الثلاثاء، 27 أكتوبر 2015

خواطر في النظرية النسبية

صحيح إن سار جسم بسرعة الضوء فإن زمانه بالنسبة لنا متوقف، لكن له زمانه الخاص. وقد تم تجريب هذه الفرضيات وتم التحقق من صحتها، خاصة بالنسبة لنمو الخلايا، حيث وجد أن الخلايا الموضوعة في دوار يدور بسرعة كبيرة تنمو بشكل أقل بكثير من مثيلاتها التي لا تتحرك. وتم التحقق من لو أن توأمين سافر أحدهما بسرعة الضوء وعاد بعد مدة من الزمن، فإن الذي سافر يكون أقل عمرًا من توأمه الذي لم يسر، وحتى علامات تقدم العمر بين الإثنين تكون ظاهرة.

لكن يبقى أن السير بسرعة الضوء يحول الجسم إلى طاقة، أو يحول الكتلة إلى طاقة، ولهذا فهو عمليًا مستحيل، فضلًا عن أن تسير الكتلة بسرعات أكبر من الضوء.

ويبقى هناك تحد آخر وهو أن النسبية تفترض أن الضوء هو أكبر سرعة في الكون، لذلك تتعامل معها كثابت (c) في المعادلات الرياضية، والآن توجد شكوك في أن الضوء هو ليس أكبر سرعة في الكون، من خلال التجارب التي أجريت في أروبا 2011م.

وفي الحقيقة فإن الملائكة مخلوقات نورانية فإنها لا تتقيد بقوانين الكتلة، لذلك يمكن أن تسير بسرعات أكبر من الضوء بكثير جدًا، وكذلك الأرواح.
والنسبية موجودة في القرءان الكريم، حيث تتفاوت وحدة الزمن، كقوله تعالى: (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) فطالما أن اليوم يتفاوت بين يوم واحد مقابل خمسين ألف سنة فهذه نسبية تقتتضي اختلافًا في السرعة، وهي إشارة واضحة إلى السرعة المهولة للملائكة وللأرواح، أو لجبريل عليه السلام إن تم تفسير الروح في الآية بأنه زعيم الملائكة جبريل عليه السلام.

وفي رحلة الإسراء والمعراج أيضًا هنالك إشارة إلى النسبية، حيث شاهد المصطفى صلى الله عليه وسلم كل ما شاهده في المعراج وخاطب ربه سبحانه وتعالى، ثم عاد وفراشه لم يفقد دفئه (أي في دقائق). وفي هذا أكبر دليل على نورانية الحبيب صلى الله عليه وسلم، بالنظر إلى أن الكون المرئي الآن لنا، ما هو إلا حدود السماء الدنيا، وذلك لقوله تعالى: (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجومًا للشياطين) والمصابيح هي النجوم المكونة للمجرات ومجموعات المجرات، وهي في فناء الكون الذي نعرفه، فدل ذلك على أن هذا الكون المنظور على اتساعه إنما هو في حدود السماء الدنيا. وإذا كان الضوء يستغرق سنينًا ضوئية مليارية للوصول إلى حدود السماء الدنيا ثم ينقلب وقد تباطأ (وهو حسير) فكيف ببقية السماوات الست؟

ولذلك فمن الناحية النظرية فإن للملائكة أن تفتش الثقوب السوداء كما تشاء، حيث تمكنها سرعتها من الإفلات من جاذبية الثقوب السوداء التي لا تمكن الضوء سرعته من الإفلات منها فينحني.
وكذلك فإن للأرواح أن تسير عبر الزمن في المستقبل وفي الماضي، وكذلك الأجساد النورانية، حيث لا تتقيد بقوانين الكتلة.

إحياء الموتى والتكلم بعد الموت في الأمة المحمدية

إحياء الموتى:
قال الحافظ السيوطي في الخصائص الكبرى:
"أخرج ابْن عدي وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن أنس قَالَ عدنا شَابًّا من الْأَنْصَار وَعِنْده أم لَهُ عَجُوز عمياء فَمَا برحنا أَن مَاتَ فأغمضناه وَمَدَدْنَا على وَجه الثَّوْب وَقُلْنَا لأمه احتسبيه قَالَت وَقد مَاتَ قُلْنَا نعم فمدت يَديهَا إِلَى السَّمَاء وَقَالَت اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم إِنِّي هَاجَرت إِلَيْك وَإِلَى نبيك رَجَاء أَن تغيثني عِنْد كل شدَّة فَلَا تحمل عَليّ هَذِه الْمُصِيبَة الْيَوْم قَالَ أنس فو الله مَا برحنا حَتَّى كشف الثَّوْب عَن وَجهه وَطعم وطعمنا مَعَه.
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق آخر عَن أنس قَالَ أدْركْت فِي هَذِه الْأمة ثَلَاثًا لَو كَانَت فِي بني إِسْرَائِيل لم تقاسمها الْأُمَم قُلْنَا هن قَالَ كُنَّا فِي الصّفة عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَتْهُ امْرَأَة مهاجرة وَمَعَهَا ابْن لَهَا قد بلغ فَلم يلبث أَن أَصَابَهُ وباء الْمَدِينَة فَمَرض أَيَّامًا ثمَّ قبض فغمضه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمر بجهازه فَلَمَّا أردنَا أَن نغسله قَالَ يَا أنس ائْتِ أمه فاعلمها قَالَ فأعلمتها فَجَاءَت حَتَّى جَلَست عِنْد قَدَمَيْهِ فَأخذت بهما ثمَّ قَالَت اللَّهُمَّ إِنِّي أسلمت لَك طَوْعًا وخلعت الْأَوْثَان زهدا وَهَاجَرت إِلَيْك رَغْبَة اللَّهُمَّ لَا تشمت بِي عَبدة الْأَوْثَان وَلَا تحملنِي من هَذِه الْمُصِيبَة مَا لَا طَاقَة لي بحملها قَالَ فو الله مَا تقضى كَلَامهَا حَتَّى حرك قَدَمَيْهِ وَألقى الثَّوْب عَن وَجهه وعاش حَتَّى قبض الله رَسُوله وَحَتَّى هَلَكت أمه" أهـ

وقال القاضي عياض الحافظ في الشفا:
"عَنِ الْحَسَنِ أَتَى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ لَهُ أنَّهُ طَرَحَ بُنَيَّةً لَهُ فِي وَادِي كَذَا فَانْطَلَقَ مَعَهُ إِلَى الْوَادِي. وَنَادَاهَا باسْمِهَا يَا فُلَانَةُ أَجِيبِي بِإذْنِ اللَّه، فَخَرَجَتْ وَهِيَ تَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَقَالَ لَهَا: إنَّ أَبَوَيك قَدْ أَسْلَمَا، فَإن أَحببت أَن أردَّك عَلَيْهَمَا، قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِمَا، وَجَدْتُ اللَّه خَيْرًا لِي مِنْهُمَا"

التكلم بعد الموت:
قَالَ الْبَيْهَقِيّ في الدلائل: "قد رُوِيَ فِي التَّكَلُّم بعد الْمَوْت عَن جمَاعَة بأسانيد صَحِيحَة"

قال الحافظ السيوطي في الخصائص الكبرى:
"أخرج الْبَيْهَقِيّ وَصَححهُ عَن سعيد بن الْمسيب أَن زيد بن خَارِجَة الْأنْصَارِيّ ثمَّ من بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج توفّي زمن عُثْمَان فسجي ثمَّ أَنهم سمعُوا جلجلة فِي صَدره ثمَّ تكلم فَقَالَ أَحْمد أَحْمد فِي الْكتاب الأول صدق صدق أَبُو بكر الصّديق الضَّعِيف فِي نَفسه الْقوي فِي أَمر الله تَعَالَى فِي الْكتاب الأول صدق صدق عمر بن الْخطاب الْقوي الآمين فِي الْكتاب الأول صدق صدق عُثْمَان بن عَفَّان على مناهجهم مَضَت أَربع وَبقيت اثْنَتَانِ أَتَت الْفِتَن وَأكل الشَّديد الضَّعِيف وَقَامَت السَّاعَة وسيأتيكم من جيشكم خبر بِئْر أريس وَمَا بِئْر أريس ثمَّ هلك رجل من خطمة فسجي بِثَوْبِهِ فَسمع جلجلة فِي صَدره ثمَّ تكلم فَقَالَ إِن أَخا بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج صدق صدق.
قَالَ البهيقي الامر فِي بِئْر أريس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتخذ خَاتمًا فَكَانَ فِي يَده ثمَّ كَانَ فِي يَد عمر ثمَّ كَانَ فِي يَد أبي بكر ثمَّ كَانَ فِي يَد عُثْمَان حَتَّى وَقع فِي بِئْر أريس بَعْدَمَا مضى من خِلَافَته سِتّ سِنِين فَعِنْدَ ذَلِك تَغَيَّرت عماله وَظَهَرت أَسبَاب الْفِتَن كَمَا قيل على لِسَان زيد بن خَارِجَة انْتهى
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ عَن انس قَالَ كَانَ خَاتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي يَده وَفِي يَد أبي بكر بعده وَفِي يَد عمر بعد أبي بكر فَلَمَّا كَانَ عُثْمَان جلس على بِئْر أريس فَأخْرج الْخَاتم فَجعل يعبث بِهِ فَسقط قَالَ فاختلفنا ثَلَاثَة أَيَّام مَعَ عُثْمَان فننزح الْبِئْر فَلم نجده
قَالَ بعض الْعلمَاء كَانَ فِي خَاتمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من السِّرّ شَيْء مِمَّا كَانَ فِي خَاتم سُلَيْمَان لِأَن سُلَيْمَان لما فقد خَاتمه ذهب ملكه وَعُثْمَان لما فقد خَاتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انتفض عَلَيْهِ الْأَمر وَخرج عَلَيْهِ الخارجون وَكَانَ ذَلِك مبدأ الْفِتْنَة الَّتِي أفضت إِلَى قَتله واتصلت إِلَى آخر الزَّمَان" أهـ

وأخرج البخاري في تاريخه والقاضي عياش في الشفا عن عبد الله بن عبيد الله الأنصاري قال:
"كنت فيمن دفن ثابت بن قيس بن شماس وكان قتل باليمامة فسمعناه حين أدخلناه القبر يقول: محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الشهيد، عثمان البر الرحيم فنظرنا فإذا هو ميت"

وأخرجها البيهقي الدلائل بسنده عن عبد الله بن عبيد الأنصاري والسيوطي في الخصائص الكبرى، أن رجلا من قتلى مسيلمة تكلم فقال: محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عثمان الأمين الرحيم لا أدري أيش قال لعمر.

وعبد الله بن عبيد الأنصاري هو عبد الله بن عبيد الله الأنصاري، ذكره ابن حبان في الثقات والبخاري في تاريخه وقال زين الدين قاسم بن قُطْلُوْبَغَا السُّوْدُوْنِ في (الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة) نسخة بخط الحافظ السخاوي:
"5989 - عبد الله بن عبيد الله الأنصاري: حضر دفن ثابت بن قيس بن شماس يوم اليمامة، روى عنه حصين بن عبد الرحمن" أهـ

وعن النعمان بن بشير قال: مات رجل منا يقال له خارجة بن زيد، فسجيناه بثوب، وقمت أصلي إذ سمعت ضوضاء فانصرفت، فإذا أنا به يتحرك، فقال: أجلد القوم أوسطهم عبد الله عمر أمير المؤمنين القوي في جسمه، القوي في أمر الله - عز وجل - عثمان بن عفان أمير المؤمنين العفيف المتعفف الذي يعفو عن ذنوب كثيرة، خلت ليلتان وبقيت أربع، واختلف الناس، ولا نظام لهم، يا أيها الناس أقبلوا على إمامكم، واسمعوا، وأطيعوا، هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن رواحة، ثم قال: وما فعل زيد بن خارجة؟ - يعني أباه - ثم قال: أخذت بئر أريس ظلما، ثم هدأ الصوت.
قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ربعي بن خراش قال: مات أخ لي، فسجيناه فذهبت في التماس كفنه، فرجعت وقد كشف الثوب عن وجهه وهو يقول: "ألا إني لقيت ربي بعدكم، فتلقاني بروح وريحان ورب غير غضبان، وأنه كساني ثيابًا خضرًا من سندس واستبرق، وأن الأمر أيسر مما في أنفسكم فلا تغتروا، ووعدني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يذهب حتى أدركه. قال: فما شبهت خروج نفسه إلا كحصاة ألقيت في ماء فرسبت، فذكر ذلك لعائشة -رضي الله عنها- فصدقت بذلك وقالت: قد كنا نتحدث أن رجلا من هذه الأمة يتكلم بعد موته، قال: وكان أقومنا في الليلة الباردة، وأصومنا في اليوم الحار.

وفي رواية ابن كثير في البداية والنهاية عن ربعي بن خراش قال: مرض أخي الربيع بن خراش فمَرَّضتُّه ثم مات فذهبنا نُجَهِّزُه، فلما جئنا رفع الثوبَ عن وجهِه ثم قال: السلام عليكم، قلنا: وعليك السلام، قد مُتَّ؟ قال: بلى ولكن لقيت بعدكم ربي ولقيني بروح وريحان وربِّ غيرِ غضبان، ثم كساني ثياباً من سندس أخضر، وإني سألتُه أن يأذنَ لي أن أبشِّرَكم فأذِنَ لي، وإنَّ الامرَ كما تَرَون، فسدِّدوا وقاربوا، وبشِّروا ولا تنَفِّروا، وإنَّ الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- ينتظرني للصلاة عليَّ، فأسرعوا بي ولا تؤخِّروني.

وأخرج  ابن أبي الدنيا في كتاب «من عاش بعد الموت» عن أبي مسعود الجريري قال: ذكر شيخ في مسجد الأشياخ كان يحدثنا عن أبي قال: بينما نحن حول مريض لنا إذ هدأ وسكن حتى ما يتحرك منه عرق فسجيناه وأغمضناه وأرسلنا إلى ثيابه وسدره وسريره فلما ذهبنا نحمله لنغسله تحرك فقلنا: سبحان الله ما كنا نراك إلا قد مت، قال: فإني قد مت وذهب بي إلى قبري فإذا إنسان حسن الوجه طيب الريح قد وضعني في لحدي وطواه بالقراطيس، إذ جاءت إنسانة سوداء منتنة الريح فقالت: هذا صاحب كذا، وهذا صاحب كذا، أشياء والله أستحي منها كأنما أقلعت عنها ساعتئذ. قال: قلت: أنشدك أن تدعني وهذه، قالت: انطلق نخاصمك قال: فانطلقنا إلى دار فيحاء واسعة وفيها مصطبة كأنها من فضة في ناحية منها مسجد ورجل قائم يصلي فقرأ سورة النحل فتردد في مكان منها ففتحت عليه فانفتل فقال: السورة معك؟ قلت: نعم، قال: أما إنها سورة النعم، قال: ورفع وسادة قريبة منه فأخرج صحيفة فنظر فيها فبدرته السوداء فقالت: فعل كذا وفعل كذا، قال: وجعل الحسن الوجه يقول وفعل كذا وفعل كذا، يذكر محاسن، قال: فقال الرجل: عبد ظالم لنفسه لكن الله تجاوز عنه، لم يجئ أجل هذا بَعْدُ، أجل هذا يوم الاثنين، قال: فقال لهم: انظروا فإن متُّ يوم الاثنين فارجوا لي ما رأيت. وإن لم أمت يوم الاثنين فإنما هو هذيان الوجع، قال: فلما كان يوم الاثنين صح حتى بعد العصر ثم أتاه أجله فمات، وفي هذا الحديث: فلما خرجنا من عند الرجل قلت للرجل الحسن الوجه الطيب الريح: ما أنت؟ قال: أنا عملك الصالح، قلت: فما الإنسانة السوداء المنتنة الريح، قال: ذلك عملك الخبيث.

الأحد، 11 أكتوبر 2015

رؤية الخضر عليه السلام

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عزَّتهم الملائكة، يسمعون الحس ولا يرون الشخص، فقالت: "السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفًا من كل فائت، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإنما المحروم من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"
أخرجه ابن أبي حاتم وأبو نعيم والحاكم في المستدرك وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدق به أصحابه فبكوا حوله، واجتمعوا فدخل رجل أصهب اللحية، جسيم صبيح، فتخطى رقابهم فبكى، ثم التفت إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "إن في الله عزاء من كل مصيبة، وعوضًا من كل فائت، وخلفًا من كل هالك، فإلى الله فأنيبوا، وإليه فارغبوا، ونظرةٌ إليكم في البلاء فانظروا، فإنما المصاب من لم يجبر" وانصرف فقال بعضهم لبعض: تعرفون الرجل؟ فقال أبو بكر وعلي: نعم، هذا أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضر عليه السلام»
أخرجه الحاكم وقال: "هذا شاهد لما تقدم" ووافقه الذهبي، وأخرجه البيهقي وابن أبي الدنيا والسيوطي في الخصائص الكبرى

عن رياح بن عبيدة قال: خرج عمر بن عبد العزيز إلى الصلاة، وشيخ متوكئ على يده، فقلت في نفسي: إن هذا الشيخ جاف، فلما صلى ودخل لحقته، فقلت: أصلح الله الأمير، من الشيخ الذي كان يتكئ على يدك؟ قال: يا رياح رأيته؟ قلت: نعم، قال: ما أحسبك إلا رجلا صالحًا، ذاك أخي الخضر، أتاني فأعلمني أني سألي أمر هذه الأمة، وأني سأعدل فيها،
أخرجه الفسوي في تاريخه بسند جيد، وأبو نعيم في الحلية بسند صحيح والذهبي في تاريخه وقال: رواته ثقات، والسيوطي في تاريخ الخلفاء.

وروى الذهبي في تاريخ الإسلام عن حفيده عَبْد الرَّحْمَن بْن أحمد بن بقيّ: حدَّثني أبي قَالَ: أخبرتني أمي أنها رأت أبي مع رجلٍ طوال جدًا، فسألته عنه، فقال: أرجو أن تكوني امْرَأَة صالحة، ذاك الخضر عليه السلام.

الاثنين، 5 أكتوبر 2015

شاهد اعترافات القاتل اقتصادي جون بيركنز.. وكيف أن العالم تحكمه في الحقيقة المصالح الإقتصادية.. صدمة للذين لا يؤمنون بوجود مؤامرات


شاهد علاج جرحى داعش وجبهة النصرة ومقاتلي التيارات الوهابية في مستشفيات الكيان الصهيوني وثناءهم على اليهود


شاهد السلفي السعودي د. حاتم العوني يعري الدعوة النجدية ويقرر أن الحركة الوهابية هي أصل داعش التكفيرية وكل الحركات الجهادية المتطرفة


الجمعة، 2 أكتوبر 2015

حديث من زار قبري وجبت له شفاعتي حديث حسن

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «من زار قبري وجبت له شفاعتي»
أخرجه أبو الشيخ والدارقطني، والبزار.
قال الحافظ في تلخيص الحبير: "صححه أبو علي بن السكن في إيراده إياه في أثناء السنن الصحاح له، وعبد الحق في الأحكام في سكوته عنه، والشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين باعتبار مجموع الطرق"

وقال الذهبي: "طرقه كلها لينة لكن يتقوى بعضها ببعض لأن ما في رواتها متهم بالكذب."، وقال: "ومن أجودها إسناد حديث حاطب الذي أخرجه ابن عساكر وغيره: (من زارني بعدُ فكأنما زارني في حياتي).

