والزغل هو: الشئ المغشوش أو المعيب، وتقول هذا الشيء خالٍ من الزغل، أي خال من الغش والعيب.
إلى نص الكتاب:
موضوع الكتاب: أبدى فيه الذهبي رأيه في علوم عصره ومن يزاولونها، وقدم لهم نصائح في ذلك.
نسخ الكتب:
مخطوطة بمكتبة الأحقاف للمخطوطات بتريم.
نسبة الكتاب إلى الذهبي:
لأنه أحد تلاميذ ابن تيمية وقد حط من قدره في هذا الكتاب وقال مثلاً:
" فوالله ما رمقت عيني أوسع علمًا ولا أقوى ذكاءً من رجل يقال له ابن تيمية مع الزهد في المأكل والملبس والنساء، ومع القيام في الحق والجهاد بكل ممكن، وقد تعبتُ في وزنه وفتَّشتُه حتى مللتُ في سنين متطاولة، فما وجدت قد أخرَّه بين أهل مصر والشام ومقتته نفوسهم وازدروا به وكذَّبوه وكفَّروه، إلا الكبر والعجب وفرط الغرام في رياسة المشيخة والازدراء بالكبار. فانظر كيف وبال الدعاوى ومحبة الظهور، نسأل الله تعالى المسامحة فقد قام عليه أناس ليسوا بأورع منه، ولا أعلم منه، ولا أزهد منه، بل يتجاوزون عن ذنوب أصحابهم وآثام أصدقائهم، وما سلطهم الله عليه بتقواهم وجلالتهم بل بذنوبه، وما دفعه الله عنه وعن أتباعه أكثر وما جرى عليهم إلا بعض ما يستحقون، فلا تكن في ريب من ذلك."
وأيضًا قال:
" فإن برعت في الأصول وتوابعها من المنطق والحكمة والفلسفة وآراء الأوائل ومجازات العقول واعتصمت مع ذلك بالكتاب والسنة وأصول السلف ولفقت بين العقل والنقل فما أظنك في ذلك تبلغ رتبة ابن تيمية ولا والله تقربها، وقد رأيت ما آل أمره إليه من الحطِّ عليه والهجر والتضليل والتكفير والتكذيب بحق وبباطل، فقد كان قبل أن يدخل في هذه الصناعة منورًا مضيئًا على محياه سيما السلف، ثم صار مظلما مكسوفًا، عليه قتمة عند خلائق من الناس، ودجالاً أفاكاً كافراً عند أعدائه، ومبتدعًا فاضلا محققًا بارعًا عند طوائف من عقلاء الفضلاء، وحامل راية الإسلام وحامي حوزة الدين ومحيي السنة عند عوام أصحابه هو ما أقول لك."
فقد شكك الوهابية في نسبة هذا الكتاب للذهبي، وهذا مردود لعدة وجوه:
1. المخطوطات المتوفرة، أكثر من سبعة مخطوطات كمخطوطة مكتبة الأحقاف بتريم.
2. ذكره الحافظ ابن حجر في [انباء الغمر - (ج 1 / ص 168-169 هندية)] في ترجمة [عبدالله بن خليل] فقال: " قد بالغ الذهبي في الثناء عليه في كتابه بيان زغل العلم"
3. ذكره السخاوي في [الإعلان والتوبيخ].
4. ذكره الزركلي في [الأعلام] من ضمن التصانيف عندما ترجم للذهبي.
وقد كتب الذهبي هذا الكتاب بعد أن سئم من ابن تيمية فقال:
(وقد تعبتُ في وزنه وفتَّشتُه حتى مللتُ في سنين متطاولة، فما وجدت قد أخرَّه بين أهل مصر والشام ومقتته نفوسهم وازدروا به وكذَّبوه وكفَّروه، إلا الكبر والعجب وفرط الغرام في رياسة المشيخة والازدراء بالكبار.)
