الخميس، 7 ديسمبر 2023

أخبار في تعامل النبي ﷺ مع البعير

بسم الله الرحمن الرحيم 
(١) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يَسْنُون عليه -أي يحملون عليه الماء- وأنه استصعب عليهم فمنعهم ظهره، وأن الأنصار جاءوا إلى رسول الله ﷺ فقالوا: «إنه كان لنا جمل نسني عليه وأنه استصعب علينا ومنعنا ظهره، وقد عطش الزرع والنخل». فقال رسول الله ﷺ لأصحابه: «قوموا» فقاموا فدخل الحائط والجمل في ناحيته، فمشى النبي ﷺ نحوه. فقالت الأنصار: «يا رسول الله إنه قد صار مثل الكَلْب الكَلِب -أي المسعور- وإنا نخاف عليك صولته». فقال: «ليس عليَّ منه بأس». فلما نظر الجمل إلى رسول الله ﷺ أقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه، فأخذ رسول الله ﷺ بناصيته أذلَّ ما كانت قط حتى أدخله في العمل. فقال له أصحابه: «يا رسول الله هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك ونحن أحق أن نسجد لك».
فقال: «لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عِظَم حقه عليها، والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مَفْرِق رأسه قَرحةً تتفجَّر بالقيح والصديد ثم استقبلته فلَحِسته ما أدَّت حقَّه» [أخرجه الإمام أحمد] 
قال ابن كثير: «وهذا إسناد جيد، وقد روى النسائي بعضه»

(٢) وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: أردفني رسول الله ﷺ خلفه ذات يوم، فأسرَّ إليَّ حديثًا لا أحدِّث به أحدًا من الناس، وكان أَحَبُّ ما استتر به رسول الله ﷺ لحاجته ‏هَدَفًا ‏أَوْ ‏حَائِشَ نَخْلٍ، قال: فدخل حائطًا لرجل الأنصار فإذا جملٌ، فلما رأى النبي ﷺ حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه النبي ﷺ فمسح ذِفْرَاهُ فسكت، فقال: «من ربُّ هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟»، فجاء فتى من الأنصار فقال: «لي يا رسول الله».
فقال: «أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّكك الله إياها؟ فإنه شكا إليَّ أنك تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ» [رواه ابو داود]. 

(٣) وفي رواية للإمام أحمد أخرجها بإسناده مرة عن يزيد ومرة عن ‏بَهْزٍ ‏وَعَفَّانٍ عن سيدنا عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: «أردفني رسول الله ﷺ ذات يوم خلفه فأسرَّ إليَّ حديثًا لا أخبر به أحدًا أبدًا، وكان رسول الله ﷺ أحَبُّ ما استتر به في حاجته هَدَفٌ أو حَائِشُ نخل، فدخل يوما حائطًا من حِيطَانِ الأنصار فأتى جمل قد أتاه فجَرْجَرَ وذرفت عيناه». وقال ‏بَهْزٌ ‏ ‏وَعَفَّانُ: «فلما رأى رسول الله حَنَّ وذرفت عيناه، فمسح رسول الله ﷺ سَرَاتَهُ وَذِفْرَاهُ فسكن، فقال: "من صاحب الجمل؟" فجاء فتى من الأنصار فقال: "هو لي يا رسول الله". فقال: "أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّككها الله لك إنه، شكا إليَّ أنك تُجِيعه وَتُدْئِبُهُ"». 
الهَدَفٌ: ما ارتفع من الأرض مما يستر الإنسان. 
حَائِشُ النخل: النخل الملتف المجتمع كأنه لالتفافه يحوش بعضه بعضًا وهو ساتر لقضاء الحاجة.
فَجَرْجَر: من الجرجرة وهي تردد الصوت في حلق البعير. 
حَنَّ: رَجَّعَ صوته وبكى بكاء الإبل فقدًا لولدها
سَرَاتَهُ: ظهره
ذِفْرَاهُ: أعلى رقبة البعير إلى أصل أذنيه. 
تُدْئِبُهُ: من الدأب، أي تكثر عليه العمل وتنهكه.

