الاثنين، 2 أكتوبر 2017

المختصر المفيد في بيان فساد تقسيم التوحيد

1. العلة ليست في شكلية التقسيم بل في جوهره، لأن مفاهيم كالإلهية أو الألوهية والربوبية والرازقية والحاكمية وغيرها من الصفات الإلهية هي مفاهيم قديمة عند العلماء كان الهدف الشرح وبيان المعنى فقط، أما جعل كل واحد منها (توحيدًا) قائمًا بذاته فهنا يكمن الخلل، لأن التوحيد لا يكون توحيدًا إلا باعتقاد أن الله هو المنفرد بهذه الصفات الإلهية جميعها!
كيف يكون الشخص موحدًا بالله عز وجل وهو يعتقد أن لله شريك في صفة من صفاته التي لا ينفرد بها إلا هو؟! هذا مشرك وليس موحدًا لأن الشرك نقيض التوحيد.
2. القسم هو الجزء من الشيء، فالأسماء الحسنى ليست أقسامًا من المسمى لأن المسمى واحد عز وجل، لا يتجزأ ولا يقبل التقسيم، لذا فإن الاستدلال بكثرة الأسماء على جواز تجزئة التوحيد باطل لا تقوم به حجة.
3. الصفات هي في جوهرها صفة واحدة اشتملت على معاني صفات كمالية لا تليق بالله عز وجل إلا مجتمعة، فالله إله وفي خلقه آلهة باطلة، وهو رب وفي خلقه أرباب، وهو رحيم وفي خلقه رحماء، وهو ملك وفي خلقه ملوك، وهو مؤمن وفي خلقه مؤمنون، وهو لم يلد وكل عقيم لم تلد، ولم يولد والملائكة لم تولد .. إلخ فلا يليق بالله إلا أن يكون إلهًا وربًّا واحدًا أحدًا فردًا صمدًا رحمانًا رحيمًا ملكًا وقدوسًا سلامًا مؤمنًا مهيمنًا .. إلى آخره، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤءًا أحد كلها مجتمعة، لا تليق بالله عز وجل إلا كلها مجتمعة، ولذلك فإن تقسيم الصفات وجعل كل قسم منها صفة قائمة بذاتها باطل ولا يليق بالله عز وجل. وهذا مثال حي على التقسيم الفاسد الذي جرت على مجراه بدعة تقسيم التوحيد.
4. قياس تقسيم ما يقبل التقسيم على ما لا يقبله قياس فاسد، فجوهر التوحيد واحد لا يتعدد إما توحيد أو شرك، وجوهر الإيمان واحد لا يتعدد إما إيمان أو كفر (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، الشيء وضده ليس هناك منطقة وسطى. وبذا يظهر فساد جعل توحيد الله عز وجل ثلاثة أقسام.
5. رسالة فصيلة الشيخ عبد الرحيم الركيني في بيان الخلل في هذا التقسيم الفاسد المبتدع واضحة في تقرير أنه يليق بالله إلا أن يكون ربًّا وإلهًا في ذات الوقت، فلا ربوبية بدون ألوهية ولا ألوهية بدون ربوبية بدليل أن دخول الدين يكون بشهادة الألوهية التي تقتضي الربوبية ايضًا، فلا نطالب بشهادة أخرى مثل: (لا رب إلا الله محمد رسول الله) فالأولى تكفي. وفي سؤال القبر عندما نخرج من الدنيا نسأل عن: (من ربك) وهي تقتضي من إلهك أيضًا، لأنه لا يستحق العبادة إلا رب بدليل قوله تعالى: ( قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدًا) والدعاء هو مخ العبادة كما قال المعصوم صلى الله عليه وسلم وفي رواية (الدعاء هو العبادة).
6. الواجب الشرعي في بيان فساد تقسيم توحيد الله عز وجل وأنه بدعة ضلالة هو:
🔹الانتصار لأهمية فهم أصول الدين على مذاهب السلف الصالح ونبذ البدع والضلال والتحذير من تحريف مفهوم التوحيد في الإسلام.
🔹الذود عن حياض التوحيد الخالص.
🔹الانتصار للإسلام والتنفير من الشرك فلا يمكن أن يكون المشرك الجاهلي أفضل من المسلم  بأي حال من الأحوال كما قال تعالى: (افنجعل المسلمين كالمجرمين؟ مالكم كيف تحكمون؟!).
🔹التأكيد على حرمة المسلم بكلمة التوحيد.
🔹تصحيح المفاهيم الدينية الخاطئة.
🔹محاربة الفكر التكفيري المتطرف الذي يكرس جهده لإخراج المسلمين من الملة بالتوسع في التكفير اعتمادا على هذه المفاهيم الفاسدة.
🔹بيان خطأ ابن تيمية الذي يُنسب إليه هذا التقسيم الفاسد، فكثير من المتطرفين يقتدون بهذا الرجل كثير الشذوذ، فمع كونه من المتأخرين، توفي سنة 728 هجرية، وغير معصوم، وقليل الشيوخ، ومستتاب شرعيًّا في مسائل عقدية سنة 707 هجرية فتاب مختارًا وكتب توبته بيده وتبرأ مما كان يقول ويعتقد في الإستواء والنزول ومعاني القرءان الكريم، اثبت ذلك الحافظ في الدرر الكامنة، وابن المعلم في نجم المهتدي، والحافظ ابن شاكر في عيون التاريخ، والحافظ البرزالي في تاريخه، وغيرهم. مع كل ذلك فهناك من يتعصبون لرأيه ويضربون بفهم السلف وجمهور أهل العلم المعتبرين عرض الحائط لأجل رأي رجل واحد مثير للجدل، بينما يد الله مع الجماعة، والأمة لا تجتمع على ضلال، والشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد كما قال المعصوم صلى الله عليه وسلم.
🔹ضرب مثال من الواقع على البدعة الضلالة التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
7. إن الدين الصحيح يفهم على ضوء فهم سلف الأمة كالأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة التي تلقتها الأمة بالقبول وعلى فهم جماهير أهل العلم، ويحذر من فهم الشواذ. ولو كان في هذا التقسيم الفاسد خيرًا لسبقنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم، أو خلفاؤه الأربع أو السلف الصالح لهذه الأمة.

