السبت، 26 ديسمبر 2020

لماذا نسميهم وهابية بدلا عن الأوصاف الزائفة التي يدعونها كالسلفية أو الأثرية أو أنصار السنة.. إلخ؟

 الإجابة:

أولا لأن هذا هو الإسم الذي عرفوا به منذ نشأتهم كما ذكره الإمام الصاوي في حاشيته على تفسير الجلالين، وقد عاصر فتنتهم. قال الشيخ أحمد بن محمد الصاوي الذي عاصر الحركة الوهابية والمتوفى سنة 1241 هـ في تفسير قول الله تعالى {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ} (فاطر الآية 6): «وقيل هذه الآية نزلت في الخوارج الذين يحرّفون تأويل الكتاب والسنة ويستحلون بذلك دماء المسلمين وأموالهم كما هو مُشَاهَدٌ الآن في نَظَائِرهم وهم فرقة بأرض الحجاز يقال لهم الوهابية يحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون نسأل الله الكريم أن يقطع دابرهم» [الجزء الخامس من حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 

ثانيًا إنصافًا للسلف ولأصحاب الأثر وللسنة المشرفة، فالوهابية باستتارهم خلف هذه المسميات الطيبة يدنسونها ويشوهونها

ثالثًا لأن السلف الصالح هم أصحاب القرون الثلاث الأولى، والسلفي حقًّا هو من سار على نهجهم واقتفى أثرهم، والسلفيون الحقيقيون اليوم هم أتباع الأئمة الأربعة الأعلام، فقد عاش الأئمة الأربعة الأعلام كلهم في القرون الثلاث الأولى، وتلقتهم الأمة بالقبول، وشهدت لهم بالعلم والإمامة والجلالة. أما الوهابية فهم على أثر محمد بن عبد الوهاب الذي توفي سنة ١٢٠٦ هجرية، أي في القرن الثالث عشر الهجري، قبل نحو ٢٣٦ سنة من اليوم فما علاقتهم بقرون السلف الصالح؟!! زعم محمد بن عبد الوهاب أنه حنبلي مع جهله بالمذهب، ومخالفته في دعوته للإمام أحمد بن حنبل، وتكفيره لأهل زمانه من الحنابلة بمن فيهم العدد القليل من شيوخ قريته الذين درس عليهم أبجديات العلم الشرعي، وأسس دعوته كأنه نبي معصوم هبط عليه جبريل بالوحي، فهو مُنبتَّ، وجاهل بالعلم الشرعي لأنه لا يعرف له أشياخ ثقات سمع منهم التصانيف الشرعية أو أخذ عنهم العلم الشرعي، وقد رد عليه أهل زمانه من العلماء من كل المذاهب وأثبتوا جهله بمن فيهم شيوخ زمانه من الحنابلة.

رابعًا حتى يعرف الناس حقيقة تسميتهم، وتاريخ نشأنهم التي تزامنت من جهود بريطانيا آنذاك لتمزيق دولة الخلافة الإسلامية في تركيا وخلق الفتن والقلاقل والثورات في الجزيرة العربية للإنقلاب على دولة الخلافة والسيطرة على ثروات المسلمين في ما كان يعرف بالوطن العربي. 


لماذا صيد الوهابية الثمين أغلبه من البسطاء والسذج وذوي العقد النفسية؟

السبب بسيط جدًا وهو: استغلال الجهل والبراءة وحسن الظن، واستغلال الطمع في الحصول على مكانة اجتماعية مرموقة.

نحن نطيع الطبيب في توجيهاته لأنه متخصص ونحن عوام، ونلبي طلبات المهندس المقاول لأن هذا مجاله، ونحترم المعلم، والبناء، والنجار، والسباك،.. إلخ كل في تخصصه، الأمر كذلك بالنسبة للدين والعلوم الشرعية. 

طبعًا الأصل أن الشخص العامي غير المتخصص في الدين لا يسعه الا تقليد العلماء الثقات، وفي تعريف الشخص العامي يدخل الأمي الذي لا يحسن القراءة ولا الكتابة، والشخص الذي ترك المدرسة إما لبلادة أو لظروف قاهرة، والشخص الذي يعاني من تخلف ذهني أو مرض نفسي، والموظف أو العامل أو التاجر الذي يخرج الصباح ويعود المساء، وغير ذلك من صنوف الناس الذين لا تسمح لهم قدراتهم الذهنية ولا ظروفهم بالتخصص في العلم الشرعي، فهؤلاء لا يسعهم إلا تقليد العلماء الثقات المأمونون، طبعًا هناك علماء لهم غرض دنيوي ويتقاضون أجورًا من الداخل والخارج لنشر فكر ديني دخيل يجب ألا نقلدهم. 


العلم الشرعي تخصص دقيق يحتاج إلى معرفة بالقرآن الكريم وعلومه من تجويد وقراءات وأسباب نزول وتفسير وناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه وإعراب،.. إلخ، ومعرفة بالسنة المطهرة وعلومها كمصطلح الحديث والجرح والتعديل والشروح.. إلخ، ومعرفة بالنحو والصرف والبلاغة وعلوم اللغة، ومعرفة بالفقه وأصوله ومذاهبه، وبالمنطق والاستدلال والاستنباط وغيرها من أبواب العلم الشرعي التي يعرفها المتخصصون ويجهلها العوام.

ما يحدث من فوضى دينية اليوم سببه أن الوهابية في دعوتهم سواء أكانت في الأسواق أو في الداخليات، أو الراديو والتلفزيون أو في اليوتيوب ووسائل التواصل الإجتماعي الأخرى  يستغلون جهل العوام بالدين ويستغلون حسن ظنهم بكل من يقف ويتكلم عن: «قال الله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم»، فيقحمون العامي غير المؤهل والجاهل بالعلم الشرعي في مسائل علمية بحتة تحتاج إلى متخصص، يقحمونه مثلًا في طلب الدليل، وترجيح الدليل، وتفسير الآيات، وشرح الأحاديث، وتقرير الأحكام الشرعية والفتاوى، والرد على الخصوم وتفسير كلامهم والتنفير منهم،.. إلخ.. فمع جهل العامي بالعلم الشرعي وحسن ظنه بالداعية لابد أن يستسلم ويقتنع، وهذه خيانة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم. 

مثل هذه النقاشات يجب أن تكون مع الأقران من العلماء المتخصصين، وإن كان لابد فمناظرات علمية حقيقة جمهورها علماء وطلبة علم وليس عوامًا ورجرجة ودهماءً. وللمناظرة الشرعية شروطًا وآدابًا أهمها إخلاص النية، والإستعداد للرجوع للحق متى ما تبين، وأن تكون هناك لجنة تحكيم من العلماء محايدة تنصف كل طرف وتلزمه بحجة الطرف الآخر. أما ما نشاهده اليوم من مناظرات فعبارة عن هرجلة ومهاترات تفتقر إلى أبسط المقومات، والهم الأول فيها الانتصار هو على الخصم ولو بالباطل والكذب ونشر ذلك على اليوتيوب. 

