الخميس، 14 ديسمبر 2023

تحسين قصة الغزالة او الظبية

قصة الغزالة او الظبية رويت بعدة طرق عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها، وعن سادتنا أنس بن مالك، وأبي سعيد الخدري، ويزيد بن أرقم وغيرهم رضي الله عنهم وأرضاهم تقوي بعضها بعضا، وأخرجها الطبراني وأبو نعيم والمنذري والقاضي عياض في الشفاء، وابن كثير في البداية والنهاية والقسطلاني في المواهب اللدنية وغيرهم.
وليس في إسنادها متهم أو متروك ولذا فالحديث حسن بمجموع الطرق، وقد نحا إلى ذلك البيهقي فذكرها بأسانيد حسان عنده وقواها بأخرى ضعيفة، والسخاوي في تعقبه لما نسب لابن كثير من ذكره أنها بلا أصل، قال الإمام الحافظ القسطلاني في المواهب اللدنية:
«ونقل شيخنا الحافظ أبو الخير السخاوي عن ابن كثير: أنه لا أصل له، وأن من نسبه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد كذب، ثم قال شيخنا: لكنه في الجملة وارد في عدة أحاديث يتقوى بعضها ببعض، أوردها شيخنا شيخ الإسلام ابن حجر الحافظ في المجلس الحادي والستين من تخريج أحاديث المختصر وفي شرح مختصر ابن الحاجب للعلامة ابن السبكي»
ولعل ابن كثير يقصد حديث تسليم الغزالة على النبي ﷺ، بدليل أنه أورد حديث الغزالة بطرقه المختلفة في البداية والنهاية ولم يتعقب أسانيد بعضها. قال العلماء (تسليم الغزالة) يقصد به (استسلام الغزالة) وهو الحديث المذكور الذي رواه الطبراني وأبو نعيم والمنذري وغيرهم، ووهم ابن كثير فظنه حديث منفصل لم يجد له أصلا.
ومع أن الحديث روي من عقدة طرق يقوي بعضها بعضًا إلا أن شهرته تغني عن الإسناد، فكم من حديث مشهور عملت به الأمة ولا عزال تعمل به مع أنه لا يعرف له إسنادًا كحديث: «لا وصية لوارث»
ولا يقدح في أحاديث المعجزات غرابتها لأن المعجزات بطبيعة الحال لابد فيها من عجب وغرابة. فلا يقال فيها: أنه منكر أو غريب، وقد تقدم ذكر أحاديث صحاح في معجزات النبي ﷺ مع الجمادات والأحجار والإشجار والإبل والذئاب والطيور وغيرها.

الأسانيد:
جاء في البداية والنهاية لابن كثير:
قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني رحمه الله في كتابه دلائل النبوة: حدثنا سليمان بن أحمد إملاء، ثنا محمد بن عثمان ابن أبي شيبة، ثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، ثنا عبد الكريم بن هلال الجعفي عن صالح المري، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: مر رسول الله ﷺ على قوم قد اصطادوا ظبية فشدوها على عمود فسطاط.
فقالت: يا رسول الله إني أخذت ولي خشفان فاستأذن لي أرضعهما وأعود إليهم.
فقال: « أين صاحب هذه؟ »
فقال القوم: نحن يا رسول الله.
قال: خلوا عنها حتى تأتي خشفيها ترضعهما وترجع إليكم.
فقالوا: من لنا بذلك؟
قال: « أنا ».
فأطلقوها فذهبت فأرضعت ثم رجعت إليهم فأوثقوها، فمر بهم رسول الله - ﷺ - فقال: « أين أصحاب هذه؟ »
فقالوا: هو ذا نحن يا رسول الله.
فقال: « تبيعونيها؟ »
فقالوا: هي لك يا رسول الله.
فقال: « خلوا عنها ».
فأطلقوها فذهبت.