(وقد تعبتُ في وزنه وفتَّشتُه حتى مللتُ في سنين متطاولة، فما وجدت قد أخرَّه بين أهل مصر والشام ومقتته نفوسهم وازدروا به وكذَّبوه وكفَّروه، إلا الكبر والعجب وفرط الغرام في رياسة المشيخة والازدراء بالكبار.)
إلى نص الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين والحمد لله رب العالمين
اعلم أن في كل طائفة من علماء هذه الأمة ما يذم ويعاب فتجنبه
علم القراءة والتجويد:
فالقراء المجودة فيهم تنطع وتحرير زائد يؤدي إلى أن المجود القارئ يبقى مصروف الهمة إلى مراعاة الحروف والتنطع في تجويدها بحيث يشغله ذلك عن تدبر معاني كتاب الله تعالى ويصرفه عن الخشوع في التلاوة لله ويخليه قوي النفس مزدريا بحفاظ كتاب الله تعالى فينظر إليهم بعين المقت وأن المسلمين يلحنون وبأن القراء لا يحفظون إلا شواذ القراءة.
فليت شعري أنت ماذا عرفت وما علمك؟ وأما عملك فغير صالح وأما تلاوتك فثقيلة عريّة عن الخشية والحزن والخوف، فالله يوفقك ويبصرك رشدك ويوقظك من رقدة الجهل والرياء. وضدهم قراء النغم والتمطيط وهؤلاء في الجملة من قرأ منهم بقلب وخوف قد ينتفع به في الجملة فقد رأيت من يقرأ صحيحاً ويطرب ويبكي، نعم ورأيت من إذا قرأ قسى القلوب وأبرم النفوس وبدل كلام الله تعالى.
وأسوأهم حالاً الجنائزية والقراء بالروايات وبالجمع فأبعد شيء عن الخشوع وأقدم شيء على التلاوة بما يخرج عن القصد وشعارهم في تكثير وجوه حمزة وتغليظ تلك اللامات وترقيق الراءات، اقرأ يا رجل واعفنا من التغليظ والترقيق وفرط الإمالة والمدود ووقوف حمزة فإلى كم هذا؟
وآخر منهم إن حضر في ختمه أو تلا في محراب جعل ديدنه إحضار غرائب الوجوه والسكت والتهوع بالتسهيل وأتى بكل خلاف ونادى على نفسه أنا أبو فلان فاعرفوني فإني عارف بالسبع، إيش يُعمل بك لا صبحك الله بخير؟ إنك حجر منجنيق ورصاص على الأفئدة .
علم الحديث:
والمحدثون فغالبهم لا يفقهون، ولاهمة لهم في معرفة الحديث ولا في التدين به، بل الصحيح والموضوع عندهم بنسبة، إنما همتهم في السماع على جهلة الشيوخ وتكثير العدد من الأجزاء والرواة، لا يتأدبون بآداب الحديث ولا يستفيقون من سكرة السماع، الآن يسمع الجزء ونفسه تحدثه متى يرويه أبعد الخمسين سنة؟ ويحك ما أطول أملك وأسوأ عملك، معذور سفيان الثوري إذ يقول فيما رواه أحمد بن يوسف التغلبي ثنا خالد بن خداش ثنا حماد بن زيد قال: قال سفيان الثوري رحمه الله: (لو كان الحديث خيرًا لذهب كما ذهب الخير)
صدق والله وأي خير في حديث مخلوط صحيحه بواهيه، وأنت لا تفلِّيه ولا تبحث عن ناقليه ولا تدين الله به. أما اليوم في زماننا فما يفيد المحدث الطلب والسماع، مقصود الحديث من التدين به، بل فائدة السماع ليروي فهذا والله لغير الله. خطابي معك يا محدث لا مع من يسمع ولا يعقل ولا يحافظ على الصلوات ولا يجتنب الفواحش ولا قرش الحشائش ولا يحسن أن يصدق فيها، فيا هذا لا تكن محرومًا مثلي فأنا نحس أبغض المناحيس.