(٤) وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أقبلنا مع رسول الله ﷺ من سفر حتى إذا دُفِعنا إلى حائط من حيطان بني النجار إذا فيه جمل لا يدخل الحائط أحد إلا شدَّ عليه، قال: فذكروا ذلك لرسول الله ﷺ، فجاء حتى أتى الحائط فدعا البعير فجاء واضعًا مِشْفَرِه إلى الأرض حتى برك بين يديه.
قال: فقال رسول الله ﷺ: «هاتوا خِطًاما» فخطمه ودفعه إلى صاحبه.
قال: ثم التفت إلى الناس فقال: «إنه ليس شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله إلا عاصي الجن والإنس» [أخرجه الإمام أحمد]

(٥) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء قوم إلى رسول الله فقالوا: «يا رسول الله إن لنا بعيرًا قد ندَّ -أي تمرَّد علينا- في حائط». فجاء إليه رسول الله ﷺ فقال: «تعال»، فجاء مطأطئا رأسه حتى خَطَمه، وأعطاه أصحابه. فقال له أبو بكر الصديق: «يا رسول الله كأنه علم أنك نبي». فقال رسول الله ﷺ: «ما بين لابَتَيها أحدٌ إلا يعلم أني نبي الله إلا كفرة الجن والإنس» [أخرجه الطبراني]
اللَّابة: الحَرَّة من الأرض، لابَتَيها: حرَّتي المدينة المنورة، أو السموات والأرض. 

(٦) وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا من الأنصار كان له فحلان فاغتلما -هاجا وتمرَّدا- فأدخلهما حائطًا فسد عليهما الباب، ثم جاء إلى رسول الله ﷺ فأراد أن يدعو له، والنبي قاعد معه نفر من الأنصار.
فقال: «يا نبي الله إني جئت في حاجة، فإن فَحْلَين لي اغتلما، وإني أدخلتهما حائطًا وسددت عليهما الباب، فأحب أن تدعو لي أن يسخرهما الله لي». فقال لأصحابه: «قوموا معنا»، فذهب حتى أتى الباب فقال: «افتح»، فأشفق الرجل على النبي ﷺ، فقال: «إفتح»، ففتح الباب فإذا أحد الفحلين قريبًا من الباب فلمَّا رأى رسول الله ﷺ سجد له. فقال رسول الله: «إئتِ بشيء أشدُّ رأسه وأمكِّنك منه»، فجاء بخطام فشدَّ رأسه وأمكنه منه، ثم مشى إلى أقصى الحائط إلى الفحل الآخر فلما رآه وقع له ساجدًا. فقال للرجل: «إئتني بشيء أشدُّ رأسه» فشدَّ رأسه وأمكنه منه.
فقال: «إذهب فإنهما لا يعصيانك».
فلما رأى أصحاب رسول الله ﷺ ذلك قالوا: «يا رسول الله، هذان فحلان سجدا لك، أفلا نسجد لك؟»، قال: «لا آمر أحدًا أن يسجد لأحد، ولو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» [رواه الطبراني، وأبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه في دلائله]، وأبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه من شيوخ الحاكم توفي سنة ٣٨٩هـ. 

(٧) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: انطلقنا مع رسول الله ﷺ إلى ناحية، فأشرفنا إلى حائط فإذا نحن بناضِحٍ -البعير الذي يستعمل في نقل الماء- فلما أقبل الناضح رفع رأسه فبَصُر برسول الله ﷺ فوضع جِرانَه -أسفل عنقه- على الأرض. فقال أصحاب رسول الله ﷺ: «فنحن أحق أن نسجد لك من هذه البهيمة». فقال: «سبحان الله! أدون الله؟ ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد دون الله، ولو أمرت أحدًا أن يسجد لشيء من دون الله عز وجل لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» [رواه أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه في دلائله]

(٨) وعن أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ كان في نفر من المهاجرين والأنصار فجاء بعير فسجد له. فقال أصحابه: «يا رسول الله، تسجد لك البهائم والشجر فنحن أحق أن نسجد لك!». فقال: «اعبدوا ربَّكم، وأكرموا أخاكم، ولو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولو أمرها أن تنقل من جبلٍ أصفر إلى جبلٍ أسود، ومن جبلٍ أسود إلى جبل أبيضٍ كان ينبغي لها أن تفعَلَه» [رواه الإمام أحمد].