وقال أبو نعيم: حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفي - من أصله - ثنا أحمد بن موسى بن أنس بن نصر بن عبيد الله بن محمد بن سيرين بالبصرة، ثنا زكريا بن يحيى بن خلاد، ثنا حبان بن أغلب بن تميم، ثنا أبي عن هشام بن حبان، عن الحسن، عن ضبة بن محصن، عن أم سلمة زوج النبي ﷺ قالت: بينا رسول الله ﷺ في حجر من الأرض إذا هاتف يهتف: يا رسول الله، يا رسول الله.
قال: « فالتفت فلم أر أحدا »
قال: « فمشيت غير بعيد، فإذا الهاتف يا رسول الله، يا رسول الله، قال: « التفت فلم أر أحدا » وإذا الهاتف يهتف بي، فاتبعت الصوت وهجمت على ظبية مشدودة الوثاق، وإذا أعرابي منجدل في شملة نائم في الشمس.
فقالت الظبية: يا رسول الله إن هذا الأعرابي صادني قبل ولي خشفان في هذا الجبل فإن رأيت أن تطلقني حتى أرضعهما ثم أعود إلى وثاقي.
قال: « وتفعلين؟ »
قالت: عذبني الله عذاب العشار إن لم أفعل.
فأطلقها رسول الله - ﷺ -، فمضت فأرضعت الخشفين وجاءت.
قال: فبينا رسول الله ﷺ يوثقها إذا انتبه الأعرابي.
فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله إني أصبتها قبيلا فلك فيها من حاجة؟
قال: قلت: « نعم ».
قال: هي لك، فأطلقها فخرجت تعدو في الصحراء فرحا وهي تضرب برجليها في الأرض وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله.

قال أبو نعيم: وقد رواه آدم ابن أبي إياس فقال: حدثني حبي الصدوق نوح بن الهيثم عن حبان بن أغلب، عن أبيه، عن هشام بن حبان ولم يجاوزه به.

وقد رواه أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه في كتابه دلائل النبوة من حديث إبراهيم بن مهدي عن ابن أغلب بن تميم، عن أبيه، عن هشام بن حبان، عن الحسن بن ضبة ابن أبي سلمة به.

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة، أنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني، ثنا أحمد بن حازم ابن أبي عروة الغفاري، ثنا علي بن قادم، ثنا أبو العلاء خالد بن طهمان عن عطية، عن أبي سعيد قال: مر النبي ﷺ بظبية مربوطة إلى خباء فقالت: يا رسول الله خلني حتى أذهب فأرضع خشفي ثم أرجع فتربطني.
فقال رسول الله ﷺ: « صيد قوم، وربيطة قوم ».
قال: فأخذ عليها فحلفت له.
قال: فحلها فما مكثت إلا قليلا حتى جاءت وقد نفضت ما في ضرعها فربطها رسول الله ﷺ، ثم أتى خباء أصحابها فاستوهبها منهم، فوهبوها له فحلها.
ثم قال رسول الله ﷺ: « لو تعلم البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا أبدا ».

قال البيهقي: وروى من وجه آخر ضعيف أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، أنا أبو علي حامد بن محمد الهروي، ثنا بشر بن موسى، ثنا أبو حفص عمر بن علي، ثنا يعلى بن إبراهيم الغزالي، ثنا الهيثم بن حماد عن أبي كثير، عن يزيد بن أرقم قال: كنت مع النبي ﷺ في بعض سكك المدينة.
قال: فمررنا بخباء أعرابي فإذا بظبية مشدودة إلى الخباء.
فقالت: يا رسول الله إن هذا الأعرابي اصطادني، وإن لي خشفين في البرية وقد تعقد اللبن في أخلافي فلا هو يذبحني فأستريح، ولا هو يدعني فأرجع إلى خشفي في البرية.
فقال لها رسول الله ﷺ: « إن تركتك ترجعين؟ »
قالت: نعم، وإلا عذبني الله عذاب العشار.
قال: فأطلقها رسول الله ﷺ فلم تلبث أن جاءت تلمض فشدها رسول الله ﷺ إلى الخباء، وأقبل الأعرابي ومعه قربة.
فقال له رسول الله ﷺ: « أتبيعنيها؟ »
قال: هي لك يا رسول الله.
فأطلقها رسول الله ﷺ.
قال زيد بن أرقم: فأنا والله رأيتها تسبح في البرية وهي تقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
ورواه أبو نعيم: ثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن بن مطر، ثنا بشر بن موسى فذكره.