الاثنين، 4 مايو 2020

ابن تيمية يستدل بأثر ملفق

والحاصل أن أثر ابن عباس باللفظ الذي أورده ابن تيمية وأتباعه " هذه أسماء قوم صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم..." لا وجود له في البخاري ولا في غيره، وإنما هو لفظ موجود فقط في كتب ابن تيمية ـ وأتباعه من بعده ـ فهو من عمل يديه حتى يثبت العكس، وإنما ذكره البخاري من غير ذِكْر للقبور فيه، وهذا بعد بحثي الشديد في آلاف الكتب عبر الحاسوب. ثم إن في إسناده كلاما، فضلا عن أنه موقوف ويحتمل أنه مما رواه ابن عباس عن أهل الكتاب، ثم إنه لا حجة فيه لأنه بلفظ البخاري يتكلم عن الأنصاب والتماثيل ولا ذِكر فيه للقبور، حتى باللفظ الذي أورد ابن تيمية فإنه يفيد أن العكوف على القبور ليس عبادة لها كما سبق وهو خلاف مذهبكم من أن نفس العكوف عليها عبادة لها.
(2) ابن تيمية يستشهد بأثر ملفّق على مسائل القبور[1]
الوجه الثاني: إن أثر ابن عباس[2]الذي بلفظ البخاري فيه انقطاع، وهو من جملة ما انتقده الحفاظ على البخاري، لأنه رواه عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس؛ وعطاء هذا هو الخراساني وهو لا لقي ابنَ عباس، ولا سمع منه ابنُ جريج التفسير، قال ابن رجب: قد ذكر الإسماعيلي : أن عطاء هذا هو الخرساني ، والخرساني لم يسمع من ابن عباس[3].اهـ
وقال الحافظ: (قوله: "عن ابن عباس" قيل هذا منقطعلأن عطاء المذكور هو الخراساني ولم يلق ابن عباس، فقد أخرج عبد الرزاق هذا الحديث في تفسيره عن ابن جريج فقال: أخبرني عطاء الخراساني عن ابن عباس. وقال أبو مسعود: ثبت هذا الحديث في تفسير ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس، وابن جريج لم يسمع التفسير من عطاء الخراساني، وإنما أخذه من ابنه عثمان بن عطاء فنظر فيه. وذكر صالح بن أحمد بن حنبل في "العلل" عن علي بن المديني قال: سألت يحيى القطان عن حديث ابن جريج عن عطاء الخراساني فقال: ضعيف. فقلت: إنه يقول أخبرنا. قال: لا شيء، إنما هو كتاب دفعه إليه.انتهى. وكان ابن جريج يستجيز إطلاق أخبرنا في المناولة والمكاتبة. وقال الإسماعيلي أخبرت عن علي بن المديني أنه ذكر عن "تفسير ابن جريج" كلاما معناه أنه كان يقول عن عطاء الخراساني عن ابن عباس، فطال على الوراق أن يكتب "الخراساني" كلَّ حديث فتركه، فرواه من روى على أنه عطاء بن أبي رباح انتهى... إلى أن يقول الحافظ[4]: وهذا مما استُعظم على البخاري أن يخفي عليه، لكن الذي قوي عندي أن هذا الحديث بخصوصه عند ابن جريج عن عطاء الخراساني وعن عطاء ابن أبي رباح جميعا؛ ولا يلزم من امتناع عطاء بن أبي رباح من التحديث بالتفسير أن لا يحدث بهذا الحديث في باب آخر من الأبواب أو في المذاكرة، وإلا فكيف يخفي على البخاري ذلك مع تشدده ما شرط الاتصال واعتماده غالبا في العلل على علي بن المديني شيخه وهو الذي نبه على هذه القصة. ومما يؤيد ذلك أنه لم يكثر من تخريج هذه النسخة وإنما ذكر بهذا الإسناد موضعين هذا وآخر في النكاح، ولو كان خفي عليه لاستكثر من إخراجها لأن ظاهرها أنها على شرطه)[5].
فكما ترى أن كثير من النقاد جعلوا هذا الأثر منقطعا وإن رجح الحافظ ابن حجر احتمال أن يكون قد أخذ ابنُ جريج هذا الأثر عن عطاء الخراساني وعن عطاء بن أبي رباح معا، وذلك تحسينا للظن بالبخاري واستعظاما أن يكون يخفى عليه هكذا علة مع تشدده، وهذا هو منهج ابن حجر في الفتح ولا سيما في مقدمته إرشاد الساري حيث دافع عن البخاري ضد كل انتقاد وُجّه لصحيحه.
فإذن أثر ابن عباس في البخاري فضلا عن أنه لا ذكر للقبور فيه: فيه كلام في صحته أصلا كما سبق، ثم إن صح فهو موقوف على ابن عباس، وقول الألباني في تخريجه على شرح الطحاوية لابن أبي العز: صحيح وهو موقوف بحكم المرفوع([6]).اهـ فالجواب أولا: إن أثر ابن عباس ليس بصحيح ولا موجود أصلا باللفظ الذي ذكره ابن أبي العز وهو " هذه أسماء قوم صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم "[7]وقد عزاه ابن أبي العز للبخاري، وهذا تقليد منه لابن تيمية، وقد قلنا في المنشور السابق أن الأثر ليس في البخاري، والألباني يعلم أنه ليس في البخاري ولكنه كتم ذلك ولم ينبه عليه، بل قال: " صحيح وهو موقوف بحكم المرفوع"، كل هذا لأن كلا من المؤلف التيمي وهو ابن أبي العز، والأثر أيضا كلاهما على هوى الألباني كما سيأتي، ولو أن المؤلف أو الأثر ليس على هواه لانبرى الألباني بالرد عليه ورميه بالجهل والتدليس والكذب على البخاري!!
ثانيا: أنه حتى إن كان مقصود الألباني بقوله "موقوف بحكم المرفوع" أصلَ أثرِ ابن عباس الذي بلفظ البخاري وهو " صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب ..."، فهذا أيضا غير مسلم أن بحكم المرفوع، وإنما غاية ما يقال هنا فهو أنه مما لا يقال بالرأي، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنه مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لاحتمال أنه مما رواه عن أهل الكتاب.
تماما كما قال الألباني في أثر البيهقي عن ابن عباس موقوفا :" إن لله عز وجل ملائكة سوى الحفظة يكتبون ما سقط من ورق الشجر، فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد أعينوا عباد الله يرحمكم الله تعالى"[8]، ورواه البزار عن ابن عباس مرفوعا[9]. فقال الألباني : "والأرجح أنه موقوف ، وليس هو من الأحاديث التي يمكن القطع بأنها في حكم المرفوع ، لاحتمال أن يكون ابن عباس تلقاها من مسلمة أهل الكتاب"[10].اهـ
ولكن الألباني لم يقل ذلك في أثر ابن عباس السابق وهو "صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب ..."، ولماذا لم يقل الألباني ذلك هنا، مع أنه قاله هناك؟! لأن من مصلحة الألباني هنا في أثر "صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب ..." أن يقول أنه مرفوع لينصر مذهبه في حظر التبرك بالقبور ونحو ذلك، وأما في أثر هناك في أثر "يا عباد الله أعينوني" فقد أبدى فيه احتمال أن يكون مرويا عن أهل الكتاب لأنه يخالف مشربه في الاستغاثة!!!
فالألباني ـ رحمه الله ـ يدور مع مشربه، وحسب ما يتطلب مذهبه!!! ولذلك قال عن حديث لابن مسعود "يا عباد الله احبسوا" بعد أن ضعفه: " تمسك به بعضهم في جواز الاستغاثة بالموتى عند الشدائد وهو شرك خالص"[11]، وأما حديث ابن عباس "يا عباد الله أعينوا"  فأتى به الألباني ليستدل به على أن المراد بهذه الأحاديث كحديث ابن غزوان " يا عباد الله أغيثوني " وحديث ابن مسعود "يا عباد الله احبسوا" أن المراد بالعباد هنا ليسوا الموتى وإنما الملائكة، ولذلك قال (( فليس فيه دليل على جواز الاستغاثة بالموتى من الأولياء والصالحين ، لأنهما صريحان بأن المقصود بـ " عباد الله " فيهما خلق من غير البشر .. وهذا الوصف إنما ينطبق على الملائكة أو الجن ، لأنهم الذين لا نراهم عادة ، وقد جاء في حديث آخر تعيين أنهم طائفة من الملائكة))[12].
ولكن يبدو أن الألباني سرعان ما تذكر أن دعاء الملائكة أيضا شرك في مذهب ابن تيمية الذي يقلده الألباني حيث قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى1/160: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بل ولا أحد من الأنبياء قبله شرعوا للناس أن يدعوا الملائكة والأنبياء والصالحين.اهـ ولذلك رجع الألباني فقال عن حديث ابن عباس ـ بعد أن لم يجد ما يضعفه لاسيما بعد أن أقر بأن ابن حجر حسنه وكذا السخاوي، والهيثمي قال عنه: "رجاله ثقات"، وأقر بأن الإمام أحمد عمل به وقواه ـ : بأنه موقوف على ابن عباس، ثم يذهب الألباني خطوة أخرى وهو أن يكون مما رواه عن أهل الكتاب!!
الوجه الثالث: على التسليم تنزلا بأن أثر ابن عباس " صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح .." أثر صحيح ومرفوع أيضا: فلا حجة فيه لابن تيمية لأنه يحتج به على مسائل القبور حيث قال أن أورد الأثر عازيا إياه إلى البخاري : " وكان العكوف على القبور والتمسح بها وتقبيلها والدعاء عندها وفيها ونحو ذلك هو أصل الشرك وعبادة الأوثان"([13]).
بيد أن أثر ابن عباس عند البخاري لا ذِكر للقبور فيها أصلا كما سبق بسطه مطولا، وإنما فيه "فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت " فهي تتحدث عن أنهم نصبوا أنصابا في مجالسهم ثم عبدوها، فالقضية لا علاقة لها بالقبور لا من قريب ولا من بعديد، وإنما تتكلم عن الأنصاب ونصب التماثيل، ومعلوم أن هذا محرم بغض النظر عن أثر ابن عباس صح أو لم يصح مرفوعا كان أو موقوفا لأن ذلك ورد النهي عنه صريحا في القرآن قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90]، هذا فضلا عن عشرات الآيات التي تنهى عن عبادة غيره تعالى كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].