هل كل تقسيم يكون منطقيًّا ومقبولًا؟

تقسيم المسائل بغرض الشرح والبيان في حد ذاته شيء شائع عند العلماء ومألوف، لكن هل كل تقسيم مقبول؟
لا، ليس كل تقسيم يكون مقبولًا، فمثلًا تقسيم الدين إلى عادات وعبادات في تقديري تقسيم فاسد، فإن سئلت عن الطعام أو الشراب، هل هما عادة أم عبادة؟ فلن تستطيع الإجابة لأنهما ليسا عبادة بالمطلق ولا عادة بالمطلق، إن قلت عبادة بالمطلق كان الكفار والدواب وكل ما يأكل ويشرب عابدًا لله تعالى به، وإن قلت عادة فجاز لك أن تأكل الخنزير والميتة وتشرب الخمر وكل مسكر، وهكذا لا يقوله به عاقل.
لأجل هذا فإن تقسيم أهل العلم الشريعة للأحكام الخمسة (الحلال والمستحب والحرام والمكروه والمباح ) هو أصلح، فهو تستوعب بشمول الأحكام، فمن الطعام ما هو حلال كالأنعام، وما هو مستحب كالتمر والزيتون وكل ما رود في القرءان الكريم والسنة المطهرة، ووما هو حرام كلحم الخنزير والميتة، وما هو مكروه كالبصل والثوم والكراث، ما هو ومباح كسائر الطعام الذي لم يرد فيه نهي أو تحريم. كما أن الأكل والشراب فيهما آداب شرعية تدخل من باب الإستحباب كالبسملة واستدراك ما فات من البسملة، والأكل والشرب باليمين، والشرب جالسًأ، والأكل مما يليك، ولعق الأصابع وإحسان الإناء، وأن تحمد الله على ما رزقك، وغيرها من الآداب، ومنها ما يدخل من باب التحريم أو الكراهة كالإسراف في الطعام، والأكل والشرب بالشمال، وإعابة الطعام، والتبذير، وغير ذلك الأمور الشرعية التي تكتنف مسألة الأكل والشرب، وهناك أمور تكون من باب العادات الصرفة مثل نوع الطعام المباح ومذاقه وطريقة طهيه، وطريقة رص المائدة، ونوعية الآنية المستخدمة في المائدة، وطريقة الجلوس للأكل، .. إلخ.
العبادة بالمداومة قد تصير عادة، فمثلًا لو تعودت أن تصلي أربع ركات بعد شروق الشمس فهذه عبادة اعتدت عليها، والعادة قد تصبح عبادة، فمثلًا لو اعتدت أن تزيح أي عائق في الطريق صادفك، فإن ابتغيت وجه الله بهذا العمل ولم تعمله رياءًا ولا سمعة، كانت هذه العادة عبادة لله عز وجل، لأجل ذلك جعلت الشريعة كثيرًا من الأمور التي تعمل عادة صدقات يجزي الله عليها، مثل إماطة الأذى عن الطريق، والتبسم، والكلمة الطيبة، .. إلخ.

حجة وأحدية التوحيد على بدعة تقسيم التوحيد لسماحة العارف بالله تعالى الشيخ عبد الرحيم الركيني

(حجة وأحدية التوحيد على بدعة تقسيم التوحيد)
منقول من كتاب (وحدة التوحيد)
لمؤلفه: سماحة العارف بالله تعالى الشيخ عبد الرحيم الركيني، المندوب العام للطريقة الركينية