(٩) وعن يعلى بن سِيَابَةَ رضي الله عنه قال: كنت مع النبي ﷺ في مسير له فأراد أن يقضي حاجته فأمر وَدْيَتَيْنِ -نخلتين صغيرتين- فانضمت إحداهما إلى الأخرى، ثم أمرهما فرجعتا إلى منابتهما، وجاء بعير فضرب بجِرانِه إلى الأرض ثم جَرْجَرَ -بكى بكاء البعير- حتى ابتلَّ ما حوله. فقال رسول الله ﷺ: « أتدرون ما يقول البعير؟ إنه يزعُم أن صاحبه يريد نحره». فبعث إليه رسول الله ﷺ فقال: «أواهبه أنت لي؟»
فقال: «يا رسول الله، مالي مال أحبَّ إليَّ منه»، فقال: «استوصِ به معروفًا»، فقال: «لَا جَرَمَ لا أُكْرِمُ مَالًا لِي كَرَامَتُهُ يا رسول الله».
قال: وأتى على قبر يعذب صاحبه، فقال: «إنه يعذَّب في غير كبير»، فأمر بجريدة فوضعت على قبره وقال: «عسى أن يخفف عنه ما دامت رطبة» [رواه الإمام أحمد]

(١٠) وعن يعلى بن مرة الثقفي رضي الله عنه قال: ثلاثة أشياء رأيتهن من رسول الله ﷺ: بينا نحن نسير معه إذ مررنا ببعير يُسْنَى عليه -يُحمَل عليه الماء- فلما رآه البعير جَرْجَرَ ووضع جِرَانَهُ، فوقف عليه النبي ﷺ فقال: «أين صاحب هذا البعير؟»
فجاء، فقال له: «بِعْنِيهِ»
فقال: «لا، بل أهبه لك».
فقال: «لا، بل بِعْنِيهِ».
قال: «لا بل نهبه لك، إنه لأهل بيت ما لهم معيشة غيره».
قال: «أمَا إذ ذكرتَ هذا من أمره، فإنه شكا لكثرة العمل، وقلة العلف فأحسنوا إليه».
قال: ثم سرنا فنزلنا منزلا فنام رسول الله ﷺ فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته، ثم رجعت إلى مكانها، فلما استيقظ ذكرت له فقال: «هي شجرة غَشِيَتْهُ ربها عز وجل في أن تسلم على رسول الله ﷺ فأذن لها».
قال: فمررنا بماء فأتته امرأة بابن لها به جِنَّةٌ فأخذ النبي ﷺ بِمَنْخَرِهِ فقال: «أخرج إني محمد رسول الله».
قال: ثم سرنا فلما رجعنا من سفرنا مررنا بذلك الماء فأتته امرأة بجَزَر ‏وَلَبَنٍ، فأمرها أن ترد الجَزَر، وأمر أصحابه فشربوا من اللبن فسألها عن الصبي، فقالت: «والذي بعثك بالحق ما رأينا منه رَيْبًا بعدك» [رواه الإمام أحمد]
الجَزَر: ما يَصلُحُ لأَن يُذبح من الشَّاءِ

