الاثنين، 31 أغسطس 2015

الفرق بين السنة والعام

التقويمان المتعارف عليها بشكل واسع حول العالم هما التقوم القمري والتقويم الشمسي. يقوم التقويم القمري على مبدأ دوران القمر حول نفسه وحول الأرض، بينما يقوم التقويم الشمسي على مبدأ دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس.
كلا التقويمين عدد شهور السنة فيه 12 شهرًا، لكن السنة في التقويم القمري هي عبارة عن دوران القمر حول الأرض 12 مرة، بينما السنة في التقويم الشمسي هو دوران الأرض حول الشمس مرة واحدة. والأرض عندما تدور حول الشمس تمر على 12 برجًا من أبراج السماء، ومرورها بكل برج يكون الشهر الشمسي.

الفرق بين التقويمين من الناحية المناخية هو أن السنة القمرية تمر عليها كل الفصول، لذلك شهر رمضان تارة يكون في الشتاء، وتارة في الربيع، وتارة في الخريف وتارة في الصيف، بينما في السنة الشمسية يكون المناخ ثابت حسب الشهور، فالشتاء شهوره معروفة وكذا والربيع والخريف والصيف لأن الأرض عندما تدور حول الشمس تمر على نفس الأبراج في كل سنة، وكل برج لها خصائص مناخية ثابتة.

عدد أيام السنة القمرية حوالي 354 والشمسية حوالي 365، ولذلك فإن السنة الشمسية تزيد على السنة القمرية بحوالي 11 يومًا، وبشكل دقيق:
عدد أيام السنة القمرية: 354.3671
عدد أيام السنة الشمسية: 365.2425

إذا الفرق بين السنة القمرية والشمسية هو 10.8754 يومًا أي بالتقريب حوالي 11 يومًا.

فكل 33 سنة شمسية تقريبًا (32.584 بشكل دقيق)  يكون الفرق حوالي سنة قمرية كاملة، وبالتالي ففي المائة سنة يكون الفرق حوالي ثلاث سنوات قمرية، وبالتالي ففي الثلاثمائة سنة يكون الفرق حوالي تسعة سنوات!!!

ولعل هذه الحقيقة المذهلة هي أحد معاني قوله تعالى: (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعًا) أي ثلاثمائة سنة قمرية تعدل تسعة وثلاثمائة سنة شمسية.

ويمكن من هنا استنباط أن (السنة) تكون بالتقويم القمري، و(العام) يكون بالتقويم الشمسي.

ويعزز هذا قوله تعالى:
( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) [لقمان: 14]
وقوله تعالى:
(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) [البقرة: 233]

فكأنه تعالى جعل العامين بالتقويم الشمسي يعدلان حولين (كاملين) بالتقويم القمري، وفيها أيضًا إشارة إلى اختلاف الحول في التقويمين الذي سبق أن ذكرناه  وهي الـ11 يومًا الزائدة، لذلك كان التوكيد: بـ(كاملين).

فمما تقدم يمكن أن نستنتج أن (السنة) تكون بالتقويم القمري، و(العام) يكون بالتقويم الشمسي.

وقد وردت كلمة (سنة) بتصاريفها حوالي 14 مرة:
1- (لو يعمر ألف سنة)
2- (محرمة عليهم أربعين سنة)
3- (وان يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون)
4- (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة)
5- (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)
6- (فلبث في السجن بضع سنين)
7- (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددًا)
8- (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعًا)
9- (فلبثت سنين في أهل مدين)
10- (قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين)
11- (ولبثت فينا من عمرك سنين)
12- (أفرأيت إن متعناهم سنين)
13- (في بضع سنين)
14- (فلبث فيها ألف سنة إلا خمسين عامًا)

وفي الآية الأخيرة جمع الله تعالى ذكر السنة والعام آية واحدة.

أما كلمة عام فقد وردت بتصاريفها في حوالي 7 مواضع (نصف عدد المرات):
1- (ألف سنة إلا خمسين عامًا)
2- (فأماته الله مائة عام ثم بعثه)
3- (بل لبثت مائة عام)
4- (بعد عامهم هذا)
5- (يحلونه عامًا ويحرمونه عامًا)
6- (في كل عام مرة أو مرتين)
7- (فصاله في عامين)

ويظهر من هذا البحث السريع أن السنة كوحدة زمن لا ترتبط بالشدة أو الرخاء، اللهم إلا من خلال أن الشهور العربية تقع أحيانًا في مناخات قاسية كالصيف.