بسم الله الرحمن الرحيم
(بدعة تقسيم التوحيد إلى ثلاثة بدعة محدثة)
هذه هي المادة موضوع النزع والنزاع.
تقسيم التوحيد إلى ثلاثة بدعة سيئة، لأنه ما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما قالها أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وتقسيم التوحيد إلى ثلاثة ينافي مقصد (لا إله إلا الله)، ويخالف صريح الكتاب والسنة، فهذا هو تقسيم التوحيد المبتدع، ويليه الرد عليه:
١. توحيد الربوبية وهو كون الشخص يعرف أن الله هو الرب، أي إفراده بالخلق والملك والتدبير.
وهذا معروف حتى عند اليهود، والنصارى ومشركي الجاهلية.
٢. توحيد الألوهية وهو أفراد الله تعالى بالعبادة فلا تدعو غيره أو تعبد سواه.
٣. توحيد الأسماء و الصفات أي الإيمان بأسماء الله وصفاته التي ذُكرت بالأدلة الشرعية من غير تحريف أوتمثيل أوتشبيه أوتعطيل أوتكييف.
وهذا هو الرد على تقسيم التوحيد إلى ثلاثة:
أولًا/ عقلًا توحيد الواحد الأحد لن يكون ثلاثة.
ثانيا/ نقلًا لم يرد هذا التقسيم بهذا الفهم في كتاب الله تعالى، ولم يرد نصًّا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرد في أقوال الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
ثالثًا/ هذا التقسيم بدعة مُحدثة.
والبدعة المحدثة هي كل ما خالف صريح الكتاب والسنة، مخالفة لا تقبل التأويل بوجه من الوجوه.
رابعًا/ أن أساس هذا التقسيم باطل.
وهو قولهم أن جميع الكفار حتى عباد الأصنام  موحِّدون توحيد الربوبية، وهو الإقرار بأن الله هو الخالق والرازق والمدبر والمسيطر، فتعالوا معي أيها المسلمون إلى كتاب الله تعالى، هل هذا الفهم صحيح؟
نجد في آيات القرآن العظيم عدة أنواع من  الكفار ولكلٍّ سبب كفره.
أ/ اليهود أهل كتاب وهو التوراة.
ب/ النصارى أهل كتاب وهو الإنجيل.
ج/ عباد الأصنام ليس عندهم كتاب.
فاليهود والنصارى لأنهم أهل كتاب فلقد عرفوا من تعاليم التوراة والإنجيل أن الله هو الخالق والرازق والمدبر والمسيطر. ولذا كل آيات الإقرار تتعلق بأهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، ولا صلة لآيات الإقرار بعُبَّاد الأصنام.
ومن آيات الإقرار قوله تعالى:
§       (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ)
§       (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ)
§       (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)
§       (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)، (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ)
§        (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ)
   ثم بين الله تعالى في الآيات التي تليها، أن هذا الإقرار يخص أهل الكتاب ولا يخص عُبَّاد الأصنام.
قال الله تعالى:
§       (بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)
§       (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)
   ولكن عندما حرَّفوا التوراة والإنجيل تغير هذا الإقرار الذي اعتمد عليه أصحاب التقسيم في تقسيم التوحيد. ومما يجب الإنتباه إليه هو أنه بعد التحريف تعددت أقوال اليهود والنصارى على الوجوه الآتية:
1/ منهم من أنكر أحدية الله تعالى، قال الله تعالى:
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ)
فهؤلاء عندهم ربّان، بمعنى الله رب والإبن رب، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
2/ منهم من يعتقد أن الله هو نبي الله عيسى عليه السلام، قال الله تعالى:
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
وهذا ينفي الإقرار بربوبية الله تعالى ويهدم بدعة تقسيم التوحيد.
3/ ومنهم من أنكر إحاطة علم الله تعالى، قال الله تعالى:
(وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)
وقال تعالى ردًّا عليهم:
(أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ)
4/ ومنهم من أنكر أنَّ الرازق هو الله تعالى، قال الله تعالى:
§       (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ )
§       (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)
وهذا يهدم فهم تعميم الإقرار على جميع الكفار.
ويتبين لك أيها المسلم  أن الإقرار قد تغير وكل ذلك بدليل من كتاب الله عز وجل.
  وأما عُبَّاد الأصنام  فليس عندهم كتاب، وبالتالى فهم لا يعرفون الله تعالى، ولا يعرفون أن الله هو الخالق أو الرازق أو المدبِّر، وهذه بعض التفاصيل.
1/ عباد الأصنام لا يعرفون الله تعالى، قال الله تعالى:
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ۩)
إنتبه! عُبَّاد الأصنام لا يعرفون الرحمن، والرحمن هو الله الخالق.
2/ عباد الأصنام في سبب نزول سورة الإخلاص قالوا: "يا محمد صف لنا ربك، هل هو من فضة أم من ذهب؟"
فأنزل الله تعالى سورة الإخلاص ردًّا على سؤالهم وجهلهم بالله العلي الكبير، قال الله تعالى:
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ).
إنتبه! قالوا: "صف لنا ربك" وبرواية: "انسب لنا ربك"  وما قالوا: "صف لنا إلهك".
3/ بعد أن ثبت جهل عُبَّاد الأصنام بأنهم لا يعرفون  الله الرحمن، فهذا يثبت أنهم لا يعرفون الله تعالى خالقًا ورازقًا ومميتًا وباعثًا.
4/ عُبَّاد الأصنام لا يعرفون الله تعالى رازقًا، قال الله تعالى:
(وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا)
والذين يقتلون أولادهم هم عُبَّاد الأصنام.
5/ عُبَّاد الأصنام ينكرون الله وأنه المميت وأنه المحي، قال الله تعالى:
(وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُمْ بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)
6/ عُبَّاد الأصنام ينكرون الله تعالى وأنه القادر على إحياء الموتى، قال الله تعالى:
§       (إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ)
§       (أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ۖ ذَٰلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ)
§       (وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ۚ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ)
§       (ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا)
§       (وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا)
§       (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)
§       (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)
فرد عليهم الله عز وجل قائلًا:
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۖ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَٰلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ)
هؤلاء هم عُبَّاد الأصنام الذين لا يعرفون الله تعالى، ولا يعرفون أنه الخالق والرازق والمدبر والمسيطر.
7/ عُبَّاد الأصنام ينكرون الله والعذاب، قال الله تعالى:
((وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)
فيرد عليهم الله تعالى قائلًا:
(ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا)
8/ قال تعالى: (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
إنتبه! كفروا بربهم، بمعنى لا يقرون  بتوحيد الربوبية أحد أقسام التوحيد الثلاثة،
وهذا يهدم بدعة تقسيم التوحيد.
9/ عُبَّاد الأصنام يسبون الله تعالى من أجل أصنامهم، قال الله تعالى:
(وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ).
وهذا ينافي الإقرار بربوبية الله تعالى.
  تنبيه هام!!!!!
وبعد هذا التوضيح فإن الذين قالوا كما جاء في الآية ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٌٰ)، هؤلاء ليسوا عُبَّاد الأصنام، إنما هؤلاء أهل الكتاب، فاليهود يعبدون عزيرًا عليه السلام، والنصارى يعبدون عيسى عليه السلام ليقربهم الابن إلى الأب بحسب عقيدتهم الباطلة، فهم لا يتوسلون بهم إنما (يعبدونهم) بدلًا عن الله تعالى.
وإذا أكملت الآية الكريمة والآية التي بعدها تبين لك أن المقصود بذلك هم  أهل الكتاب، وهذه هي الآية المقصودة:
(أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)
وهذه هي الآية التي تليها مباشرة:
(لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ سُبْحَانَهُ ۖ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ).
وأما عُبَّاد الأصنام فهم قوم يسبون الله من أجل أصنامهم لأنهم لا يعرفونه جل شأنه:
(وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
ويتضح لك جليًّا أن أصحاب تقسيم التوحيد إلى ثلاثة  حملوا  آيات الإقرار على عُبَّاد الأصنام وهذا تحريف لفهم آيات التوحيد، ووضع للقرآن في غير موضعه،
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أخوف ما أتخوف على أمتي رجل متأول للقرآن يضعه في غير موضعه)
وعلى أساس الرد على القسم الأول بطلت بدعة تقسيم التوحيد إلى ثلاثة، وهي بدعة محدثة.
القسم الثاني في بدعة تقسيم التوحيد إلى ثلاثة:  توحيد الألوهية
وأما قولهم إن توحيد الألوهية هو غير توحيد الربوبية، حتى إنهم يعتقدون أن فرعون إدعي الألوهية ولكنه موحِّد توحيد الربوبية، فالقرآن الكريم يكذب هذا الفهم، قال الله تعالى: (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ)
