الثلاثاء، 8 سبتمبر 2015

هل يعلم رسول الله ﷺ الغيب؟

هل يعلم رسول الله ﷺ الغيب؟

الغيب غيبان:
1/ غيب مطلق لا يعلمه إلا الله تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) [النمل: 65]
فالله عز وجل هو عالم الغيب والشهادة، العليم الحكيم، وحده لا شريك له.

2/ غيب مقيد، وهو الغيب الذي يطلع الله تبارك وتعالى عليه من شاء من عباده كالآجال لملك الموت، والغيث لميكائيل، والأرزاق وكون الجنين شقي وسعيد لملك الأرحام، وكثير من الأمور الغيبية التي يظهر الله تبارك وتعالى عليها الأنبياء والرسل وأولياء الله الصالحين وحتى غير الصالحين.
قال تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) [البقرة: 255]
وقال تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) [سورة الجن 26- 27]
وفي دعاء النبي ﷺ: "أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته فى كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به فى علم الغيب عندك" أخرجه أحمد وابن حبان وصححه

طرق معرفة الغيب:
1/ الوحي بواسطة الملائكة وزعيمهم جبريل عليهم السلام:
ويكون ذلك للأنبياء والرسل وللأولياء الله الصالحين.
أما بالنسبة للأنبياء والرسل فكما في قوله تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) [الشعراء: 193-194]
وأما بالنسبة للصالحين فكما في قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 43]

2/ وحي الإلهام، ويكون للأنبياء والرسل ولأولياء الله الصالحين.
أما للأنبياء والرسل فمعلوم، وأما لأولياء الله الصالحون فكما في قوله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص: 7]

فأم موسى عليه السلام ليست نبياً ولا رسولًا، وإنما أحد أولياء الله الصالحين، فأوحى الله إليها وحي إلهام أن ولدها سيكون من المرسلين.

3/ الرؤيا الصالحة:
وتكون للأنبياء والرسل، ولأولياء الله الصالحين، ويجوز أن تقع لعامة الناس حتى من غير الصالحين.
أما في حق الأنبياء والرسل فكقوله تعالى: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ) [الفتح: 28]
وقوله تعالى: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) [يوسف: 4]

أما في حق أولياء الله الصالحين فكما في صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "رأيت رؤيا لا أراها إلا لحضور أجلي، رأيت كأن ديكًا أحمر نقرني على مقعد إزاري ثلاث نقرات، فقصصتها على أسماء بنت عميس -زوجه- فقالت: يقتلك رجل من العجم" فخطب الناس يوم الجمعة وأصيب يوم الأربعاء.

وأما أنها يجوز أن تقع لعامة الناس حتى من غير الصالحين فكما في رؤيا عزيز مصر أنه رأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، فكان غيبًا لأربعة عشر سنة قادمة.

4/ بما شاء الله تبارك وتعالى من الطرق والوسائل، عند إشارة قوله تعالى: (عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق: 5] وقوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة: 282]

هل رسول الله ﷺ يعلم الغيب؟
معلوم أن كل نبي ما سمي نبيا إلا إنه ينبأ من الله تعالى بأمور غيبية، والنبوة ميزة غير مكتسبة فهي تأتي بالميلاد وهي بمحض الفضل من الله تعالى والاختصاص لا يُحصل عليها بالإجتهاد.

فلذلك من حيث المبدأ فإن كل نبي لابد وأن الله تعالى قد أظهره على غيب وعلمه من علوم الغيب، قال تعالى على لسان سيدنا يوسف عليه السلام:
(قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ۚ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)
[يوسف: 37]


ورسول الله ﷺ هو سيد الأنبياء والرسل وإمامهم، كيف لا يكون قد أظهره الله تعالى على علم الغيب؟
قال تعالى:
(ذَٰلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ)
[آل عمران: 44]

وقال تعالى:
(ذَٰلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۖ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ)
[يوسف: 102]

وقال تعالى:
(تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَٰذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)
[هود: 49]