وقد تكلم الشراح عن أثر ابن عباس فقالوا: "(الأنصاب) جمع النصب وهو ما ينصب لغرض كالعبادة"[14]، و"أن سبب إحداث الأصنام: أنه كان إذا مات رجل صالح اتخذوا له مثالًا يتبركون به، ثم لما طال العهد سول لهم الشيطان أن يعبدوها، فإن آبائهم كانوا يعبدونها"[15]. "فجاءهم الشيطان، فقال لهم: صوروا على صورهم أمثلة تنفرجون بالنظر إليها، ففعلوا، فلما ماتوا، قال لأبنائهم: إن آباءكم كانوا يعبدون هذه الأصنام، فعبدوها"[16]. "وأخرج الفاكهي من طريق عبيد الله بن عبيد بن عمير قال: أول ما حدثت الأصنام على عهد نوح، وكانت الأبناء تبر الآباء، فمات رجل منهم فجزع عليه فجعل لا يصبر عنه؛ فاتخذ مثالا على صورته فكلما اشتاق إليه نظره ثم مات ففعل به كما فعل حتى تتابعوا على ذلك فمات الآباء، فقال الأبناء. ما أتخذ آباؤنا هذه إلا أنها كانت آلهتهم، فعبدوها"[17].
فهذه قصة أصنام قوم نوح كما هي في أثر البخاري، وهذه أقوال الشرّاح لها قد سردناها، فهل في ذلك كله حديث عن القبور قط حتى في كلام الشرّاح؟!! طبعا لا ذِكر للقبور قط، ولذلك رأينا كيف أن ابن تيمية غيّر لفظَ الأثر فصار عنده بلفظ: " كانت هذه أسماء قوم صالحين؛ فلما ماتوا عكفوا على قبورهمثم صوروا تماثيلهم وعبدوها، ثم صارت هذه الأوثان في قبائل العرب"، ثم راح ينسبه إلى البخاري وإلى ابن عباس والسلف مرارا وتكرار، فتارة يقول عنه "قال السلف كابن عباس وغيره "([18])وتارة يقول: "قال غير واحد من الصحابة والتابعين"([19])، ومرة قال بعد أن نسبه لابن عباس: "وهذا مشهور في كتب التفسير والحديث وغيرها كالبخاري وغيره"([20]). ومرة قال: "وقد ذكر البخاري في صحيحه هذا عن ابن عباس"([21]). ومرة قال "قال طائفة من السلف([22])" ومرة قال : "وقد ذكر ذلك البخاري في صحيحه وبسطه وبينه في أول كتابه في قصص الأنبياء وغيرها([23]).
إلى غير ذلك من المواضع الكثيرة التي أوردها فيه([24])؛ مع أن ابن تيمية نفسه يعلم أنه ليس في البخاري بهذا اللفظ بدليل أن ابن تيمية نفسه قال بعد أورده في أحد المواضع: وقد ذكر هذا المعنى البخاري في صحيحه، عن ابن عباس[25].اهـ والطريف أني وجدت بعض من يحقق كتبه يعزو الأثر إلى كتاب التفسير من صحيح البخاري ثم يذكر الجزء والصفحة كما فعل ناصر العقل محقق اقتضاء الصراط المستقيم[26]، ليخدع القارئ ويوهمه بأنه فعلا موجود في البخاري بهذا اللفظ!!! وقد قلنا سابقا إن هذا الأثر ليس في البخاري ولا في أي من كتب الحديث بلفظ القبور، وقد أشار إلى ذلك محقق كتاب منهاج السنة لابن تيمية زاعما أن "الأثر مروي بمعناه عن ابن عباس في البخاري 6/16 (كتاب التفسير، سورة (إنا أرسلنا)"[27].اهـ قال وليد ـ وفقه الله وإياكم ـ: سبق أن فندنا أن هذا اللفظ الذي يأتي به ابن تيمية ليس بمعنى لفظ البخاري، لأن ما في البخاري ليس فيه لفظ "عكفوا على قبورهم"أي ليس فيه لفظ القبور الذي هو محل النزاع، وإنما فيه قضية الأنصاب والتماثيل وهذا لا نزاع في حرمته، بل لا نزاع في كفر من يعبدها.
حتى على اللفظ الذي اخترعه ابن تيمية وهو " فلما ماتوا عكفوا على قبورهمثم صوروا تماثيلهم وعبدوها" فغاية ما فيه أنهم عكفوا على قبورهم أي أقاموا عليها ولازموها ثم صوروا تماثيلهم وعبدوها بعد ذلك، وهذا حجة على ابن تيمية وأتباعه لا لهم؛ لأنهم يقولون بأن نفس العكوف على القبر عبادة له وشرك، وفي ذلك يقول أحدهم "العكوف على القبور ظاهرة من ظواهر الوثنية"([28])، ولكن الأثر فيه أنهم عكفوا على القبور ثم صوروا التماثيل وعبدوها، وهذا دليل على أن العكوف على القبر غير العبادة، فظهر أن الأثر على ما فيه من العلل السابقة وأنه غير موجود أصلا: هو حجة على ابن تيمية؛ فتأمل كيف لم يوفق ابن تيمية حتى في اختيار لفظ مناسب لأثر ابن عباس الذي حوّره ليحتج به؟!
والحاصل أن أثر ابن عباس باللفظ الذي أورده ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وأتباعه لا وجود له في البخاري ولا في غيره، وإنما هو لفظ لا وجود له إلا في كتب ابن تيمية فهو مما عملت يداه حتى يثبت العكس، وإنما ذكره البخاري من غير ذِكْر للقبور فيه، وهذا بعد بحثي الشديد في آلاف الكتب عبر الحاسوب.
ثم إن في إسناده كلاما كما سبق، فضلا عن أنه موقوف ويحتمل أنه مما رواه ابن عباس عن أهل الكتاب، ثم إنه لا حجة فيه لأنه بلفظ البخاري يتكلم عن الأنصاب والتماثيل ولا ذِكر فيه للقبور، حتى باللفظ الذي أورد ابن تيمية فإنه يفيد أن العكوف على القبور ليس عبادة لها كما سبق وهو خلاف مذهبكم من أن نفس العكوف عليها عبادة لها. والحمد لله رب العالمين.
هذا وكنت قد نشرت قديما تسجيلات مرئية على قناتي على اليوتيوب حول هذا المنشور لعل فيها مزيد توثيق وشرح والله الموفق.
وهذه روابطها ويسعدني اشتراككم في قناتي.
https://www.youtube.com/watch?v=yL8SaSBpCWc&list=PLUamjyDJOb5LGkO778rkQOUWfrEwIYr_k&index=5
https://www.youtube.com/watch?v=pK2d4O-Mang&lc=UgzbgyD1GCR6gE2ysYB4AaABAg
------------------------------------------------
[1] انظر السابق:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/415143831932978/
[2] وهو قوله: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد أما ود كانت لكلب بدومة الجندل وأما سواع كانت لهذيل وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ وأما يعوق فكانت لهمدان وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت. صحيح البخاري بتحقيق البغا (4/ 1873)
[3]فتح الباري - ابن رجب (3/ 203)
[4] وتتمة كلام الحافظ السابق: وأشار بهذا إلى القصة التي ذكرها صالح بن أحمد عن علي بن المديني ونبه عليها أبو على الجياني في "تقييد المهمل" قال ابن المديني سمعت هشام بن يوسف يقول قال لي ابن جريج سألت عطاء عن التفسير من البقرة وآل عمران ثم قال: اعفني من هذا. قال قال هشام فكان بعد إذا قال قال عطاء عن ابن عباس قال عطاء الخراساني. قال هشام: فكتبنا ثم مللنا، يعني كتبنا الخراساني. قال ابن المديني وإنما بينت هذا لأن محمد بن ثور كان يجعلها - يعني في روايته عن ابن جريج - عن عطاء عن ابن عباس فيظن أنه عطاء بن أبي رباح. وقد أخرج الفاكهي الحديث المذكور من طريق محمد بن ثور عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ولم يقل الخراساني، وأخرجه عبد الرزاق كما تقدم فقال الخراساني. انظر: فتح الباري لابن حجر (8/ 667)
[5]فتح الباري لابن حجر (8/ 667)
([6]) تخريج الألباني لشرح الطحاوية ص20، دار الفكر العربي بالقاهرة.
[7] شرح الطحاوية - ط الأوقاف السعودية (ص: 31)
[8] شعب الإيمان (1/ 325)
[9] قال في مجمع الزوائد 10/ 188: رواه البزار ورجاله ثقات. وحسنه الحافظ ابن حجر وتلميذه السخاوي كما أقر بذلك الألباني وأقر أيضا بأن الإمام أحمد نفسه كان يعمل بهذا الأثر فقال ((ويبدو أن حديث ابن عباس الذي حسنه الحافظ كان الإمام أحمد يقويه ، لأنه قد عمل به ، فقال ابنه عبد الله في " المسائل " ( 217 ) : " سمعت أبي يقول : حججت خمس حجج منها ثنتين [ راكبا ] وثلاثة ماشيا ، أو ثنتين ماشيا وثلاثة راكبا ، فضللت الطريق في حجة وكنت ماشيا ، فجعلت أقول : ( يا عباد الله دلونا على الطريق ! ) فلم أزل أقول ذلك حتى وقعت على الطريق)). انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (2/ 111)
[10]سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (2/ 112)
[11] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (2/ 109)
[12] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (2/ 110)
([13])مجموع الفتاوى - (27 / 79)
[14]الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري للكرماني (18/ 166)، عمدة القاري (19/ 378)
[15]الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (8/ 329)
[16]مصابيح الجامع لابن الدماميني على صحيح البخاري (8/ 472)
[17]فتح الباري لابن حجر (8/ 669)
([18]) الفتاوى الكبرى (2 / 432).
([19]) الفتاوى الكبرى (3 / 35)
([20])مجموع الفتاوى (1 / 151)
([21]) مجموع الفتاوى (1 / 321)
([22]) مجموع الفتاوى (3 / 399)
([23]) مجموع الفتاوى (4 / 518)، ولم أجده في كتاب قصص الأنبياء من صحيح البخاري، وإنما هو في كتاب التفسير منه باللفظ المزبور أعلاه.
([24])انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (1 / 357)، و(5 / 75)، لابن تيمية، ط1/ دار العاصمة – الرياض.
[25] الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 291)
[26] قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 300): ذكر ابن عباس وغيره من السلف: " أن هذه أسماء قوم صالحين، كانوا في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، وصوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم " قد ذكر هذا البخاري في صحيحه . فقال ناصر العقل في الحاشية مخرجا الحديث: انظر: صحيح البخاري، كتاب التفسير، تفسير سورة نوح، باب (1) ، الأثر رقم (4920) (8 / 667) من فتح الباري.اهـ
[27] منهاج السنة النبوية بتحقيق محمد رشاد سالم (1/ 477)
([28]) جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية - (2 / 631)، وانظر: (2 / 659).