تهافت أثر ابن مسعود أن الله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام وبين كل سماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم.
هو حديث موقوف لا يصلح للاحتجاج به في العقائد حتى لو صح، ومنكر لتعارض ذلك صراحة مع قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم أنت الأوَّلُ فليس قبلَك شىءٌ، وأنت الآخِر فليس بعدَك شىءٌ، وأنت الظاهرُ فليس فوقَكَ شىءٌ، وأنت الباطن فليس دونَك شىءٌ) رواه مسلم.

هذا الحديث رواه جماعة من أهل الحديث كابن خزيمة والبيهقي والدارمي وغيرهم
وصححه ابن القيم والذهبي ولكن تخريجه من كتاب التجسيم للدكتور صهيب السقار((نقض عثمان بن سعيد1/422 والرد على الجهمية 55(81) وهو أيضاً من طريق حماد به في التوحيد لابن خزيمة 105 والمعجم الكبير للطبراني 9/202(8987) والعظمة لأبي الشيخ 2/688(279). وحماد بن سلمة لا يحتج به في هذا المطلب كما سبق وتكرر. وأخرجه أبو الشيخ في العظمة أيضاً 2/565(565) من رواية المسعودي عن عاصم به.
والمسعودي هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود قال المزي في تهذيب الكمال 17/223: (..وقال عبد الله بن على بن المدينى، عن أبيه: المسعودى ثقة، وقد كان يغلط فيما روى عن عاصم بن بهدلة، وسلمة، ويصحح فيما روى عن القاسم ومعن.) وانظر ترجمته فى تهذيب التهذيب 6/211.
وأخرجه اللالكائي في اعتقاد أهل السنة 3/396 من رواية الحسن عن عاصم به. والحسن هو بن أبى جعفر، أبو سعيد الأزدى 167 هـ. وهو ضعيف الحديث مع عبادته وفضله، قال الحافظ فى تهذيب التهذيب2/260: (وقال ابن حبان: من خيار عباد الله الخشَّن، ضعفه يحيى، وتركه أحمد، وكان من المتعبدين المجابين الدعوة، ولكنه ممن غفل عن صناعة الحديث، وحفظه، فإذا حدث وهم، وقلب الأسانيد، وهو لا يعلم، حتى صار ممن لا يحتج به، وإن كان فاضلا. اهـ.) وانظر المجروحين لابن حبان1/237. ونقله ابن القيم في اجتماع الجيوش 82 عن سنيد قال حدثنا حماد بن زيد عن عاصم عن زر عن ابن مسعود. وهو سنيد بن داود المصيصى أبو على المحتسب، واسمه حسين وسنيد لقب غلب عليه 226 هـ وهو ضعيف له تفسير لعله هو الذي نقل منه ابن القيم. وقال الذهبي في المغني في الضعفاء1/286(سنيد بن داود المصيصي عن حماد بن زيد قال أبو داود لم يكن بذاك وضعفه ابو حاتم)
فهل ابن القيم والذهبي صححاه من باب تقويته بمجموع الطرق أم أن هذا التخريج غير صحيح؟

المناظرة التي وقعت بين ابن عطاء الله السكندري وبين ابن تيمية

يروى أن ابن تيمية كان منفياً بالاسكندرية، ثم عفا عنه السلطان فجاء إلى القاهرة وذهب ليصلي المغرب بالأزهر خلف الشيخ أحمد ابن عطاء الله
السكندري، وبعد صلاة المغرب فوجئ به ابن عطاء الله  يصلي خلفه فهنأه بسلامة الوصول وقال له: أعاتب أنت عليّ يا فقيه؟ فقال ابن تيمية: أعرف أنك ما تعمدت إيذائي ولكنه الخلاف في الرأي، على أن كل من آذاني فهو منذ اليوم في حل مني. فقال ابن عطاء الله:  ماذا تعرف عني يا شيخ أحمد ابن تيمية؟
فقال ابن تيمية: أعرف عنك الورع وغزارة العلم وحدة الذهن وصدق القول، وأشهد أني ما رأيت مثلك في مصر ولا في الشام حباً لله أو فناء فيه أو انصياعاً لأوامره ونواهيه، ولكنه الخلاف في الرأي. فماذا تعرف عني أنت هل تدعي عليّ بالضلال إذ أنكرت الاستغاثة بغير الله؟!
قال ابن عطاء الله له:  أما آن لك يا فقيه أن تعرف أن الاستغاثة هي الوسيلة والشفاعة وإن الرسول يُستغاث به ويُتوسل به و يُستشفع به؟
فقال ابن تيمية: أنا في هذا أتبع السنة الشريفة، فقد جاء في الحديث الصحيح (أعطيت الشفاعة) وقد أجمعت الآثار في تفسير الآيـة الكريمـة: (عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودًا)  على أن المقام المحمود هو الشفاعة، والرسول صلى الله تعالى عليه و سلم لما ماتت أم سيدنا علي  دعا لها الله على قبرها: (الله الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت إغفر لأمي فاطمة بنت أسد ووسع مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين)، فهذه هي الشفاعة أما الاستغاثة ففيها شبهة الشرك بالله تعالى، وقد أمر الرسول صلى الله تعالى عليه و سلم ابن عمه عبد الله بن العباس ألا يستعين بغير الله.
فقال له ابن عطاء الله:  أصلحك الله يا فقيه أما نصيحة الرسول صلى الله تعالى عليه و سلم وسلم لابن عباس فقد أراد منه أن يتقرب إلى الله بعلمه لا بقرابته من الرسول ﷺ وأما فهمك أن الاستغاثة إستغاثة بغير الله فهي شرك فَمَن من المسلمين الذين يؤمنون بالله ورسوله يحسب أن غيره تعالى يقضي ويقدر ويثيب ويعاقب؟ فما هي إلا ألفاظ لا تؤخذ على ظاهرها ولا خوف من الشرك لنسد إليه الذريعة فكل من إستغاث بالرسول ﷺ فهو إنما يستشفع به عند الله، مثلما تقول أنت أشبعني هذا الطعام، فهل الطعام هو الذي أشبعك أم الله عز وجل هو الذي أشبعك بالطعام؟! وأما قولك أن الله عز وجل نهانا أن ندعو غيره فهل رأيت من المسلمين أحداً يدعو غير الله؟! إنما نزلت هذه الآية في المشركين الذين كانوا يدعون آلهتهم من دون الله. إنما يستغيث المسلمون بالنبي صلى الله تعالى عليه و سلم بمعنى التوسل بحقه عند الله والتشفع بما رزقه الله من شفاعة، أما تحريمك الاستغاثة لأنها ذريعة إلى الشرك فإنك كمن أفتى بتحريم العنب لأنه ذريعة إلى الخمر، أو نخصي الذكور غير المتزوجين سداً للذريعة إلى الزنا، وضحك الشيخان.
ثم قال ابن عطاء الله:  وأنا أعلم ما في مذهب شيخكم الإمام أحمد من سعة وما لنظرك الفقهي من إحاطة وسد الذرائع ويتعين على من هو في مثل
حذقك وحدة ذهنك وعلمك باللغة أن يبحث عن المعاني المكنونة الخفية وراء ظاهر الكلمات، فالمعنى الصوفي روح والكلمة جسد فاستقصِ ما وراء الجسد لتدرك حقيقة الروح.
ثم قال ابن عطاء الله:   ثم إنك اعتمدت في حكمك على ابن عربي على نصوص قد دسها عليه خصومه، أما سلطان العلماء العز بن عبد السلام فإنه لما فهم كتابات الشيخ وحل رموزها وأسرارها وأدرك إيحاءاتها استغفر الله عما سلف منه وأقر بأن محيي الدين بن عربي إمام من أئمة الإسلام، وأما كلام الشاذلي ضد ابن عربي فليس أبو الحسن هو الذي قاله بل أحد تلامذته من الشاذلية، وهو ما قاله في الشيخ ابن عربي بل قاله في بعض المريدين الذين فهموا كلامه على غير وجهه.
ثم قال ابن عطاء الله:  وما رأيك في أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب؟
أجاب ابن تيمية:  يقول النبي صلى الله تعالى عليه و سلم: (أنا مدينة العلم وعلي بابها) وهو المجاهد الذي لم يبارز أحداً إلا وغلبه، فمن للعلماء والفقهاء من بعده أن يجاهدوا في سبيل الله باللسان والقلم والسيف جميعاً، وكان  أقضى الصحابة وكلماته سراج منير.
فقال ابن عطاء الله  له: فهل يُسأل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه عن بعض من شايعوه فقالوا: أن جبريل أخطأ فجاء بالرسالة لمحمدٍ صلى الله
تعالى عليه و سلم بدلاً من علي رضي الله عنه؟ أو عن الذين زعموا أن الله حلّ في جسده فصار الإمام إلهاً؟! ألم يقاتلهم ويقتلهم؟! أما أفتى بقتلهم أينما ثقفوا؟!
فقال ابن تيمية رحمه الله:  ولذلك خرجت لقتالهم في الجبل بالشام منذ أكثر من عشرة أعوام.
قال ابن عطاء الله: والإمام أحمد رضي الله عنه أيسأل عما فعله عما فعله بعض أتباعه من كبس الدور وإراقة الخمور وضرب المغنيات والراقصات واعتراض الناس في الطرقات باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما أفتى بتعزيز هؤلاء فجلدوا وسجنوا وطيف بهم مقلوبين على ظهور الحمير؟! أم هل الإمام أحمد بن حنبل  مسؤول عن تلك الأعمال التي ما زال أراذل الحنابلة يأتونها حتى يومنا هذا باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! فالشيخ محي الدين بن عربي بريء مما يصنعه أتباعه من إسقاط التكاليف الدينية واقتراف المحرمات أترى هذا؟!
فقال ابن تيمية: ولكن أين تذهبون من الله وفيكم من يزعم أنه صلى الله تعالى عليه و سلم بشَّر الفقراء بأنهم يدخلون الجنة قبل الأغنياء، فسقط الفقراء منجذبين ومزقوا ملابسهم وعندئذ نزل سيدنا جبريل وقال للنبي صلى الله تعالى عليه و سلم إن الله تعالى يطلب حظه من هذه المزق، فحمل جبريل واحدة منها وعلقها على عرشه تعالى ولهذا يلبس الصوفية المرقعات ويسمون أنفسهم الفقراء؟
فقال ابن عطاء الله:  ما كل الصوفية يلبسون الخرق وهذا أنا أمامك فما تنكر من هيئتي.
فقال ابن تيمية رحمه الله:  أنت من رجال الشريعة وصاحب حلقة في الأزهر.
قال ابن عطاء الله:  والغزالي كان إماماً في الشريعة والتصوف على السواء، وقد عالج الأحكام والسنن والشريعة بروح المتصوف وبهذا المنهج
استطاع إحياء علوم الدين، نحن نعلّم الصوفية أن القذارة ليست من الدين وأن النظافة من الإيمان، وأن الصوفي الصادق يجب أن يعمّر قلبه بالإيمان الذي عرفه أهل السنة، ولقد ظهر بين الصوفية منذ قرنين من الزمان أشياء كالتي تنكرها الآن، واستخفوا بأداء العبادات واستهانوا بالصوم والصلاة وركضوا في ميدان الغفلات، وادعوا أنهم تحرروا من رق الأغلال ثم لم يركضوا بما تعاطوه من سوء الأفعال حتى أشاروا إلى أغلى الحقائق والأحوال كما وصفهم القشيري الإمام الصوفي العظيم فوجه إليهم الرسالة القشيرية ترسم طريق الصوفي إلى الله وهي تمسكه بالكتاب والسنة، ثم قال ابن عطاء الله  مبيناً حقيقة التصوف:  إن أئمة الصوفية يريدون الوصول إلى الحقيقة ليس فقط بالأدلة العقلية التي تقبل العكس بل بصفاء القلب ورياضة النفس وطرح الهموم الدنيوية فلا ينشغل العبد بغير حب الله ورسوله ﷺ، وهذا الانشغال السامي يجعله عبداً صالحاً جديراً بعمارة الأرض وإصلاح ما أفسده حب المال والحرص على الجاه والجهاد في سبيل الله.
ثم قال ابن عطاء الله:  إن الأخذ بظاهر المعنى يوقع في الغلط أحياناً يا فقيه، ومن هذا رأيك في ابن عربي رحمه الله وهو إمام ورع من أئمة الدين فقد فهمت ما كتبه على ظاهره والصوفية أصحاب إشارات وشطحات روحية ولكلماتهم أسرار.
فقال ابن تيمية رحمه الله:  هذا الكلام عليك لا لك، فالقشيري لما رأى أتباعه يضلون الطريق قام عليهم ليصلحهم فماذا فعل شيوخ الصوفية في زماننا؟! إنما أريد من الصوفية أن يسيروا على سنة هذا السلف العظيم من زهاد الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، إني أقدر منهم من يفعل ذلك وأراه من أئمة الدين، أما الابتداع وإدخال أفكار الوثنيين من فلاسفة اليونان وبوذية الهند كادعاء الحلول والإتحاد ووحدة الوجود ونحو ذلك مما يدعو إليه صاحبك فهذا هو الكفر المبين.
قال ابن عطاء الله: ابن عربي كان من أكبر فقهاء الظاهر بعد ابن حزم الفقيه الأندلسي المقرب إليكم يا معشر الحنابلة، كان ابن عربي ظاهرياً ولكنه يسلك إلى الحقيقة طريق الباطن أي تطهير الباطن وليس كل أهل الباطن سواء، ولكيلا تضل أو تنسى أعد قراءة ابن عربي  بفهم جديد لرموزه وإيحاءاته تجده مثل القشيري قد اتخذ طريقة إلى التصوف في ظل ظليل من الكتاب والسنة، أنه مثل حجة الإسلام الشيخ الغزالي رضي الله عنه يحمل على الخلافات المذهبية في العقائد والعبادات ويعتبرها إنشغالات بما لا جدوى منه ويدعو إلى أن محبة الله، هي طريقة العابد في الإيمان فماذا تنكر من هذا يا فقيه؟ أم أنك تحب الجدل الذي يمزق أهل الفقه؟! لقد كان الإمام مالك رضي الله عنه يحذر من الجدل في العقائد ويقول:  كلما جاء رجل أجدل من رجل نقص الدين. قال الغزالي: أعلم أن الساعي إلى الله تعالى لينال قربه هو القلب دون البدن وليست أعني بالقلب اللحم المحسوس بل هو سر من أسرار الله عز و جل لا يدركه الحس. إن أهل السنة هم الذين لقبوا الغزالي – شيخ المتصوفة – بحجة الإسلام ولا معقب على آرائه فقد غالى بعضهم في تقدير كتابة إحياء علوم الدين فقال:  كاد الإحياء أن يكون قرآناً.
إن أداء التكاليف الشرعية في رأي ابن عربي وابن الفارض عبادة محرابها الباطن لا شعائر ظاهرية، فما جدوى قيامك وقعودك في الصلاة إذا كنت مشغول القلب بغير الله، مدح الله عز و جل أقواماً بقوله تعالى: (الذين هم في صلاتهم خاشعون) وذم أقواماً بقوله تعالى: (الذين هم عن صلاتهم ساهون)، وهذا الذي يعنيه ابن عربي  بقوله: (إن التعبد محرابه القلب) أي الباطن لا الظاهر، إن المسلم لا يستطيع أن يصل إلى إدراك علم اليقين وعين اليقين إلا إذا أفرغ قلبه مما يشوش عليه من أطماع الحياة الدنيا وركز في التأمل الباطني، فغمرته فيوض الحقيقة ومن هنا تنبع قوته. فالصوفي الحق ليس هو الذي يستجدي قوته ويتكفف الناس، وإنما هو الصادق الذي يهب روحه وقلبه ويفنى في الله بطاعة الله، ومن هنا تنبع قوته فلا يخالف الله، ولعل ابن عربي  قد ثار عليه بعض الفقهاء لأنه أزرى على اهتمامهم بالجدل في العقائد مما يشوش على صفاء القلب ثم في وقوع الفقه وافتراضاته فأسماهم: (فقهاء الحيض)، أعيذك بالله أن تكون منهم، ألم تقرأ قول ابن عربي: (من يبني إيمانه بالبراهين والاستدلالات فقط لا يمكن الوثوق بإيمانه فهو يتأثر بالاعتراضات) فاليقين لا يُستنبط بأدلة العقل إنما يُغترف من أعماق القلب، ألم تقرأ هذا الكلام الصافي العذب قط؟
قال ابن تيمية: أحسنت والله، إن كان صاحبك كما تقول هو أبعد الناس عن الكفر، ولكن كلامه لا يحمل هذه المعاني فيما أرى.
فقال ابن عطاء الله:  إن له لغة خاصة وهي مليئة بالإشارات والرموز والإيحاءات والأسرار والشطحات ولكن فلنشتغل بما هو أجدى وبما يحقق
مصلحة الأمة، فلنشتغل بدفع الظلم وحماية العدل المنتهك. أرأيت ما فعله الفاسقان بيبرس وسلار بالرعية منذ خلع الناصر نفسه فانفردا بالحكم وإن عاد السلطان الناصر وهو يؤثرك على كل الفقهاء ويستمع لك فأسرع إليه وانصح له.

تعريف المذاهب للبدعة

تعريف المذاهب للبدعة:
المذهب الحنفي:
قال الإمام العلامة التفتزاني (ت 792هـ) في شرح المقاصد: «ومن الجهل من يجعل كل أمر لم يكن في عهد الصحابة بدعة مذمومة، وإن لم يقم دليل على قبحه، تمسكاً بقوله عليه الصلاة والسلام: "إياكم ومحدثات الأمور" ولا يعلمون أن المراد بذلك هو أن يجعل من الدين ما ليس منه»

وقال الإمام الحافظ بدر الدين العيني (ت 855 هـ) في شرحه لصحيح البخاري (ج11/126) عند شرحه لقول عمر ابن الخطاب رضي اللّه عنه: "نعمت البدعة" وذلك عندما جمع الناس في التراويح خلف قارىءٍ وكانوا قبل ذلك يصلون أوزاعًا متفرقين: "والبدعة في الأصل إحداث أمر لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم البدعة على نوعين، إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي بدعة حسنة وإن كانت مما يندرج تحت مستقبح في الشرع فهي بدعة مستقبحة" انتهى.

وقال الحافظ عبد الحق الدهلوي (ت 1052هـ) في شرح المشكاة: "اعلم أن كل ما ظهر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعة، وكل ما وافق أصول سنته وقواعدها أو قيس عليها فهو بدعة حسنة، وكل ما خالفها فهو بدعة سيئة وضلالة" أهـ

وقال الشيخ ابن عابدين الحنفي (ت 1252هـ) في حاشيته (1/376): "فقد تكون البدعة واجبة كنصب الأدلة للرد على أهل الفرق الضالة، وتعلّم النحو المفهم للكتاب والسنة، ومندوبة كإحداث نحو رباط ومدرسة، وكل إحسان لم يكن في الصدر الأول، ومكروهة كزخرفة المساجد، ومباحة كالتوسع بلذيذ المآكل والمشارب والثياب"انتهى.