هذا من كتاب الله عز وجل، ثم لننظر في السنة المطهرة والتي هي بيان لكتاب الله تبارك وتعالى، من الذي اخبر الأمة بأهوال القيامة والحشر والحساب وأحوال أهل الجنة وأهل النار؟

وفي صحيح مسلم عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: «أخبرني رسول الله ﷺ بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة»
وفي صحيح مسلم أيضًا عنه رضي الله  قال: «قام فينا رسول الله ﷺ مقامًا، ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة، إلا حدث به، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه»
رواه البخاري في صحيحه من طريق سيدنا عمر رضي الله عنه قال: (قام فينا النبي ﷺ مقامًا، فأخبرنا عن بدء الخلق، حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه)

فهل ترك شيئا لم يخبر به ﷺ؟

ألم يخبر بالفتن إلى يوم القيامة؟ حتى فتنة الوهابية الخوارج التي بين أيدينا اليوم فقال عن نجد: "فيها الزلازل والفتن وفيها يخرج قرن الشيطان؟"

من الذي وصف حوض الكوثر ووصف وارديه ومطروديه من الخوارج؟

وأخرج أبو داود عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا؟ والله ما ترك رسول الله ﷺ من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاث مئة فصاعدًا، إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته"

ألم يخبر الزهراء رضي الله عنها أنه مقبوض ومنتقل إلى الرفيق الأعلى فبكت وبشرها أنها رضي الله عنها أنها أول اللاحقين به فضحكت؟

عندما صعد جبل أحد فارتج، ألم يبشر سيدنا عثمان وسيدنا عمر رضي الله عنهما بأنهما شهيدان؟

ألم يقل لسيدنا عمار رضي الله عنه ستقتلك الفئة الباغية؟

ألم يقل للسيدة عائشة رضوان الله عليها أنها تنبحها كلاب الحوءب؟

ألم يقل لزوجاته رضوان الله عليهن: "أسرعكن لحوقًا بي أطولكن يدًا"، فكانت أمنا زينب بنت جحش رضي الله عنه أولهن لحوقًا به لطول يدها بالصدقة؟

ألم ينظر إلى ذراعي سراقة وقال: كأني بك قد لبست سواري كسرى؟ وكان أن حصل ذلك في عهد سيدنا عمر رضي الله عنه؟

وغير هذا كثير، فكل سنته ﷺ نبوءات.

أما الاعتراض بأن الله تعالى قال:
(وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) [الأعراف: 188]

وبقوله ﷺ: (أما هذا فلا تقولوه، ما يعلم ما في غد إلا الله)

فمردود بالكلية، لأن نصوص الكتاب والسنة لا تتضارب ولا تتناقض، وإنما يتوهم ذلك من ابتلي بسوء الفهم الناتج عن النظرة الجزئية للنصوص الدينية.

أما قوله تعالى على لسانه ﷺ: (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ)
فإنها شرط وجواب، أما الشرط فقوله تعالى: (لو كنت أعلم الغيب) وجوابه (لاستكثرت من الخير وما مسني السوء)، وتُفهم هذه الآية ومثيلاتها بالبحث في النتائج والنظر في تحقق الشرط، هل استكثر من الخير؟ وهل مسه السوء؟

وهي شبيهة بقوله تعالى:  (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) [الحاقة: 44-46]، أي لو افترى علينا لبطشنا به، فهل بطش الله بنبيه ﷺ؟ طبعًا لا، فدل ذلك على أنه لم يتقول ولم يفترِ، وكيف يتقوَّل وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

وبنفس هذه القاعدة، قاعدة النظر في النتائج ننظر هل استكثر من الخير؟  وهل مسه السوء؟ فإذا ثبت أنه أستكثر من الخير وما مسه السوء كان ذلك دليلًا على أن الله تبارك وتعالى قد أطلعه على الغيب.