وما قال فرعون وما إله العالمين. فجاء رد سيدنا موسى عليه السلام في الآية تليها:
(قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ)
وما قال إله السموات والأرض.
وجاء رد فرعون في الآيتين بعدها.
§       (قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ)
§       (قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ)
وما قال إلهكم.
ثم يعلن فرعون إنكاره لربوبية الله عز وجل:
(قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ)
ثم يرد عليه سيدنا موسى عليه السلام:
(قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)
ثم يوجه فرعون الكلام لموسى عليه السلام، وقد جاء في الآية التي  بعدها:
(قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ).
أيها المسلم، هذه الآيات تبين أنه لا فرق في التوحيد بين ربوبية وألوهية.  وتدبر هذه الآيات كذلك، قال الله تعالى:
§       (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ)
§       (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ)
§       (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ)
فإن فرعون كافر بالتوحيد والتوحيد واحد.
ويعتقدون أن أبا لهب وأبا جهل موحِّدون توحيد الربوبية، ولكنهم كفروا بتوحيد الألوهية، والقرآن العظيم يكذِّب هذا الفهم بدليل الآيات التي بينت أنَّ عبَّاد الأصنام لا يعرفون الله تعالى و يسبُّون الله من أجل أصنامهم.
أيها المسلمون إنَّ فهم تقسيم التوحيد فهم  باطل بدليل الكتاب والسنة، نجد في آيات القرآن العظيم أنه لا يوجد فرق بين الربوبية والألوهية في التوحيد لما ورد في الآيات السابقة وآيات وآيات، قال الله تعالى:
§       (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)
§       (أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)
§       (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).. (أَرْبَابًا)
§       (وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ۗ أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).. (أَرْبَابًا)
§       (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).. (أَرْبَابًا)
§       (ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ).
ودخول الإسلام بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصيغة السؤال في القبر يقول الملَك: (من ربك) ولا يقول: (من إلهك).
وقال صلى الله عليه وسلم: (من قال رضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا رسولًا ذاق حلاوة الإيمان)
والخلاصة؛ فمن رضي بالله ربًّا فقد رضي به إلها، ومن رضي بالله إلهًا فقد رضي به ربًّا، لأن معنى الإله هو الذي تألهه الخلائق لعبادته ولقضاء حوائجها، بمعني تقصده الخلائق. ومعنى الرب هو الذي ترُبُّه الخلائق لعبادته ولقضاء حوائجها، بمعنى تقصده الخلائق ((فالرَّب هو الإله والإله هو الرَّب)) وهذا لا ينافيه الأخذ بالأسباب، مع التوكل على ربِّ الأسباب لا على الأسباب.
إذًا فأصحاب بدعة تقسيم التوحيد -إن علموا بذلك أو جهلوا- فهو منهج لتغيير مفهوم التوحيد في الإسلام، وبالتالى فهو ذريعة لتكفير المسلمين الذين رضوا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا رسولًا.
والقسم الثالث في بدعة تقسيم التوحيد هو ما سموه بتوحيد الأسماء والصفات، ولكن حقيقة التوحيد هو أنَّ من رضي بالله ربًّا فقد رضي به إلهًا، ومن رضي بالله إلهًا فقد رضي به ربًّا، ومن رضي بالله ربًّا لن يكون ذلك بمعزل عن أسماء الله تعالى وصفاته، ولا يكون بمعزل عن كمال التنزيه لله تعالى. فلا يوجد دليل عقلًا أو نقلًا يفصل صفات الله تعالى وأسمائه عن ذاته العلية في التوحيد، فالرب من أسمائه تعالى، والإله من أسمائه تعال، والله من أسمائه تعالى.
وأما أصحاب بدعة تقسيم التوحيد فهم لا يعرفون كمال التنزيه لله تعالى، فقد اتخذوا القسم الثالث في بدعة تقسيم التوحيد من أجل الأخذ بظاهر الصفات، بمفهوم الجوارح، فهم حينًا يجسِّمون الله تعالى، وحينًا يشبِّهونه بوضع النصوص في غير  موضع فهمها، وأكبر دليل على ذلك كتابهم (عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن)، ففي هذا الكتاب أخذوا بمعنى اليد الجارحة وتركوا المعنى الذي يليق بالله تعالى في كل آيات اليد. وأخذوا من آيات الإستواء الإستقرار وتركوا كل ما يليق بالله تعالى في آيات الإستواء. وأخذوا في آيات  الوجه بالجارحة وتركوا المعنى الذي يليق بالله تعالى في آيات الوجه. وكذلك فعلوا في آيات العين وغيرها متجاهلين لفهم قول الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
فكل فهم يؤدي إلى التجسيم والتشبيه فهو باطل، ولو أنهم لم يقسِّموا التوحيد
بهذه الكيفية المبتدعة لما وجدوا مدخلًا لتكفير المسلمين، فكل من لم يعتقد عقيدتهم هذه فهو عندهم كافر، مباح دمه وماله.
 إنتبهوا لهذا الكتاب جيدًا فإنه يشبه الله تعالى بصورة البشر تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
(إستراحة)
إعلم أنه لا يوجد نصٌّ في الكتاب أو السنة يقول: (من طاف بغير الله فقد أشرك)
لأن الطواف لا يكون بالله عز وجل، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، إنما الطواف يكون حول وبين حرمات الله وشعائر الله تعالى، قال الله تعالى:
(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)
والبيت العتيق هو الكعبة المشرفة، وهو مخلوق.
وقال تعالى:
(إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)
والصفا والمروة مخلوقان، يطوف المسلم تعظيمًا لها، ومن ثَمَّ التقرب بتعظيمها إلى الله تعالى، قال الله تعالى:
(ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)
وقال تعالى:
(ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)
ولكن لا أحد يطوف بالله تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.
ولا يوجد نصٌّ في الكتاب أو السنة يقول: (من تمسَّح بغير الله فقد أشرك) لأن التمسُّح لا يكون بالله الخالق، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، فلا أحد يلمس الله تعالى، إنما التمسُّح يكون بالمخلوقات المباركة، قال الله تعالى:
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ).
وأجساد الأنبياء والمرسلين عليهم السلام مباركة، قال الله تعالى:
(وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا).
وجسد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مبارك، وكان الصحابة رضوان الله عليهم، الفرقة الناجية، يتمسحون بعرق ونخامة وتفل وفضل وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم طلبًا للبركة، ولكن لا أحد يتمسَّح بالله تعالى، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.
ولا يوجد نصٌّ في الكتاب أو السنة يقول: (من قبّل غير الله فقد أشرك) لأن التقبيل لا يكون لذات الله عز وجل، فلا أحد يقوم بتقبيل الله في الدنيا، ولا أحد له  تقبيل الله في الآخرة، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا. إنما التقبيل يكون لحرمات الله تعالى، والتقبيل يكون لشعائر الله تعالى، والتقبيل يكون لأماكن البركة، فقد قبَّل المصطفى صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود. والصحابة، الفرقة الناجية، رضي الله عنهم كانوا يقبِّلون يد ورِجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضي الله عنهم كانوا يقبِّلون أيادي بعضهم.
ولا يوجد نصٌّ يقول: (من إنحنى لغير الله فقد كفر)، ولكن يوجد نصٌّ يقول: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى). فننحني راكعين وساجدين لله ولكن إتجاه الكعبة وليس إتجاه الله، لأن الله تعالى عن الجهات، قال الله تعالى:
(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهَُ).
وننحني راكعين وساجدين لله ولكن إتجاه مقام إبراهيم عليه السلام، وليس بإتجاه الله تعالى، لأن الله تعالى عن الجهات، قال الله تعالى:
(وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّىِ)
وانحنى سيدنا يعقوب عليه السلام وأبناؤه لسيدنا يوسف عليه السلام وكانت نيتهم إنحناء تعظيم لا إنحناء عبادة، وسماه الله تعالى سجودًا في رؤيا يوسف عليه السلام  وفي تحقيقها في الواقع، ولكنه كان إنحناء تعظيم بحسب نيَّتهم، قال الله تعالى:
(وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا )
وانحنى الصحابة، الفرقة الناجية، رضوان الله عليهم لتقبيل (يد) بل و(رِجل) رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت نيتهم التعظيم وطلب البركة لا العبادة. وانحنى الصحابة، الفرقة الناجية، رضي الله عنهم لتقبيل أيادي بعضهم وما كان قصدهم العبادة. ولا يحق تشبيه المتوسِّلين والمتبركين بعُبَّاد الأصنام لما علمت من أدلة سابقة، وأن التوسُّل والتبرُّك هو من أفعال الفرقة الناجية وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم.