المذهب المالكي:
قال الإمام الحافظ ابن عبد البر  (ت 463هـ) في الاستذكار 2/68 : "وأما قول عمر نعمت البدعة، في لسان العرب اختراع ما لم يكن وابتداؤه، فما كان من ذلك في الدين خلافًا للسنة التي مضى عليها العمل فتلك بدعة لا خير فيها وواجب ذمها والنهي عنها والأمر باجتنابها وهجران مبتدعها إذا تبين له سوء مذهبه، وما كان من بدعة لا تخالف أصل الشريعة والسنة فتلك نعمت البدعة كما قال عمر لأن أصل ما فعله سنة، وكذلك قال عبد الله بن عمر في صلاة الضحى وكان لا يعرفها وكان يقول وللضحى صلاة؟ وذكر بن أبي شيبة عن بن علية عن الجريري عن الحكم عن الأعرج قال سألت بن عمر عن صلاة الضحى فقال: بدعة ونعمت البدعة" اهـ

وقال الإمام الحافظ ابن العربي المالكي (ت 543هـ) في شرحه على سنن الترمذي:
"اعلموا علمكم الله أن المحدثات على قسمين: محدث ليس له أصل إلا الشهوة والعمل بمقتضى الإرادة، فهذا باطل قطعاً. ومحدث بحمل النظير على النظير، فهذه سنة الخلفاء، والأئمة الفضلاء، وليس المحدث والبدعة مذموماً للفظ محدث وبدعة ولا لمعناها، فقد قال تعالى: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث وقال عمر:»نعمت البدعة هذه« وإنما يذم من البدعة ما خالف السنة، ويذم من المحدثات ما دعا إلى ضلالة". انتهى.

وقال القرافي (ت 648 هـ) في "الفروق" (4/203): "اعلم أنَّ الأصحاب فيما رأيت متَّفقون على إنكار البدع، والحقُّ التفصيل أنَّها خمسة أقسام" أهـ

وقال الإمام الحافظ المفسر أبو عبد الله القرطبي (ت 671هـ) في "أحكام القران"عند قوله تعالى "بديع السموات" 2/84: "وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه قيل له مبدع، ومنه اصحاب البدع. وسميت البدعة بدعة لأن قائلها ابتدعها من غير فعل أو مقال إمام، وفي البخاري ونعمت البدعة هذه يعني قيام رمضان.
الثانية: كل بدعة صدرت من مخلوق فلا يخلو أن يكون لها أصل في الشرع أو لا، فإن كان لها أصل كانت واقعة تحت عموم ما ندب الله إليه وحض رسوله عيه، فهي في حيز المدح. وإن لم يكن مثاله موجوداً كنوع من الجود والسخاء وفعل المعروف، فهذا فعله من الأفعال المحمودة، وإن لم يكن الفاعل قد سبق إليه. ويعضد هذا قول عمر رضي الله عنه: نعمت البدعة هذه، لما كانت من أفعال الخير وداخلة في حيز المدح، وهي وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد صلاها إلا أنه تركها ولم يحافظ عليها، ولا جمع الناس عليها، فمحافظة عمر رضي الله عنه عليها، وجمع الناس لها، وندبهم إليها، بدعة لكنها بدعة محمودة ممدوحة. وإن كانت في خلاف ما أمر الله به ورسوله فهي في حيز الذم والإنكار قال معناه الخطابي وغيره. قلت: وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في خطبته: وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة، يريد ما لم يوافق كتابا أو سنة، أو عمل الصحابة رضي الله عنهم، وقد بين هذا بقوله: من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء. وهذا إشارة إلى ما ابتدع من قبيح وحسن، وهو أصل هذا الباب، وبالله العصمة والتوفيق، لا رب غيره". انتهى

وقال محمد الزرقاني المالكي (ت 1122هـ) في شرحه للموطأ (ج1/238) عند شرحه لقول عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: "نعمت البدعة هذه" فسماها بدعة لأنه صلى اللّه عليه وسلم لم يسنّ الاجتماع لها ولا كانت في زمان الصديق، وهي لغة ما أُحدث على غير مثال سبق وتطلق شرعًا على مقابل السنة وهي ما لم يكن في عهده صلى اللّه عليه وسلم، ثم تنقسم إلى الأحكام الخمسة. انتهى

وقال الشيخ أحمد بن يحيى الونشريسي  (ت 914هـ)المالكي في كتاب المعيار المعرب (ج1/357-358) ما نصه: "وأصحابنا وإن اتفقوا على إنكار البدع في الجملة فالتحقيق الحق عندهم أنها خمسة أقسام"، ثم ذكر الأقسام الخمسة وأمثلة على كل قسم ثم قال: "فالحق في البدعة إذا عُرضت أن تعرض على قواعد الشرع فأي القواعد اقتضتها ألحقت بـها، وبعد وقوفك على هذا التحصيل والتأصيل لا تشك أن قوله صلى الله عليه وسلم:" كل بدعة ضلالة"، من العام المخصوص كما صرح به الأئمة رضوان الله عليهم".اهـ

المذهب الشافعي:
قال الشافعي رضي الله عنه (ت 204هـ): المحدثات من الأمور ضربان أحدهما ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه البدعة الضلالة، والثاني ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، فهذه محدثة غير مذمومة. رواه البيهقي في (مناقب الشافعي) (ج1/469)، وذكره الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): (13/267).
وروى الحافظ أبو نعيم في كتابه حلية الأولياء ج 9 ص76 عن إبراهيم بن الجنيد قال: حدثنا حرملة بن يحيى قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه يقول: البدعة بدعتان، بدعة محمودة، وبدعة مذمومة. فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم، واحتج بقول عمر بن الخطاب في قيام رمضان: نعمت البدعة هي" اهـ

وقال الامام أبو سليمان الخطابي (ت 388 هـ) رحمه الله تعالى في شرح سنن أبي داود "معالم السنن": "وقوله كل محدثة بدعة فإن هذا خاص في بعض الأمور دون بعض، وكل شيء أحدث على غير أصل من أصول الدين وعلى غير عياره وقياسه. وأما ما كان منها مبنياً على قواعد الأصول ومردود إليها فليس ببدعة ولا ضلالة"

وقال أبو حامد الغزالي (ت 505هـ) في كتابه إحياء علوم الدين، كتاب ءاداب الأكل ج2/3 ما نصه: "وما يقال إنه أبدع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم  فليس كل ما أبدع منهيا بل المنهي بدعة تضاد سنة ثابتة وترفع أمرا من الشرع مع بقاء علته بل الإبداع قد يجب في بعض الأحوال إذا تغيرت الأسباب" اهـ

وقال الإمام الحافظ ابن الأثير (ت 630هـ) في النهاية: «البدعة بدعتان: بدعة هدى وبدعة ضلال. فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو في حيز الذم والإنكار، وما كان واقعاً تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه أو رسوله فهو في حيز المدح، ومالم يكن له مثال موجود كنوع من السخاء والجود وفعل المعروف فهو من الأفعال المحمودة، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد  الشرع به، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل له في ذلك ثواباً فقال: من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها.. وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم.

ومثَّل للبدعة الحسنة بقول عمر في صلاة التراويح: نعمت البدعة ثم قال: وهي على الحقيقة سنة لقوله صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، وقوله: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، وعلى هذا التأويل يحمل الحديث الآخر: كل محدثة بدعة إنما يريد ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة.».

وقال: «والبدعة الحسنة في الحقيقة سنّة، وعلى هذا التأويل يحمل حديث "كل محدثة بدعة" على ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة».

وقال العز بن عبد السلام (ت 660هـ) في كتابه "قواعد الأحكام" (ج2/172-174) : البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرّمة ومندوبة ومكروهة ومباحة ثم قال: والطريق في ذلك أن تُعرض البدعة على قواعد الشريعة، فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فهي محرمة، أو الندب فمندوبة، أو المكروه فمكروهة، أو المباح فمباحة، انتهى.

وقال الإمام الحافظ العلامة أبو شامة المقدسي (ت 665هـ) في (الباعث على إنكار البدع والحوادث):
"فالبدع الْحَسَنَة مُتَّفق على جَوَاز فعلهَا والآستحباب لَهَا ورجاء الثَّوَاب لمن حسنت نِيَّته فِيهَا وَهِي كل مُبْتَدع مُوَافق لقواعد الشَّرِيعَة غير مُخَالف لشَيْء مِنْهَا وَلَا يلْزم من فعله مَحْذُور شَرْعِي وَذَلِكَ نَحْو بِنَاء المنابر والربط والمدارس وخانات السَّبِيل وَغير ذَلِك من أَنْوَاع الْبر الَّتِي لم تعد فِي الصَّدْر الأول فَإِنَّهُ مُوَافق لما جَاءَت بِهِ الشَّرِيعَة من اصطناع الْمَعْرُوف والمعاونة على الْبر وَالتَّقوى"

وقال أيضًا:
"البدعة: الحدث، وهو مالم يكن في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، مما فعله، أو أقر عليه، أو علم من قواعد شريعته الإذن فيه، وعدم النكير. وفي معنى ذلك: ما كان في عصر الصحابة رضي الله عنهم مما أجمعوا عليه قولاً أو فعلاً أو تقريراً، وكذا ما اختلفوا فيه، فإن اختلافهم رحمة مهما كان للاجتهاد والتردد مساغ، وليس لغيرهم إلا الاتباع دون الابتداع. وتعريفه هذا جامعٌ، وليس مانعاً؛ إذ فعلُ الصحابيِّ في عهد التنزيل يُعتبر إحداثاً، فإن أقرَّهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، صار سُنَّة، وبعد انقطاع الوحي أصبح إحداثهم بدعة حسنة مقيسة على الكتاب والسنة، فيعتبرُ سنة حسنة من وجهٍ، لقوله صلى الله عليه وسلم: من سنَّ سُنَّةً حسنةً ... الحديث. فبهذا تقرَّر بأنه غير مانعٍ لورود ما ذكرنا عليه." أهـ

وقال النووى (ت 676هـ) فى شرحه على صحيح مسلم"(6/154-155): قوله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ) هذا عامٌّ مخصوص، والمراد: غالب البدع. قال أهل اللُّغة: هي كلّ شيء عمل عَلَى غير مثال سابق. قال العلماء: البدعة خمسة أقسام: واجبة، ومندوبة، ومحرَّمة، ومكروهة، ومباحة. فمن الواجبة: نظم أدلَّة المتكلّمين للرَّدّ عَلَى الملاحدة والمبتدعين وشبه ذلك. ومن المندوبة: تصنيف كتب العلم وبناء المدارس والرّبط وغير ذلك. ومن المباح: التّبسط في ألوان الأطعمة وغير ذلك. والحرام والمكروه ظاهران، وقد أوضحت المسألة بأدلَّتها المبسوطة في (تـهذيب الأسماء واللُّغات) فإذا عرف ما ذكرته علم أنَّ الحديث من العامّ المخصوص، وكذا ما أشبهه من الأحاديث الواردة، ويؤيّد ما قلناه قول عمر بن الخطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في التّـَراويح: نعمت البدعة، ولا يمنع من كون الحديث عامًّا مخصوصًا قوله: (كُلُّ بِدْعَةٍ) مؤكّدًا بـــــــ كلّ، بل يدخله التَّخصيص مع ذلك كقوله تعالى: {تُدَمّرُ كُلَّ شَىءٍ} [الأحقاف،ءاية 25]اهـ
وقال النووي أيضا "في شرحه على صحيح مسلم"(16/226-227) : قوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا...) إلى ءاخره. فيه: الحث على الابتداء بالخيرات، وسن السنن الحسنات، والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات، وسبب هذا الكلام في هذا الحديث أنه قال في أوله: "فجاء رجل بصرة كادت كفه تعجز عنها فتتابع الناس". وكان الفضل العظيم للبادي بـهذا الخير والفاتح لباب هذا الإحسان. وفي هذا الحديث: تخصيص قوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"، وأن المراد به المحدثات الباطلة والبدع المذمومة.اهـ

وقـال الإمام الحافظ تقي الدين السبكي (ت 756هـ): "البدعة فـي الشرع إنما يراد بها الأمر الحادث الذي لا أصل له في الشرع، وقد يطلق مقيداً، فيقال: بدعة هدى، وبدعة ضلالة". انتهى

وقال الإمام الكرماني (ت 786هـ) في شرحه للبخاري: "البدعة كل شيء عمل على غير مثال سابق، وهي خمسة أقسام: واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة. وحديث (كل بدعة ضلالة) من العام المخصوص" أهـ.

وقال الإمام المحدث الفقيه بدر الدين الزركشي (ت 794هـ) في المنثور في القواعد 1/217: "البدعة : قال ابن درستويه هي في اللغة إحداث سنة لم تكن وتكون في الخير والشر ومنه قولهم فلان بدعة إذا كان مجاوزًا في حذقه، وجعل منه ابن فارس في المقاييس قوله تعالى (قل ما كنت بدعًا من الرسل) أي أول. فأما في الشرع فموضوعه للحادث المذموم، وإذا أريد الممدوح قيدت ويكون ذلك مجازًا شرعيًا، حقيقة لغوية، وفي الحديث كل بدعة ضلالة" أهـ

وقال الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني (ت 852هـ) في الفتح (ج4/298):
قوله قال عمر: "نعم البدعة" في بعض الروايات "نعمت البدعة" بزيادة التاء، والبدعة أصلها ما أحدث على غير مثال سابق، وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة، والتحقيق إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة، وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة وإلا فهي من قسم المباح وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة. انتهى

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، شرح صحيح البخاري، المـجلد الثاني، كِتَاب الْجُمُعَةِ،  باب الأَذَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: "وكل ما لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم يسمى بدعة، لكن منها ما يكون حسنا ومنها ما يكون بخلاف ذلك" اهـ.

وقال في الفتح أيضًا 13/254: "والمراد بقوله كل بدعة ضلالة ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولا عام ". اهـ
وقول الحافظ (عام) أي أنه لا دليل عليه بخصوصه ولكن دل الدليل على أصله.

المذهب الحنبلي:
قال الحافظ الجوزي الحنبلي (ت 597هـ):
"البدعة عبارة عن فعل لم يكن فابتدع، والأغلب في المبتدعات أنها تصادم الشريعة بالمخالفة، وتوجب التعالي عليها بزيادة أو نقص، فإن ابتدع شيء لا يخالف الشريعة، ولا يوجب التعالي عليها فقد كان جمهور السلف يكرهونه، وكانوا ينفرون من كل مبتدع وإن كان جائزاً، حفظاً للأصل وهو الاتباع. وقد قال زيد بن ثابت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما حين قالا له: اجمع القرآن.  كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول  الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال ابن الجوزي: إن القوم كانوا يتحذرون من كل بدعة وإن لم يكن بها بأس لئلا يحدثوا مالم يكن، وقد جرت محدثات لا تصادم الشريعة ولا تتعارض معها، فلم يروا بفعلها بأساً مثل جمع عمر الناس على صلاة القيام في رمضان فقال: نعمت البدعة هذه". انتهى.

وقال أيضًا في تلبيس إبليس 1/26 : "قد بينا أن القوم كانوا يتحذرون من كل بدعة وإن لم يكن بها بأس لئلا يحدثوا ما لم يكن، وقد جرت محدثات لا تصادم الشريعة ولا يتعاطى عليها فلم يروا بفعلها بأسا كما روى أن الناس كانوا يصلون في رمضان وحدانا وكان الرجل يصلي فيصلي بصلاته الجماعة فجمعهم عمر بن الخطاب على أبي بن كعب رضي الله عنهما فلما خرج فرآهم قال نعمت البدعة هذه لأن صلاة الجماعة مشروعة وإنما قال الحسن في القصص نعمت البدعة كم من أخ يستفاد ودعوة مستجابة لأن الوعظ مشروع" أهـ
وقال أيضًا: "ومتى أسند المحدث إلى أصل مشروع لم يذم، فأما إذا كانت البدعة كالمتمم فقد اعتقد نقص الشريعة وإن كانت مضادة فهي أعظم، فقد بان بما ذكرنا أن أهل السنة هم المتبعون وأن أهل البدعة هم المظهرون شيئا لم يكن قبل ولا مستند له ولهذا استتروا ببدعتهم ولم يكتم أهل السنة مذهبهم فكلمتهم ظاهرة ومذهبهم مشهور والعاقبة لهم". اهـ

وقال الشيخ شمس الدين محمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي (ت 709 هـ) في كتابه "المطلع على أبواب المقنع" (ص334) من كتاب الطلاق: "والبدعة مما عُمل على غير مثال سابق، والبدعة بدعتان: بدعة هدى وبدعة ضلالة، والبدعة منقسمة بانقسام أحكام التكليف الخمسة"اهـ.

وقال ابن رجب الحنبلي (ت 795 هـ): «والمراد بالبدعة ما أحدث مما ليس له أصل في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل في الشرع يدلّ عليه فليس ببدعة، وإن كان بدعة لغة»

وقال ابن تيمية (ت 728هـ) في "درء تعارض العقل والنقل" 1/248: "فإن ما خالف النصوص فهو بدعة باتفاق المسلمين وما لم يعلم أنه خالفها فقد لا يسمى بدعة. قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: البدعة بدعتان بدعة، خالفت كتابًا أو سنة أو إجماعًا أو أثرًا عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه بدعة ضلالة، وبدعة لم تخالف شيئًا من ذلك فهذه قد تكون حسنة لقول (عمر نعمت البدعة هذه) هذا الكلام أو نحوه رواه البيهقي بإسناده الصحيح في المدخل" اهـ

وقال المباركفوري (1334 هـ) في "تحفة الأحوذي": "والمراد بالبدعة: ما أُحدث ممَّا لا أصل َله في الشريعة يدلُّ عليه، وأمَّا ما كان له أصل من الشَّرْع يدلُّ عليه، فليس ببدعة شَرْعًا". أهـ

المذهب الظاهري:
قال الحافظ علي بن محمد بن حزم (ت 456هـ):
"البدعة في الدين كل ما لم يأت في القرآن، ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. إلا أن منها ما يُؤجر عليه صاحبه، ويعذر بما قصد إليه من الخير، ومنها ما يؤجر عليه ويكون حسناً، وهو ما كان أصله الإباحة، كما روي عن عمر رضي الله عنه: «نعمة البدعة هذه» وهو ما كان فعل خير وجاء النص بعمومه استحباباً، وإن لم يقرر عمله في النص، ومنها ما يكون مذموماً ولا يعذر صاحبه، وهو ما قامت الحجة على فساده فتمادى القائل به". انتهى.