أما استكثاره من الخير، فعن أي خير نتحدث؟ عن خير الدنيا؟
فقد أوتي مفاتيح خزائن الأرض، روى البخاري ومسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي ﷺ خرج يومًا، فصلى على أهل أُحُدٍ صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر، فقال: «إني فرط لكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض -أو مفاتيح الأرض- وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها»

أم عن استكثار خير الآخرة؟
فيكفي أنه صاحب المقام المحمود ولواء الحمد والشفاعة الكبرى وأنه سيد ولد آدم وسيد الخلق أجمعين وحبيب رب العالمين.

ويغنيك عن كل هذا قوله تعالى:
(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) [الضحى: 5]

وعصمة الله تعالى له وفضله العظيم عليه في قوله تعالى:
(وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) [النساء: 113]

أما أنه مسَّه السوء، فما هو السوء؟
السوء هو المنكر ومخالفة أوامر الله تعالى وما يترتب على ذلك من السخط والعذاب، قال تعالى:
(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)
[النساء: 17]

وقال تعالى:(مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) [النساء: 123]

وإنما بعث الله تعالى الرسل وأمر الصالحين أن ينهوا عن عمل السوء فقال تعالى:

(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)
[اﻷعراف: 165]

والأنبياء والرسل معصومون عن صغائر الذنوب فضلا عن السوء، قال تعالى:

(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)
[يوسف: 24]

وقال تعالى:
(وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
[الزمر: 61]

فإذا كان الذين [اتقوا] ينجيهم الله تعالى ويحفظهم من أن يمسسهم السوء، فكيف بإمام المتقين وسيد الأولين والآخرين ﷺ؟

والسوء هو ليس البلاء أو الضراء أو الشدة، لأنها كلها خير، حيث قال رسول الله ﷺ: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرًا له» أخرجه مسلم

وقال رسول الله ﷺ: «قاربوا، وسددوا، وأبشروا، فإن كل ما أصاب المسلم كفارة له حتى الشوكة يشاكها أو النكبة ينكبها» رواه مسلم

وقال رسول الله ﷺ: «أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل» أخرجه أحمد والبخاري والنسائي

أما قوله ﷺ في الحديث: «أما هذا فلا تقولوه، ما يعلم ما في غد إلا الله» أخرجه أبو داود وابن ماجة والطبراني في الصغير والأوسط

فإنه من باب التعليم والتربية، ولا تعارض بينه وبين ما تقدم من معنى، فإن عالم الغيب هو الله تعالى، ولا يعلم ما في غدٍ حقيقة إلا الله، وهو سبحانه يعلم من يشاء من عباده ويظهر على غيبه من يشاء كما تقدم.

والسنة المطهرة مليئة بشاكلة هذا الحديث الذي يجرد الحقائق لترسيخ معنى أصيل في الدين، وهو كحديث سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف"

فإن النبي ﷺ كان يعلم الغلام حقيقة السؤال والاستعانة والنفع والضر وسائر الأقدار، لكنه لم يمنعه الأخذ بالأسباب التي شرعها الله تعالى، ولذلك فإن الحديث لا يعارض قوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) [البقرة: 45] والصبر والصلاة مخلوقة، ولا يناقض كذلك قول النبي ﷺ لربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت آتي رسول الله ﷺ بوضوئه وبحاجته، فقال: «سلني»، قلت: مرافقتك في الجنة، قال: «أو غير ذلك»، قلت: هو ذاك، قال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود» أخرجه أحمد ومسلم وأبوداود والنسائي

وهو أيضًا كحديث: (السيد هو الله) حيث كانت السيادة في مفهومهم هي سيادة الجاهلية التي تعظم الكبراء والزعماء والملوك وسادة القبائل، أما بعد أن نزل الوحي وفقهوا الإسلام ورسخت مفاهيمه صح عنه انه قال: (أنا سيد الناس) وقال: (أنا سيد ولد آدم) وقال: (قوموا إلى سيدكم) يعني سعدًا بن معاذ رضي الله عنه.
تم بحمد الله تعالى