وعندما أصحاب بدعة تقسيم التوحيد إتهموا حكومة السودان بأنهم فعلوا ذلك من أجل إرضاء الصوفية فالرد على ذلك أن الحكومة من حقها أن تتخذ كل الإصلاحات التي تؤدي إلى أمن السودان وتماسك نسيجه الإجتماعي وتعايشه في سلام حالًا ومستقبلًا، ولكن قرار حذف مادة بدعة تقسيم التوحيد ليس هي من أجل الصوفية فقط، أنما هذا القرار إنتصار لكلمة التوحيد بصونها من بدعة التقسيم المحدثة،  وبالتالى هو إرضاء لكل أهل لا إله إلا الله، وحفظ للسودان بعيدًا بعيدًا عن التكفير والتهجير الدواعشي.

الأحد، 16 يوليو 2017

نظرية المؤامرة

عبارة "نظرية المؤامرة" هي في نفسها جزء من المؤامرة لأنها تعرِّض بمن يتقصى نشاط العدو، وتظهره كأنه شخص موهوم بشيء لا وجود له إلا في ذهنه!
عجبًا، هل كل الناس أخيار ليس فيهم شرير؟ بل إن أكثرهم ليس على هدى، كما قال تعالى: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ)

أليس هنالك مصالح وموارد وثروات ومكانة تصطرع عليها الدول والمجتمعات والأفراد؟
هل نعيش في الجنة؟ أو في المدينة الفاضلة؟

إذا فما هي المؤامرة؟ هي المكر السيء، وأصل المكر في اللغة الاحتيال والخداع، كما قال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)، وقال تعالى: (اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)، وقوله تعالى: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)
فهذه الآيات تثبت المؤامرة وإن كان الأمر أهون من أن يدلل عليه بالقرءان الكريم، فإنه مما يفهم بداهة.