قلت: وفي بعضه نكارة والله أعلم.
َ
وقد ذكرنا في باب تكثيره عليه السلام اللبن: حديث تلك الشاة التي جاءت وهي في البرية فأمر رسول الله ﷺ الحسن بن سعيد مولى أبي بكر أن يحلبها فحلبها، وأمره أن يحفظها فذهبت وهو لا يشعر.
فقال رسول الله ﷺ: « ذهب بها الذي جاء بها ».
وهو مروي من طريقين عن صحابيين كما تقدم، والله أعلم.

تعليق الركينية:
وفي قوله: «قال البيهقي: وروى من وجه آخر ضعيف أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي..» ما يدل على أن البيهقي لا يرى ضعف الوجه الأول.

وجاء في مجمع الزوائد:
 باب حديث الظبية
14087- عن أنس بن مالك قال‏:‏ مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم قد صادوا ظبية فشدوها إلى عمود فسطاط فقالت‏:‏ يا رسول الله إني وضعت ولدين خشفين فاستأذن لي أن أرضعهما ثم أعود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏خلوا عنها حتى تأتي خشفيها فترضعهما وتأتي إليكما‏"‏‏.‏ قالوا‏:‏ ومن لنا بذلك يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أنا‏"‏‏.‏ فأطلقوها فذهبت فأرضعت ثم رجعت إليهم فأوثقوها‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏تبيعوها‏"‏‏.‏ قال‏:‏ يا رسول الله هي لك، فخلوا عنها فأطلقوها فذهبت‏.‏
رواه الطبراني في الأوسط وفيه صالح المري وهو ضعيف‏.‏

14088- وعن أم سلمة قالت‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحراء فإذا مناد يناديه‏:‏ يا رسول الله فالتفت فلم ير أحداً ثم التفت فإذا ظبية موثوقة فقالت‏:‏ ادن مني يا رسول الله، فدنا منها فقال‏:‏ ‏"‏حاجتك‏؟‏‏"‏‏.‏ فقالت‏:‏ إن لي خشفين في هذا الجبل فخلني حتى أذهب فأرضعهما ثم أرجع إليك‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏وتفعلين‏؟‏‏"‏‏.‏ قالت‏:‏ عذبني الله عذاب العشار إن لم أفعل‏.‏ فأطلقها فذهبت فأرضعت خشفيها ثم رجعت فأوثقها، وانتبه الأعرابي فقال‏:‏ ألك حاجة يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم تطلق هذه‏"‏‏.‏ فأطلقها فخرجت تعدو وهي تقول‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله‏.‏
رواه الطبراني وفيه أغلب بن تميم وهو ضعيف‏

تعليق الركينية:
وهو ينجبر بمجموع الطرق
قال الإمام الحافظ القسطلاني في المواهب اللدنية:
«ونقل شيخنا الحافظ أبو الخير السخاوي عن ابن كثير: أنه لا أصل له، وأن من نسبه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد كذب، ثم قال شيخنا: لكنه في الجملة وارد في عدة أحاديث يتقوى بعضها ببعض، أوردها شيخنا شيخ الإسلام ابن حجر الحافظ في المجلس الحادي والستين من تخريج أحاديث المختصر وفي شرح مختصر ابن الحاجب للعلامة ابن السبكي، وتسبيح الحصى، رواه الطبراني وابن أبي عاصم من حديث أبي ذر، وتسليم الغزالة رواه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني والبيهقي، في دلائل النبوة، ونحن نقول فيهما: إنهما لم يكونا متواترين، فلعلهما استغنا بنقل غيرهما، أو لعلهما تواترا إذ ذاك» انتهى 