الاثنين، 2 مارس 2020

الإيمان بالغيب ومتعة العجائب في الدين

الدين روحه الإيمان بالغيب (الذين يؤمنون بالغيب)، ومتعته العجائب (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من ءاياتنا عجبًا)!
أما علم الغيب وعلم الحقيقة فلأهل الإيمان والتصديق العالي، أولي الألباب، وأما علم الشهادة وعلم الشريعة فلعامة الناس بمختلف مستويات عقولهم. الدين لا يلغي العقل، لكن لكل درجة إيمانية عقلها، فعقل الذي رأى الملائكة ليس كعقل من لم يرها. وفي حياتنا العامة تجد الرجل الخبير مثلًا يؤمن بأشياء لا يؤمن بها عامة الناس من غير ذوي الخبرة، وذلك لأن تجاربه وخبرته ارتقت بعقله فصار يتعامل مع أمور غيبية كأنها شهادة، فيتنبأ بأمور وتصدق نبوءته.
والحمد لله رب العالمين أن ديننا فيه من العجائب والدهشة ما يجعل الحياة في رحابه رحلة شيقةً.. ممتعةً.. مليئةً بالغرائب.. ومفعمة بالإيمان بقدرة الله عز وجل الخارقة، وإن الذين يصورون الدين على أنه أمور مادية بسيطة وعادية فإنهم يقدمون للناس دينًا آخر غير دين الله عز وجل الذي أنزل.

😳 فلنستعرض جانبًا يسيرًا جدًا من هذه العجائب..

أعظمها رحلة الإسراء والمعراج، التي سافر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عبر الزمن إلى المستقبل، بسرعة فائقة تفوق سرعة الضوء، سرى فيها إلى بيت المقدس، ولقي الأنبياء وصلى بهم، ثم عرج إلى السموات العلا، ورأى العجائب، ورقى إلى شهود ربه جلا وعلا، ورآه من غير توصيف ولا تكييف، قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
[سورة اﻹسراء: 1]

ومن العجائب إنشقاق القمر علامة على نبوته محمد صلى الله عليه وسلم وعلى عظمة شأنه وأن الكون كله رهن إشارته، قال تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) [سورة القمر: 1]

ومن العجائب أنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم عليه الحجر والشجر، وكانت تكلمه البهائم والطيور وتشتكي له، وكان ينبع الماء من بين يديه، وكان يرى من خلفه كما يرى من أمامه، وكان يرى في الظلام كما يرى في النور، وكان يسمع صوت كل شيء حتى أطيط السماء، ولم يكن له ظل، وإذا كان بين شخصين كان أطولهما، وغير ذلك الخصائص المحمدية العجيبة، عليه أفضل الصلوات وأتم التساليم.

وإذا كان سر الموت عجيب، وأن كل نفس ذائقة الموت، فإن سر الإحياء أعجب، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [سورة البقرة: 260]

ومن العجائب أن الله تعالى أمات قومًا من بني إسرائيل وبعثهم، قال تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [سورة البقرة: 55 - 56]

ومن العجائب أن الله مسخ قومًا من بني إسرائيل قردة وخنازير، قال تعالى:
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) [سورة البقرة: 65]
وقال تعالى: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ) [سورة المائدة: 60]

ومن العجائب أن الله تعالى أحيا قتيلًا ليخبر عن قاتله بضربه فخذ بقرة رجل صالح ذبحوها لهذا الغرض، قال تعالى: (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ۖ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [سورة البقرة: 72 - 73]

ومن عجائب قدرة الله تعالى على الإحياء والنشر هذه القصة، قال تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ ۖ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [سورة البقرة: 259]

ومن العجائب أن جبل الطور العظيم رُفع فوق قومٍ من بني إسرائيل تهديدًا، قال تعالى: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [سورة اﻷعراف: 171]

ومن العجائب نجاة سيدنا إبراهيم من الحرق المحقق، قال تعالى: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ)
[سورة اﻷنبياء: 68 - 69]

ومن العجائب عصاة سيدنا موسى عليه السلام التي كانت تتشكل في هيئة حية كبرى، قال تعالى: (فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ) [سورة طه: 20]

وكانت لها خصائص عجيبة، قال تعالى: (وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)
[سورة البقرة: 60]

وقال تعالى عنها: (فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) [سورة الشعراء: 63]

ومن العجائب أن أثر حافر فرس جبريل عليه السلام فيه سر إحياء عجيب، قبض السامري من ذلك الأثر قبضة فنبذها في العجل الذي صنعه بعض بني إسرائيل من حليهم، فصار عجلًا جسدًا له خوار، قال تعالى: (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) [سورة طه: 95 - 96]

ومن العجائب إن مريم الصديقة عليها السلام كانت تأتيها فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، قال تعالى: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [سورة آل عمران: 37]

ومن العجائب أنها عليها السلام أنجبت سيدنا عيسى عليه السلام من غير أب، قال تعالى: (قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [سورة آل عمران: 47]

وأن عيسى عليه السلام كان يكلم الناس في المهد وهو رضيع، قال تعالى: (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ) [سورة آل عمران: 46]

وكانت لديه أسرار وعجائب، قال تعالى: (وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [سورة آل عمران: 49]

ومن العجائب الكبرى قصة أهل الكهف، الذين مكثوا في كهفهم 309 سنة، بدون أكل، ولا شراب، ولا قضاء للحاجات الطبيعية، قال تعالى: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) [سورة الكهف: 25]

ومن العجائب أن حوت سيدنا موسى كان مطبوخًا ومملحًا لكنه نزل البحر ومضى، قال تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا) [سورة الكهف 61]

ومن العجائب ما حصل بين الخضر عليه السلام وموسى عليه السلام، من خرق السفينة، وقتل الغلام، وبناء الجدار، قال تعالى: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا) [سورة الكهف: 79 - 82]

ومن العجائب أن الإنس قدرتهم أعجب من قدرات الجن، فيأتي الرجل الصالح صاحب سيدنا سليمان عليه السلام، بعرش بلقيس من اليمن، وكان العرش قد وضع في سبع توابيت من حديد، يأتي به إلى بيت المقدس في طرفة عين، قال تعالى: (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَٰذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [سورة النمل: 38 - 40]

ومن العجائب كلام سيدنا سليمان عليه السلام مع الطير، قال تعالى: (وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ)
[سورة النمل: 16]

ومن العجائب سماع سيدنا سليمان عليه السلام حديث الحشرات كالنمل، قال تعالى: (حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) [سورة النمل: 18 - 19]

ومن العجائب أن الدواب تتكلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة، فطلبه الراعي فالتفت إليه الذئب فقال: من لها يوم السَّبْعِ يوم ليس لها راع غيري. وبينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفتت إليه فكلمته فقالت: إني لم أخلق لهذا ولكني خلقت للحرث"، قال الناس: سبحان الله! قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإني أومن بذلك وأبو بكر وعمر بن الخطاب"
رواه البخاري

ومن العجائب أن للمؤمن خصائص عجيبة كأن ينير الظلام، روي أن أسيد بن حضير وعباد بن بشر رضي الله عنهما كانا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة حتى ذهب من الليل ساعة، وهي ليلة شديدة الظلمة، خرجا وبيد كل واحد منهما عصا فأضاءت لهما عصا أحدهما فمشيا في ضوئها، حتى إِذا افترقت بهما الطريق أضاءت للآخر عصاه، فمشى كل واحد منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله.
أخرجه البخاري