العلاقة العقدية بين الوهابية وغلاة الروافض

قال أبو منصور البغدادي (ت 429هـ) في كتابه [الفرق بين الفرق]:
"واجمعوا على احالة وَصفه بالصورة والاعضاء خلاف قَول من زعم من غلاة الروافض وَمن اتِّبَاع دَاوُود الحوالى انه على صُورَة الانسان وَقد زعم هِشَام بن سَالم الجواليقى واتباعه من الرافضة ان معبودهم على صُورَة الانسان" أهـ
وقال:
"واجمعوا على انه لَا يحويه مَكَان وَلَا يجرى عَلَيْهِ زمَان خلاف قَول من زعم من الشهامية والكرامية انه مماس لعرشه وَقد قَالَ امير الْمُؤمنِينَ على رَضِي الله عَنهُ ان الله تَعَالَى خلق الْعَرْش اظهارا لقدرته لَا مَكَانا لذاته وَقَالَ ايضا قد كَانَ وَلَا مَكَان وَهُوَ الْآن على مَا كَانَ" أهـ

ـــــــــــــــــــــــــــــ
ترجمة أبي منصور البغدادي في [سير أعلام النبلاء]:
العلامة البارع، المتفنن الأستاذ، أبو منصور البغدادي، نزيل خراسان، وصاحب التصانيف البديعة، وأحد أعلام الشافعية.
حدث عن: إسماعيل بن نجيد، وأبي عمرو محمد بن جعفر بن مطر، وبشر بن أحمد، وطبقتهم.
حدث عنه: أبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وعبد الغفار بن محمد الشيرويي، وخلق.
وكان أكبر تلامذة أبي إسحاق الإسفراييني، وكان يدرس في سبعة عشر فنًا، ويضرب به المثل، وكان رئيسًا محتشما مثريا.
قال أبو عثمان الصابوني: كان الأستاذ أبو منصور من أئمة الأصول، وصدور الإسلام بإجماع أهل الفضل، بديع الترتيب، غريب التأليف، إماما مقدما مفخما، ومن خراب نيسابور خروجه منها .
وقيل: إنه لما حصل بإسفرايين، ابتهجوا بمقدمه إلى الغاية.

السبت، 29 أغسطس 2015

أين نحن من تعظيم السلف الصالح لسيدنا محمد ﷺ؟

عن شعبة قال: ما رأيت أحدًا أصدق من سليمان التيمي رحمه الله، كان إذا حدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلم تغير لونه.

وقال الإمام الحافظ القاضي عياض في كتابه [الشفا في شرف المصطفى ]:
"واعلم أن حرمة النبي ﷺ بعد موته، وتوقيره، وتعظيمه لازم كما كان حال حياته، وذلك عند ذكره ﷺ، وذكر حديثه، وسنته، وسماع اسمه، وسيرته، ومعاملة آله، وعترته، وتعظيم أهل بيته، وصحابته.

وقال أبو إبراهيم التجيبي: واجب على كل مؤمن متى ذكره، أو ذكر عنده أن يخضع، ويخشع، ويتوقَّر، ويسكن من حركته، ويأخذ في هيبته، وإجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه، ويتأدب بما أدبنا الله به.

قال القاضي أبو الفضل: وهذه كانت سيرة سلفنا الصالح، وأئمتنا الماضين رضي الله عنهم.

وروى بسنده عن ابن حميد قال: ناظر أبو جعفرٍ أميرُ المؤمنين مالكًا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له مالك: يا أمير المؤمنين ، لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله تعالى أدب قومًا فقال: ( لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) [ الحجرات: 2].

ومدح قومًا فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) [ الحجرات: 3].

وذم قومًا فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) [ الحجرات: 4].

وإن حرمته ميتًا كحرمته حيَّاً.

فاستكان لها أبو جعفر وقال: يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة؟
بل استقبله، واستشفع به، فيشفعه الله، قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا) [ النساء: 64].

وقال مصعب بن عبد الله: كان الإمام مالك إذا ذكر النبي ﷺ يتغير لونه، وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه، فقيل له يوما في ذلك، فقال: لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم علي ما ترون، ولقد كنت أرى محمد بن المنكدر، وكان سيد القراء لا نكاد نسأله عن حديث أبدا إلا يبكي حتى نرحمه.