كلام ابن تيمية في التصوف

قال ابن تيمية:
[وأول من حمل اسم ((صوفي)) هو أبو هاشم الكوفي، الذي ولد في الكوفة، وأمضى معظم حياته في الشام، وتوفى عام(160هـ)، وأول من حدد نظريات التصوف وشرحها هو ((ذو النون المصري)) تلميذ الإمام ((مالك))، وأول من بوبها ونشرها هو((الجنيد)) البغدادي ] اه .
ملحوظة :ابوهاشم الكوفي كان معاصراً للامام المجتهد سفيان الثوري الذي توفي عام 155هـ
قال عنه سفيان الثوري : (( لولا أبو هاشم ماعُرِفت دقائق الرياء )) .
قال ابن تيمية في ( مجموع الفتاوى ) (11/6) :
[أول ما ظهرت الصوفية من البصرة وأول من بنى دويرة الصوفية بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد وعبد الواحد من أصحاب الحسن وكان في البصرة من المبالغة في الزهد والعبادة والخوف ونحو ذلك ما لم يكن في سائر أهل الأمصار ولهذا كان يقال فقه كوفي وعبادة بصرية ] .
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11/282)
[وعبد الواحد بن زيد وأن كان مستضعفاً في الرواية إلا أن العلماء لا يشكون في ولايته وصلاحه ولا يلتفتون إلى قول الجوزجاني فأنه متعنت كما هو مشهور عنه ]
وذكر ابن تيمية في كتابه الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان [أن عبدالواحد ابن زيد من أولياء الرحمن ] !! .
تعريف الصوفي عند ابن تيمية في ( مجموع الفـتاوى ) (11/16) :
[هو ـ أي الصوفي ـ في الحقيقة نوع من الصديقين فهو الصديق الذي اختص بالزهد والعبادة على الوجه الذي اجتهدوا فيه فكان الصديق من أهل هذه الطريق كما يقال : صديقو العلماء وصديقو الأمراء فهو أخص من الصديق المطلق ودون الصديق الكامل الصديقية من الصحابة والتابعين وتابعيهم فإذا قيل عن أولئك الزهاد والعباد من البصريين أنهم صديقون فهو كما يقال عن أئمة الفقهاء من أهل الكوفة أنهم صديقون أيضاً كل بحسب الطريق الذي سلكه من طاعة الله ورسوله بحسب اجتهاده وقد يكونون من أجلّ الصديقين بحسب زمانهم فهم من أكمل صديقي زمانهم والصديق من العصر الأول أكمل منه والصديقون درجات وأنواع ولهذا يوجد لكل منهم صنف من الأحوال والعبادات حققه وأحكمه وغلب عليه وإن كان غيره في غير ذلك الصنف أكمل منه وأفضل منه ]
قال ابن تيبمية في مجموع الفتاوى (جزء 12 – صفحة 36 )
(وأما جمهور الأمة وأهل الحديث والفقه والتصوف فعلى ما جاءت به الرسل وما جاء عنهم من الكتب والاثارة من العلم وهم المتبعون للرسالة اتباعا محضا لم يشوبوه بما يخالفه ) .
التصوف تكلم به الامام أحمد ابن حنبل وسفيان الثوري والداراني وغيرهم
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (جزء 11 – صفحة5 )
( أما لفظ الصوفية فانه لم يكن مشهورا فى القرون الثلاثة وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك وقد نقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ كالامام احمد بن حنبل وأبى سليمان الدارانى وغيرهما وقد روى عن سفيان الثورى أنه تكلم به وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن البصرى) .اهـ ملحوظة : عبارة لم يكن مشهورا لاتنافي انه كان موجود
وقال في مجموع الفتاوى (11/17).
(طائفة ذمت الصوفية والتصوف وقالوا أنهم مبتدعون خارجون عن السنة ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معرفون وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام وطائفة غلت فيهم وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء وكلا طرفي هذه الأمور ذميم , والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطىء وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه عاص لربه وقد انتسب إليهم من أهل البدع والزندقة ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم ).اهـ
يقول ابن تيمية في هذا الباب الفتاوى (11/28 - 29)
( لفظ الفقر والتصوف قد أدخل فيه أمور يحبها الله ورسوله فتلك يؤمر بها ، وإن سميت فقرا وتصوفا ؛ لأن الكتاب والسنة إذا دل على استحبابها لم يخرج ذلك بأن تُسمى باسم أخر . كما يدخل في ذلك أعمال القلوب كالتوبة والصبر والشكر والرضا والخوف والرجاء والمحبة والأخلاق المحمودة .) "اهـ .
مجموع فتاوي ابن تيمية - كتاب التصوف (ج5 ص3)
(و «أولياء الله» هم المؤمنون المتقون، سواء سمي أحدهم فقيراً أو صوفياً أو فقيهاً أو عالماً أو تاجراً أو جندياً أو صانعاً أو أميراً أو حاكماً أو غير ذلك." اهـ)
قال ابن تيمية مجموع الفتاوى (جزء 20 - صفحة 63)
(ثم هم إما قائمون بظاهر الشرع فقط كعموم أهل الحديث والمؤمنين الذين فى العلم بمنزلة العباد الظاهرين فى العبادة وإما عالمون بمعاني ذلك وعارفون به فهم فى العلوم كالعارفين من الصوفية الشرعية فهؤلاء هم علماء أمة محمد المحضة وهم أفضل الخلق وأكملهم وأقومهم طريقة والله أعلم) اه
قال في ( مجموع الفتاوى ) (11/16) :
[ وهم يسيرون بالصوفي إلى معنى الصديق وأفضل الخلق بعد الأنبياء الصديقون ] .
مجموع الفتاوى [ جزء 7 – صفحة 190 ]
( فإن أعمال القلوب التى يسميها بعض الصوفية أحوالا ومقامات أو منازل السائرين الى الله أو مقامات العارفين أو غير ذلك كل ما فيها مما فرضه الله ورسوله فهو من الإيمان الواجب وفيها ما أحبه ولم يفرضه فهو من الإيمان المستحب فالأول لابد لكل مؤمن منه ومن اقتصر عليه فهو من الابرار اصحاب اليمين ومن فعله وفعل الثانى كان من المقربين السابقين وذلك مثل حب الله ورسوله بل أن يكون الله ورسوله أحب اليه مما سواهما بل أن يكون الله ورسوله والجهاد فى سبيله أحب إليه من أهله وماله ومثل خشية الله وحده دون خشية المخلوقين ورجاء الله وحده دون رجاء المخلوقين والتوكل على الله وحده دون المخلوقين والإنابة إليه مع خشيته كما قال تعالى هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ومثل الحب فى الله والبغض فى الله والموالاة لله والمعاداة لله) اه .
ابن تيمية يذكي رجال التصوف ويثني عليهم
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (ج10. ص516ـ517)
(فأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشائخ السلف مثل الفضيل بن عياض، وإِبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والسري السقطي، والجنيد بن محمد، وغيرهم من المتقدمين، ومثل الشيخ عبد القادر [الجيلاني]، والشيخ حماد، والشيخ أبي البيان، وغيرهم من المتأخرين، فهم لا يسوِّغون للسالك ولو طار في الهواء، أو مشى على الماء، أن يخرج عن الأمر والنهي الشرعيين، بل عليه أن يفعل المأمور، ويدع المحظور إِلى أن يموت. وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإِجماع السلف وهذا كثير في كلامهم) اهـ.
قال ابن تيمية يصف الجنيد وعبد القدر الجيلاني بأنهم أئمة الصوفية في مجموع الفتاوى )ص(369/8
[و أما أئمة الصوفية و المشايخ المشهورون من القدماء مثل الجنيد بن محمد و أتباعه و مثل الشيخ عبد القادر و أمثاله فهؤلاء من أعظم الناس لزوماً للأمروالنهي و توصية بإتباع ذلك , و تحذيرا من المشي مع القدر كما مشى أصاحبهم أولئك و هذا هو الفرق الثاني الذي تكلم فيه الجنيد مع أصحابه , والشيخ عبد القادر كلامه كله يدور على إتباع المأمور و ترك المحظور والصبر على المقدور ولا يثبت طريقاً تخالف ذلك أصلا, لاهو ولا عامة المشايخ المقبولين عند المسلمين و يحذر عن ملاحظة القدر المحض بدون إتباع الأمر و النهي ] اهـ .
قال ابن تيمية متحدثاً عن الشيخ عبدالقادر الجيلاني : في مجموع الفتاوي ( 8/303)
قُلْت :[وَلِهَذَا يَقُولُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ-
كَثِيرٌ مِنْ الرِّجَالِ إذَا وَصَلُوا إلَى الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ أَمْسَكُوا وَأَنَا انْفَتَحَتْ لِي فِيهِ رَوْزَنَةٌ فَنَازَعْتُ أَقْدَارَ الْحَقِّ بِالْحَقِّ لِلْحَقِّ وَالرَّجُلُ مَنْ يَكُونُ مُنَازِعًا لِقَدَرِ لَا مُوَافِقًا لَهُ وَهُوَ - رضي الله عنه - كَانَ يُعَظِّمُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَيُوصِي بِاتِّبَاعِ ذَلِكَ وَيَنْهَى عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِالْقَدَرِ ] .
قال ابن تيميه في مجموع الفتاوى (ج10 -ص 884)
[والشيخ عبد القادر من أعظم شيوخ زمانهم أمرا بالتزام الشرع والأمر والنهى وتقديمه على الذوق، ومن أعظم المشائخ أمرا بترك الهوى والاراده النفسي]
مجموع فتاوي ابن تيمية (ج5 ص321)
(والجنيد وأمثاله أئمة هدى، ومن خالفه في ذلك فهو ضال. وكذلك غير الجنيد من الشيوخ تكلموا فيما يعرض للسالكين وفيما يرونه في قلوبهم من الأنوار وغير ذلك؛ وحذروهم أن يظنوا أن ذلك هو ذات الله تعالى)." اهـ.
قال ابن تيميه في كتابه ( الفرقان ص98) متحدثاً عن الامام الجنيد
مانصه [فان الجنيد قدس الله روحه من أئمة الهدى].
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (جزء 14 - صفحة 355 )
(فمن سلك مسلك الجنيد من أهل التصوف و المعرفة كان قد اهتدى و نجا و سعد)
ابن تيمية يصف أعلام التصوف ورجاله ( بمشايخ الاسلام وأئمة الهدى)
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوي (ج2 ص452)
(أنهمْ مشائخ الإسلام وأئمة الهدى الَّذيْن جعلَ اللّهُ تعالَى لهم لسْان صدق في الأمةِ، مثْلَ سعْيد بنُ المسيبِ، والحسْن البصريِّ، وعمرْ بنُ عبد العزيز، ومالْك بنُ أنسْ، والأوزاعي، وإبراهيْم بنْ أدهم، وسفْيان الثوري، والفضيّل بنُ عياض، ومعروف الكرّخْي، والشافعي، وأبي سليْمان، وأحمد بنَ حنبل، وبشرُ الحافي، وعبد اللّهِ بنُ المبارك، وشقيّق البلّخِي، ومن لا يحصَّى كثرة.
إلى مثْلَ المتأخرينَ: مثْلَ الجنيد بن محمد القواريري، وسهَلْ بنُ عبد اللّهِ التسْتري، وعمرُ بنُ عثمان المكي، ومن بعدهم ـ إلى أبي طالبَ المكي إلى مثْل الشيْخ عبد القادرِ الكيلاني، والشّيْخ عدّي، والشيْخ أبي البيْان، والشيخ أبي مدين، والشيخ عقيل، والشيخ أبي الوفاء، والشيخ رسلان، والشيخ عبد الرحيم، والشيخ عبد الله اليونيني، والشيخ القرشي، وأمثال هؤلاء المشايخ الذين كانوا بالحجْازِ والشّام والعرْاق، ومصْر والمغرْب وخرّاسْان، من الأوليْنِ والآخريْنِ]." اهـ.
(مجموع فتاوى ابن تيمية – كتاب السلوك – فصل في تزكية النفس)
"[وكذلك ما ذكره معلقا قال: قال الشبلي بين يدي الجنيد: لا حول ولا قوةً إلا بالله. فقال الجنيد: قولك ذا ضيق صدر، وضيق الصدر لترك الرضا بالقضاء. فإن هذا من أحسن الكلام، وكان الجنيد ـ رضي الله عنه ـ سيد الطائفة، ومن أحسنهم تعلميا وتأديبا وتقويما ـ وذلك أن هذه الكلمة كلمة استعانة؛ لا كلمة استرجاع، وكثير من الناس يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع، ويقولها جزعا لا صبرا. فالجنيد أنكر على الشبلي حاله في سبب قوله لها، إذ كانت حالاً ينافي الرضا، ولو قالها على الوجه المشروع لم ينكر عليه."]

صحة حديث توسل آدام بالنبي صلى الله عليه وسلم

الفتوح الربانية في حديث توسل سيدنا آدم بسيدنا محمد خير البرية
(منقول)

1- سيدنا آدم عليه السلام يتوسل بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم
فقد روى سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد إلا غفرت لي فقال الله تعالى يا آدم كيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟ قال: يا رب إنك لما خلقتني رفعت رأسي فرأيت علي قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله تعالى صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلى وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك ولو لا محمد ما خلقتك)

أخرجه البيهقي في كتابه دلائل النبوة (٥/٤٨٩) والحاكم (٢/٦١٥) و والطبراني في الأوسط (٦٤٩٨) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال رواه الطبراني في الأوسط وفيه من لم أعرفهم (ج ٨ ص ٢٣٥) وقد حقق الإمام تقي الدين السبكي في كتابه: شفاء الأسقام أن هذا الحديث لا ينزل عن درجة الحسن.....دفع شبه من شبه وتمرد ج ١/ص ٧٢
وجاء من طريق آخر عن ابن عباس بلفظ : فلولا محمد ما خلقت آدم ولا الجنة ولا النار .
رواه الحاكم في المستدرك ( ج2 ص615 ) وقال : صحيح الإسناد
فاليكم الأتي.
1- هذا الحديث صحح إسناده الإمام الحاكم فقد اخرجه
وقال صحيح الإسناد وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم
(2/615)
2- صححه الإمام السبكي
فقد حقق الإمام تقي الدين السبكي في كتابه: شفاء الأسقام أن هذا الحديث لا ينزل عن درجة الحسن ( ومن قال ان الإمام السبكي اخذ تصحيحه فقط من الحاكم فنقول نعم وحقق في كتابه ان الحديث حسن فلتراجع أقواله)
( في شفاء السقام ص 120 )
3- الإمام ابن الجوزي
حيث نقل عنه ابن تيميه رواية صحيحة كما سنوردها
أخرجها ابن الجوزي في الوفا بفضائل المصطفى من طريق ابن بشران، نقلها عنه ابن تيمية في الفتاوي (2/159) مستشهداً به وهي ترفع الحديث ليكون حسناً لغيره ويحتج به بلا منازع.