(١١) وفي رواية أخرى عن يعلى بن مرة رضي الله عنه قال: لقد رأيت من رسول الله ﷺ ثلاثًا ما رآها أحد قبلي ولا يراها أحد بعدي، لقد خرجت معه في سفر حتى إذا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة جالسة، معها صبي لها، فقالت: يا رسول الله، هذا صبي أصابه بلاء وأصابنا منه بلاء، يؤخذ في اليوم ما أدري كم مرة، قال: «ناولينيه» فرفعته إليه، فجعلته بينه وبين وَاسِطَةِ الرَّحل، ثم فَغَرَ فاه فنفث فيه ثلاثًا، وقال: «بسم الله، أنا عبد الله، اخسأ عدو الله» ثم ناولها إياه، فقال: «ألقينا في الرجعة في هذا المكان، فأخبرينا ما فعل»، قال: فذهبنا ورجعنا، فوجدناها في ذلك المكان، معها شياه ثلاث، فقال: «ما فعل صبيك؟» فقالت: «والذي بعثك بالحق، ما حسسنا منه شيئا حتى الساعة، فَاجْتَرِرْ هذه الغنم».
قال: «انزل فخذ منها واحدة، ورد البقية» قال: وخرجنا ذات يوم إلى الْجَبَّانَةِ، حتى إذا برزنا قال: «انظر ويحك، هل ترى من شيء يواريني؟» قلت: «ما أرى شيئا يواريك إلا شجرة ما أراها تواريك». قال: «فما قربها؟» قلت: «شجرة مثلها، أو قريب منها».
قال: «فاذهب إليهما، فقل: إن رسول الله ﷺ يأمركما أن تجتمعا بإذن الله» قال: فاجتمعتا، فبرز لحاجته، ثم رجع، فقال: «اذهب إليهما، فقل لهما: إن رسول الله ﷺ يأمركما أن ترجع كل واحدة منكما إلى مكانها» قال: وكنت معه جالسًا ذات يوم إذ جاء جمل يُخَبِّبُ، حتى ضرب ‏بِجِرَانِهِ بين يديه، ثم ذرفت عيناه، فقال: «ويحك، انظر لمن هذا الجمل؟ إن له لشأنا» قال: فخرجت ألتمس صاحبه، فوجدته لرجل من الأنصار، فدعوته إليه، فقال: «ما شأن جملك هذا؟» فقال: «وما شأنه؟»، قال: «لا أدري والله ما شأنه، عملنا عليه، ونَضَحنا عليه حتى عجز عن السقاية، فأتمرنا البارحة أن ننحره، ونقسِّم لحمه»، قال: «فلا تفعل، هبه لي، أو بعنيه» فقال: «بل هو لك يا رسول الله».
قال: فوسَّمه بسِمَة الصدقة، ثم بعث به. [أخرجه الإمام أحمد]
ففغر فاه: فتح فمه.
يُخَبِّبُ: أتى مسرعًا
ضرب ‏بِجِرَانِهِ: برك وجعل أسفل عنقه بالأرض. 
نَضَحنا عليه: استعملناه في السقاية 
وسمه بسمة الصدقة: علمه بعلامة إبل الصدقة.

(١٢) وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: خرجت مع رسول الله ﷺ في غزاة، فأبطأ بي جملي، فأتى علي رسول الله ﷺ فقال لي: «يا جابر!» قلت: «نعم»، قال: «ما شأنك؟» قلت: «أبطأ بي جملي وأعيا، فتخلفت» فنزل فَحَجَنَهُ بِمِحْجَنِهِ، ثم قال: «إركب» فركبت، فلقد رأيتني أَكُفُّهُ عن رسول الله ﷺ -أي حتى لا يتقدم على رسول الله من السرعة بعد أن كان بطيئًا. [رواه مسلم] .
وفي رواية للبخاري قال جابر رضي الله عنه: فما زال الجمل بين يدي الإبل قدامها يسير، فقال لي ﷺ: «كيف ترى بعيرك؟» قلت: «بخير، قد أصابته بركتك». 
قال الحافظ في الفتح: «آل أمر جمل جابر هذا لما تقدَّم له من بركة النبي ﷺ إلى مآل حسن، فرأيت في ترجمة جابر من [تاريخ ابن عساكر] بسنده إلى أبي الزبير عن جابر قال: "فأقام الجمل عندي زمان النبي ﷺ وأبي بكر وعمر، فعجز، فأتيت به عمر، فعرف قصته، فقال: اجعله في إبل الصدقة وفي أطيب المراعي، ففُعِل به ذلك إلى أن مات"»
#التأصيل #البعير #الخصائص #الدلائل #المعجزات #الشجر #البشرية #الرقم_١