ولقد كنت أرى جعفر بن محمد الصادق، وكان كثير الدعابة، والتبسم، فإذا ذكر عنده النبي ﷺ اصفر. وما رأيته يحدث عن رسول الله ﷺ إلا على طهارة.

ولقد كنت آتي عامر بن عبد الله بن الزبير فإذا ذكر عنده النبي ﷺ بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع.

ولقد رأيت الزهري، وكان من أهنإ الناس، وأقربهم، فإذا ذكر عنده النبي ﷺ فكأنه ما عرفك، ولا عرفته.

ولقد كنت آتي صفوان بن سليم، وكان من المتعبدين المجتهدين، فإذا ذكر النبي ﷺ بكى، فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه، ويتركوه.

وروي عن قتادة أنه كان إذا سمع الحديث أخذه العويل، والزويل.

ولما كثر على مالك الناس قيل له: لو جعلت مستمليا يسمعهم؟ فقال: قال الله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) [ الحجرات: 2]، وحرمته حيا، وميتا سواء.

وكان ابن سيرين ربما يضحك، فإذا ذكر عنده حديث النبي ﷺ خشع.

وكان عبد الرحمن بن مهدي إذا قرأ حديث النبي ﷺ أمرهم بالسكوت، وقال: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) [ الحجرات: 2 ]، ويتأول أنه يجب له من الإنصات عند قراءة حديثه ما يجب له عند سماع قوله. "

ـــــــــــــــــــــــ
ترجمة الإمام الحافظ القاضي عياض في سير أعلام النبلاء:
"الإمام العلامة الحافظ الأوحد، شيخ الإسلام، القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض اليحصبي الأندلسي، ثم السبتي المالكي.
ولد في سنة ست وسبعين وأربعمائة.

رحل إلى الأندلس سنة بضع وخمسمائة، وروى عن القاضي أبي علي بن سكرة الصدفي ولازمه، وعن أبي بحر بن العاص، ومحمد بن حمدين، وأبي الحسين سراج الصغير، وأبي محمد بن عتاب، وهشام بن أحمد، وعدة.

وتفقه بأبي عبد الله محمد بن عيسى التميمي، والقاضي محمد بن عبد الله المسيلي.
واستبحر من العلوم، وجمع وألف، وسارت بتصانيفه الركبان، واشتهر اسمه في الآفاق.

قال خلف بن بشكوال: هو من أهل العلم والتفنن والذكاء والفهم، استقضي بسبتة مدة طويلة حمدت سيرته فيها، ثم نقل عنها إلى قضاء غرناطة، فلم يطول بها وقدم علينا قرطبة فأخذنا عنه.
قال القاضي شمس الدين في [وفيات الأعيان]:
(هو إمام الحديث في وقته، وأعرف الناس بعلومه، وبالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم.
وقال الفقيه محمد بن حماده السبتي : جلس القاضي للمناظرة وله نحو من ثمان وعشرين سنة، وولي القضاء وله خمس وثلاثون سنة، كان هينا من غير ضعف، صليبًا في الحق، تفقه على أبي عبد الله التميمي، وصحب أبا إسحاق بن جعفر الفقيه، ولم يكن أحد بسبتة في عصر أكثر تواليف من تواليفه، له كتاب [الشفا في شرف المصطفى] مجلد وكتاب [ترتيب المدارك وتقريب المسالك في ذكر فقهاء مذهب مالك] في مجلدات وكتاب [العقيدة] ، وكتاب [شرح حديث أم زرع] وكتاب [جامع التاريخ] الذي أربى على جميع المؤلفات، جمع فيه أخبار ملوك الأندلس والمغرب، واستوعب فيه أخبار سبتة وعلمائها، وله كتاب [مشارق الأنوار في اقتفاء صحيح الآثار]: [الموطأ] و [الصحيحين] . . .
إلى أن قال: وحاز من الرئاسة في بلده والرفعة ما لم يصل إليه أحد قط من أهل بلده، وما زاده ذلك إلا تواضعا وخشية لله تعالى) أهـ
"