ومن العجائب رؤية الملائكة وسماع كلامهم، كما قال تعالى: (إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) [سورة آل عمران: 45]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينا رجل بفلاة من الأرض، فسمع صوتًا في سحابة: (اسق حديقة فلان) فتنحّى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حَرَّةٍ، فإذا شَرْجَةٌ من تلك الشِّرَاجِ قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبّع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بِمِسْحَاتِهِ، فقال له: يا عبد الله، ما اسمك؟ قال: فلان، للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله، لم تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه، يقول: اسق حديقة فلان لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قُلْتَ هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثاً، وأرد فيها ثلثه) أخرجه مسلم

ومن العجائب تعامل المؤمن مع النار، فعن معاوية بن حرمل قال: قدمت المدينة فذهب بي تميم الداري إلى طعامه، فأكلت أكلًا شديدًا وما شبعت من شدة الجوع، فقد كنت أقمت في المسجد ثلاثًا لا أطعم شيئًا، فبينا نحن ذات يوم إذ خرجت نارٌ بالحرة فجاء عمر رضي الله عنه إلى تميم فقال: "قم إلى هذه النار" فقال: "يا أمير المؤمنين من أنا وما أنا؟" فلم يزل به حتى قام معه قال: وتبعتهما فانطلقا إلى النار، قال: فجعل يحوشها بيده هكذا حتى دخلت الشِّعَب ودخل تميم خلفها وجعل عمر رضي الله عنه يقول: "ليس من رأى كمن لم يرَ". حسن أخرجه أبو داود في الزهد، والبيهقي وأبو نعيم في الدلائل.

هذه مجرد أمثلة ليست للحصر، فديننا كله عجائب.. وإن المؤمن لأحق الناس بكرامات الله عز وجل ما كان مستقيمًا على أمر الله..
فلا تفرغوا الدين من محتواه، فيصير دينًا ماديًا أجوفًا لا حياة فيه ولا طعم له..
اشحنوا قلوبكم بالإيمان بعظيم قدرة الله تبارك وتعالى تروا العجائب..

💕اللهم صلِّ وسلم على الذات المحمدية وانفحنا ببركتها واهدنا إلى الرشاد

ما مدى صلتك برسول الله صلى الله عليه وسلم؟


ما مدى صلتك برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فالناس يحرصون على تمتين علاقتهم بالمشاهير، وتوثيق صلتهم بالعظماء، وبل قد يتباهون بذلك ويفاخرون، وليس هناك مخلوق أعظم وافخم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف هي علاقتك به؟
لتتعرف على ذلك سل نفسك هذه الأسئلة المحوربة:
١. إلى أي درجة تحبه؟
٢. إلى أي درجة تشتاق إليه وتتمنى رؤيته؟
٣. كم مرة تذكره وتصلي عليه في اليوم والليلة؟
٤. كم أنت حريص ومشتاق لزيارته؟
٥. أنت على موعد حاسم ومهم للغاية معه يوم القيامة فهل أنت مستعد؟

١. إلى أي درجة تحبه؟
أنت مطالب بأن تحبه أكثر من الوالدين والأولاد والأهل والعشيرة، بل ومن نفسك التي بين جنبيك! فقد قال تعالى: (قُلۡ إِن كَانَ ءَابَاۤؤُكُمۡ وَأَبۡنَاۤؤُكُمۡ وَإِخۡوَ ٰ⁠نُكُمۡ وَأَزۡوَ ٰ⁠جُكُمۡ وَعَشِیرَتُكُمۡ وَأَمۡوَ ٰ⁠لٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَـٰرَةࣱ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَـٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَاۤ أَحَبَّ إِلَیۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادࣲ فِی سَبِیلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ یَأۡتِیَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِ)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من نفسه»، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين». هذه درجة الحب التي تليق برسول الله صلى الله عليه وس، فهو أولى بك منها وأرأف وأرحم، فقد قال تعالى (ٱلنَّبِیُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡ)، وقال تعالى: (لَقَدۡ جَاۤءَكُمۡ رَسُولࣱ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِیزٌ عَلَیۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِیصٌ عَلَیۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ رَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ)، فهل تحبه أكثر من النفس؟! إذا كانت الإجابة بلا فأنت بحاجة أكثر للتعرف على رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كثب بالاقتراب منه والاهتمام به حتى تترقى في مراتب محبته بلوغا إلى أن تحبه أكثر من نفسك.

٢. إلى أي درجة تشتاق إليه وتتمنى رؤيته؟
من كرم الله عز وجل وعظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه أنه صلى الله عليه وسلم يمكن أن يُرى في المنام وفي اليقظة رؤية حقيقية مع أنه انتقل إلى الرفيق الأعلى قبل خمسة عشر قرنًا. قال صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتشبه بي»، وقال صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي»، فإذا كانت الرؤية ممكنة فكم هي درجة شوقك لمحبوبك صلى الله عليه وسلم؟ إن لم يكن شوقك في قمته وتتمنى الرؤية كل لحظة وتحرص عليها فعليك أن تراجع محبتك، فتمني رؤية المحبوب والحرص عليها والسعي لها هي من أبجديات المحبة، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم أهل محبته بأنهم أهل الشوق إلى رؤيته الذين يسعون لها ويتمنونها يتمنونها بالدنيا وما فيها فقال: «إن من أشد أمتي لي حبًّا ناس يكونون من بعدي، يود أحدهم أن لو رآني بأهله وماله».

٣. كم مرة تذكره وتصلي عليه في اليوم والليلة؟
المحب لا ينسى محبوبه، بل يكثر من ذكره ومن مدح خصاله وتعديد فضائله، وقد أمر الله تعالى بالإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰۤىِٕكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّۚ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا)، وجعلها سببا لصلاته سبحانه وتعالى علينا، وسببًِا للرحمة والمغفرة وتفريج الهم وقضاء الحاجات ظاهرة وباطنة، فانظر كم مرة تصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنها معيار من معايير قياس صلتك برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال صلى الله عليه وسلم: «أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة»

٤. كم أنت حريص ومشتاق لزيارته؟
إذا علمت أن الأرواح لا تموت، وأن أجساد الأنبياء لا تبلى ولا تتحلل، وأنهم أحياء في قبورهم يصلون، وأنه ما من أحد يسلم عليه صلى الله عليه وسلم حتى رد الله عليه روحه ليرد السلام، وأن قبره صلى الله عليه وسلم الشريف معلوم المكان في المدينة المنورة، وقد ورد أن من زاره في قبره حلت له شفاعته، رواه جماعة من أهل العلم بسند حسن، فهل أنت حريص على زيارته في قبره الشريف وكلك حنين وشوق؟ إن لم تكن حريصًا فعليك أن تراجع محبتك، فإن من أبجديات المحبة أن تشتاق لزيارة المحبوب وتحرص عليها وتسعى لها.

٥. أنت على موعد حاسم ومهم للغاية معه يوم القيامة فهل أنت مستعد؟
عندما يشتد يوم القيامة غضب الجبار، ويتجلى الحي القيوم العظيم القهار ، وتدنو الشمس من الرؤوس، ويغوص الخلائق في العرق، ويلوذ كل شخص بنفسه حتى الأنبياء والرسل أولي العزم والملائكة المقربون، عندئذ لا تدركك إلا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تنجيك من كرب ذلك اليوم إلا عظمة قدر رسولك صلى الله عليه وسلم حيث يقول: «أنا لها، أنا لها، أنا لها» فيسجد لله تعالى فيقول له: «إرفع رأسك، وقل يسمع لقولك، وسل تعطه، واشفع تشفع»، فهو صلى الله عليه وسلم الملاذ والمنجي والمخلِّص، وهو بذلك أولى الناس بالحب وتوثيق الصلة وتمتين العلاقة، خاصة لمن ابتلي بالمعاصي لأنه شفيع العصاة وأهل الكبائر القائل: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي».

فانظر إلى إجاباتك على هذه المحاور، وتمعن في حضور النبي صلى الله عليه وسلم في قلبك وسائر حياتك، عندها ستعلم كم أنت قريب أو بعيد، وما يلزمك فعله لتوثيق الصلة وتقوية العلاقة، وستدرك بنفسك ما يليق بعلاقتك برسول الله صلى الله عليه وسلم كالأدب معه حيًّا وميتًا، والحرص على زيارته، والإكثار من الصلاة عليه، وما لا يليق كذكر اسمه مجردًا عن السيادة والتوقير كما يفعل يعض الجهلاء، وكالزهد في زيارته خاصة لمن يسر الله زيارة أرض الحرمين في حج أو عمرة أو عمل أو سياحة، فلولا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كانت مكة المكرمة قبلة للمسلمين: (قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِی ٱلسَّمَاۤءِۖ فَلَنُوَلِّیَنَّكَ قِبۡلَةࣰ تَرۡضَىٰهَاۚ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ)، ولولاه صلى الله عليه وسلم لما شرع حج أو عمرة، ولولاه لما طابت حياة.