فائدة:
المكر بمعنى الاحتيال والخداع لا يليق برب العزة عز وجل كما في قوله تعالى: (ويمكر الله والله خير الماكرين)، وقوله تعالى: (ومكر الله والله خير الماكرين)، وهو مجاز، فمكر الله هو أن يعاملهم بعدله لا برحمته وعفوه، لكن الكلام جرى على جهة المقابلة اللفظية مجازًا، قال الزجاج: مكر الله مجازاتهم على مكرهم،  فسمي الجزاء باسم الابتداء، والعقوبة باسم الذنب، فهي من باب المجازاة وإتباع لفظ لفظا، وإن اختلف معنياهما وهذا كثير في كلام العرب، كما قال عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحد علينا ××× فنجهل فوق جهل الجاهلينا
فسمى انتصاره جهلا، والجهل لا يُفتخر به، وإنما قاله ليزدوج الكلام فيكون أخف على اللسان مع المخالفة بينهما في المعنى. وهذا كثير في كلام الله عز وجل كقوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) فالجزاء لا يكون سيئة، وقوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) والقصاص لا يكون اعتداءًا لأنه حق وجب، وكذا قوله تعالى: (إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا)، وقوله تعالى: (إنما نحن مستهزئون)، وقوله تعالى: (الله يستهزئ بهم)، وليس منه سبحانه هزء ولا كيد، إنما هو جزاء لمكرهم واستهزائهم وجزاء كيدهم، وكذلك قوله تعالى: (يخادعون الله وهو خادعهم)، وقوله تعالى: (فيسخرون منهم سخر الله منهم)، وقوله تعالى: (نسوا الله فنسيهم)، وقوله تعالى: (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يمل حتى تملوا ولا يسأم حتى تسأموا)، كله مجاز فالله تبارك وتعالى منزه عن الخداع والسخرية والنسيان والملل والسأم، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

الاثنين، 26 يونيو 2017

البدعة الحسنة سنة نبوية

الذي اجتمع عليه جمهور أهل العلم في الأمة أن البدعة بدعتان: بدعة هدى وهي ما وافقت تعاليم الإسلام وروحه ومقاصد شريعته، وبدعة ضلال وهي ما خالفت تعاليم الإسلام وروحه ومقاصد شريعته، وروي ذلك عن أكابر الفقهاء وحفاظ الحديث وشراح السنة وأهل القرءان من السلف والخلف، كالإمام الفقيه الشافعي، والإمام الحافظ الخطابي الشافعي، والإمام الحافظ ابن عبد البر المالكي، والإمام الحافظ ابن حزم الظاهري، والإمام الفقيه ابن عربي المالكي، والإمام الفقيه أبي حامد الغزالي الشافعي، والإمام الحافظ ابن الجوزي الحنبلي، والإمام الحافظ ابن الأثير الشافعي، والإمام الفقيه العز بن عبد السلام الشافعي، والإمام الحافظ أبي شامة المقدسي الشافعي، والإمام الفقيه القرافي المالكي، والإمام الحافظ القرطبي المالكي، والإمام الحافظ النووي، والإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي، والإمام العلامة التفتزاني الحنفي، والإمام الحافظ البدر العيني الحنفي، والإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني، وغيرهم خلق كثير بما في ذلك ابن تيمية الحراني في كتابه "درء تعارض العقل والنقل"، لم يشذ عن ذلك الإجتماع سوى أبي اسحاق الشاطبي المالكي الأشعري المتوفى في أواخر القرن الثامن الهجري سنة 790 هجرية، ولا شك أن مخالفته للسلف ولهؤلاء الجهابذة من نقلة الشريعة وأعمدة العلم في الأمة وشذوذه عليهم يجعل رأيه غير ملتفت إليه.

والتحقيق أن البدعة الحسنة أو بدعة الهدى هي سنة نبوية وذلك من عدة وجوه:
1. السنة التقريرية، وهي إقرار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة على أمور لم يفعلها أو يأمر بها، كتقبيل يده صلى الله عليه وسلم ورجله، والتبرك بماء وضوئه ونخامته الشريفة، والتمسح ببطنه الشريف، والرقية بالفاتحة من لدغة الحية والعقرب، ومداومة الصلاة بسورة الإخلاص.. إلخ. بل وكان يثني على بعضها ولا يكتفي صلى الله عليه وسلم بالإقرار، كثنائه على من قال في الصلاة: "حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد" بعد قول "سمع الله لمن حمده". فلو كان كل أمر ديني جديد هو بدعة ضلالة لما أقر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة على ما عملوه بدون سابق أمر منه لأنه لا يقر على ضلال أو باطل، والشاهد على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يقرهم على الشفاعة في أمر المخزومية التي سرقت، ولا في قتل المشرك الذي شهد الشهادتين، ولا في قبول عامل الخراج للهدية، وغير ذلك من الأمثلة. ولذا فإن ابتداع أمر يوافق أصول الإسلام هو في الحقيقة سنة أصَّلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته التقريرية.
2. قوله صلى الله عليه وسلم: (من سنَّ في [الإسلام] سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، لا ينقص ذلك من أجورهم سيء) [رواه مسلم]، والسنة هي ابتداع شيء لم يكن فيعمل به الناس ويسيرون عليه ويقتدون فيه بفاعله. وفي هذا الحديث الشريف بشر النبي صلى الله عليه وسلم فاعل البدعة الحسنة في الدين وأشار إليها بقوله (في الإسلام)، والتي يتابعه عليها الناس بالأجر والثواب الدائم، وسماها (سنة). ولذا فإن البدعة الحسنة هي إمتثال لتشجيع النبي صلى الله عليه وسلم الوارد في هذا الحديث وحضه على سن أمور طيبة يدعو إليها الإسلام ويؤصِّل لها.
3. قوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ) [أخرجه الترمذي وقال وصححه]، فجعل للخلفاء الراشدين سنة مستقلة تنسب إليهم، ولا شك أنها مما لم يفعله او يقله أو يقرره النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا لكان ذلك سنته هو صلى الله عليه وسلم وليس سنة خلفائه رضي الله عنهم، فجعل صلى الله عليه وسلم إحداث خلفائه لأمور جديدة في الدين على الأصول الشرعية سنة.
4. سنة صلاة التراويح حيث جمع سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه الصحابة خلف إمام واحد طيلة أيام شهر رمضان، وهي سنة تنسب له رضي الله عنه وأرضاه ومع ذلك سماها بدعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الحق يجري على لسان عمر وقلبه.
5. الإجتهاد في الدين، فمن حكم وأصاب فله أجران، ومن حكم وأخطأ فله أجر واحد كما روي عن النبي صلى الله، ولا شك أنه لا اجتهاد مع نص، فدل ذلك على أن الاجتهاد هو ابتداع حكم شرعي غير مسبوق قياسًا على الأصول الشرعية، والاجتهاد في الدين سنة بلا شك فدل ذلك على أن البدعة الحسنة سنة.

