قال نور الدين علي بن أحمد السمهودي في "الوفا بأخبار دار المصطفى":
أعلم أني وقفت على رسالة قد صنفها العلامة جمال الدين الأسنوي في المنع من استعمال الولاة للنصارى، وسماها بعضهم بـ "الانتصارات الإسلامية" ورأيت عليها بخط تلميذه شيخ مشايخنا زين الدين المراغي ما صورته «نصيحة أولي الألباب، في منع استخدام النصارى كتّاب» لشيخنا العلامة جمال الدين الأسنوي، ولم يسمه فسميته بحضرته فأقرني عليه، انتهى.
فرأيته ذكر فيها ما لفظه: وقد دعتهم أنفسهم - يعني النصارى - في سلطنة الملك العادل نور الدين الشهيد إلى أمر عظيم ظنوا أنه يتم لهم، {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32]. وذلك أن السلطان المذكور كان له تهجد يأتي به بالليل وأوراد يأتي بها، فنام عقب تهجده فرأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في نومه وهو يشير إلى رجلين أشقرين ويقول: أنجدني أنقذني من هذين، فاستيقظ فزعًا ثم توضأ وصلى ونام فرأى المنام بعينه، فاستيقظ وصلى ونام فرآه أيضًا مرة ثالثة، فاستيقظ وقال: لم يبق نوم وكان له وزير من الصالحين يقال له جمال الدين الموصلي فأرسل خلفه ليلاً وحكى له جميع ما اتفق له فقال له: وما قعودك، اخرج الآن إلى المدينة النبوية واكتم ما رأيت، فتجهز في بقية ليلته وخرج على رواحل خفيفة في عشرين نفرًا وصحبته الوزير المذكور ومالٌ كثير فقدم المدينة في ستة عشر يومًا فاغتسل خارجها ودخل فصلى بالروضة وزار ثم جلس لا يدري ماذا يصنع. فقال الوزير وقد اجتمع أهل المدينة في المسجد: إن السلطان قصد زيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحضر معه أموالاً للصدقة فاكتبوا مَنْ عندكم فكتبوا أهل المدينة كلهم وأمر السلطان بحضورهم، وكل من حضر ليأخذ يتأمله ليجد فيه الصفة التي أراها النبي - صلى الله عليه وسلم - له فلا يجد تلك الصفة فيعطيه ويأمره بالانصراف إلى أن انقضى الناس، فقال السلطان: هل بقي أحد لم يأخذ شيئًا من الصدقة، قالوا: لا، فقال: تفكروا وتأملوا، فقالوا: لم يبق أحد إلا رجلين مغربيين لا يتناولان من أحد شيئًا وهما صالحان غنيان يكثران الصدقة على المحاويج، فانشرح صدره وقال: عليّ بهما؛ فأتي بهما فرآهما الرجلين اللذين أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهما بقوله «أنجدني أنقذني من هذين»، فقال لهما: من أين أنتما؟ فقالا: من بلاد المغرب جئنا حاجين فاخترنا المجاورة في هذا العام عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أصدقاني، فصمما على ذلك، فقال: أين منزلهما فأخبر بأنهما في رباط بقرب الحجرة فأمسكهما وحضر إلى منزلهما فرأى فيه مالاً كثيرًا وختمتين وكتبًا في الرقائق ولم ير فيه شيئًا غير ذلك فأثنى عليهما أهل المدينة بخير كثير وقالوا: إنهما صائمان الدهر ملازمان الصلوات في الروضة الشريفة وزيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - وزيارة البقيع كل يوم بكرة وزيارة قباء كل سبت ولا يردان سائلاً قط بحيث سدَّا خلة أهل المدينة في هذا العام المجدب، فقال السلطان: سبحان الله، ولم يظهر شيئًا مما رآه، وبقي السلطان يطوف في البيت بنفسه فرفع حصيرًا في البيت فرأى سردابًا محفورًا ينتهي إلى صوب الحجرة الشريفة فارتاعت الناس لذلك، وقال السلطان عند ذلك: أصدقاني حالكما، وضربهما ضربًا شديدًا فاعترفا بأنهما نصرانيان بعثهما النصارى في زي حجاج المغاربة وأمالوهما بأموال عظيمة وأمروهما بالتحيل في شيء عظيم خيلته لهم أنفسهم وتوهموا أن يمكنهم الله منه وهو الوصول إلى الجناب الشريف ويفعلوا به ما زينه لهم إبليس في النقل وما يترتب عليه فنزلا في أقرب رباط إلى الحجرة الشريفة وفعلا ما تقدم وصارا يحفران ليلاً ولكل منهما محفظة جلد على زي المغاربة، والذي يجتمع من التراب يجعله كل منهما في محفظته ويخرجان لإظهار زيارة البقيع فيلقيانه بين القبور وأقاما على ذلك مدة فلما قربا من الحجرة الشريفة أرعدت السماء وأبرقت وحصل رجيف عظيم بحيث خيّل انقلاع تلك الجبال فقدم السلطان صبيحة تلك الليلة واتفق إمساكهما واعترافهما فلما اعترفا وظهر حالهما على يديه ورأى تأهيل الله له لذلك دون غيره بكى بكاءً شديدًا وأمر بضرب رقابهما فقتلا تحت الشباك الذي يلي الحجرة الشريفة وهو مما يلي البقيع، ثم أمر بإحضار رصاص عظيم وحفر خندقًا عظيمًا إلى الماء حول الحجرة الشريفة كلها وأذيب ذلك الرصاص وملأ به الخندق فصار حول الحجرة الشريفة سورًا رصاصًا إلى الماء، ثم عاد إلى ملكه وأمر بإضعاف النصارى وأمر أن لا يستعمل كافر في عمل من الأعمال وأمر مع ذلك بقطع المكوس جميعها. انتهى.