وطالب الحديث اليوم ينبغي له أن ينسخ أولا (الجمع بين الصحيحين) و(أحكام عبد الحق) و(الضياء) ويدمن النظر فيهم، ويكثر من تحصيل تواليف البيهقي فإنها نافعة، ولا أقل من مختصر كـ(الإلمام) ودرسه. فإيش السماع على جهلة المشيخة الذين ينامون، والصبيان يلعبون، والشبيبة يتحدثون ويمزحون، وكثير منهم ينعسون ويكابرون، والقارئ يصحِّف وإتقانه في تكثير أو كما قال، والرضع يتصاعقون؟ بالله خلونا فقد بقينا ضحكة لأولي المعقولات يطنزون بنا هؤلاء هم أهل الحديث؟
نعم ماذا يضر ولو لم يبق إلا تكرار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لكان خيرًا من تلك الأقاويل التي تضاد الدين وتطرد الإيمان واليقين وتردي في أسفل السافلين. لكنك معذور فما شممت للإسلام رائحة ولا رأيت أهل الحديث، فأوائلهم كان لهم شيخ عالي الإسناد بينه وبين الله واحد معصوم عن معصوم سيد البشر عن جبريل عن الله عز وجل. فطلبه مثل أبي بكر وعمر وابن مسعود وأبي هريرة الحافظ وابن عباس وسادة الناس الذين طالت أعمارهم وعلا سندهم وانتصبوا للرواية الرفيعة، فحمل عنهم مثل مسروق وابن المسيب والحسن البصري والشعبي وعروة وأشباهم من أصحاب الحديث وأرباب الرواية والدراية والصدق والعبادة والإتقان والزهادة. الذين من طلبتهم مثل الزهري وقتادة والأعمش وابن جحادة وأيوب وابن عون، وأولئك السادة الذين أخذ عنهم الأوزاعي والثوري ومعمر والحمادان وزائدة ومالك والليث وخلق سواهم من اشياخ ابن المبارك ويحيى القطان وابن مهدي ويحيى بن آدم والشافعي والقعنبي، وعدة من أعلام الحديث الذين خلفهم مثل أحمد بن حنبل وإسحاق وابن المديني ويحيى بن معين وأبي خثيمة وابن نمير وأبي كريب وبندار، وما يليهم من مشيخة البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي وأبي زرعة وأبي حاتم ومحمد بن نصر وصالح جزرة وابن خزيمة، وخلائق ممن كان في الزمن الواحد منهم ألوف من الحفاظ ونقلة العلم الشريف.
ثم تناقص هذا الشأن في المائة الرابعة بالنسبة إلى المائة الثالثة ولم يزل ينقص إلى اليوم، فأفضل من في وقتنا اليوم من المحدثين على قلتهم نظير صغار من كان في ذلك الزمان على كثرتهم، وكم من رجل مشهور بالفقه والرأي في الزمن القديم أفضل في الحديث من المتأخرين، وكم من رجل من متكلمي القدماء أعرف بالأثر من سنية زماننا، فما أدركنا من أصحاب الحديث إلا طائفة كقاضي ديار مصر وعالمها تقي الدين بن دقيق العيد والحافظ الحجة شرف الدين الدمياطي والحافظ جمال الدين بن الظاهري والشيخ شهاب الدين بن فرح ونحوهم، وأدركنا من عكر الطلبة شهاب الدين ابن الدقوقي ونجم الدين ابن الخباز والشيخ عبد الحافظ. ونحمد الله في الوقت أناس يفهمون هذا الشأن ويعتنون بالأثر كالمزي وابن تيمية والبرزالي وابن سيد الناس وقطب الدين الحلبي وتقي الدين السبكي والقاضي شمس الدين الحنبلي وابن قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة وصلاح الدين العلائي وفخر الدين بن الفخر وأمين الدين بن الواني وابن إمام الصالح ومحب الدين المقدسي وسيدي عبد الله بن خليل، وجماعة سواهم فيهم العكر والغثاء الله يستر، والمرء مع من أحب، والسعيد من نهض وأهب وعلى الطاعة أكب والله الموفق والهادي .