4- صححه الإمام تقي الدين الحصني الدمشقي 752هـ:829 هـ
دفع شبه من شبه وتمرد ج 1/ص 72
5- الإمام القسطلاني (ت 923 هـ)
في المواهب اللدنية ( ج 1 ص 16)
6- قال برفعه وكذلك شاهد له الإمام الزرقاني في شرح المواهب كما سنوضح بالنقل والبرهان
( ج 1 ص 86 طبعة دار الكتب العلمية لبنان تحقيق محمد عبدالعزيز الخالدي)
7- الإمام السمهودي ( 844هـ ـ 911هـ )
في وفاء الوفا 2 : 419
8- ذكره الحافظ السيوطي في الخصائص النبوية ص 49
وصححه كما سنبرهن على ذلك وقد ذكر في بداية كتابه (قال الإمام السيوطي في مقدمة الخصائص (1/8): "ونزهته عن الأخبار الموضوعة وما يرد")
وها وإن دل فإنما يدل على أن الحديث ليس بموضوع عند الحافظ السيوطي بأي حال من الأحوال بل صححه كما سنرى.
# تحليل حديث توسل سيدنا آدم بالنبي محمد عليهم الصلاة والسلام
هذا الحديث قد طعن فيه البعض واختلف علماء الحديث في ما بين صحته وضعفه وتشدد البعض وحكم بوضعه وهذا الحديث قد صح بكثرة طرقه وتعدد أسانيده.
وقد اختلف علماء الحديث في الكثير من الأحاديث النبوية
ويظهر جليا أن هذا الحديث لا ينزل عن مرتبه الحسن كما صرح بذلك العلامة الإمام السبكي رحمه الله
1- وقد حكم عليه الإمام الذهبي بالبطلان من طريق واحد وهو على جلالة قدره لم يطلع على الطريق الأخر وسنده مسلسل بالثقات خلا رواى صدوق كما سنوضح.
2- قال الإمام البيهقي في طريق عبدالرحمن (تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، من هذا الوجه، وهو ضعيف) وهذا يدل على أن الحديث ليس بموضوع عند الإمام البيهقي وحكم بضعف عبدالرحمن وليس المتن فقد نقله البيهقي في كتابه الذي شرط فيه ألا يخرج الموضوعات والذي قال فيه الذهبي: عليك به فإنه كله هدى ونور.
[كذا في شرح المواهب وغيره].
وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف وليس وضاع فعبد الرحمن ليس بكذاب ولا متهم بل هو ضعيف فقط ومثله لا يجعل الحديث موضوعا بأي حال من الأحوال
والحاصل أن الحديث الذي حكم عليه الإمام الذهبي ولم يقف على طرقه الأخرى تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من من بعض الطرق وهو ضعيف كما قال البيهقي
و ابن عدي لم يضعفه فإنه في الكامل قال (4/1585)
( له أحاديث حسان … وهو ممن احتمله الناس وصدقه بعضهم وهو ممن يكتب حديثه . اهـ .
أي ان عبد الرحمن في الأصل ليس بوضاع ولا متهم .
وقد حسن له الحافظ المنذري
ذكر الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب حديث " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه " قال عقبه ما نصه:" رواه ابن ماجه من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقد وُثِّق، قال ابن عدي أحاديثه حِسَان وهو ممن احتمله الناس وصدقه بعضهم وهو ممن يكتب حديثه " ا.هـ.
والإمام أحمد بن حنبل روى لعبد الرحمن بن زيد في مسنده
((والإمام أحمد لم يرو في المسند حديثاً موضوعاً كما قال الحافظ في – القول المسدد في الذَّبِّ عن مسند الإمام أحمد – فرواية أحمد لعبد الرحمن بن زيد في المسند دليل على أنه لم يصل في الضعف إلى حد أن يكون حديثه موضوعا.))
ونقول أنظر ماذا قال فيه ابن تيمية في مجموع فتاويه
( 15 / 67) قال :
( عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقد كان إماما وأخذ التفسير عن أبيه زيد وكان زيد إماما فيه ومالك وغيره أخذوا عنه التفسير وأخذه عنه عبد الله ) اهـ هـ
ولحديث توسل آدم بالنبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم شاهداً قوياً يرفعه على الأقل لدرجة الحسن .
فاليكم الشاهد الذي اورده ابن تيمية في مجموع فتاويه
((قد أخرج الحافظ أبو الحسن بن بشران قال : حدثنا أو جعفر محمد ابن عمرو، حدثنا أحمد بن سحاق بن صالح، ثنا محمد بن صالح، ثنا محمد ابن سنان العوقي، ثنا إبراهيم بن طهمان، عن بديل بن ميسرة، عن عبد الله بن شقيق، عن ميسرة قال: قلت: يا رسول الله، متى كنت نبياً ؟ قال:
(( لما خلق الله الأرض واستوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ، وخلق العرش،كتب على ساق العرش: محمد رسول الله خاتم الأنبياء، وخلق الله الجنة التي أسكنها آدم وحواء، فكتب اسمي على الأبواب، والأوراق والقباب، والخيام،وآدم بين الروح والجسد،فلما أحياه الله تعالى: نظر إلى العرش فرأى اسمي فأخبره الله أنه سيد ولدك، فلما غرهما الشيطان ، تابا واستشفعا باسمي إليه ) .
وأخرجه ابن الجوزي في الوفا بفضائل المصطفى من طريق ابن بشران، نقله عنه ابن تيمية في الفتاوي (2/159) مستشهداً به .
فهذا الطريق إسناده مسلسل بالثقات ما خلا راوٍ واحد صدوق .
وحتى ابن تيمية اورد حديث اخر وقال في اخره فهذا الحديث يؤيد الذي قبله وهما كالتفسير للاحاديث الصحيحة فتأمل قال ابن تيمية:-
(روى أبو نعيم الحافظ في كتاب دلائل النبوة ومن طريق الشيخ أبي الفرج حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن رشيد حدثنا أحمد بن سعيد الفهري حدثنا عبد الله بن إسماعيل المدني عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصاب آدم الخطيئة رفع رأسه فقال: يا رب، بحق محمد إلا غفرت لي فأوحى إليه وما محمد؟ ومن محمد؟ فقال: يارب إنك لما أتممت خلقي رفعت رأسي إلى عرشك فإذا عليه مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنه أكرم خلقك عليك إذ قرنت اسمه مع اسمك فقال: نعم، قد غفرت لك وهو آخر الأنبياء من ذريتك، ولولاه ما خلقتك".
فهذا الحديث يؤيد الذي قبله وهما كالتفسير للأحاديث الصحيحة
[مجموع الفتاوى لابن تيمية ج2 ص159]
قلت : فهذا يدل على أن الحديث عند ابن تيمية صالح للاستشهاد والاعتبار لأن الموضوع أو الباطل لا يستشهد به عند المحدثين وأنت ترى أن الشيخ استشهد به هنا على التفسير.!!!!
سند الشاهد
أبو جعفر محمد بن عمرو
(وهو ابن البختري الرزاز ، ثقة ثبت )
وله ترجمة في تاريخ بغداد (3/132) .
وأحمد بن إسحاق بن صالح
( هو أبو بكر الوزان ، صدوق على الأقل )
وله ترجمة في تاريخ بغداد أيضاً (4/28)
ومحمد بن صالح
(هو أبو بكر الأنماطي المعروف بكيلجة ، ثقة حافظ من رجال التهذيب ، ويمكن أن يكون هو محمد بن صالح الواسطي كعب الذراع، ثقة أيضاً)
ومترجم في تاريخ الخطيب (5/360) والاختلاف في تعيين الثقة لا يضر .
ومحمد بن سنان العوقي فمن فوقه ثقات من رجال التهذيب فلتراجعهم
إن هذا الإسناد من شرط الحسن على الأقل ويصححه من يدخل الحسن في الصحيح
وجاء الشاهد ايضاً في سبل الهدى والرشاد للإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي المتوفي سنة 942 هـ
قال بنصه في الباب الخامس في كتابة أسمه الشريف مع اسم الله تعالى على العرش وسائر ما في الملكوت وما وجد على الحجارة القديمة في نقش اسمه صلى الله عليه وسلم
(وروى ابن الجوزي بسند جيد لا بأس به، عن ميسرة رضي الله تعالى عنه قال: قلت يا رسول الله، متى كنت نبيا ؟ قال: " لما خلق الله الأرض واستوى إ
لى السماء فسواهن سبع سماوات وخلق العرش كتب على ساق العرش: محمد رسول الله خاتم الأنبياء.
وخلق الله تعالى الجنة التي أسكنها آدم وحواء، فكتب اسمي على الأوراق والأبواب والقباب والخيام، وآدم بين الروح والجسد، فلما أحياه الله تعالى نظر إلى العرش فرأى اسمي، فأخبره الله تعالى أنه سيد ولدك.
فلما غرهما الشيطان تابا واستشفعا باسمي إليه ".
وقد أشار إليه الإمام مالك رضي الله عنه في القصة الصحيحة التي لا غبار عليها
قصه الخليف المنصور مع الإمام مالك رضي الله عنه
(((حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الأشعري ، وأبو القاسم أحمد بن بقي الحاكم ، وغير واحد ، فيما أجازونيه ، قالوا : أنبأنا أبو العباس أحمد بن عمر بن دلهاث ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن فهر ، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الفرج ، حدثنا أبو الحسن عبد الله بن المنتاب ، حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثنا ابن حميد ] ، قال : ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ...الخ
إلي أن قال
فاستكان لها أبو جعفر ، وقال : يا أبا عبد الله ، أستقبل القبلة ، وأدعو أم أستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : ولم تصرف وجهك عنه ، وهو وسيلتك ، ووسيلة أبيك آدم - عليه السلام - إلى الله - تعالى - يوم القيامة ؟ بل استقبله ، واستشفع به ، فيشفعه الله ، قال الله - تعالى - : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم [ النساء : 64 ] الآية .)) انتهي الشفا ٢:٤١
وهذه القصة صحيحة لا غبار عليها وتدل على أن الإمام مالك يري الخير في استقبال النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء والاستشفاع به وأنه هو الوسيلة صلى الله عليه وسلم.
فالقصة كما نرى تشير إلى حديث توسل سيدنا آدم عليه السلام بسيدنا محمد بقول الإمام مالك وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام "
وترجح اخذ الإمام مالك رضي الله عنه بصحة الحديث والإقرار به!!!
وقد أخرج هذه القصة
رواها أبو الحسن على بن فهر في كتابه فضائل مالك
رواها القاضي عياض في الشفا 2:41 بسنده الصحيح عن شيوخ عده من ثقات مشايخه
وقال الخفاجي في شرحه 3:398 ( ولله دره حيث أوردها بسند صحيح وذكر أنه تلقاها عن عدة من ثقات مشايخه)
وذكرها القسطلاني في المواهب 4:580
وقال الزرقاني شارح المواهب في شرحه (8:304 ) بعد ذكر من أنكرها فقال ( وهذا تهور عجيب فإن الحكاية رواها أبو الحسن على بن فهر في كتابه فضائل مالك بإسناد حسن, وأخرجها القاضي عياض في الشفاء من طريقه عن عده من ثقات مشائخه, فمن أين أنها كذب؟ وليس في لسنادها وضاع ولا كذاب)
ونقلها السمهودي في وفاء الوفا ج 2 ص 422 عن القاضي عياض
وقال ابن حجر في الجوهر المنظم قد روي هذا بسند صحيح
المدخل 1 / 248، 252
والفواكه الدواني 2 / 466
وشرح أبي الحسن على رسالة القيرواني 2 / 478، والقوانين الفقهية 148.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
وهناك أخبار وردت هي كالشواهد لهذا الحديث وقد أوردنا الرواية الصحيحة عن ميسرة من قبل
من الأخبار التي وردت وهي كالشواهد لهذا الحديث :
1- ما أخرجه ابن المنذر في تفسيره عن محمد بن على بن حسين بن على عليهم السلام قال : لما أصاب آدم الخطيئة عظم كربه واشتد ندمه فجاءه جبريل عليه السلام فقال :
((يا آدم ! هل أدلك علي باب توبتك الذي يتوب الله عليك منه ؟ قال : بلى يا جبريل ، قال : قم في مقامك الذي تناجي فيه ربك فمجده وامدح ، فليس شيء أحب إلى الله من المدح ، قال : فأقول ماذا يا جبريل ؟ قال : فقل : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير كله وهو علي كل شيء قدير ، ثم تبوء بخطيئتك فتقول : سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت رب إني ظلمت نفسي وعملت السوء فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، اللهم إني أسألك بجاه محمد عبدك وكرامته عليك أن تغفر لي خطيئتي)). قال : ففعل آدم ، فقال الله : يا آدم ! من علّمك هذا ؟ فقال : يا رب ! إنك لما نفخت فيَّ الروح فقمت بشراً سوياً أسمع وأبصر وأعقل وأنظر رأيت علي ساق عرشك مكتوباً بسم الله الرحمن الرحيم ، لا إله إلا وحده لا شريك له محمد رسول الله ، فلما لم أر علي أثر اسمك اسم ملك مقرب ، ولا نبي مرسل غير اسمه علمت أنه أكرم خلقك عليك ، قال : صدقت ، وقد تبت عليك وغفرت لك .(كذا في الدر المنثور للسيوطي ج ١ ص ١٤٦) .
ومحمد بن على بن الحسين هو أبو جعفر الباقر من ثقات التابعين وساداتهم خرّج له الستة ، روى عن جابر وأبي سعيد وابن عمر وغيرهم
2- ما رواه أبو بكر الأجري في كتاب الشريعة
قال: حدثنا هارون بن يوسف التاجر، ثنا أبو مروان العثماني، حدثني أبو عثمان بن خالد، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه أنه قال: من الكلمات التي تاب الله بها علي آدم قال: اللهم إني أسألك بحق محمد عليك قال الله تعالى وما يدريك ما محمد، قال: يا رب رفعت رأسي فرأيت مكتوباً علي عرشك لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنه أكرم خلقك.
كتاب الشريعة ص ٤٢٧
3- ما اخرجه ابن عساكر عن كعب الاحبار قال ان الله انزل على آدم عصيا بعدد الأنبياء والمرسلين ثم اقبل على ابنه شيث فقال أي بني انت خليفتي من بعدي فخذها بعمارة التقوى والعروة الوثقى فكلما ذكرت الله فاذكر الى جنبه اسم محمد {صلى الله عليه وسلم} فإني رأيت اسمه مكتوبا على ساق العرش وأنا بين الروح والطين ثم إني طفت السموات فلم أر في السموات موضعا إلا رأيت اسم محمد مكتوبا عليه وأن ربي اسكنني الجنة فلم ار في الجنة قصرا ولا غرفة إلا اسم محمد مكتوبا عليه ولقد رأيت اسم محمد مكتوبا على نحور الحور العين وعلى ورق قصب آجام الجنة وعلى ورق شجرة طوبى وعلى ورق سدرة المنتهى وعلى أطراف الحجب وبين اعين الملائكة فأكثر ذكره فان الملائكة تذكره في كل ساعاتها.
انظر الخصاءص الكبرى للسيوطي و(المواهب اللدنية ج1 ص186) .
4- أخرج الحاكم نفسه شاهدا له عن ابن عباس فقد روى بسنده المتصل إلى قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال:
(( أوحى اللهُ إلى عيسى عليه السلام يا عيسى آمِن بمحمد وَأْمُر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به فلولا محمد ما خلقتُ آدم ولولاه ما خلقتُ الجنة والنار ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله فسكن "قال الحاكم حديث صحيح الإسناد الحاكم في المستدرك ( ج2 ص615 )
5- قال : الديلمي في مسند الفردوس وذلك بسنده المتصل إلى عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن ابن عباس مرفوعا
" أتاني جبريل فقال يا محمد إن الله يقول لولاك ما خلقتُ الجنة ولولاك ما خلقتُ النار)
6- ويشهد للحديث والشواهد ابيات مدح العباس رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم والتي تشير للاحاديث السابقة عند الحاكم والديلمي بقوله:
من قبل طبت في الظلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لابشر أنت... نسراً وأهله الغرق
تنقل من صلب إلى رحم....إذا مضى عالم بدا طبق
ووردت نار الخليل مستتراً.....في صلبه أنت كيف يحترق
حتى احتوى بيتك المهمين من ...خندف علياء تحتها النطق.
أنتهى.
الاستيعاب (3\340)
وذكرها الحافظ ابن حجر العسقلاني في ترجمة خريم وقال رواها ابن خثيمة والبزار وابن شاهين
الاصابة (1\433)
ورواها الحاكم في المستدرك عن خريم واقره الذهبي فقال: رواية الأعراب عن أبائهم وملهم لا يضعون
(المستدرك وتلخيصه 3\337)
وذكرها الحافظ ابن كثير في السيرة (1\195)
ومن هنا نقول إن حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قصة توسل آدم عليه السلام ليس بموضوع ولا تسمح القواعد الحديثية أن تكون موضوعاً والصواب أن الحديث منجبر بحديث ميسرة الفجر وهو حديث قوي كما سبق آنفاً وبأثر الباقر والعباس وغيرهم رضي الله عنهم وبذلك يكون حديث توسل آدم حسناً لغيره فيحتج به بلا نـزاع.

ولله در العلامة النحوي الفقيه محمد بن علي بن يحيى الغرناطي الشهير بالشامي عندما قال متوسلا:
جرمي عظيم يا عفُوُّ وإنني بمحمد أرجـو التسامح فيه
فقـد توسـل آدم مـن ذنبه وقد اهتدى من يقتدي بأبيه