الرغبات في عالم المفارقات

مكافحة انتشار الأسلحة النووية يعتبر من أهم النشاطات التي لا تتوانى فيها أمريكا والدول الغربية، بل يمكن أن تشن حروب بسببها. ولأجل ضبط هذه المسألة تم إنشاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المؤسسة الدولية التابعة للأمم المتحدة والمعنية بسلامة وتنظيم توظيف الطاقة النووية في الأغراض السلمية والآمنة، وتم أيضًا إطلاق معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. الكل يؤمن بأن موضوع الطاقة الذرية هذا موضوع خطير وسلاح ذو حدين، فيمكن أن يستخدم في الخير ورفاه البشر، ويمكن أيضًا أن يستخدم في الشر، ولو لم يقنن فإنه سيؤدي إلى فناء العالم حال تم إساءة استخدامه ووقع بأيدي شريرة. وقد شاهد العالم آثاره المدمرة عندما استخدم إبان الحرب العالمية الثانية لضرب هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين مما أدى لاستسلام اليابان في الحرب ووفاة أكثر من ٢٢٠ ألف شخص. كما تسبب خلل فني في مفاعلي تشرنوبل الأوكراني وفوكشيما الياياني في كوارث بيئية وإشعاعية خطيرة هددت حياة عشرات آلاف الأشخاص. والطاقة الذرية كما تعلمون هي الطاقة الكامنة في نواة الذرة والتي يتم تحريرها بشطر نواة ذرة اليورانيوم المشع في تفاعل متسلسل ينتج عنه إنفجار عظيم وطاقة حرارية هائلة ذات أثار مدمرة.

المفارقة تتجلى عندما ننظر إلى الغريزة الجنسية لدى الإنسان كطاقة كامنة، يمكن أن توظف بشكل آمن وسليم لصالح إنشاء أسرة تكون نواة للمجتمع ووسيلة لبقاء النوع البشري، أو العبث بها وإثارتها بصورة فوضوية غير منضبطة فينتج عنها آثار مدمرة تدمر الأسرة، وتفكك المجتمع وتفسده ومن ثم تؤدي إلى فناء البشر وانقراضهم. إن مؤسسة الزواج وما تمثله من إرساء للحقوق والواجبات والضوابط المنظمة للممارسة الشرعية السليمة والآمنة للجنس تلعب دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية وما تمثله من تنظيم لاستخدام الطاقة الذرية بشكل آمن وسلمي لصالح رفاه البشرية. وتلعب القيم الأخلاقية والآداب الشرعية في الأديان وقوانين الأحوال الشخصية، والتي تقنن ممارسة الجنس وتحظره خارج الحياة الزوجية دور المعاهدات الدولية لحظر انتشار الأسلحة النووية.
عندما ننظر إلى الموضوع من هذه الزاوية تتجلى لنا التناقضات العجيبة التي تقوم عليها الثقافة الغربية اليوم، والتي تشدد في موضوع تنظيم استخدام الطاقة الذرية بينما تتساهل في موضوع تنظيم استخدام الغريزة الجنسية، مع أن الفوضى في كليهما يمكن أن تتسبب في فناء البشر.
إن سمو الإنسان وتحضره ككائن راقي نتج عنه تنظيم أكله وشرابه في شكل آداب وطقوس، وتنظيم لبسه في قالب من الذوق والأناقة، وتنظيم كلامه في أسلوب من الأدب واللباقة، وتنظيم عواطفه ورغباته الجنسية في سياج من الحياء والرومانسية واللطف. إن هذا الكائن الراقي لا تليق به الهمجية والوقاحة والابتذال، لا يليق به أن يعيش على طريقة البهائم.

الأحد، 1 مارس 2020

نعم نصوم في رجب

👍نعم نصوم في رجب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
📚تأليف:  العارف بالله تعالى، أبونا الشيخ عبد الرحيم الركيني، رضي الله عنه، المندوب العام للطريقة الركينية

س1: هل في الدين حرمات؟
نعم هنالك حرمات في الدين

س2: أذكر بعض الحرمات في الدين؟
منها أولًا المسجد الحرام وهو الكعبة يقول الله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)
ثانيًا المشعر الحرام، يقول الله تعالى: (فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ)
ثالثًا الأشهر الحُرُم، يقول الله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ)

س3: ماهو واجبنا نحو حرمات الله تعالى؟
واجبنا هو تعظيم حرمات الله تعالى، يقول الله تعالى (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) 
والمفهوم من منطوق الآية: ومن لا يعظم حرمات الله فهو شر له عند ربه.

س4: ما هو واجب المسلم في الأشهر الحرم؟
الواجبات كثيرة، منها أولًا قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ)
ثانيًا يقول الله تعالى: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ)
ثالثًا قول الله تبارك وتعالى: (مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)

س5: ماذا يعني ظلم النفس؟
ظلم النفس هو قلة الطاعات وكثرة المعاصي، وتجنب هذا مطلوب في كل الشهور بصفة عامة وفي الأشهر الحرم بصفة زائدة.

س6: هل شعبان من الأشهر الحرم؟
لا

س7: هل رجب من الأشهر الحرم؟
نعم، جاء في صحيح البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثلاث متواليات: ذو العقدة وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ)

س8: هل كان الأعتناء بالصيام في رجب مشتهرًا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم؟
جاء في سنن النسائي [المجتبى] ومسند الإمام أحمد عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: (قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال صلى الله عليه وسلم: ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان)، فيدل هذا على إشتهار الصيام في رجب قريبًا من صيام رمضان.

س9: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم في رجب؟
نعم ، لم يمر رجب إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم صام منه أيامًا ، ودليل ذلك ما جاء في صحيح مسلم قال: حدثنا عثمان بن حكيم الأنصاري قال: سألت سعيد بن جبير عن صوم رجب -ونحن يومئذ في رجب- فقال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم)، وفي هذا الحديث بيان على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفطر قي حياته شهر رجب كله، بل كان صلى الله عليه وسلم يصوم ويفطر.

س10: ما صحة هذا الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام رجب)
الحديث متفق على ضعفه لأن في سنده ابن عطاء وهو متفق على ضعفه.

س11: هل حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام كل شهر رجب؟
نعم، ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صام كل رجب لما جاء في المعجم الكبير للطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتم صوم شهر بعد رمضان إلا رجب وشعبان)،  كما جاء هذا الحديث أيضا في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، والمعجم الأوسط للطبراني.

س 12: هل خص رسول الله صلى الله عليه وسلم شهر رجب بدعاء خاص؟
نعم، عن أنس رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان) أخرج هذا الحديث إبن عساكر في تاريخ دمشق وفي مسند الإمام أحمد وفي آخره (وبارك لنا في رمضان).