المالكية:
الفقهاء المالكية على خير واتباع وفضل إن سلم قضاتهم ومفتوهم من التسرع في الدماء والتكفير، فإن الحاكم والمفتي يتعين عليه أن يراقب الله تعالى ويتأنى في الحكم بالتقليد ولا سيما في إراقة الدماء، فالله ما أوجب عليهم تقليد إمامهم فلهم أن يأخذوا منه ويتركوا، كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: (كل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر).
فيا هذا إذا وقفت بين يدي الله تعالى فسألك لم أبحت دم فلان فما حجتك؟ إن قلت قلدت إمامي يقول لك فأنا أوجبت عليك تقليد إمامك؟ ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول ما يقضى بين الناس في الدماء) وفي الحديث: (لايزال المرء في فسحة من دينه ما لم يتند بدم حرام). نعم من رأيته زنديقًا عدوًا لله فاتق الله وأرق دمه ابتغاء وجه الله بعد أن تستفتي قلبك وتستخير الله فيه.
الحنفية:
الفقهاء الحنفية أولو التدقيق والرأي والذكاء والخير من مثلهم إن سلموا من التحيل والحيل على الربا وإبطال الزكاة ونقر الصلاة والعمل بالمسائل التي يسمعون النصوص النبوية بخلافها، فيا رجل دع ما يريبك إلى ما لا يريبك واحتط لدينك ولا يكن همك الحكم بمذهبك، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، فإذا عملت بمذهبك في المياه والطهارة والوتر والأضحية فأنت أنت، وإن كانت همتك في طلب الفقه الجدال والمراء والإنتصار لمذهبك على كل حال وتحصيل المدارس والعلو فماذا فقهًا أخروياً، بل ذا فقه الدنيا، فما ظنك تقول غدًا بين يدي الله تعالى؟ تعلمت العلم لوجهك وعلمته فيك؟ فاحذر أن تغلط وتقولها فيقول لك: كذبت إنما تعلمت ليقال عالم وقد قيل، ثم يؤمر بك مسحوبًا إلى النار كما رواه مسلم في الصحيح.
فلا تعتقد أن مذهبك أفضل المذاهب وأحبها إلى الله تعالى، فإنك لا دليل لك على ذلك، ولا لمخالفك أيضا بل الأئمة رضي الله عنهم على خير كثير ولهم في صوابهم أجران على كل مسألة وفي خطئهم أجر على كل مسألة.
الشافعية:
الفقهاء الشافعية أكيس الناس وأعلم من غيرهم بالدين، فأُسُّ مذهبهم مبني على اتباع الأحاديث المتصلة، وإمامهم من رؤوس أصحاب الحديث ومناقبه جمة، فإن حصلت يا فلان مذهبه لتدين الله به وتدفع عن نفسك الجهل فأنت بخير، وإن كانت همتك كهمة إخوانك من الفقهاء البطَّالين الذين قصدهم المناصب والمدارس والدنيا والرفاهية والثياب الفاخرة فماذا بركة العلم؟ ولا هذه نية خالصة بل ذا بيع للعلم بحسن عبارة وتعجل للأجر وتحمل للوزر وغفلة عن الله.