وقد احتج به الائمة في كتبهم و من استشهد بهذا الحديث من الائمه الأعلام والمفسرين ومن المعلوم أن الموضوع لا يصلح للاستشهاد
الدر المنثور ج١/ص١٤٢
للإمام السيوطي
تفسير السمرقندي ج١/ص٧٢
فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم
سورة البقرة ٣٧
((فتلقى آدم يعني استقبلته الكلمات من ربه يقال تلقيت فلانا بمعنى استقبلته ومعنى ذلك كله أن الله تعالى ألهمه بكلمات فاعتذر بتلك الكلمات وتضرع إليه فتاب الله عليه , وقال مجاهد تلك الكلمات هي قوله تعالى قالا ربنا ظلمنا أنفسنا الأعراف ٢٣ الآية وقال بعضهم قال بحق محمد أن تقبل توبتي قال الله تعالى له من أين عرفت محمدا قال رأيت في كل موضع من الجنة مكتوبا لا إله إلا الله محمدا رسول الله فعلمت أنه أكرم خلقك عليك فتاب الله عليه.)) اهـ
تفسير الثعلبي ج ١/ص ١٨٤
عكرمة عن سعيد بن جبير في قوله فتلقّى آدم من ربه كلمات قالا قوله ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين وكذلك قاله الحسن ومجاهد , وقال بعضهم نظر آدم ج الى العرش فرأى علي ساقه مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر الصدّيق عمر الفاروق فقال يا ربّ أسألك بحقّ محمد أنْ تغفر لي فغفر له.
المعجم الأوسط ج ٦/ص ٣١٣
((حدثنا محمد بن داود ثنا أحمد بن سعيد الفهري ثنا عبد الله بن إسماعيل المدني عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أذنب آدم ٢١٠٤ ب الذي أذنبه رفع رأسه إلى العرش فقال أسألك بحق محمد إلا غفرت لي فأوحى الله إليه وما محمد ومن محمد فقال تبارك اسمك لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنه ليس أحد أعظم عندك قدرا ممن جعلت اسمه مع اسمك فأوحى الله إليه يا آدم إنه آخر النبيين من ذريتك وإن أمته آخر الأمم من ذريتك ولولا هو يا آدم ما خلقتك.)) اهـ
الحافظ ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ج ٧/ص ٣٨٦
((قال ونا عبد الله بن محمد حدثني محمد بن المغيرة المازني حدثني أبي قال أخبرني رجل من أهل الكوفة من عباد الناس من الأنصار قال حدثني عبد الرحمن بن عبد ربه المازني من أهل البصرة عن شيخ من أهل المدينة من أصحاب عبد الله بن مسعود قال لما أصاب آدم الذنب نودي أن أخرج من جواري فخرج يمشي بين شجر الجنة فبدت عورته فجعل ينادي العفو العفو فإذا شجرة قد أخذت برأ سه فظن أنها أمرت به فنادى بحق محمد ألا عفوت عني فخلي عنه ثم قيل له أتعرف محمدا قال نعم قيل وكيف قال لما نفخت في يا رب الروح رفعت رأسي إلى العرش فإذا فيه مكتوب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمت أنك لم تخلق خلق أكرم عليك منه)) اهـ
الإمام الحافظ الثقة الديلمي الهمذاني ولد سنة 445 وتوفي سنة 509 في الفردوس بمأثور الخطاب ج ٣/ص ١٥١
((فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه فقال إن الله أهبط آدم بالهند وحواء بجدة وإبليس ببيسان والحية بأصبهان وكان للحية قوائم كقوائم البعير ومكث آدم بالهند مائة سنة باكيا علي خطيئته حتى بعث الله إليه جبريل عليه السلام قال يا آدم ألم أخلقك بيدي ألم أنفخ فيك من روحي ألم أسجد لك ملائكتي ألم أزوجك حواء أمتي قال نعم قال فما هذا البكاء قال وما يمنعني من البكاء وقد أخرجت من جوار الرحمن قال فعليك بهذه الكلمات التي أعلمكهن فإن الله قابل توبتك وغافر ذنبك قال وما هن قال قل اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي تب على إنك أنت التواب الرحيم فهؤلاء الكلمات التي تلقى آدم)) اهـ
الإمام الخطيب الشربيني في مغني المحتاج ج ١/ص ٥١٢
((ويستشفع به إلى ربه لما روى الحاكم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد صلى الله عليه وسلم إلا ما غفرت لي فقال الله تعالى وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه قال يا رب لأنك لما خلقتني ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت في قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله فعرفت أنك لم تضف إلى نفسك إلا أحب الخلق إليك فقال الله تعالى صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلى إذ سألتني به فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك قال الحاكم هذا صحيح الإسناد .)) اهـ
الإمام برهان الدين الحلبي في السيرة الحلبية ج ١/ص ٣٥٤
((وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اقترف آدم الخطيئة قال يارب أسألك بحق محمد صلى الله عليه وسلم إلا غفرت لي قال وكيف عرفت محمدا وفي لفظ كما في الوفاء وما محمد ومن محمد قال لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت علي قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك قال صدقت يا آدم ولولا محمد لما خلقتك أي وفي لفظ كما في الشفاء قال آدم لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنه ليس أحد أعظم قدرا عندك ممن جعلت اسمه مع اسمك فأوحى الله تعالى إليه وعزتي وجلالي إنه لآخر النبيين من ذريتك ولولاه ما خلقتك .)) اهـ
سلاح المؤمن في الدعاء ج ١/ص ١٣٠
((وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه قال يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت علي قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله فعرفت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله تعالى صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلى أما إذ سألتني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما غفرت لك وما خلقتك رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد.)) اهـ
سيرة النبي المختار ج ١/ص ٩٦
((وذكر جماعة من علماء التفسير في قوله تعالى فتلقىءادم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم سورة البقرة ٢ ٣٧ أن آدم توسل بمحمد عليهما الصلاة والسلام إلى ربه في غفران ذنبه فغفر له)) اهـ
الواقدي في فتوح الشام ج١/ص١٨٠
((فرفع العباس رضي الله عنه عند يديه وعلي رضي الله عنه كذلك وقالا اللهم انا نتوسل بهذا النبي المصطفى والرسول المجتبى الذي توسل به آدم فأجبت دعوته وغفرت خطيئته الا سهلت على عبد الله طريقه وطويت له البعيد وأيدت أصحاب نبيك بالنصر انك سميع الدعاء)) اهـ
الإمام ابن كثير اورده وتوقف في الحكم على الحديث بعد ان اورد كلام الإمام البيهقي عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقال الإمام ابن كثير والله أعلم.
وهذا يدل على أنه يصلح للاستشهاد عنه ولم يحكم بوضعه كما يقول البعض بل استشهد به .
قال في البداية والنهاية ج ١/ص ٨١
((وروى الحاكم أيضا والبيهقي وابن عساكر من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد أن غفرت لي فقال الله فكيف عرفت محمدا ولم أخلقه بعد فقال يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت علي قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك قال البيهقي تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من هذا الوجه وهو ضعيف والله أعلم.)) اهـ
وقد استدل به الإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي المتوفي سنة 942 هـ في سبل الهدى والر شاد كما سبق والإمام السبكي والإمام السمهودي وابن الجوزي وغيرهم الكثير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملحوظة على سبيل الاستئناس
ورد في إنجيل برنابا الذي قال أكثر العلماء أن البشارة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وردت فيه.
فلنرى كيف وردت البشارة.
حتى تفيقوا وها هو الإنجيل الذي قيل أنه غير محرف في بشارته بخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم أيضا ينص على معنى الحديث وليس لنا حاجة إليه بل نورده على سبيل الاستئناس فقط!!!!!
فنرى كيف كانت البشارة في إنجيل برنابا.
في إنجيل برنابا الفصل الحادي والأربعون ( ٢٦ - ٣٤ )
" حينئذ قال الله : انصرف أيها اللعين من حضرتي فانصرف الشيطان ثم قال الله لآدم وحــواء اللذين كأنا ينتحبان : اخرجــا من الجنــة وجـــاهدا أبدانكما ولا يضعف رجاؤكما لأني أرسل ابنكما علي كيفية يمكن بها لذريتكما أن ترفع سلطة الشيطان عن الجنس البشري لأني سأعطى رسولي الذي سيأتي كل شيء فاحتجب الله وطردهما الملاك ميخائيل من الفردوس فلما التفت آدم رأى مكتوبا فوق الباب : لا إله إلا الله محمد رسول فبكى عند ذلك وقال : أيها الابن عسى الله أن يريد أن يأتي سريعا وتخلصنا من هذا الشقاء "
وقال في الفصل الثاني والأربعون ( ١٢ - ١٧ )
" قالوا : إذا لم تكن المسيح ولا إيليا أو نبيا فلماذا تبشر بتعليم جديد وتجعل نفسك أعظم شأنا من مسيا ؟ أجاب يسوع : إن الآيات التي يفعلها الله علي يدي تظهر إني أتكلم بما يريد الله ولست أحاسب نفسي نظير الذي تقولون عنه لأني لست أهلا إن أحل رباطات جرموق أو سيور جزاء رسول الله الذي تسمونه مسيا الذي خُلق قبلي وسيأتي بعدي وسيأتي بكلام الحق ولا يكون لديه نهاية "
وهذا مقال عن أنجيل برنابا من الشبكة الاسلامية
http://www.islamweb.net/ver2/
archive/readArt.php?id=134197
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
بعض الشبهات وردها
1- قولهم ان الحافظ ابن الجوزي ضعف عبدالرحمن بل قال أنه وضاع.
نقول
ابن الجوزي نقل رواية مسلسلة بالثقات ما خلا روا واحد صدوق في الوفا بفضائل المصطفى من طريق ابن بشران نقله عنه ابن تيمية في الفتاوي (2/159) مستشهداً به ذكرناها وهي ترفع الحديث للحسن.
فهو لم يحكم على الحديث بل اقره وعمل به كما ورد في كتبه
وقال ايضاً الإمام ابن الحوزي في المدهش قال ج١/ص١٤١
((لم يزل ذكر نبينا صلى الله عليه وسلم منشورا وهو في طي العدم توسل به آدم وأخذ له ميثاق الأنبياء على تصديقه))
قال ابن الجوزي-رحمه الله-في بستان الواعظين (ص297):
("ذكر في بعض الأخبار أن آدم عليه الصلاة والسلام رفع رأسه فنظر على ساق العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله فقال آدم يا رب من هذا الذي كتبت اسمه مع اسمك فقال الله تعالى يا آدم هو نبيي وصفيي وهو حبيبي ولولاه ما خلقتك ولا خلقت جنة)) اهـ
قال ابن الجوزي-رحمه الله-في بستان الواعظين (ص286):
(ذكر في بعض الأخبار أنّ على ساق العرش مكتوبًا .من اشتاق إلى رحمتي رحمته ومن سألني أعطيته ومن لم يسألني لم أنسه ومن تقرب إلي بقدر محمد {صلى الله عليه وسلم} غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر فالله الله يا أمة محمد ويا أحباب محمد من أصابته نائبة أو وقع في شدة فليتضرع إلى مولاه ويسأله بقدر محمد وبحرمة محمد {صلى الله عليه وسلم} فإنه قدره عند الله عظيم) اهـ
ـــــــــــــــــ
2- حكم الذهبي على الحديث بالوضع
نقول على جلالة الحافظ الذهبي لم يطلع على الرواية الأخرى المسلسلة بالثقات والتي اوردناها فهي ترفع الحديث للحسن على الأقل.
ونقول حتى في راواية عبدالرحمن فهو حكم على طريق انفرد به عبدالرحمن فقط كما أنه لا تسمح القواعد الحديثية بالحكم على حديث عبدالرحمن بالوضع فعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف وليس وضاع فعبد الرحمن ليس بكذاب ولا متهم بل هو ضعيف فقط ومثله لا يجعل الحديث موضوعا بأي حال من الأحوال.
3- قولهم ان الإمام القسطلاني لم يصححه كما ورد في رسالة لاحد أدعياء العلم اسمها هذه مفاهيمنا
نقول:
قد صححه الإمام القسطلاني في أكثر من موضع في كتابه المواهب
ويا ليت شعري على تدليس القوم وشيوخهم فعلى سبيل المثال.
فقد قال الإمام القسطلاني في المواهب اللدنية ج 1 ص 35 طبعة دار الكتب العلمية بيروت بشرح وتعليق مأمون بن محيي الدين الحنان ما نصه
(وفي المولد الشريف لابن طغفر بك : يروي انه لما خلق الله تعالى آدم, ألهمه أن قال: يارب أنه لما خلق الله تعالى آدم , ألهمه ان قال يا رب لم كنيتني أبا محمد. قال الله تعالى : يا آدم ارفع رأسك , فرفع رأسه فراى نور محمد صلى الله عليه وسلم في سرادق العرش, فقال يا رب ما هذا النور قال هذا نور نبي من ذريتك اسمه في السماء احمد وفي الأرض محمد لولاه ما خلقتك وما خلقت سماء ولا ارض.
(قال الإمام القسطلاني) ويشهد لهذا ما رواه الحاكم في صحيحه ان آدم عليه السلام راي اسم محمد صلى الله عليه وسلم مكتوباً على العرش وان الله تعالى قال لادم لولا محمد ما خلقتك ولله در القائل
وكان لدي الفردوس في زمن الرضا.
وأثواب شمل الأنس محكمة السدى
يشاهد في عدن ضياء مشعشا
يزيد على الأنوار في الضوء والهدى
فقال إلهي ما الضياء الذي أرى
جنود المساء تعشوا إليه تردداً
فقال نبي من خير من وطئ الثرى
وأفضل من في الخير راح أو اغتدى
تخيرته من قبل خلقك سيداً.
وألبسته قبل النبيين سؤدداً...) انتهى بنصه
ومن المعلوم انه إذا اورد العلماء كلام مستحسن لديهم ونقلوه للاستشهاد والاقرار ولم يعقبوا فهاذ تصحيح منهم للقول.
ثم سرد الإمام القسطلاني الإدلة على صحة الخبر وأجاب على سؤال كيف تكون خلقة محمد على في خلق أدم صلى الله عليهم وسلم واورد الأدلة وأحاديث أخرى فارجع للكتاب للوقوف على ما أورده كاملاً
ــــــــ
تنبيه الإمام ابن طغر بك من العلماء الفاضلين وهو حنفي المذهب توفى عام (670 هـ) انظر معجم المؤلفين (7\278)
ـــــــــــــــــــــــــــ
في نفس المرجع ج 1 ص 43 شواهد للحديث وأقوال الائمة فلتراجع
ــــــــــــــــ
وقد أودر الإمام القسطلاني تصحيحه بلفظه ونصه في الجزء الثالث من نفس الطبعة ص 418
( وقد يتوسل بصحاب الجاه غلى من هو أعلى منه, ثم إن كلاً من الاستغاثة والتوسل والتشفع والتوجه بالنبي صلى الله عليه وسلم كما ذكره في تحقيق النصرة ومصباح الظلام واقع في كل حال قبل خلقه وبعد خلقه, وفي مده يحاته وفي الدنيا وبعد موته في مدة البرزخ وبعد البعث في عرصات القيامة,
فأما الحالة الأولى فحسبك ما قدمته في المقصد الأول من استشفاع آدم عليه السلام به لما أخرج من الجنة وقوله تعالى ( يا آدم لو تشفعت إلينا بمحمد في اهل السموات والأرض لشفعناك )وفي حديث عمر ابن الخطاب عند الحاكم والبيهقي وغيرهما ) وإن سالتني بحقه فقد غفرت لك)
وقال القسطلاني بعدها
يرحم الله ابن جابر حيث قال
به قد أجاب الله آدم إذ دعاء .....ونجى في بطن السفينة نوح
وما ضرت النار الخليل لنوره.......... ومن اجله نال الفداء ذبيح
ثم قال القسطلاني
( وصح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت ليفقال الله : يا آدم ، وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه ؟ قال : يا رب ، لأنك لما خلقتني بيدك ، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي ، فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، فعلمت أنك لا تضيف إلى اسمك إلى أحب الخلق إليك . فقال الله تعالى : صدقت يا آدم ، إنه لأحب الخلق إلي ، ولإذا سألتني بحقه فقد غفرت لك ، ولولا محمد ما خلقتك ) انتهى بنصه
فهل بعد ذلك يقال أن الإمام القسطلاني لم يصحح الحديث ويتغنى الوهابية ويتغنى اهل البدع بأقوال اشباه المشايخ ومدعين العلم مثل صاحب رسالة هذه مفاهيمنا ...
نترك الحكم للعاقل فقط.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
3- قولهم أن الإمام الزرقاني حكم بضعف الحديث كما ورد في رسالة اسمها هذه مفاهيمنا لاحد أدعياء العلم.
نقول:-
الإمام الزرقاني حكم برفع شاهد للحديث واقر برفع الحديث واور شواهد في طى شرحه وإليك الأتي.
قوله ضعفه الإمام الزرقاني في هذه مفاهمينا فهذا منافي للحقيقة.
فقد ذكر فيها
الثالث: أن إسناد الحديث ضعفه جماعة كثيرون:
ومنهم: الزرقاني في "شرح المواهب " (1/ 76)
ما قاله آل شيخ في رسالته
حيث قال بعد ذكر الحديث (1/ 76): "هو غريب مع ضعف راويه " أ. هـ
فنقول عجباً ..!!!
وأين التحقيق .!!!
فانظر أخي للحقائق الجلية وما بين قوسين كلام الإمام القسطلاني وخارجها باللون كلام الإمام الزرقاني في شرحه
قال الزرقاني في شرح المواهب ( ج 1 ص 86 طبعة دار الكتب العلمية لبنان تحقيق محمد عبدالعزيز الخالدي)
(فقال يا رب ما هذا النور؟ قال هذا نور نبي من ذريتك اسمه)
قال الزرقاني المشهور به ( في السماء) بين الملائكة ( احمد)اسمه المشهور به ( في الأرض) بين أهلها ( محمد) فلا نافي أن كتابة محمد على قوائم العرش واطلاع الملائكة عليها كما يجئ صريح تسميته بمحمد ايضا( لولاه ما خلقتك ولا حلقت سماء ولا ارضاً ويشهد لهذا) المروي المنقول من المولد من اوله في الجملة أي يقويه ( ما رواه الحاكم في صحيحه) المستدرك عن عمر رفعه ( أن آدم عليه الصلاة والسلام راى اسم محمد مكتوبا على العرش وأن الله تعالى قال لآدم: لولا محمد ما خلقتك).
(قال الزرقاني) وروى أبو الشيخ في طبقات الأصفهانيين والحاكم عن ابن عباس: أوحى الله إلى عيسى أمن بمحمد ومر أمتك ان يؤمنوا به, فلولا محمد ما خلقت آدم ولا الجنة ولا النار ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب, فكتبت عليه لا اله إل الله محمد رسول الله فسكن. صححه الحاكم وأقره السبكي في شفاء السقام والبلقيني في فتاويه و مثله لا يقال راياً فحكمه الرفع.)
ثم قال في في شرح بيت الشعر
(من قال) مضمناً هذا الخبر وتوسل ادم بالمصطفى في قبول توبته وهو صالح بن حسين الشاعر) انتهى.
فيتضح لك أخي أن الإمام الزرقاني صحح الحديث واقر رفع وكذلك شاهد له
أما ما قاله آل شيخ في رسالته
حيث قال بعد ذكر الحديث (1/ 76): "هو غريب مع ضعف راويه " أ. هـ
فنقول فالإمام الزرقاني كان يشرح كلمة الإمام البيهقي في قوله تفرد به
جاء في شرح المواهب بتمامه ونصه ج 1 ص 120
<(قال) البيهقي (تفرد به عبدالرحمن) أي لم يتابعه عليه غيره فهو غريب مع ضعف روايه>
فالغرابة هنا تعنى الانفراد وهذا شرح كلام البيهقي .
ولم يحكم بضعفه الإمام الزرقاني فالغرابة لا تنافي الصحة مطلقا فمن الغريب ما هو صحيح وما هو حسن وما ضعيف وهو يشرح قول الإمام البيهقي الذي قال بتفرد عبدالرحمن وهو اي عبدالرحمن ضعيف
أما حكمه هو أي الإمام الزرقاني فيحمل على التحسين بمجوع طرقه كما اورد هو في القول السابق بالقول في الرفع للحديثين وكلاهما شاهد للأخر بالطبع لانه قال برفعه من قبل واستشهد باكثر من حديث ايضاً
كشواهد.
فيتضح لك أن الإمام الزرقاني يشرح معنى قول الإمام البيهقي ولم يقصد بتاتاً تضعيف الحديث لانه قال برفعه تبعا للائمة بل واستشهد بالحديث بطريق اخر غير طريق عبدالرحمن كما سنرى
في نفس المصدر قال الإمام الزرقاني في شرح
قول الإمام القسطلاني
وروى أنه لما خرج آدم من الجنة فقال الإمام الزرقاني مقراً وشارحاً بقوله
(أي لما أراد الخروج لما في الخميس إن الله لما قال له أخرج لا يجاورني من عصاني رفه أدم طرفه إلى العرش فقال يا رب بحق محمد أغفر لي فقال: قد غفرت له بحقه) انتهى بنصه
شرح المواهب ج 1 ص 118
وكذلك في شرح راى مكتوباً على ساق العرش قال الإمام الزرقاني
(وكانت الكتابة (أقول صقر الاسلام اي كتابة اسم سيدنا محمد على العرش) قبل خلق السموات والأرض بألفي سنة كما روى عن أنس )انتهى بنصه
شرح المواهب ج 1 ص 118
وقال الإمام الزرقاني في شرح قول الإمام القسطلاني
وعلى كل موضع في الجنة فقال مستشهداً بحديث اخر رواه ابن عساكر فقال
( من قصر وغرفة ونحور حور عين ورق شجرة توبة وورق سدرة المنهى وأطراف الحجب و بين أعين الملائكة رواه ابن عساكر عن كعب الأحبار نقله المؤلف في المقصد الثاني)) انتهى
وهذا الحديث الذي يقصده الإمام الزرقاني
إرتباط الكون باسمه صلى الله عليه وسلم
(ومن أمثال هذا التفضل الإلهي ما جاء في الآثار من انتشار اسمه محمد في الملأ الأعلى ، قال كعب الأحبار : إن الله أنزل على آدم عصياً بعدد الأنبياء والمرسلين ، ثم أقبل على ابنه شيث فقال : ابني أنت خليفتي من بعدي فخذها بعمارة التقوى والعروة الوثقى ، وكلما ذكرت الله فاذكر إلى جنبه اسم محمد فإني رأيت اسمه مكتوباً على ساق العرش وأنا بين الروح والطين ، ثم إني طفت السماوات فلم أر في السماوات موضعاً إلا رأيت اسم محمد مكتوباً عليه ، وإن ربي أسكنني الجنة فلم أر في الجنة قصراً ولا غرفة إلا اسم محمد مكتوباً عليه ، ولقد رأيت اسم محمد مكتوباً على نحور الحور العين وعلى ورق قصب آجام الجنة وعلى ورق شجرة طوبى ، وعلى ورق سدرة المنتهى ، وعلى أطراف الحجب وبين أعين الملائكة ، فأكثروا ذكره فإن الملائكة تذكره في كل ساعاتها . اهـ
(المواهب اللدنية ج1 ص186) .
وهكذا في كل شرحه فراجع المصدر ستقف على الكثير من أقواله في شرح الكثير من الأحاديث.
وفي في الجزء 12 ص
شرح الإمام الزرقاني كلام الإمام القسطلاني بدون تعقيب
فقال ((( (فأما الحالة الولى : ) أي قبل خلقه
(صح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت ليفقال الله : يا آدم ، وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه ؟ قال : يا رب ، لأنك لما خلقتني بيدك ، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي ، فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، فعلمت أنك لا تضيف إلى اسمك إلى أحب الخلق إليك . فقال الله تعالى : صدقت يا آدم ، إنه لأحب الخلق إلي ، ولإذا سألتني بحقه فقد غفرت لك ، ولولا محمد ما خلقتك )
اي لقبلنا شفاعتك (وفي حديث عمر ابن الخطاب عند الحاكم والبيهقي وغيرهما ) وإن سالتني بحقه فقد غفرت لك)ما وقع منك) انتهى بنصه
فكيف يقول هؤلاء أن الإمام الزرقاني ضعفه؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
4- قولهم أن الإمام السيوطي لم يصحح الحديث
نقول
هذا من التدليس وليس من التحقيق وهذا ايضاً قاله مدعي العلم صاحب رسالة هذه مفاهيمنا
فقال
(وعند الرجوع للخصائص لم نجد السيوطي قد تكلم ولا عقب على ذلك ولعل الشيخ
أخذ قول السيوطي في مقدمة الخصائص (1/: "ونزهته عن الأخبار الموضوعة وما يرد" فعممه، وقول السيوطي لا يفيد صحة كل ما يورده.
ولذا صرح بضعف إسناد الحديث في كتابه الآخر "مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفاء" ص 3 (طبع بمصر طبعة حجرية سنة 1276).)

