الثلاثاء، 26 أبريل 2016

طلع البدر علينا من ثنيات الوداع

خبر إنشاد أهل المدينة "طلع البدر علينا من ثنيات الوداع" عند دخول النبي صلى الله عليه وسلم مشهور جدًا رواه وذكره جملة من الحفاظ والعلماء الثقات الأثبات، منهم الحافظ ابن سعد، والحافظ ابن حبان، والحافظ البيهقي، والحافظ أبو الحسن الخلعي، والحافظ رزين، والحافظ ابن الجوزي، والحافظ المحب الطبري والإمام الغزالي، والحافظ ابن كثير، والحافظ بن حجر، والحافظ السيوطي، والحافظ السمهودي وغيرهم خلق كثير. أخرج البيهقي في الدلائل عن أنس رضي الله عنه قال: إني لأسعى في الغلمان يقولون: جاء محمد، فأسعى ولا أرى شيئًا، ثم يقولون: جاء محمد، فأسعى ولا أرى شيئًا حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر، فَكَمَنَّا في بعض جدر المدينة، ثم بعثنا رجلًا من بعض البادية لِيُؤْذِنَ بهما الأنصار، فاستقبلهما زهاء خمسمائة من الأنصار حتى انتهوا إليهما، فقالت الأنصار: انطلقا آمنين مطاعين، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه بين أظهرهم، فخرج أهل المدينة حتى أن العواتق لفوق البيوت يتراءينه يقلن: أيهم هو؟ أيهم هو؟ قال: فما رأينا منظرًا شبيهًا به يومئذ. قال أنس: فلقد رأيت يوم دخل علينا ويوم قبض، فلم أر يومين شبيهًا بهما" وأخرج الحافظ ابن حبان (ت354هـ) في ثقاته قال: "فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة وهم خمسمائة رجل من الأنصار، فتلقى الناس والعواتق فوق الأجاجير والصبيان والولائد يقولون: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع وأخذت الحبشة يلعبون بحرابهم لقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحًا بذلك" وأخرج الحافظ البيهقي (ت458هـ) في الدلائل عن الإمام العلامة الثقة ابن عائشة (ت228هـ) قال: "لما قدم عليه السلام المدينة جعل النساء والصبيان يقلن: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع" قال البيهقي: هذا يذكره علماؤنا عند مقدمه المدينة من مكة. وروى الحافظ أبو داود أن الحبشة لعبت بحرابهم فرحا بقدومه صلّى الله عليه وسلّم وزاد الحافظ رزين (ت535هـ): وصعدت ذوات الخدور على الأجاجير -أي سطوح المنازل- يقلن: طلع البدر علينا ... من ثنيّات الوداع وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع وفي رواية: أيها المبعوث فينا ... جئت بالأمر المطاع وأخرج الحافظ المحب الطبري (ت694هـ) في الرياض النضرة عن ابن الفضل ابن الحباب الجمحي قال: سمعت ابن عائشة يقول أراه عن أبيه قال: لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة جعل الصبيان والنساء والولائد يقولون: طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع قال: خرجه الحلواني على شرط الشيخين. أما السؤال عن كيف لهجت جميع الألسن في آن واحد بهذه العبارات فلا ننسى أن الأنصار كانوا يترقبون مقدم النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الأبجديات أن يتأهبوا لاستقباله بهذه الأبيات العذبات. قال ابن حبان: "سمع المسلمون بالمدينة بخروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرون قدومه حتى يردهم حر الظهيرة" ومن أشباه ذلك ما رواه ابن ماجة وغيره بسند جيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر ببعض المدينة، فإذا هو بجوار يضربن بدفهن ويتغنين ويقلن: نحن جوارٍ من بني النجار *** يا حبذا محمد من جار فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يعلم الله إني لأحِبُّكُنَّ" فالأنصار أهل إنشاد وذوق، ويتغنون الشعر بالسليقة بدون تكلف، ويعجبهم ذلك كما في صحيح البخاري عن عائشة رضي عنها أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة ما كان معكم لهو! فإن الأنصار يعجبهم اللهو" وفي حديث ابن عباس وجابر رضي الله عنهم: "قوم فيهم غزل". وقال صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة: "فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قلت: تقول ماذا؟ قال تقول: أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم *** ولولا الذهب الأحمر ما حلت بواديكم ولولا الحنطة السمراء *** ما سمنت عذاريكم أما كون أن ثنية الوداع ليست من جهة طريق مكة فقد أجاب عليها كثير من العلماء ومنهم الحافظ السمهودي في الوفاء قال: "إن ذلك لا يمنع من كونه في الهجرة عند القدوم من قباء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ركب ناقته، وأرخى لها زمامها، وقال: دعوها فإنها مأمورة، ومر بدور الأنصار كما سبق، حتى مر ببني ساعدة، ودارهم في شاميّ المدينة قرب ثنية الوداع، فلم يدخل باطن المدينة إلا من تلك الناحية حتى أتى منزله بها، وقد عرج النبي صلى الله عليه وسلم في رجوعه من بدر إلى ثنية الوداع؛ لما في مغازي ابن عقبة أنه صلى الله عليه وسلم سلك حين خرج إلى بدر حتى ثقب بني دينار، ورجع حين رجع من ثنية الوداع."