فلو كنت ذا صنعة لكنت بخير، تأكل من كسب يمينك وعرق جبينك وتزدري نفسك ولا تتكبر بالعلم، أو كنت ذا تجارة لكنت تشبه علماء السلف الذين ما أبصروا المدارس ولا سمعوا بالجهات، وهربوا لما للقضاء طلبوا، وتعبدوا بعلمهم وبذلوه للناس، ورضوا بثوب خام وبكسرة كما كان من قريب الإمام أبو إسحاق صاحب (التنبيه)، وكما كان بالأمس الشيخ محيي الدين صاحب (المنهاج)، وكما ترى اليوم سيدي عبد الله بن خليل. وعلى كل تقدير احذر المراء في البحث وإن كنت محقاً، ولا تنازع في مسألة لا تعتقدها، واحذر التكبر والعجب بعملك، فيا سعادتك إن نجوت منه كفافًا لا عليك ولا لك، فوالله ما رمقت عيني أوسع علمًا ولا أقوى ذكاءً من رجل يقال له ابن تيمية مع الزهد في المأكل والملبس والنساء، ومع القيام في الحق والجهاد بكل ممكن، وقد تعبتُ في وزنه وفتَّشتُه حتى مللتُ في سنين متطاولة، فما وجدت قد أخرَّه بين أهل مصر والشام ومقتته نفوسهم وازدروا به وكذَّبوه وكفَّروه، إلا الكبر والعجب وفرط الغرام في رياسة المشيخة والازدراء بالكبار. فانظر كيف وبال الدعاوى ومحبة الظهور، نسأل الله تعالى المسامحة فقد قام عليه أناس ليسوا بأورع منه، ولا أعلم منه، ولا أزهد منه، بل يتجاوزون عن ذنوب أصحابهم وآثام أصدقائهم، وما سلطهم الله عليه بتقواهم وجلالتهم بل بذنوبه، وما دفعه الله عنه وعن أتباعه أكثر وما جرى عليهم إلا بعض ما يستحقون، فلا تكن في ريب من ذلك.
الحنابلة:
وأما الحنابلة فعندهم علوم نافعة وفيهم دين في الجملة ولهم قلة حظ في الدنيا، والجهال يتكلمون في عقيدتهم ويرمونهم بالتجسيم وبأنه يلزمهم وهم بريئون من ذلك إلا ا لنادر والله يغفر لهم.
علم النحو:
النحويون لا بأس بهم، وعلمهم حسن محتاج إليه لكن النحوي إذا أمعن في العربية وعري عن علم الكتاب والسنة بقي فارغًا بطالاً لعاباً، ولا يسأله الله والحالة هذه عن علمه في الآخرة بل هو كصنعة من الصنائع، كالطب والحساب والهندسة لا يثاب عليها ولا يعاقب إذا لم يتكبر على الناس ولا يتحامق عليهم واتقى الله تعالى وتواضع وصان نفسه.
علم اللغة:
اللغويون قد عدموا في زماننا، فتجد الفقيه لا يدري لغة الفقه والمقرئ لا يدري لغة القرآن والمحدث لا يعتني بلغة الحديث، فهذا تفريط وجهل وينبغي الاعتناء بلغة الكتاب والسنة ليفهم الخطاب.
علم التفسير:
المفسرون: قل من يعتني اليوم بالتفسير، بل يطالع المدرسون تفسير الفخر الرازي وفيه إشكالات وتشكيكات لا ينبغي سماعها، فإنها تحير وتمرض وتردي ولا تشفي عليلاً نسأل الله العافية، وأقوال السلف في التفسير مليحة لكنها ثلاثة أقوال وأربعة أقوال فصاعدًا، فيضيع الحق بين ذلك فإن الحق لا يكون في جهتين وربما احتمل اللفظ معنيين.
علم أصول الفقه:
الأصوليون: أصول الفقه لا حاجة لك به يا مقلد ويا من يزعم أن الاجتهاد قد انقطع وما بقي مجتهد ولا فائدة في أصول الفقه إلا أن يصير محصله مجتهداً به، فإذا عرفه ولم يفك تقليد إمامه لم يصنع شيئًا، بل أتعب نفسه وركب على نفسه الحجة في مسائل، وإن كان يقرأ لتحصيل الوظائف وليقال فهذا من الوبال وهو ضرب من الخبال.