تعليق الركينية:
والكلام المنسوب لابن كثير فعن ما يروى من سلام الظبية على النبي ﷺ وليس عن حادثة إرضاع الظبية بدليل أنه أخرج حديثها في البداية والنهاية ولم يتعقب كثيرا من طرقه. 
قال الزرقاني في شرح المواهب اللدنية:
«"ونقل شيخنا الحافظ أبو الخير" محمد بن عبد الرحمن "السخاوي" في كتاب المقاصد الحسنة، "عن ابن كثير، أنه لا أصل له، وإن من نسبه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد كذب، لفظ السخاوي، حديث تسليم الغزالة اشتهر على الألسنة وفي المدائح النبوية، وليس له -كما قال ابن كثير- أصل، ومن نسبه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد كذب، "ثم قال شيخنا" تلو هذا: "لكنه" أي الكلام في الجملة وارد في عدة أحاديث يتقوّى بعضها ببعض، أوردها شيخنا شيخ الإسلام ابن حجر، الحافظ في المجلس الحادي والستين من تخريج أحاديث المختصر" الكبير في الأصول لابن الحاجب، "والله أعلم، انتهى" فهما أمران كلاهما له، وهذا مفرداته ضعيفة، فيجير بعضها بعضًا، وتسليمها عليه، أي: قولها السلام عليك يا رسول الله مثلًا، وهذا لم يرد، كما قال ابن كثير خلاف ما يعطيه تصرف المصنف أنه قاله في الكلام. "وفي شرح مختصر ابن الحاجب، للعلامة ابن السبكي: وتسبيح الحصى, رواه الطبراني، وابن أبي عاصم من حديث أبي ذر" الغفاري", وقد تقدَّم" وتسليم الغزالة، مجاز عن الكلام؛ إذ هو الذي رواه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني" وكذا الطبراني عن أم سلمة, "والبيهقي" عن أبي سعيد الخدري "في دلائل النبوة" لهما، وكذا رواه البيهقي في السنن عن أبي سعيد, "ونحن نقول فيهما: إنهما وإن لم يكونا اليوم متواترين فلعلهما استغنا بنقل غيرهما" عنهما، وهو القرآن متواترًا، كما قاله ابن الحاجب جوابًا لقول الشيعة: كيف ينقل آحادًا مع توفر الدواعي على نقله، ومع ذلك لم تكذب رواته, "أو لعلهما تواترا إذ ذاك", ثم انقطع التواتر بعد، "انتهى". قال الحافظ: والذي أقوله: إنها كلها مشتهرة عند الناس، وأمَّا من حيث الرواية، فليست على حد سواء، وقد مرت عبارته بتمامها في تسبيح الحصى.» 

وجاء في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين للمرتضى الزبيدي: 
«وأما حديث الظبية: فأخرجه البيهقي من طرق وضعفه جماعة من الأئمة وذكره عياض في الشفاء، ورواه أبو نعيم في الدلائل بإسناد فيه مجاهيل عن حبيب بن محصن عن أم سلمة الحديث بطوله، وفيه: قالت يا رسول الله صادني هذا الأعرابي، ولي خشفان في ذلك الجبل، فأطلقني حتى أذهب فأرضعهما وأرجع... إلخ، ورواه الطبراني بنحوه، والمنذري في الترغيب والترهيب من باب الزكاة، وقال الحافظ ابن كثير: إنه لا أصل له، وقال الحافظ السخاوي: لكنه ورد في الجملة عدة أحاديث يقوى بعضها بعضا أوردها الحافظ ابن حجر في المجلس الحادي والستين من تخريج أحاديث المختصر. انتهى.