وللبدع الحسنة أو بالمسمى الصحيح السنن الحسنة دواعٍ شرعية منها:
1. مرونة الدين وصلاحيته لكل زمان ومكان لأنه الدين الختام. وبهذه السنن تتم الاستجابة للتحديات المعاصرة بالقياس على أصول الشريعة ومقاصدها، وكان من ذلك تصنيف العلوم الشرعية، وجمع القرءان، وتنقيط المصحف وتشكيله وبيان علامات التجويد فيه، وبناء المآذن في المساجد، وإحياء ذكرى المناسبات الإسلامية العظيمة كالمولد وليلة القدر وليلة النصف من شعبان وليلة الإسراء والمعراج والهجرة النبوية وغزوة بدر الكبرى، وإقامة المؤتمرات الإسلامية والأسابيع الدعوية، .. إلخ.
2. تشجيع أهل الهمم العالية على فتح أبواب الخير امتثالًا لقوله تعالى: (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)

فإذا تبين أن البدعة الحسنة سنة فإن إطلاق لفظ بدعة بدون تقييد كما في بعض كتب السلف وأهل العلم فيقصد به البدعة الضلالة المخالفة للكتاب والسنة كالتبديع والتكفير ورمي المسلمين بالشرك وسفك دمائهم.

أما الاحتجاج بأن لفظة (كل بدعة ضلالة) لم تفرق بين الحسنة والمذمومة فمردود لأن جمهور أهل العلم أجابوا عن ذلك بشواهده بأنه من العام المخصوص. وأما الإحتجاج بقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) فمردود لأن البدعة الحسنة تكون على أصول الشريعة وبذلك فهي (منه) أي الإسلام ولا ينطبق عليها قوله صلى الله عليه وسلم (ما ليس منه).

الخميس، 22 يونيو 2017

ليلة السابع والعشرين هي ليلة القدر على التحقيق


26 رمضان، ليلة القدر، الموافق ليلة السابع والعشرين من رمضان فلا تفوتك:
ليلة القدر ليلة عظيمة وكنز من كنوز هذه الأمة المكرومة، أنزل فيها القرءان جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا، قال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر)، ثم نزل بعد ذلك مفرقًا على النبي ﷺ بعد البعثة. وهي ليلة مباركة من تعرَّض لها تعرَّض لبركات الله فيها، قال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة)، ومن بركتها أن من قامها غُفر الله له ما تقدم من ذنبه، فيخرج من رمضان كيوم ولدته أمه، فقد قال رسول الله ﷺ: "من يقم ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر لله ما تقدم من ذنبه" [رواه البخاري]، ومن بركتها أن العمل الصالح في هذه الليلة الواحدة أفضل من العمل الصالح في ألف شهر، أي ما يعادل أكثر من 83 سنة، فقد قال تعالى: (ليلة القدر خير من ألف شهر).

وقد كانت خافية على الصحابة رضوان الله عليهم قبل الهجرة، لا يدرون أي ليلة هي ليلة القدر، فكانوا يتحرونها في كل ليالي السنة، وهذا كان تربية ودربة لهم على قيام الليل. وقضت حكمة العليم الحكيم عز وجل أن تتدرج الشريعة في كشف حقيقتها رويدًا رويدًا، فبعد أن هاجر النبي ﷺ إلى المدينة المنورة، كشف الله للصحابة جزءًا من حقيقتها أنها في شهر رمضان، فقال تعالى في سورة البقرة وهي سورة مدينة: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان)، فكانوا يقومون الليل كل السنة لكن يزدادون حرصًا على تحريها في ليالي شهر رمضان. ثم أراد الله أن يكشف لهم مزيدًا من حقيقتها فقال لهم النبي ﷺ: (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان) [رواه البخاري ومسلم]، ثم خصص لهم أكثر فقال ﷺ: (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) [رواه البخاري]، ثم خصص لهم أكثر فقال ﷺ: (إلتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة) [رواه البخاري ومسلم]، وفي رواية: (إلتمسوها في السبع الأواخر) [رواه البخاري ومسلم].