علم أصول الدين:
أصول الدين هو اسم عظيم وهو منطبق على حفظ الكتاب والسنة فهما أصول دين الاسلام ليس إلا، وأما العرف في هذا الاسم فهو مختلف باختلاف النِّحَل، فأصول دين السلف الإيمان بالله وكتبه ورسله وملائكته وبصفاته وبالقدر وبأن القرآن المنزل كلام الله تعالى غير مخلوق والترضي عن كل الصحابة إلى غير ذلك من أصول السنة. وأصول دين الخلف هو ما صنفوا فيه وبنوه على العقل، والمنطق فما كان السلف يحطون على سالكه ويبدعونه، وبينهم اختلاف شديد في مسائل مزمنة تركها من حسن إسلام العبد فإنه يورث أمراضًا في القلوب، ومن لم يصدقني يجرب، فإن الأصولية بينهم السيف يكفر هذا هذا ويضلل هذا هذا، فالأصولي الواقف مع الظواهر والآثار عند خصومه يجعلونه مجسمًا وحشوياً ومبتدعًا، والأصولي الذي طرد التأويل عند الآخرين جهمياً ومعتزلياً وضالاً، والأصولي الذي أثبت بعض الصفات ونفى بعضها وتأوَّل في أماكن يقولون متناقضًا، والسلامة والعافية أولى بك. فإن برعت في الأصول وتوابعها من المنطق والحكمة والفلسفة وآراء الأوائل ومجازات العقول واعتصمت مع ذلك بالكتاب والسنة وأصول السلف ولفقت بين العقل والنقل فما أظنك في ذلك تبلغ رتبة ابن تيمية ولا والله تقربها، وقد رأيت ما آل أمره إليه من الحطِّ عليه والهجر والتضليل والتكفير والتكذيب بحق وبباطل، فقد كان قبل أن يدخل في هذه الصناعة منورًا مضيئًا على محياه سيما السلف، ثم صار مظلما مكسوفًا، عليه قتمة عند خلائق من الناس، ودجالاً أفاكاً كافراً عند أعدائه، ومبتدعًا فاضلا محققًا بارعًا عند طوائف من عقلاء الفضلاء، وحامل راية الإسلام وحامي حوزة الدين ومحيي السنة عند عوام أصحابه هو ما أقول لك.
علم المنطق:
والمنطق نفعه قليل وضرره وبيل، وما هو من علوم الاسلام، والحق منه فكامنٌ في النفوس الزكية بعبارات غريبة، والباطل فاهرب منه فإنك تنقطع مع خصمك وتعرف أنك المحق، وتقطع خصمك وتعرف أنك على الخطأ، فهي عبارات دهَّاشة ومقدمات دكَّاكة نسأل الله السلامة. وإن قرأته للفرجة لا للحجة، وللدنيا لا للآخرة فقد عذبت الحيوان وضيعت الزمان والله المستعان، وأما الثواب فأيِّس منه ولا تأمن العقاب إلا بمثاب.
علم الحكمة:
والحكمة الفلسفية الإلهية ما ينظر فيها من يرجى فلاحه، ولا يركن إلى اعتقادها من يلوح نجاحه، فإن هذا العلم في شق وما جاءت به الرسل في شق ولكن ضلال من لم يدر ما جاءت به الرسل كما ينبغي بالحكمة شر ممن يدري، واغوثاه بالله إذا كان الذين قد انتدبوا للرد على الفلاسفة قد حاروا ولحقتهم كسفة، فما الظن بالمردود عليهم وما دواء هذه العلوم وعلمائها والعاملين بها علمًا وعقدًا إلا الحريق والإعدام من الوجود، إذ الدين ما زال كاملا حتى عُرِّبت هذه الكتب ونظر فيها المسلمون فلو أُعدِمت لكان فتحًا مبينًا.
والحكمة الرياضية فيها حق من طبائع هندسية وحساب ونحو ذلك، وفيها أباطيل وتنجيم وما أشبه، فباطلها يؤذي المرء في دينه ويضلله، وحقها صنعة وإتقان وتحرير مما لا أجر فيه ولا وزر، والحكمة الطبيعية لا بأس بها لكنها ليست من علوم الدين ولا مما يتقرب به إلى الله، ولا من زاد المعاد بل هي صنعة بلا ثواب ولا عقاب إذا كان صاحبها سليم الاعتقاد عادلا خيراً كما رأينا جماعة منهم وقد يثاب الرجل على تعليمها بالنية إن شاء الله تعالى.