لماذا نحتفل بذكرى الإسراء والمعراج؟

ما هي الذكرى؟ هي التفكر والتدبر في التاريخ لاستلهام الدروس والعبر، وهي من خصائص المؤمنين أولي الأبصار وأولي الألباب الممدوحين في كتاب الله عز وجل حيث قال سبحانه: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ؟ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ)، وقوله تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)، فقال أحد السلف: "من وجد للذكرى في قلبه موقعًا فليعلم أنه مؤمن". وفي التاريخ تذكير بنعم الله ووآلائه وفضله، وفيه ذكر آياته الكبرى كما قال تعالى لموسى عليه السلام: (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ) أي ذكِّر قومك بفضله تعالى ونعمه عليهم وإنجائهم من فرعون وملأه وبمعجزة فلق البحر لهم.
وتمر علينا ذكرى الإسراء والمعراج وما فيها من العجائب والحكم والعبر والآيات، ولعل من إشارات ذلك أن الحق سبحانه وتعالى استهل كلامه عنها بـ"سبحان" فقال تعالى: (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا). وأعظم ما في هذه الذكرى العجيبة هو خرق الحجاب وشهود المخلوق للخالق عز وجل ممثلًا في سيدنا محمد ﷺ وما يدل عليه ذلك من العظمة والتفرد والخصوصية التي حظي بها نبيُّنا ﷺ، فإن موسى عليه السلام طلب الرؤية فقال له الله تعالى: (لَن تَرَانِي)، بينما رآه النبي ﷺ في تلك الليلة كما في صحيح مسلم: "رأيتُ نورًا"، وقال رسول الله ﷺ: "رأيت ربي عز وجل" أخرجه الإمام أحمد بسند صحيح، وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن النبي ﷺ رأى ربه بعينه، وأخرج النسائي، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "أتعجبون أن تكون الخُلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد ﷺ؟ِ"، وعن أنس رضي الله عنه قال: "أن محمدًا ﷺ رأى ربه عز وجل"، وروى الخلال في كتاب السنة عن المروزي قلت للإمام أحمد بن حنبل إنهم يقولون إن عائشة قالت من زعم أن محمدًا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية فبأي شيء يدفع قولها؟ قال بقول النبي ﷺ "رأيت ربي"، وقول النبي ﷺ أكبر من قولها، وكان الإمام أحمد ممن يثبت الرؤية، وأخرج الترمذي وحسنه والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله الله (ولقد رآه نزلة أخرى): "قد رأى النبي ﷺ ربه عز وجل". وفي هذه الذكرى أيضًا إشارة إلى تميز البصر المحمدي الخاص عن بصر عامة الناس، فالإسراء كان ليلًا، وفي السابع والعشرين من رجب كما ذهب إلى ذلك الجمهور، وهي ليلة مظلمة، ومع ذلك حكى ما حكى من عجائب ما رآه في الملك والملكوت، ووصف قافلة قريش وما حصل لها وكأن ذلك كان نهارًا! حكى كل ذلك ولم يُروَ في أحاديث الإسراء أنه ﷺ كان يحمل قنديلًا أو مصباحًا! ولا غرو، فخصوصية البصر المحمدي ثابته، ففي صحيح البخاري قال ﷺ: «أقيموا صفوفكم، وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري»! فمن مثله ﷺ يرى من خلفه كما يرى من أمامه؟!
إن المؤمنين أولي الألباب الذين تعرضوا لنفحات شهر رجبٍ المبارك، أحد الأشهر الحرم ذات الثواب المضاعف، عليهم أن يغتنموا ذكرى هذه الليلة التي أسري فيها برسول الله ﷺ روحًا وجسدًا من أول بيت وضع للناس إلى ثاني بيت، إلى المسجد الأقصى فأمَّ أنبياء الله جميعًا إشارة إلى سيادته عليهم، ثم عرج به إلى السماء العلية لشهود ربه جلَّ وعلا ثم عاد وفراشه لم يفقد دفئه. أحيوها بذكر الله عز وجل والثناء عليه وحمده وشكره على ما منَّ به علينا من نعمة الإتباع لهذا النبي العظيم ﷺ، وبتدارس تلك الذكرى العظيمة والاعتبار بما فيها من الحكم والآيات والعجائب. احتفلوا بهذه الليلة الكبرى لأنها تستحق، فعجائبها لا تحصى ولا تعد، فاقت عجائب غيرها من معجزات الأنبياء والقصص القرءاني، وليس في الاحتفال بها بدعة، لأن البدعة عند جمهور أهل العلم من السلف والخلف تنقسم إلى حسنة سيئة، والبدعة الحسنة هي ما كان لها أصل من الدين يدل عليها، وقد تقدم في هذا المقال التأصيل لهذه الذكرى. 
واللبيب يدرك إن السنن الحسنة دائمًا ما ترتبط بواقع الناس في كل عصر وبحاجات الأمة المتجددة، فما جُمع القرءان إلا عندما خِيف على القراء الهلاك، وما نقِّط المصحف إلا عندما دخل الأعاجم في الإسلام وخِيف على القرءان اللحن، والآن لم يُندب مثل هذه الاحتفال إلا لأن الناس انشغلت وبعدت وتكاثرت عليها المُلهيات في الفضائيات والإنترنت والهواتف المحمولة والحياة العصرية، فيحسن عندئذٍ تذكيرها بأيام الله متى ما كان إلى ذلك من سبيل. وبهذا الفهم تقبَّلت الأمة أمورًا دينية كثيرة لم تكن في صدر الإسلام الأول كصلاة التهجد في في العشر الأواخر من رمضان في جماعة، وكالأسابيع الدعوية، والمؤتمرات الإسلامية، والمسابقات الدينية، بل وحتى نيل الدرجات العلمية الغربية في الدراسات الإسلامية، كالدكتوراة، والماجستير، والبكالريوس والدبلوم وغير ذلك.
إن كانت دوامة الحياة المادية المعاصرة قد جرفتنا فلتكن هذه الذكرى فرصة لأن نستريح من عناء ذلك التفكير المادي الدخيل ونسرح في عالم عجائب قدرة الله، ونحكي لأطفالنا قصص وعجائب الإسراء والمعراج، فنحبب إليهم سيرة المصطفى ﷺ، ونكلمهم عن عظمة نبيهم ﷺ الذي عرج به إلى العرش المجيد وعاد في كسر من الثانية!! لنوسع مداركهم بأن هذا الكون هو خلق عظيم، وفيه سكان عظماء، ففي كل سماء أنبياء وملائكة وأرواح، وشؤون وحضرات، وأن المسافة بين سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام. أخرجوهم من ضيق المادة إلى سعة المعنى، فالإيمان ليس ماديات، الإيمان ينفذ إلى ما وراء المادة، إلى الإيمان بالغيب، وهذا ما يمير المؤمن من الكافر.

🌿من عجائب وأسرار معجزة الإسراء والمعراج

🌿من عجائب وأسرار معجزة الإسراء والمعراج
الإسراء والمعراج معجزة عظيمة استهل الحق سبحانه وتعالى ذكرها بالسبحنة فقال: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى)، واشتملت على عجائب لا تحصى ولا تعد منها:
🔷 أن النبي ﷺ أسري به وعرج بالروح والجسد معًا وليس بالروح فقط، بدليل قوله تعالى (بعبده) وليس بروح عبده، وبدليل أن المشركين كذبوه عندما قال لهم إنه أسري به إلى بيت المقدس وعاد في ليلته بينما هم يضربون أكباد الإبل شهرًا ذهابًا وشهرًا إيابًا، وطالبوه بأن يثبت لهم صحة، دعواه فسألوه عن وصف بيت المقدس، وعن حال عير لهم في الطريق إلى مكة، فلو كانت رؤيا منام لما تطلب الأمر منهم كل ذلك الإستنكار. وما حيرهم أن النبي ﷺ وصف لهم بيت المقدس وصفًا دقيقًا لا يصدر إلا عن من سكن القدس مع أن النبي ﷺ لم يسافر إلى القدس إلا في الإسراء، ثم أخبرهم عن العير التي سألوه عنها وأخبرهم أنها ستدخل مكة قبل مغيب الشمس فكان ما قال، وغير ذلك من البراهين الجلية.
🔷 أن الرحلة كانت ليلًا، وفي ليلة مظلمة هي ليلة السابع والعشرين من رجب على قول الجمهور، ولم يركب مركبة فضائية، ولم يكن يلبس بزة رواد الفضاء، ولم يكن معه ﷺ مصباح، فدل على أنه ﷺ بشر خاص من حيث:
▪أنه لا يتأثر بما يتأثر به البشر العام من جراء السرعات الخارقة، والأشعة الحارقة، والغازات الخانقة، فقد كان ينطلق بسرعة تفوق سرعة الضوء ولا تتحملها إلا مخلوقات خاصة كالملائكة والأرواح. 
▪أنه يرى في الليل كما يرى في النهار لأن الرحلة كانت في ليلة مظلمة، وفي جوف ذلك الليل البهيم وصف لقومه أدق التفاصيل كالعير التي مر بها في الصحراء، وكصلاته في طيبة دار هجرته، وكصلاته في  بيت لحم مهد سيدنا عيسى عليه السلام، وكصلاته بالأنبياء في بيت المقدس، وغيرها من عجائب الأحداث.
▪أنه يرى تحت الأرض فقد قال ﷺ: «مررت ليلة أسري بي على أخي موسى قائمًا يصلي في قبره»، ولا عجب، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون»، وثبت أنه ﷺ يرى من خلفه كما يرى من أمامه، وأنه لا يخفى عليه خشوع الصحابة من خلفه في الصلاة، والخشوع مكانه القلب، فمن كان لا يخفى عليه ما في القلوب فإن ما في باطن الأرض أهون عليه.
🔷 المسافة التي قطعها النبي ﷺ في الإسراء والمعراج مهولة جدًا، فقد أسري به ﷺ إلى بيت المقدس الذي يبعد عن مكة المكرمة مسافة 1,249 كيلومترًا، ومن ثم عُرج به إلى ما فوق  سبع سماوات لمستوى يسمع فيه صرير الأقلام وأبعد من ذلك، مع العلم بأن الضوء الذي تبلغ سرعته 300 ألف كيلومتر في الثانية يحتاج إلى 8 مليار سنة ليقطع المسافة من الأرض إلى حدود السماء الدنيا! وسمك كل سماء، والمسافة بين كل سماء وسماء تعدل المسافة بين السماء والأرض، فتخيل المسافة المهولة التي قطعها رسول الله ﷺ في هذه الرحلة العجيبة، وقد أسري به ﷺ وعرج وفراشه الشريف لم يفقد دفئه، أي أن الرحلة مع كل تلك التفاصيل كانت كطرفة عين. 
🔷 أن الله عز وجل كشف الحجاب الأعظم لحبيبه المصطفى ﷺ، وتجلى له فرآه، وليس لأحد سواه أن يرى الله تبارك وتعالى في الدنيا. قال رسول الله ﷺ: «رأيت ربي عز وجل» [أخرجه الإمام أحمد بسند صحيح]، وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن النبي ﷺ رأى ربه بعينه، وأخرج النسائي، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «أتعجبون أن تكون الخُلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد ﷺ؟ِ»، وعن أنس رضي الله عنه قال: «أن محمدًا ﷺ رأى ربه عز وجل»، وروى الخلال في كتاب السنة عن المروزي قلت للإمام أحمد بن حنبل إنهم يقولون إن عائشة قالت من زعم أن محمدًا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية فبأي شيء يدفع قولها؟ قال بقول النبي ﷺ «رأيت ربي»، وقول النبي ﷺ أكبر من قولها، وكان الإمام أحمد ممن يثبت الرؤية.
🔷 الله تعالى تجلَّى لرسوله ﷺ فرآه، والتجلِّي يعني الظهور، فالله عز وجل يتجلَّى أي يظهر حيث يشاء كما قال تعالى: (فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا)، لكنه تبارك وتعالى تنزَّه عن أن يحلَّ في مكان لأن الحلول من صفات المخلوقين، والخالق ليس كمثله شيء. وخير مثال لتقريب معنى التجلي هو ظهور شخص ما على شاشة التلفاز، فإنك لو فتحت التلفاز من الداخل فإنك لن تجد بداخله ذلك الشخص لأن الأمر مجرد ظهور لا حلول، ومثال آخر أنك لو نظرت في المرآة فستظهر صورتك فيها، لكنك لو ذهبت ونظرت وراءها فلن تجد نفسك هناك، فالأمر ظهور.
🔷 أن للنبي ﷺ له علم خاص لا يعلمه أحد غيره من الخلق، فعندما أوحى الله تبارك وتعالى إلى عبده سيدنا محمد ﷺ (فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ) لم يكن معه أحد، وفرضت عليه الصلوات الخمس وليس معه أحد، وأعطي خواتيم سورة البقرة قبل أن ينزل بها جبريل عليه السلام، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «لما بلغ رسولُ اللهِ ﷺ سدرةَ المنتهى أعطاه اللهُ عندَها ثلاثًا لم يُعطِهنَّ نبيًّا كان قبلَه: فُرِضت عليه الصلاةُ خمسًا، وأُعطِيَ خواتيمَ سورةِ البقرةِ، وغُفِر لأمَّتِه المُقْحِماتِ ما لم يشركوا باللهِ شيئًا» [أخرجه مسلم] 
🔷 أنه مر بسيدنا موسى عليه السلام قائمًا يصلي في قبره، وصلى به في بيت المقدس، والتقاه في السماء السادسة، ما يدل على تعدد وجود الذوات الشريفة كالأنبياء والملائكة بقدرة الله تبارك وتعالى حيثما شاء وكيفما شاء.
🔷 أن موسى عليه السلام شفع للأمة لدى رسول الله ﷺ حتى خففت الصلاة من خمسين إلى خمس وبأجر الخمسين، وفيه إشارة إلى أن الميت ينفع بإذن الله تعالى، فعندما عرج بالنبي ﷺ كان سيدنا موسى عليه السلام من الأموات.
🔷 أن النبي ﷺ سافر عبر الزمن إلى يوم القيامة وحكى من مشاهد القيامة العجائب، فقال ﷺ: «لما عرج بي ربي عز وجل مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم»، وقال ﷺ: «رأيت ليلة أسري بي رجالاً تقرض شفاههم بمقارض من نار، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: الخطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون» وغير ذلك من المشاهد، والأمر أعجب من ذلك، ولا تنتهي عجائبه، فالحري بنا أن نتأمله ونتدبره ونستلهم منه مزيد إيمان ويقين وعلم بالله ورسول الله ﷺ، خصوصًا عند مرور ذكرى الإسراء والمعراج في هذا الشهر المبارك. 
🌹🌹🌹
اللهم صلِّ وسلم على الذات المحمدية وانفحنا ببركتها واهدنا إلى الرشاد
أ   ك

