُمْ يَعْنِي أَهْلَ الْيَمَنِ يَسُوقُونَ نِسَاءَهُمْ وَيَحْمِلُونَ أَبْنَاءَهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ فَإِنَّهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ»]؛ ولا خوف إلا من تدليس بقية، وتدليسه قبيح في العادة، ولكني استخير الله وأقول: لم يدلس هاهنا، لأن المتن في غاية الجودة والنظافة، والحديث صحيح إن شاء الله.
* وجاء في الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (4/266/2286): [حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ لَقِيطٍ التُّجْيبِيِّ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَوْدٍ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ قَيْسٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو نَجِيحٍ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ قَبَائِلَ؟» قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (السَّكَاسِكُ وَالسُّكُونُ () كِنْدَةُ، وَإِلَّا مُلُوكَ مُلُوكِ رَدْمَانَ، وَفِرَقًا مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ، وَفِرَقًا مِنْ خَوْلَانَ)]؛ كأن هناك سقط ()، فلعله: (و)، ولفظة: (وَإِلَّا) ها هنا نافية استثنائية، بمعنى: (غير)، أو بمعني: (ليس)، والله أعلم؛ فلعل تأويل الكلام هو: (خَيْرِ القَبَائِلِ: السَّكَاسِكُ وَالسُّكُونُ وَكِنْدَةُ، ليس مُلُوكَ مُلُوكِ رَدْمَانَ، وَفِرَقًا مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ، وَفِرَقًا مِنْ خَوْلَانَ)؛ وستأتي تسمية بعض أولئك الملوك الأشرار الذين استثناهم نبي الله، عليه وعلى آله صلوات وتسليمات وتبريكات من الله، والملوك كلها أثرة وشر وجبروت: لا ملك إلا الله.
* وهناك أيضاً مراسيل في هذا الموضوع، منها:
* ما جاء في الآحاد والمثاني (ج5/ص271/ح2797): [حدثنا أبو بكر أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حماد بن سلمة عن جبلة بن عطية عن عبد الله بن عوف رضي الله تعالى عنه أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (الإيمان يمان في حِنْدِس وجذام)]؛ وأخرجه الإمام أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه (ج6/ص407/ح32437)؛ قلت: هذا إسناد صحيح إلى عبد الله بن عوف، ولكنه مرسل: عبد الله بن عوف ليست له صحبة، في الأرجح؛ وأما (حِنْدِس) فلم أعرفها من القبائل، ولم أجدها مذكورة في غير هذا الحديث مطلقاً، فإن لم تكن تصحيفاً، فلعلها بطن من لخم لكثرة ذكر لخم وجذام مقترنتين؛ وأما لغة: (فالحِنْدِسُ: الظُّلْمَة، وَفِي الصِّحَاحِ: اللَّيْلُ الشَّدِيدُ الظُّلْمَةِ) كذا نصاً من لسان العرب (6/58)؛ وأيضاً في نفس الصفحة: (وَلَيْلَةٌ حِنْدِسَة، وَلَيْلٌ حِنْدِس: مُظْلِمٌ. والحَنادِسُ: ثَلَاثُ ليالٍ مِنَ الشهرْ لِظُلْمَتِهِنَّ، وَيُقَالُ دَحامِسُ. وأَسْوَدُ حِنْدِسٌ: شَدِيدُ السَّوَادِ، كَقَوْلِكَ أَسْوَدُ حالِكٌ)؛ ووجدنا أيضاً في تكملة المعاجم العربية (3/348): [حَنْدُس: حَنْدُوس: صُفْر، نحاس أصفر]
* وما جاء في فضائل الصحابة (ج2/ص866/ح1619): [حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: (الإيمان يمان، إلى ههنا)، وأشار بيده حتى جذام، (صلوات الله على جذام)]، قلت: هذا مرسل صحيح الإسناد إلى قتادة؛ وهو في حقيقته متصل بواسطة عمير بن هانئ إلى عبادة بن الصامت، كما سلف.
* وما جاء أيضاً في فضائل الصحابة (ج2/ص867/ح1622): [حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الله بن الحارث قال: حدثني حنظلة أنه سمع طاوسا يقول: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوبا وأرق أفئدة. الإيمان يمان، والحكمة يمانية)، قال: حنظلة فقلت يا أبا عبد الرحمن ما يعد اليمن قال: المدينة]، قلت: وهذا أيضاً مرسل صحيح الإسناد إلى طاوس.
ولحسم ماهية (اليمن) المقصود في الأحاديث حسما نهائياً يقينياً، إليك حديث عمرو بن عبسة الطويل الصحيح الغريب:
* كما أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (ج4/ص387/ح19463) بإسناد صحيح: [حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، قال: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بْن
...
منقول