علم الفرائض:
الفرضيون داخلون في الفقهاء، إذ هو كتاب من كتب الفقه وهو علم مليح والإمعان فيه يفوِّت الوقت والتوسط في ذلك جيد، فكم من مسألة في الفرائض ما وقعت ولا تقع أبدًا.
علم الإنشاء:
الإنشاء فن أبناء الدنيا ليس من علم الآخرة في شيء، والكامل فيه محتاج إلى مشاركة قوية في العلوم الإسلامية ويريد عقلاً تاماً ورزانة، وسرعة منهم وقوة تخيل، وبصراً باللغة والنحو وخبرة بالمعاني والبيان والسير وأيام الناس وفنون الأدب وحسن كتابة، ولكن ليكن رأس مال المنشىء تقوى الله ومراقبته فربما وضع لفظة تعجبه يهوي بها إلى النار وهو لا يدري، وربما أبدع في سطر ترتب عليه خراب مصر وربما أعان على تعلمه على سفك الدماء الحرام.
فانظر أين أنت يا بليغ، قد ذم نبيك البلاغة فقال: (إن من البيان لسحرا) وقال العي من الإيمان، فكمل براعة البلاغة بإرضاء ربك الأعلى وبنصح رب الأمر فهنا كمال البلاغة إن كنت من المتقين، وإن تعذر ذلك فدينك مامنه عِوَض، فمن اتقى الله كفاه الناس ومن أرضى الناس بسخط الله سلط الله عليه من أرضاه وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين.
علم الشعر:
الشعر هو من فنون المنشىء وهو كلام فحسنه حسن وهو قليل، وقبيحه قبيح وهو الأغلب، وبيت ماله الكذب والإسراف في المدح والهجو والتشبيه والنعوت والحماسة وأملحه أكذبه، فإن كان الشاعر بليغًا مفوَّهًا مقدامًا على الكذب في لهجته مصرَّاً على الاكتساب بالشعر، رقيق الدين فقد قرأ مقت الشعراء في سورة الشعراء.
ويندر على الشعراء المجوِّدين من يتصون من الهجو، وربما أدى الأمر بالشاعر إلى التجاوز إلى الكفر نسأل الله العفو، والشاعر المحسن كحسَّان والمقتصد كابن المبارك والظالم كالمتنبي والسفيه الفاجر كابن الحجاج والكافر كذوي الإتحاد فاختر لنفسك أي وادٍ تسلك.
علم الحساب:
الحساب وشرع الديوان هذا من علوم القبط والفرس ليس من علوم الإسلام، وهو صنعة ومعيشة ينال بها الرجل السعادة والدنيا، وكلما كان أمهر كان أسرق، ومن اتقى الله فيها وكتب لقضاة العدل وباشر الأيتام والصدقات ومال الأوقاف والمدارس ولزم الأمانة واتقى فيه فهذا محمود ومأجور بنيته، فقد رأينا جماعة يسيرة على نحو ذلك، نعم ورأينا ذئابًا عليهم الثياب، وفاسق الكتبة إليه المنتهى في السرق وعاقبة أمرهم وبيلة من الضرب والمصادرة والفقر.
علم الشروط:
الشروط علم حسن شرعي من برع فيه ولزم العدالة والورع عاش حميدًا ومات فقيدًا، ومن عاش فيه بالحِيَل والمكر والدهاء فلا بد له من خزي في الدنيا ومقت في الأخرى وإن تسوَّد هذا (قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ) [النساء: 77]
علم الوعظ:
الوعظ فن بذاته يحتاج إلى مشاركة جيدة في العلم، ويستدعي معرفة حسنة بالتفسير وإكثارًا من حكايات الفقراء والزهاد، وعدته التقوى والزهادة، فإذا رأيت الواعظ راغبًا في الدنيا قليل الدين فاعلم أن وعظه لا يتجاوز الأسماع، وكم من واعظ مفوَّهٍ قد أبكى وأثر في الحاضرين تلك الساعة ثم قاموا كما قعدوا، ومتى كان الواعظ مثل الحسين والشيخ عبد القادر الجيلاني رحمهما الله تعالى انتفع به الناس.