استحباب صيام شهر رجب والأشهر الحُرُم

لا شك أن صيام التطوع مستحب على العموم للأدلة الكثيرة على ذلك ومنها الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري ومسلم: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به». وكل ما ورد في الحث على صيام التطوع حتى ولو كان ضعيفًا من ناحية السند فإنه يعمل به لما قرره جمهور أهل العلم من أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال إجماعًا، وصيام التطوع لا شك أنه من فضائل الأعمال.

روى أبو داود والإمام أحمد وابن سعد والبيهقي في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي مجيبة الباهلي رضي الله عنه: «صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ».
وثبت صوم الصحابة رضوان الله عليهم للأشهر الحرم، فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه بسند صحيح عن ابنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما أنه كان يصومُ أشهرَ الحُرُم، وأخرج أيضًا بسند صحيح عن نافع أن ابنَ عمرَ كان لا يكادُ يفطرُ في أشهرِ الحرمِ ولا غيرها.
وقال الإمام الحافظ النووي في المجموع: "قال أصحابنا: ومن الصوم المستحب صوم الأشهر الحرم، وهي: ذو العقدة وذو الحجة والمحرم ورجب." اهـ.
وفيما يتعلق بصوم رجب والأشهر الحُرُم فقد ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية، وبعض الحنابلة إلى استحباب الصيام في شهر رجب، أحد الأشهر الحُرُم الأربعة، كما يستحب أيضًا صيام باقي الأشهر وهي: محرم، وذو القعدة، وذو الحجة.
واستدلوا على ذلك ببعض الأحاديث الواردة، منها قوله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن صومه شهر شعبان: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ» رواه النسائي بسند جيد. قال أهل العلم: «دل هذا الحديث على أن شهري رجب ورمضان شهرا عبادة وطاعة لا يغفل الناس عنها»، وقال الإمام الحافظ الشوكاني في نيل الأوطار: «ظاهر قوله في حديث أسامة إن شعبان شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان أنه يستحب صوم رجب، لأن الظاهر أن المراد أنهم يغفلون عن تعظيم شعبان بالصوم، كما يعظمون رمضان ورجبًا به»أهـ
وقال الإمام المرداوي في الإنصاف: «وأما صيام بعض رجب، فمتفق على استحبابه عند أهل المذاهب الأربعة لما سبق، وليس بدعة، ثم إن الراجح من الخلاف المتقدم مذهب الجمهور لا مذهب الحنابلة» أهـ
🌹🌹🌹
اللهم صلِّ وسلم على الذات المحمدية وانفحنا ببركتها واهدنا إلى الرشاد

صوم شهر رجب كله مذهب أكابر الصحابة رضوان الله عليهم فضلًا عن صوم بعضه

أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله مولى سيدتنا أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قال: أرسلتني أسماء إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقالت: «بلغني أنك تحرِّم أشياء ثلاثة: العلم في الثوب، ومِيثَرَةُ الأرجوان، وصوم رجب كله»، ‏
فقال ابن عمر رضي الله عنهما: «أما ما ذكرتِ من رجب فكيف بمن يصوم الأبد؟!».
قال الإمام الحافظ النووي في شرحه لصحيح مسلم:
«أما جواب ابن عمر –رضي الله عنهما- في صوم رجب فإنكار منه لما بلغها عنه من تحريمه، وإخبارٌ بأنه يصوم رجبًا كله، وأنه يصوم الأبد، والمراد بالأبد ما سوى أيام العيدين والتشريق، وهذا مذهبه ومذهب أبيه عمر بن الخطاب وعائشة وأبي طلحة –رضي الله عنهم- وغيرهم من سلف الأمة، ومذهب الشافعي وغيره من العلماء أنه لا يكره صوم الدهر».
وفيه دليل صريح على عمل الصحابة رضوان الله عليهم من استنكار السيدة أسماء رضي الله عنها لتحريم صيام شهر رجب كله، وإقرار من سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه ليس ممن ينكر ذلك، بل وممن يصومه كله.

🌹🌹🌹

اللهم صلِّ وسلم على الذات المحمدية وانفحنا ببركتها واهدنا إلى الرشاد

الفرق بين الرواية والدراية

رواية الحديث لا تقتضي بالضرورة الفهم، فالرواي في كثير من الحالات ما لم يكن عارفًا بالعربية، متدبرًا فقيهًا شارحًا مطَّلعًا ومصنفًِّا في العلوم يكون كالمسجل، لذلك كان أئمتنا أهل قرآن وأهل حديث وفقهاء في آن واحد، لأن النص لا يقوم بلا فهم حسن وفقه بالمراد. روى ابن عدي في الكامل بسنده عن الإمام مالك رحمه الله تعالى أنه قال: «ليس العلم بكثرة الرواية، إنما العلم نورٌ يجعله الله تعالى في القلب»، وأخرج الخطيب في [نصيحة أهل الحديث] بسنده عن محمد بن عبيد أنه قال: «جاء رجلٌ وافر اللحية إلى الأعمش، فسأله عن مسألة من مسائل الصبيان، يحفظها الصبيان، فالتفت إلينا الأعمش فقال: انظروا إلى لحيته تحتمل حفظ أربعة آلاف حديث، ومسألته مسألة الصبيان»!!، وبسنده أيضًا عن عُبيد الله بن عمرو أنه قال: «جاء رجل إلى الأعمش فسأله عن مسألة وأبو حنيفة جالس، فقال الأعمش: يا نعمان قل فيها، فأجابه، فقال الأعمش: من أين قلت هذا؟ فقال: من حديثك الذي حدثتناه، قال: نعم نحن صيادلة وأنتم أطباء»