التعامل مع تحريف الوهابية خوارج العصر لمراجع الدين

الثابت أن خوارج العصر قد حرفوا مراجع الدين، يكفي مقارنة النسخ القديمة بالحديثة للوقوف على ذلك، وخذ رياض الصالحين كمثال. وأتلفوا وأخفوا كثيرًا من المراجع، قال الدكتور محمد عوض الخطيب في كتابه [صفحات من تأريخ الجزيرة العربية الحديث - دار المعراج للطباعة والنشر- ص 189]:
"حرق الوهابية المكتبةَ العربية في مكة المكرمة وهي من أنفس مكتبات العالم، إذ كانت تحوي ستين ألفاً (60,000) من الكتب النادرة، وحوالي أربعين ألف (40,000) مخطوطة، بعضها مما أملاه النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها كتبه الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة، ومنها ما هو مكتوب على جلود الغزلان والعظام والألواح الخشبية والرقم الفخارية والطينية" أهـ

 لكنهم بتقدير الله تبارك وتعالى لم يستطيعوا أن يحرفوا كل المراجع. ولا يخفى أنهم فعلوا فعلتهم الخبيثة هذه لنصرة نفاقهم، ولقطع الطريق على خصومهم، ولتزييف الحقائق ولتضليل الناس.

ولذلك تراهم يعمدون إلى جر المحبين الصادقين إلى الكلام عن المسائل التي حرفوا مراجعها، وزيفوا حقائقها وأتلفوا مصادرها، كمصنف عبد الرزاق الذي جزءًا منه فيه يتضمن حديث: (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر).

ونحن عندما نجيبهم إلى الكلام في هذه المسائل التي عبثوا بمراجعها فإننا نهدي لهم ما يطلبون على طبق من ذهب، ونحقق لهم ما إليه يصبون، فهم يطمعون إلى تصوير المحبين أنهم جهلة، وكذابون، ومشعوذون، ويتبعون خرافات لا أصل لها.

فالأولى في تقديري ألا نجيبهم إلى ذلك، فنحن نعرف ما فعلوه بتلك المراجع. والحمد لله أن في مراجع الدين التي لم يطلها التحريف الكثير الكثير الكثير مما لا تطيقه أنفسهم، ومما هو كافٍ لإخراج غلهم وإظهار نفاقهم، فكل مراجع الدين غير المحرفة في القرءان الكريم والسنة المطهرة تخبر عن عظمته وسمو شرفه صلى الله عليه وسلم وتحض على محبته صلى الله عليه وسلم أكثر من النفس، وعلى تعظيمه صلى الله عليه وسلم، وعلى غاية الأدب في حضرته وبعد مماته صلى الله عليه وسلم، وعلى كثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فلماذا لا نرمي بكل ثقلنا في هذا المجال؟ لماذا لا نجعله أكبر ساحات حربنا معهم؟ لماذا لا نفضح نفاقهم بذلك؟

لماذا نترك ما يحذرون إلى ما يحبون؟

ونحن إذ نفعل ذلك ليس طمعًا في أن نهديهم، فالله هو الهادي حقيقة، لكننا بذلك نجلي الغشاوة عن عيون عامة الناس الذين يضلونهم ويلبسون عليهم دينهم بما حرفوه من مراجع الدين.

الخميس، 20 أغسطس 2015

دعني من فتنة الوهابية

دعني عن الوهابية التي نشأت في نجد واستحلت دماء المسلمين.. ادعت عليهم بالشرك وهم يشهدون أن لا إله إلا الله محمد رسول الله.. فقتلتهم في الأشهر الحرم.. وفي ملابس الإحرام.. وداخل حدود الحرم..

أأصدقهم وهم الذين اعترفوا بأن التحليق هو "العادة عندنا" أم أصدق المعصوم الذي ذم نجدًا وقال فيها الزلازل والفتن، وفيها يخرج قرن الشيطان؟

أأسمع كلامهم هم الذي وصفهم المعصوم صلى الله عليه وسلم بأنهم يكثرون القول ويسيئون الفعل أم أسمع كلام من قال لي رب العزة في كتابة العزيز:

(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)
(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)
(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله. فاذا قالوها فقد عصموا دمائهم و اموالهم) رواه البخاري

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) رواه مسلم

و‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما) متفق عليه

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حمل علينا السلاح فليس منا) رواه البخاري ومسلم

هل أدفن رأسي في التراب عن كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي هو هدى ونور لأسمع كلام ..