أعلم أني وقفت على رسالة قد صنفها العلامة جمال الدين الأسنوي في المنع من استعمال الولاة للنصارى، وسماها بعضهم بـ "الانتصارات الإسلامية" ورأيت عليها بخط تلميذه شيخ مشايخنا زين الدين المراغي ما صورته «نصيحة أولي الألباب، في منع استخدام النصارى كتّاب» لشيخنا العلامة جمال الدين الأسنوي، ولم يسمه فسميته بحضرته فأقرني عليه، انتهى.
فرأيته ذكر فيها ما لفظه: وقد دعتهم أنفسهم - يعني النصارى - في سلطنة الملك العادل نور الدين الشهيد إلى أمر عظيم ظنوا أنه يتم لهم، {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32]. وذلك أن السلطان المذكور كان له تهجد يأتي به بالليل وأوراد يأتي بها، فنام عقب تهجده فرأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في نومه وهو يشير إلى رجلين أشقرين ويقول: أنجدني أنقذني من هذين، فاستيقظ فزعًا ثم توضأ وصلى ونام فرأى المنام بعينه، فاستيقظ وصلى ونام فرآه أيضًا مرة ثالثة، فاستيقظ وقال: لم يبق نوم وكان له وزير من الصالحين يقال له جمال الدين الموصلي فأرسل خلفه ليلاً وحكى له جميع ما اتفق له فقال له: وما قعودك، اخرج الآن إلى المدينة النبوية واكتم ما رأيت، فتجهز في بقية ليلته وخرج على رواحل خفيفة في عشرين نفرًا وصحبته الوزير المذكور ومالٌ كثير فقدم المدينة في ستة عشر يومًا فاغتسل خارجها ودخل فصلى بالروضة وزار ثم جلس لا يدري ماذا يصنع. فقال الوزير وقد اجتمع أهل المدينة في المسجد: إن السلطان قصد زيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحضر معه أموالاً للصدقة فاكتبوا مَنْ عندكم فكتبوا أهل المدينة كلهم وأمر السلطان بحضورهم، وكل من حضر ليأخذ يتأمله ليجد فيه الصفة التي أراها النبي - صلى الله عليه وسلم - له فلا يجد تلك الصفة فيعطيه ويأمره بالانصراف إلى أن انقضى الناس، فقال السلطان: هل بقي أحد لم يأخذ شيئًا من الصدقة، قالوا: لا، فقال: تفكروا وتأملوا، فقالوا: لم يبق أحد إلا رجلين مغربيين لا يتناولان من أحد شيئًا وهما صالحان غنيان يكثران الصدقة على المحاويج، فانشرح صدره وقال: عليّ بهما؛ فأتي بهما فرآهما الرجلين اللذين أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهما بقوله «أنجدني أنقذني من هذين»، فقال لهما: من أين أنتما؟ فقالا: من بلاد المغرب جئنا حاجين فاخترنا المجاورة في هذا العام عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أصدقاني، فصمما على ذلك، فقال: أين منزلهما فأخبر بأنهما في رباط بقرب الحجرة فأمسكهما وحضر إلى منزلهما فرأى فيه مالاً كثيرًا وختمتين وكتبًا في الرقائق ولم ير فيه شيئًا غير ذلك فأثنى عليهما أهل المدينة بخير كثير وقالوا: إنهما صائمان الدهر ملازمان الصلوات في الروضة الشريفة وزيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - وزيارة البقيع كل يوم بكرة وزيارة قباء كل سبت ولا يردان سائلاً قط بحيث سدَّا خلة أهل المدينة في هذا العام المجدب، فقال السلطان: سبحان الله، ولم يظهر شيئًا مما رآه، وبقي السلطان يطوف في البيت بنفسه فرفع حصيرًا في البيت فرأى سردابًا محفورًا ينتهي إلى صوب الحجرة الشريفة فارتاعت الناس لذلك، وقال السلطان عند ذلك: أصدقاني حالكما، وضربهما ضربًا شديدًا فاعترفا بأنهما نصرانيان بعثهما النصارى في زي حجاج المغاربة وأمالوهما بأموال عظيمة وأمروهما بالتحيل في شيء عظيم خيلته لهم أنفسهم وتوهموا أن يمكنهم الله منه وهو الوصول إلى الجناب الشريف ويفعلوا به ما زينه لهم إبليس في النقل وما يترتب عليه فنزلا في أقرب رباط إلى الحجرة الشريفة وفعلا ما تقدم وصارا يحفران ليلاً ولكل منهما محفظة جلد على زي المغاربة، والذي يجتمع من التراب يجعله كل منهما في محفظته ويخرجان لإظهار زيارة البقيع فيلقيانه بين القبور وأقاما على ذلك مدة فلما قربا من الحجرة الشريفة أرعدت السماء وأبرقت وحصل رجيف عظيم بحيث خيّل انقلاع تلك الجبال فقدم السلطان صبيحة تلك الليلة واتفق إمساكهما واعترافهما فلما اعترفا وظهر حالهما على يديه ورأى تأهيل الله له لذلك دون غيره بكى بكاءً شديدًا وأمر بضرب رقابهما فقتلا تحت الشباك الذي يلي الحجرة الشريفة وهو مما يلي البقيع، ثم أمر بإحضار رصاص عظيم وحفر خندقًا عظيمًا إلى الماء حول الحجرة الشريفة كلها وأذيب ذلك الرصاص وملأ به الخندق فصار حول الحجرة الشريفة سورًا رصاصًا إلى الماء، ثم عاد إلى ملكه وأمر بإضعاف النصارى وأمر أن لا يستعمل كافر في عمل من الأعمال وأمر مع ذلك بقطع المكوس جميعها. انتهى.