ليلة السابع والعشرين هي ليلة القدر على التحقيق:
ثم حدد النبي ﷺ لهم أنها ليلة السابع والعشرين، وذلك من باب التيسير على الأمة فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا أتى النبي ﷺ فقال: يا نبي الله إني شيخ كبير عليل، يشق علي القيام فأمرني بليلة لعل الله يوفقني فيها لِلَيْلَةِ القدر. قال: "عليك بالسابعة" [رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط البخاري]، وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عن النبي في ليلة القدر قال: "ليلة القدر ليلة سبع وعشرين" [رواه أبو داود في وابن عبد البر وصححه]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: تذاكرنا ليلة القدر عند رسول الله ﷺ، فقال: (أيكم يذكر حين طلع القمر وهو مثل شق جفنة؟" وشق جفنة: أي نصف قصعة، أي ليلة سبع وعشرين لأن القمر يطلع فيها بتلك الصفة. وعن سيدنا أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: (والله إني لأعلمها، وأكثر علمي هي الليلة التي أمرنا رسول الله ﷺ بقيامها، هي ليلة سبع وعشرين) [رواه مسلم]، وقال رضي الله عنه: (هي ليلة صبيحة سبع وعشرين، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها) [رواه مسلم]، وعن زر بن حبيش، يقول: سألت أبي بن كعب رضي الله عنه، فقلت: إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر؟ فقال رحمه الله: "أراد أن لا يتكل الناس، أما إنه قد علم أنها في رمضان، وأنها في العشر الأواخر، وأنها ليلة سبع وعشرين"، ثم حلف لا يستثني، أنها ليلة سبع وعشرين، فقلت: "بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟"، قال: بالعلامة، أو بالآية التي أخبرنا رسول الله ﷺ أنها تطلع يومئذ، لا شعاع لها" [رواه مسلم، والترمذي وقال حسن صحيح]، وعن قنان بن عبد الله النهمي، قال: سألت زرًا عن ليلة القدر، فقال: "كان عمر، وحذيفة، وناس من أصحاب رسول الله ﷺ لا يشكون أنها ليلة سبع وعشرين تبقى ثلاث" [رواه ابن أبي شيبة]

من علم الإشارة:
وهي ليلة السابع والعشرين أيضًا من خلال علم الإشارة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدعوني مع أصحاب محمد ﷺ ويقول لي: "لا تتكلم حتى يتكلموا"، قال: فدعاهم وسألهم عن ليلة القدر، قال: "أرأيتم قول رسول الله ﷺ: (التمسوها في العشر الأواخر، أي ليلة ترونها؟) قال: فقال بعضهم ليلة إحدى، وقال بعضهم: ليلة ثلاث، وقال آخر: خمس، وأنا ساكت فقال: "ما لك لا تتكلم؟" فقلت: "إن أذنت لي يا أمير المؤمنين تكلمت"، قال: فقال: "ما أرسلت إليك إلا لتتكلم"، قال: فقلت: "أحدثكم برأيي؟" قال: "عن ذلك نسألك"، قال: فقلت: "السبع، رأيت الله ذكر سبع سماوات، ومن الأرضين سبعًا، وخلق الإنسان من سبع، وبرز نبت الأرض من سبع"، قال: فقال: "هذا أخبرتني ما أعلم، أرأيت ما لا أعلم ما قولك نبت الأرض من سبع؟" قال: فقلت: إن الله يقول: {شققنا الأرض شقا} [عبس: 26] إلى قوله {وفاكهة وأبا} [عبس: 31] والأب نبت الأرض مما يأكله الدواب ولا يأكله الناس، قال: فقال عمر: "أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الذي لم يجتمع شئون رأسه بعد؟ إني والله ما أرى القول إلا كما قلت"، قال: وقال: "قد كنت أمرتك أن لا تتكلم حتى يتكلموا، وإني آمرك أن تتكلم معهم" [رواه اسحاق بن راهويه، والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم]
وتعجب بعضهم كيف يخصص العدد 7 وينسى العشرين؟ فأجيب عليه بأن العشرين هي الأيام التي مضت من الشهر، والسبع هي التي بقيت منه إلى الليلة.

ومن علم الإشارة أيضًا أن كلمة "ليلة القدر" مكونة من تسعة أحرف وقد وردت في سورة القدر ثلاث مرات، فحاصل الضرب 9×3 يساوي 27. ومن علم الإشارة أيضًا أن سورة القدر مكونة من 30 كلمة بعدد أجزاء القرءان الكريم، والكلمة السابعة والعشرين هي إسم الإشارة "هي" فدلت كذلك على أنها ليلة السابع والعشرين. ومن علم الإشارة أيضًا أن كلمة "القدر" وردت ثلاث مرات، في الموضع 5، و10، و12 ومجموعها يساوي 27.

هل تتنقل ليلة القدر من ليلة إلى ليلة؟
لا يمكن أن تتنقل الليلة بين الليالي لأنها هي ليلة واحدة ومحددة نزل فيها القرءان الكريم، في السابع والعشرين من رمضان، وهو تاريخ محدد، تمامًا مثل تاريخ غزوة بدر الكبرى، فنحن اليوم نتدارس ذكرى غزوة بدر الكبرى يوم السابع عشر من رمضان لأن الغزوة حدثت في ذلك اليوم، فهل يمكن أن نتعرض لهذه الذكرى في يوم آخر؟ مرة 17 ومرة 16 ومرة 18 وهكذا؟ قطعًا لا. ويجب الانتباه إلى أن التقويم الإسلامي في كتاب الله عز وجل هو التوقيت القمري بالشهور العربية، ولا علاقة له بالتقويم الشمسي. أما ما يروى من تحريها في ليالٍ متعددة في العشر الأواخر فتلك كانت مراحل تدرج الكشف عن حقيقتها حتى لا يتكل الناس.

الواجب تجاهها:
الحرص على قيامها والتعرض لنفحاتها وتذكير الناس بها، فقد كان يقول النبي ﷺ عند دخول رمضان: "إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم" [صحيح أخرجه ابن ماجة]. وأيضًا الدعاء لك ولأهلك وأقربائك وزملائك وسائر المسلمين بخير الدنيا والآخرة مع التركيز على خير الآخرة، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: يا نبي الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: "تقولين: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" [رواه الإمام أحمد]