الإمام السيوطي نص في بداية كتابه الخصائص الكبرى
(("ونزهته عن الأخبار الموضوعة وما يرد"))
ونص على أنه صحة الاخبار الواردة وبالطبع التي يصدر بها الباب فهي إما صحيحة او حسن لذاته او لغيرة بمجموع طرقه وشواهده فقال في بداية كتابه
( وصدقت أخباره آياته كتاب بسقت فنونه وأورقت غصونه واتسقت اسانيده ومتونه )
اولاً:- الحديث ليس بموضوع عنده ولا شديد الضعف ولا ضعيف طبقاً لما نص عليه فهو يصححه كمانص على ذلك و سنرى
ثانياً:- الإمام السيوطي في خطبة الكتاب بدأ بالحمد ثم بالصلاة على سيدنا النبي فقال في الافتتاحية
(الحمد لله الذي اطلع في سماء النبوة سراجا لامعا وقمرا منيرا وأطلع من اكمام الرسالة ثمرا يانعا وزهرا منيرا تبارك اسمه وتمت كلمه وعمت نعمه وجمت حكمه وجرى بما كان وبما يكون قلمه وأوجد الانام من العدم وجعل الضياء والظلم وخلق اللوح والقلم وقدر الآجال والارزاق والاعمال وقسم أحمده وهو المحمود أزلا وابدا وأشكره مستزيدا من نعمه مسترفدا واستهديه ومن يضلل الله فلن تجد له وليا مرشدا واستنصره ولن تجد من دونه ملتحدا واستكفيه وله الحول والقوة سرمدا واستعينه ونعم المولى والنصير مؤيدا واعتصم به واستمسك بحبله ومن استمسك به فلا انفصام له ابدا واشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا أحدا فردا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا تنزه عن سمات المحدثات فلا جسم ولا عرض ولا صوت ولا انتقال ولا يحويه مكان ولا زمان ولا يخطر بالبال ولا يدركه العقل ولا يحيط به الادراك ولا للذهن الى حقيقته مجال واشهد ان سيدنا محمدا عبده ورسوله نبي ما ضل وما غوى وما ينطق عن الهوى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى وسمع صريف الاقلام بالمستوى وكتب الرحمن اسمه على العرش إذ استوى وآذن باسمه في المبتدأ في الارض وفي السما ويوم النشأة الاخرى سلم عليه الحجر والشجر ودر له ضرع الجذعة بالدرر وحن الجذع لفراقه حتى خار خوار البقر ونبع الماء من اصابعه ومن الارض انفجر وانشق له )

فهذه افتتاحية الكتاب البسملة والحمد والصلاة على سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم الذي كتب الرحمن اسمه على العرش إذ استوى وآذن باسمه في المبتدأ في الارض وفي السما.
فالإمام السيوطي يصححه بقلبه وعقله وقلمه ويقول لكم يا قوم هذا تصحيحي للحديث في بداية كتابي وقبل كتابته
ثالثاً:- قال الإمام السيوطي في المقدمة
((مستوعب لما تناقلته أئمة الحديث بأسانيدها المعتبرة مشتمل على ما اختص به سيد المرسلين من المعجزات الباهرة والخصائص التي أشرقت إشراق البدور السافرة وأوردت فيه كلما ورد ونزهته عن الاخبار الموضوعة وما يرد وتتبعت الطرق والشواهد لما ضعف من حيث السند ))
اذا نرى كلمة صاحب هذه مفاهيمنا الذي دلس على العوام وهذا النقل من الإمام السيوطي
قال صاحب رسالة هذه مفاهيمنا.
((ولذا صرح بضعف إسناد الحديث في كتابه الآخر "مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفاء" ص 3 (طبع بمصر طبعة حجرية سنة 1276)))
نقول:-
كما سبق فالامام السيوطي يصحح ما لم يتعقبه في صدر الباب وقال هنا ونزهته عن الاخبار الموضوعة وما يرد وتتبعت الطرق والشواهد لما ضعف من حيث السند أي ان الحديث متنه عنده صحيح فيتتبع الشواهد والطرق وما ضعفه الإمام السيوطي في مناهل الشفا هو الحديث عن طريق عبدالرحمن فقال ضعيف ولم يذكر له طرق أي ضعف طريق واحد..!!!! فتأمل
اما في كتابه الخصائص هنا فقد أورد طرق وشواهد بعضها موقوف وبعضها ضعيف وبعضها مرفوع وبعضها لا يصح كشواهد وبعضها اثار واخبار فهو يصدر الباب بالحديث الرئيسي ثم يورد له شواهد إن كان الحديث ضعيف السند
و عنون الباب باسم يليق يدل على تصحيحه فقال
باب خصوصيته {صلى الله عليه وسلم} بكتابة اسمه الشريف مع اسم الله تعالى على العرش وسائر ما في الملكوت.
فتأمل اسم الباب الذي بوبه الإمام السيوطي وتحت اورد حديث توسل سيدنا آدم عليه السلام بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق عبدالرحمن واورد له شواهد كثيرة وعلى هذا الحديث ينطبق قوله تماماً في مقدمته وتتبعت الطرق والشواهد لما ضعف من حيث السند..
فيظهر ان الإمام السيوطي يصحح الحديث بطرقه وشواهده كما مر بنا قد بدأ كتابه بالصلاة والسلام على سيدنا النبي بقوله الذي كتب الرحمن اسمه على العرش إذ استوى وآذن باسمه في المبتدأ في الارض وفي السما .
ومما اورده الإمام السيوطي في خصائصه من شواهد للحديث.
باب خصوصيته {صلى الله عليه وسلم} بكتابة اسمه الشريف مع اسم الله تعالى على العرش وسائر ما في الملكوت
ما اخرجه الحاكم والبيهقي والطبراني في الصغير وأبو نعيم وابن عساكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو حديثنا هنا
وما اخرجه ابن عساكر عن كعب الاحبار قال ان الله انزل على آدم عصيا بعدد الأنبياء والمرسلين ثم اقبل على ابنه شيث فقال أي بني انت خليفتي من بعدي فخذها بعمارة التقوى والعروة الوثقى فكلما ذكرت الله فاذكر الى جنبه اسم محمد {صلى الله عليه وسلم} فإني رأيت اسمه مكتوبا على ساق العرش وأنا بين الروح والطين ثم إني طفت السموات فلم أر في السموات موضعا إلا رأيت اسم محمد مكتوبا عليه وأن ربي اسكنني الجنة فلم ار في الجنة قصرا ولا غرفة إلا اسم محمد مكتوبا عليه ولقد رأيت اسم محمد مكتوبا على نحور الحور العين وعلى ورق قصب آجام الجنة وعلى ورق شجرة طوبى وعلى ورق سدرة المنتهى وعلى أطراف الحجب وبين اعين الملائكة فأكثر ذكره فان الملائكة تذكره في كل ساعاتها
وما اخرجه البزار عن ابن عمر قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لما عرج بي إلى السماء ما مررت بسماء إلا وجدت اسمي فيها مكتوبا محمد رسول الله

وما اخرجه ابن عساكر عن جابر قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
مكتوب على باب الجنة لا اله إلا الله محمد رسول الله
وما اخرجه أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ما في الجنة شجرة عليها ورقة إلا مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله

وما أخرجه الحاكم وصححه عن ابن عباس قال أوحى الله إلى عيسى آمن بمحمد ومر من أدركه من أمتك ان يؤمنوا به فلولا محمد ما خلقت آدم ولا الجنة ولا النار ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله فسكن قال الذهبي في سنده عمرو بن أوس لا يدري من هو
ووما اخرجه ابن عساكر من طريق أبي الزبير عن جابر قال بين كتفي آدم مكتوب محمد رسول الله خاتم .
وغيرها الكثير اورده الإمام السيوطي كشواهد ومنها الضعيف ومنها الحسن ومنها الشاذ ومنها الصحيح

ولكنه اوردها كوشاهد وطرق لحديث توسل سيدنا أدم عليه السلام بسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم.
فراجع كتابه للوقوف على ما اورده جميعه لانه يتعذر علينا نقله جميعا.
رابعاً: أورد الإمام السيوطي في كتابه أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب والذي لخص فيه الخصائص الكبرى اي كتبه بعد الخصائص الكبرى والذي قال فيه في مقدمته أنه لخصه وتتبع فيه الاحاديث الواردة فقال:
((الفصل الاول
فيما اختص به صلى الله عليه وآله وسلم في ذاته من الدنيا
اُختص صلى الله عليه وآله وسلم بأنه أول النبيين خلقاً، وبتقدم نبوته، فكان نبياً وآدم بين الماء والطين، وبتقدم أخذ الميثاق عليه، وأنه أول من قال: بلى يوم ((ألست بربكم))، وخلق آدم وجميع المخلوقات لأجله،وكتابة اسمه الشريف على العرش، وكل سماء وما فيها والجنان وسائر الملكوت، وذكر الملائكة له في كل ساعة، وذكر اسمه في الأذان في عهد آدم وفي الملكوت الأعلى) انتهى المقصود
ومن تقف على جهل من قال السيوطي لم يصححه ويجعجع في وريقات تدل على جهله وجهل فرقته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن هنا يتضح لك أخي المسلم
أن من صحح هذا الحديث
1- صحح إسناده الإمام الحاكم فقد اخرجه
وقال صحيح الإسناد وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم
(2/615)
2- صححه الإمام السبكي
فقد حقق الإمام تقي الدين السبكي في كتابه: شفاء الأسقام أن هذا الحديث لا ينزل عن درجة الحسن ( ومن قال ان الإمام السبكي اخذ تصحيحه فقط من الحاكم فنقول نعم وحقق في كتابه ان الحديث حسن فذكر طرق وشواهد له وأقوال الائمة فلتراجع)
( في شفاء السقام ص 120 )
3- الإمام ابن الجوزي
حيث نقل عنه ابن تيميه رواية صحيحة كما سنوردها
أخرجها ابن الجوزي في الوفا بفضائل المصطفى من طريق ابن بشران، نقلها عنه ابن تيمية في الفتاوي (2/159) مستشهداً به وهي ترفع الحديث ليكون حسناً لغيره ويحتج به بلا منازع.
4- صححه الإمام تقي الدين الحصني الدمشقي 752هـ:829 هـ
دفع شبه من شبه وتمرد 109
قال الامام الحصني رحمه الله : ( فهذا الإمام الحافظ قد كفانا المؤنة وصحح الحديث وقد رواه غير واحد من الحفاظ وأئمة الحديث بألفاظ ........ ) دفع شبه من شبه وتمرد ص109
5- الإمام القسطلاني (ت 923 هـ)
في المواهب اللدنية
( ج 1 ص 16)
6- الإمام الزرقاني في شرح المواهب كما وضحنا
( ج 1 ص 86 طبعة دار الكتب العلمية لبنان تحقيق محمد عبدالعزيز الخالدي)
7- الإمام السمهودي ( 844هـ ـ 911هـ )
في وفاء الوفا 2 : 419
8- ذكره الحافظ السيوطي في الخصائص النبوية ص 49
وصححه

9- الإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي المتوفي سنة 942 هـ في سبل الهدى والرشاد استشهد به
وغيرهم من الائمة المذكورين في الموضوع فلتراجع الأسماء
- 10 الإمام البلقيني كما مر.
وغيرهم الكثير

قال الامام الكوثري رحمه الله :
( لا التفات بعد هذا التصحيح من الحاكم وهو الحاكم الى طعن طاعن في هذا الحديث وقد رأينا من يطعن فيه وفي أمثاله من الأحاديث التي يصححها الحاكم وهي دالة على سمو شرفه صلى الله عليه وسلم وعلو منزلته عند ربه كأن هذا الطاعن أوذي ممن يستخفون بشأنه عليه الصلاة والسلام فصدر منه ذلك الطعن لشعوره وهو لايشعر أو يشعر وكأن هذه المسألة مسألة عظم حرمته صلى الله عليه وسلم ورفعة شأنه موضع خلاف بيننا وبين هؤلاء الناس ونحن لا نسلم هذا الخلاف إلا بعد أن نسمع من هذه الشرذمة أن كلام الله تعالى مطعون في صدقه أيضاً فإذا قالوها سكتنا عنهم ويكونون بذلك أراحو واستراحوا وحسبنا الله ونعم الوكيل ) .
الحاشية لدفع شبهة من شبه وتمرد ص109

إذاً فالحديث صححه جل العلماء واستشهد به الائمة في كتبهم ومن ضعفه لم يقف على طرقه التي غابت عنهم وهذا عذر يعرفه أهل العلم اما الوهابية فهم من أهل الجهل والهوى والعياذ بالله.
وفي الحديث التوسل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يتشرف العالم بوجوده فيه وأن المدار في صحة التوسل على أن يكون للمتوسل به القدر الرفيع عند ربه عز وجل وأنه لا يشترط كونه حياً في دار الدنيا.
ومنه يعلم أن القول بأن التوسل لا يصح بأحد إلا وقت حياته في دار الدنيا قول من اتبع هواه بغير هدى من الله.

مناظرة سيدنا عبد الله بن عباس للخوارج - نفس الآفة في خوارج العصر: سوء فهم كتاب الله تعالى

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لَمَّا خرجت الحَرُوريَّة - الذين خرجوا على سيدنا علي- اعتَزلُوا في دارٍ على حدتهم، وكانوا ستَّة آلاف، فقلت لعلي -رضي الله عنه وكرم الله وجهه: يا أمير المؤمنين، أبرِد بالصلاة، لعلِّي أكلِّم هؤلاء القوم.
 قال: إني أخافهم عليك.
 قلت:   كلاَّ إن شاء الله، فلَبِستُ أحسنَ ما يكون من حُلَل اليمن، وترجَّلتُ، ودخلت عليهم في دارٍ نصف النهار وهم يأكُلون -هكذا في مُعظَم الروايات، وفيه رواية: وهم قائلون- في نحر الظهيرة.
 فقالوا: مرحبًا بك يا ابن عباس، فما هذه الحُلَّة؟
قلت: ما تَعِيبون عليَّ؟ لقد رأيت على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أحسنَ ما يكون من الحُلَل ونزلت: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾.
 قالوا: فما جاء بك؟
قلت لهم: أتيتُكم من عند أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم المهاجرين والأنصار، ومن عند ابن عمِّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وصهره، وعليهم نزل القرآن، فهم أعلم بتأوِيله منكم، وليس فيكم منهم أحدٌ، لأبلغكم ما يقولون، وأبلغهم ما تقولون.
 فقال بعضهم: لا تُخاصِموا قريشًا فإن الله يقول: ﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾.
قال ابن عباس: وما أتيت قومًا قطُّ أشد اجتهادًا منهم، مُسهِمة وجوههم من السهر، كأن أيديهم وركبهم تثنى عليهم، فمضى مَن حضر.
 فقال بعضهم: لنُكَلِّمنَّه ولننظرنَّ ما يقول.
قلت: هاتوا ما نقمتم على أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وابن عمِّه.

قالوا: ثلاث.
قلت: ما هن؟
قال: أمَّا إحداهن، فإنه حكَّم الرجال في أمر الله، وقال الله: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ ﴾، ما شأن الرجال والحكم؟
قلت: هذه واحدة.
 قالوا: وأمَّا الثانية، فإنه قاتَل ولم يَسْبِ ولم يغنم، إن كانوا كفَّارًا لقد حلَّ سبيهم، ولئن كانوا مؤمنين ما حلَّ سبيهم ولا قتالهم.
قلت: هذه ثِنتان، فما الثالثة؟
قالوا: ومَحَا نفسه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أميرَ المؤمنين فهو أمير الكافرين!
قلت: هل عندكم شيء غير هذا؟
قالوا: حسبنا هذا.
قلت لهم: أرأيتَكُم إن قرأت عليكم من كتاب الله تعالى وسنَّة نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم ما يردُّ قولكم، أترجعون؟
قالوا: نعم.
قلت: أمَّا قولكم: حكَّم الرجال في أمر الله تعالى، فإني أقرأ عليكم في كتاب الله أن قد صيَّر حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم؛ فأمر الله  تعالى أن يحكموا فيه، أرأيت قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾.
وكان من حُكْمِ الله أنَّه صيَّره إلى الرجال يَحكُمون فيه، ولو شاء حكَم فيه، فجاز من حكم الرجال، أنشدكم بالله: أحكم الرجال في صَلاح ذات البين وحقن دمائهم أفضل أو في أرنب؟
قالوا: بلى بل هذا أفضل.
وقال في المرأة وزوجها: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ﴾، فنشدتكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بينهم وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بضع امرأة؟
قالوا: اللهم بل في حقن دمائهم وإصلاح ذات بينهم.
خرجت من هذه؟
قالوا: نعم.
قلت: وأمَّا قولكم: قاتَل ولم يَسْبِ ولم يَغْنَم، أفتَسْبُون أمَّكم عائشة؟! تستحِلُّون منها ما تستَحِلُّون من غيرها وهي أمُّكم؟ فإن قلتم: إنَّا نستَحِلُّ منها ما نستَحِلُّ من غيرها فقد كفرتم، وإن قلتم: ليست بأمِّنا فقد كفرتم؛ ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾.
فأنتم بين ضلالتين فأتوا منها بمخرج؟ فنظر بعضهم إلى بعض.
أفخرجت من هذه؟
قالوا: نعم.
وأمَّا قولكم: محا نفسَه من أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بما ترضون، قد سمعتم أن نبي الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الحديبية صالَح المشركين، فقال لعلي رضي الله عنه وكرم الله وجهه: «اكتب يا علي: هذا ما صالَح عليه محمد رسول الله»، قالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتَلناك، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «امحُ يا علي، اللهمَّ إنك تعلم أني رسول الله، امحُ يا علي، واكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله»، فوالله لَرَسُولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم خيرٌ من علي، وما أخرَجَه من النبوَّة حين محا نفسه، أخرجت من هذه؟
قالوا: نعم.
فرجع منهم ألفان، وخرج سائِرُهم فقُتِلُوا على ضلالتهم، قتَلَهم المهاجرون والأنصار.
(أخرجه النسائي في "الكبرى"، والبيهقي في "الكبرى"، وعبدالرزاق في "مصنفه"، والطبراني في "الكبير"، والحاكم في "المستدرك" وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافَقَه الذهبي، وصحَّحه الهيثمي في "مجمع الزوائد").

الرد على من زعم أن أبا الحسن الأشعري اختتم حياته بالرجوع إلى مذهب [السلف]

بقلم د. وليد بن الصلاح:

لو كان الأمر كما جاء في الدعوى، وأنه مر بثلاث مراحل في حياته (الاعتزال ثم الأشعرية ثم الرجوع عن الأشعرية) لكان أولى الناس بمعرفته ونقله هم أصحابه وتلامذته، لأن أولى الناس بمعرفة الرجل هم خاصته وأصحابه وأتباعه الملازمون له، فهؤلاء هم أقرب الناس إليه وأعرفهم بأحواله وأقواله وآرائه، لا سيما في قضية مهمة مثل هذه القضية التي تتوفر الدواعي على نقلها، وتتحفز الأسماع على تلقفها، خاصة من إمام كبير مثل الإمام أبي الحسن، وعند الرجوع إلى أقوال أصحابه وأصحاب أصحابه أيضاً لا نجد أي إشارة تفيد ذلك، بل نجدهم متفقين على أن الإمام كان بعد هجره للاعتزال على منهج السلف والسنة الذي كان عليه المحاسبي وابن كلاب والقلانسي والكرابيسي وغيرهم، فهذه مؤلفات ناصر مذهب الأشعري القاضي أبي بكر الباقلاني رحمه الله تعالى كالإنصاف والتمهيد وغيرها، ومؤلفات ابن فورك ومؤلفات أبي بكر القفال الشاشي وأبي إسحق الشيرازي وأبي بكر البيهقي وغيرهم من أصحاب الإمام وأصحاب أصحابه وتلاميذهم ليس فيها أي ذكر أو إشارة لهذا الأمر الذي هو من الأهمية بمكان، فهل يعقل أن يرجع الإمام عن مذهبه ويهجره ثم لا يكون لهذه الحادثة المهمة أي ذكر عند أحد من أصحابه وتلاميذه وهو من هو جلالة وقدراً؟! أم تُراه قد رجع عن ذلك سرّاً وهو الذي حين قرر هجر مذهب المعتزلة اعتلى منبر المعتزلة نفسَه ليعلن ذلك على الملأ؟! كلا، ليس الأمر كما جاء في هذه الدعوى، بل الحق الذي لا مرية فيه هو أن الإمام لم يمرّ في حياته إلا بمرحلتين، الاعتزال، ثم الرجوع إلى طريق السلف، وليس لمن يقول بخلاف هذا الأمر من دليل ولا شبهة دليل.
. وأيضا لو كان الأمر كما جاء في الدعوى، وأنه مر بثلاث مراحل في حياته فلا بد أن يكون المؤرخون قد ذكروا هذا وبينوه، ولكان ـ حتماً ـ قد اشتهر عنه وانتشر كما ذاع وانتشر أمر رجوعه عن الاعتزال إذ لم يبق أحد ممن ترجم له إلا وذكر قصة صعوده المنبر وتبريه من الاعتزال، فهل ذكر أحد من المؤرخين شيئاً عن رجوع الإمام عن منهج عبدالله بن سعيد بن كلاّب؟.
وعند الرجوع إلى كتب التاريخ لا نجد أي إشارة إلى هذا لا من قريب ولا من بعيد، بل نجد كل كتب التاريخ التي ترجمت للإمام أبي الحسن، مثل تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وطبقات الشافعية للسبكي وشذرات الذهب لابن العماد والكامل لابن الأثير وتبيين كذب المفتري لابن عساكر وترتيب المدارك للقاضي عياض وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة وطبقات الشافعية للأسنوي والديباج المذهب لابن فرحون ومرآة الجنان لليافعي وغيرها، كلها مطبقة على أن الإمام أبا الحسن بعد توبته من الاعتزال رجع إلى مذهب السلف والسنة، وصنف على طريقتهم كتبه اللاحقة الإبانة وغيرها من الكتب التي صنفها في نصرة مذهب أهل الحق.
قال الإمام أبو بكر بن فورك رحمه الله تعالى :
(انتقل الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري رضي الله عنه من مذاهب المعتزلة إلى نصرة مذاهب أهل السنة والجماعة بالحجج العقلية، وصنَّف في ذلك الكتب..) (تبيين كذب المفتري ص127) .
وقال عنه ابن خلكان :
(هو صاحب الأصول والقائم بنصرة مذهب السنة... وكان أبو الحسن أولاً معتزلياً ثم تاب من القول بالعدل وخلق القرآن في المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة) (وفيات الأعيان 3/284) .
وقال عنه العلامة ابن خلدون رحمه الله:
(إلى أن ظهر الشيخ أبو الحسن الأشعري وناظر بعض مشيختهم ـ أي المعتزلة ـ في مسائل الصلاح والأصلح، فرفض طريقتهم وكان على رأي عبدالله بن سعيد بن كلاّب وأبي العباس القلانسي والحارث المحاسبي من أتباع السلف وعلى طريقة السنة) (المقدمة ص853).
فأثبت أن الإمام بعد رجوعه عن الاعتزال كان على رأي عبدالله بن كلاّب والقلانسي والمحاسبي وهؤلاء كلهم على طريقة السلف والسنة.
الرد علی القضية الثانية:
هل كان عبدالله بن سعيد بن كلاّب منحرفا عن طريق السنة والسلف كما يدعي الحشوية؟ الجواب لا، لأن طريق ابن كلاب وطريق السلف هما في حقيقة الأمر طريق واحد، لأن ابن كلاب كان من أئمة أهل السنة والجماعة السائرين على طريق السلف الصالح.
قال التاج السبكي:
(وابن كلاّب على كل حال من أهل السنة.... ورأيت الإمام ضياء الدين الخطيب والد الإمام فخر الدين الرازي قد ذكر عبدالله بن سعيد في آخر كتابه "غاية المرام في علم الكلام " فقال: ومن متكلمي أهل السنة في أيام المأمون عبدالله بن سعيد التميمي الذي دمّر المعتزلة في مجلس المأمون وفضحهم ببيانه) (الطبقات 2 /300) .
وقال الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى:
(قرأت بخطِّ علي بن بقاء الورّاق المحدث المصري رسالة كتب بها أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني الفقيه المالكي- وكان مقدَّم أصحاب مالك رحمه الله بالمغرب في زمانه- إلى علي بن أحمد بن إسماعيل البغدادي المعتزلي جواباً عن رسالة كتب بها إلى المالكيين من أهل القيروان يظهر نصيحتهم بما يدخلهم به في أقاويل أهل الاعتزال، فذكر الرسالة بطولها في جزءٍ وهي معروفة، فمن جملة جواب ابن أبي زيد له أن قال: ونسبتَ ابن كلاّب إلى البدعة، ثم لم تحكِ عنه قولاً يعرف أنه بدعة فيوسم بهذا الاسم، وما علمنا من نسب إلى ابن كلاّب البدعة، والذي بلغنا أنه يتقلّد السنة ويتولّى الردَّ على الجهمية وغيرهم من أهل البدع يعني عبدالله بن سعيد بن كلاّب) (تبيين كذب المفتري ص405) .
وهذه شهادة عظيمة من الإمام ابن أبي زيد رحمه الله لابن كلاب أنه يتقلد السنة ويرد على المبتدعة، وأنه لم يعلم من نسب إليه البدعة.
وعلق العلامة الكوثري رحمه الله تعالى في هامش الصفحة معرِّفاً بابن كلاب قال : (.. كان إمام متكلمة السنة في عهد أحمد، وممن يرافق الحارث بن أسد، ويشنع عليه بعض الضعفاء في أصول الدين..) ثم بيّن المسائل التي يشنع عليه بسببها وأن كلامه فيها ليس ببعيد عن الشرع والعقل (المصدر السابق) .
وقال ابن قاضي شهبة:
(كان من كبار المتكلمين ومن أهل السنة، وبطريقته وطريقة الحارث المحاسبي اقتدى أبو الحسن الأشعري) (طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1 / 78) .
وقال عنه جمال الدين الأسنوي:
(كان من كبار المتكلمين ومن أهل السنة... ذكره العبادي في طبقة أبي بكر الصيرفي، قال: إنه من أصحابنا المتكلمين) (طبقات الشافعية للأسنوي 2 /178) .
وقال الإمام الحافظ الذهبي:
(والرجل أقرب المتكلمين إلى السنة، بل هو في مناظريهم) (سير أعلام النبلاء 11 /175)
وعلّق الشيخ شعيب الأرنؤوط على هذا الكلام قائلاً: (كان إمام أهل السنة في عصره، وإليه مرجعها، وقد وصفه إمام الحرمين في كتابه " الإرشاد " بأنه من أصحابنا) اهـ.
ولقد مر معنا قول العلامة ابن خلدون:
(إلى أن ظهر الشيخ أبو الحسن الأشعري.... وكان على رأي عبدالله بن سعيد بن كلاّب وأبي العباس القلانسي والحارث المحاسبي من أتباع السلف وعلى طريقة السنة) (المقدمة ص 853) .
فوصفه بأنه من أتباع السلف، وأن الإمام الأشعري كان على رأيه ورأي القلانسي والمحاسبي وهؤلاء من أتباع السلف وعلى طريق السنة.
وقال العلامة كمال الدين البياضي رحمه الله تعالى:
(لأن الماتريدي مفصّل لمذهب الإمام ـ يعني أبا حنيفة ـ وأصحابِه المظهرين قبل الأشعري لمذهب أهل السنة، فلم يخلُ زمان من القائمين بنصرة الدين وإظهاره.. وقد سبقه ـ يعني الأشعري ـ أيضاً في ذلك ـ يعني في نصرة مذهب أهل السنة ـ الإمام أبو محمد عبدالله بن سعيد القطان..) (إشارات المرام من عبارات الإمام ص23) .
أي أن الإمام ابن كلاب كان قبل الإمام أبي الحسن في نصرة الدين وإظهار السنة.
وقال الإمام الشهرستاني رحمه الله تعالى:
(حتى انتهى الزمان إلى عبدالله بن سعيد الكلابي وأبي العباس القلانسي والحارث بن أسد المحاسبي وهؤلاء كانوا من جملة السلف، إلا أنهم باشروا علم الكلام وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية وبراهين أصولية، وصنَّف بعضهم ودرَّس بعضٌ، حتى جرى بين أبي الحسن الأشعري وبين أستاذه مناظرة في مسألة من مسائل الصلاح والأصلح، فتخاصما وانحاز الأشعري إلى هذه الطائفة، فأيَّد مقالتهم بمناهج كلامية، وصار ذلك مذهباً لأهل السنة والجماعة، وانتقلت سمة الصفاتية إلى الأشعرية) (الملل والنحل ص81) .
هذه نصوص واضحة بينة في أن الإمام عبدالله بن سعيد بن كلاب كان على طريق السلف والسنة.
علماء السنة الكبار علی طريق ابن كلاب
ومن جملة آرائه أن القرآن كلام الله غير مخلوق، واللفظ به مخلوق.
وليس الإمام الأشعري وحده الذي كان على طريق الإمام ابن كلاب هذا، كلا، بل كان على نفس المعتقد أئمة كبار مثل الإمام البخاري ومسلم وأبي ثور وداود والمحاسبي والكرابيسي والطبري وغيرهم رحمهم الله تعالى.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
(البخاري في جميع ما يورده من تفسير الغريب إنما ينقله عن أهل ذلك الفن كأبي عبيدة والنضر بن شميل والفراء وغيرهم، وأما المباحث الفقهية فغالبها مستمدة له من الشافعي وأبي عبيـد وأمثالهـما، وأما المسائـل الكلامية فأكثرها من الكرابيـسي وابن كُـلاَّب ونحـوهما) (الفتح 1/293).
وأما الإمام مسلم فقد كان يظهر القول باللفظ ولا يكتمه. (انظر سير أعلام النبلاء 12 /453 وما بعدها، 12/572).
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في ترجمة الكرابيسي:
(وأن أحمد بن حنبل كان تكلم فيه بسبب مسألة اللفظ، وكان هو أيضاً يتكلم في أحمد، فتجنَّب الناس الأخذ عنه لهذا السبب. قلت: الذي رأيت عنه أنه قال كلام الله غير مخلوق من كل الجهات إلا أن لفظي بالقرآن مخلوق، ومن لم يقلْ [ أي يعتقد ]: إن لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر. وهذا هو المنقول عن البخاري وداود بن على الظاهري، وكان الإمام أحمد يسدُّ في هذا البابَ لأجل حسم مادة القول بخلق القرآن) (طبقات الفقهاء الشافعيين 1/133).
وممن كان يقول باللفظ أيضاً الإمام محمد بن جرير الطبري رحمه الله تعالى، وهي من المسائل التي نقم عليه بسببها بعض متعصبة الحنابلة، قال الحافظ ابن كثير رحمـه الله تعالى:
(كان قد وقع بينه - الطبري - وبين الحنابلة أظنه بسبب مسألة اللفظ، واتهم بالتشيع، وطلبوا عقد مناظرة بينهم وبينه، فجاء ابن جرير لذلك ولم يجئ منهم أحد، وقد بالغ الحنابلة في هذه المسألة وتعصبوا لها كثيراً، واعتقدوا أن القول بها يفضي إلى القول بخلق القرآن، وليس كما زعموا، فإن الحق لا يحتاط له بالباطل، والله أعلم) ( (المصدر السابق 1/226، وانظر في محنة ابن جرير مع الحنابلة البداية والنهاية 11/145، الكامل لابن الأثير 7/8، السير 14/272 ـ 277، الوافي بالوفيات 2/284).
سبب طعن ابن كلاب في مسألة اللفظ
نعم، فإن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق وهو صفة من صفات ذاته العلية، إلا أنه لا يصحُّ أن يحتاط لهذا الحق بالباطل الذي هو إنكار حدوث وخلق ما قام بالمخلوق، ثم التشنيع على من يقول بذلك!
على أية حال، الحق في هذه القضية مع الكرابيسي وابن كلاّب والبخاري ومسلم وأبي ثور وداود والمحاسبي والطبري وغيرهم ممن كان على طريقهم، فإذا كان الأمر كذلك كما بيّن هؤلاء الأئمة، فما السبب في اتهام عبدالله بن سعيد بن كلاب بمخالفة طريق السلف؟ يقول ابن عبد البر في بيان شيء من ذلك أثناء ترجمة الإمام الكرابيسي :
(وكانت بينه ـ يعني الكرابيسي ـ وبين أحمد بن حنبل صداقة وكيدة، فلمّا خالفه في القرآن عادت تلك الصداقة عداوة، فكان كلُّ واحد منهما يطعن على صاحبه، وذلك أن أحمد كان يقول: من قال القرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال القرآن كلام الله ولا يقول غير مخلوق ولا مخلوق فهو واقفي، ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع. وكان الكرابيسي وعبدالله بن كلاّب وأبو ثور وداود بن علي وطبقاتهم يقولون: إن القرآن الذي تكلم الله به صفة من صفاته لا يجوز عليه الخلق، وإن تلاوة التالي وكلامه بالقرآن كسب له وفعل له وذلك مخلوق وإنه حكاية عن كلام الله... وهجرت الحنبلية أصحاب أحمد بن حنبل حسيناً الكرابيسي وبدّعوه وطعنوا عليه وعلى كل من قال بقوله في ذلك) (الانتقاء ص165).
هذا هو سبب الطعن والتشنيع على عبدالله بن كلاّب ووصْـفِه بأنه لم يكن على طريق السنة والسلف، إلا أن هذا القول الذي بُـدّع بسببه لا يقتضي وصفه بالبدعة أو أنه على غير طريق السلف، لا سيما أن مسألة اللفظ بالقرآن كان يقول بها ثلة من أكابر أمة الإسلام مثل الذين ذكرهم ابن عبدالبر، وممن كان يقول بذلك أيضاً- كما ذكرنا - الإمام البخاري والإمام مسلم والحارث المحاسبي ومحمد بن نصر المـروزي وغيرهم، وما الفتنة التي حدثت بين البخاري وشيخه الذهبي إلا بسبب هذه المسألة، نعني مسألة اللفظ، ولقد صنّف الإمام البخاري في هذه المسألـة كتابـه " خلق أفعال العباد " لإثبات رأيه فيها والردّ على مخالفيه.
سبب مخالفة الإمام أحمد في مسألة اللفظ
وأما الإمام أحمد رضي الله عنه - ومن قال بقوله - فكلامه محمول على سدّ باب الذريعة لكي لا يتوسل بالقول باللفظ إلى القول بخلق القـرآن.
قال الإمام الذهبي:
(ولا ريب أن ما ابتدعه الكرابيسي وحرره في مسألة اللفظ وأنه مخلوق هو حق، لكن أباه الإمام أحمد لئلا يُتذرع به إلى القول بخلق القرآن فسدّ الباب) (السير 12/82، وانظر أيضاً السير 11/510).
وقال أيضا: (وكان يقول ـ يعني الكرابيسي ـ القرآن كلام الله غير مخلوق، ولفظي به مخلوق، فإن عنى التلفظ فهذا جيد، فإن أفعالنا مخلوقة، وإن قصد الملفوظ بأنه مخلوق فهذا الذي أنكره أحمد والسلف وعدّوه تجهماً) (ميزان الاعتدال 1/544) .
ولا ريب أن مراد الكرابيسي وابن كلاّب والبخاري ومسلم وأبي ثور وداود ومن كان على قولهم لاريب أن مرادهم هو الأول، وعلى الجملة فإن القضية أهون من أن يُبـدَّع من أجلها.
وقال أيضا بعد أن نقل قول الحافظ أبي بكر الأعين: مشايخ خراسان ثلاثة: قتيبة، وعلي بن حجر، ومحمد بن مهران الرازي، ورجالها أربعة: عبدالله بن عبدالرحمن السمرقندي ومحمد بن إسماعيل البخاري قبل أن يظهر منه ما ظهر... الخ
قال الذهبي معلّقاً عليه: (والذي ظهر من محمد - يعني البخاري - أمرٌ خفيف من المسائل التي اختلف فيها الأئمة في القول في القرآن وتسمّى مسألة أفعال التالين، فجمهور الأئمة والسلف والخلف على أن القرآن كلام الله المنزل غير مخلوق وبهذا ندين الله) (السير 11/510) .
ولا يلزم من هجر الإمام أحمد لهؤلاء الأئمة أن يكونوا على غير طريق السلف، لا سيما أن الحق معهم فيما ذهبوا إليه كما قرَّرَه الإمام الذهبي.
وقال الذهبي أيضا :
( فقد كان هذا الإمام [ يعني أحمد ] لا يرى الخوض في هذا البحث خوفا من أن يُتذرّع به إلى القول بخلق القرآن، والكف عن هذا أولى. آمنا بالله تعالى وبملائكته وبكتبه ورسله وأقداره والبعث والعرض على الله يوم الدين. ولو بسط هذا السطر وحُرِّرَ وقُرِّرَ بأدلته لجاء في خمس مجلدات، بل ذلك موجود مشروح لمن رامه. والقرآن فيه شفاء ورحمة للمؤمنين. ومعلوم أن التلفظ شيء من كسب القارئ غير الملفوظ، والقراءة غير الشيء المقروء، والتلاوة وحسنها وتجويدها غير المتلو، وصوت القارئ من كسبه فهو يُحدث [ يعني يفعل، وليس الإحداث المرادف للخلق كما تقول المعتزلة ] التلفظ والصوت والحركة والنطق، وإخراج الكلمات من أدواته المخلوقة، ولم يحدث كلمات القرآن ولا ترتيبه ولا تأليفه ولا معانيه ) ( سير أعلام النبلاء 11/290 ) .
ثم روى عن الحاكم بسنده إلى فوران صاحب أحمد أنه قال :
سألني الأثرم وأبو عبدالله المعيطي أن أطلب من أبي عبدالله [ يعني أحمد ] خلوة، فأسأله فيها عن أصحابنا الذين يفرقون بين اللفظ والمحكي. فسألته ، فقال : القرآن كيف تُصُرِّفَ في أقواله وأفعاله فغير مخلوق، فأما أفعالنا فمخلوقة. قلت [ القائل فوران ]: فاللفظية تعدُّهم يا أبا عبدالله في جملة الجهمية ؟ فقال : لا . الجهمية الذين قالوا: القرآن مخلوق اهـ.
وفي الأسماء والصفات للبيهقي ص266 عن عبدالله بن أحمد بن حنبل قال : سمعت أبي يقول: ( من قال لفظي بالقرآن مخلوق يريد به القرآن فهو كافر ) علق الحافظ البيهقي قائلا : ( قلت : هذا تقييد حفظه عنه ابنه عبدالله وهو قوله: يريد به القرآن. فقد غفل عنه غيره ممن حكى عنه في اللفظ خلاف ما حكينا حتى نسب إليه ما تبرأ منه فيما ذكرنا ) اهـ.
وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى:
( فأما ما احتج به الفريقان لمذهب أحمد ويدعيه كل لنفسه فليس بثابت كثير من أخبارهم، وربما لم يفهموا دقة مذهبه، بل المعروف عن أحمد وأهل العلم أن كلام الله غير مخلوق وما سواه مخلوق، وأنهم كرهوا البحث والتنقيب عن الأشياء الغامضة، وتجنبوا أهل الكلام والخوض والتنازع إلا فيما جاء به العلم وبيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ( خلق أفعال العباد ص 43 ) .
وإننا متيقنون بأنهم رحمهم الله تعالى لم يقولوا هذا القول دون أن تدعو لذلك حاجة، كلا، وحاشاهم أن يتكلموا بشيء سكت عنه الصحابة والتابعون، لكنهم لمَّا رأوا الناس تقحموا هذا الباب، وخاضوا في هذا الأمر، وحملوه على غير وجهه، اضطروا إلى الكلام فيه تبياناً للحق، وكفّاً للناس عن ذلك.
قال العلامة الكوثري رحمه الله تعالى (في تعليقه على تبيين كذب المفتري هامش(2) من الصفحة / 406):
(أما كلام أحمد في ابن كلاب وصاحبه [ يعني الحارث المحاسبي ] فلكراهته الخوض في الكلام وتورُّعِه منه، ولكن الحق أن الخوض فيه عند الحاجة متعيِّنٌ على خلاف ما يرتئيه أحمد).
الخلاصة: أن الأمر خفيف كما وصفه الحافظ الذهبي، وأن هذه المسألة مما اختلفت فيها أقوال الأئمة، وهم متفقون جميعاً على أن القرآن الذي هو صفة الرحمن وكلامه تعالى غيرمخلوق.
بهذا يتبين أن الإمام ابن كلاّب لم يكن وحده في هذا الأمر الذي ذهب إليه، بل كان على رأيه كبار أئمة الدين.
فإذا كان الأمر كذلك، فمن أين جاء القول بأن الإمام الأشعري قد ترك طريقته وآراءه؟!
والجواب عن القضية الثالثة - اختلاف الأسلوب - سيأتي إن شاء الله تعالی.