الذي تلطخت يداه بدماء المؤمنين الصالحين؟

الذي يتمنى هدم القبة الخضراء، حجرة السيدة عائشة رضوان الله عليها التي دفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه؟

الذي منع زيارة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره الشريف؟

الذي محا كل أثر شريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة أو في المدينة؟ لو كان الله يخشى على المؤمنين من الأماكن المقدسة لما تقدس البيت الحرام.. ولا الصفا والمروة.. ولا جبل الرحمة.. ولا مزدلفة.. ولا منى.. والروضة الشريفة؟

الذي كل يوم يحرف مراجع الدين ويتصرف في كتب السلف الصالحين؟ إرجع إلى رياض الصالحين.. طالع النسخ القديمة والنسخ الجديدة لترى بأم عينيك كيف كان اليهود قديمًا يحرفون مراجع الدين وكيف نسلهم يفعل اليوم بالمسلمين..

الذي أقام دولة الكيان الصهيوني الغاصب على جماجم الأبرياء من أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم؟

الذي يريد أن يجعل كلمة الذين كفروا هي العليا؟

الذي أشعل الفتن والحروب لتسقط دولة الخلافة الإسلامية.. وأوقف قطار الحجيج الذي كان يمر من تركيا وعبر الشام إلى الحجاز؟ ولا يزال يشعل الحروب والفتن حتى تتمزق أوصال جميع الأمة؟

الذي يوطن أعداء الإسلام من اليهود والنصارى في جزيرة العرب التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم في أيامه الأخيرة بإخراجهم منها؟ فيقيم لهم القواعد العسكرية.. وينشئ لهم الشركات العملاقة؟

الذي يريد أن يثأر لليهود في إخراجهم من خيبر؟

الذي يضع كل ثروات المسلمين من نفط وريع الحج والعمرة في السلة الأمريكية فيتناولها اليهود.. ليستقووا بها على أذية المسلمين؟ ليحكموا بها قبضتهم على فلسطين ومسرى الصادق الوعد الأمين صلى الله عليه وسلم؟

الذين انغمسوا في الدنيا التي حذر منها المعصوم صلى الله عليه وسلم؟

الأكالين؟ النوامين؟ ذوي الشهوات؟ الكذابين؟ كذبوا على ربهم ألا يكذبون على من سواه؟

من هو ذلك الغبي الذي تنطلي عليه أكاذيبكم وحيلكم وقد نبأنا الله تعالى من أخباركم..

وصفكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحدد مناطقكم، وأوصافكم، ونفاقكم فقال لنا: تحقرون صلاتكم مع صلاتهم.. وصيامكم مع صيامهم.. يتلون القرءان لا يجاوز تراقيهم.. ذلقة بالقرءان ألسنتهم.. يدعون إلى الله وليسوا منه في شيء.. يقولون بكلام خير البرية.. يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان.. يكثرون القول ويسيئون الفعل.. يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتُنكر، دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية.. سيماهم التحليق.. لو أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد..

ماذا تركت يا رسول الله؟ لم تترك شيئًا.. حتى المكان.. المشرق؟ انظر في خرائط قووقل إلى مشرق المدينة مباشرة.. ستمر على الرياض والعيينة والدرعية.. حيث خرج قرن الشيطان.

لم تترك شيئًا يا رسول الله.. فجزاك الله عن أمة الإسلام خير الجزاء..

والحمد لله المنان أن النبي صلى الله عليه وسلم حي يرزق.. (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات، بل أحياء ولكن لا تشعرون) و(الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون).. تعرض عليها أعمالنا.. يستغفر لنا.. يزورنا.. يهدينا سبل السلام.. فمن رآه في المنام فقد رآه.. ومن رآه في المنام فقد رأى الحق.. ومن رآه في المنام فسيراه في اليقظة.. وكل هذا حاصل والحمد لله رب العالمين..


فباب هدايته صلى الله عليه سلم مفتوح إلى يوم القيامة..
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ* وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
فنحن الآخرون فالحمد لله على فضله العظيم..

والحمد لله أن محبته تعالى ومحبة حبيبه صلى الله عليه وسلم تغمر قلوبنا فلا نخشى بعد ذلك شيء، فالمرء مع من أحب..

والحمد لله أن سلوكنا الذي يستقبحونه.. ويزدرونه قد سبقنا إليه الصحابة الكرام والتابعين الأعلام.. الذين قال فيهم رب العزة:
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)

الذين كانوا يقتتلون على ماء وضوء النبي صلى الله عليه وسلم..

الذين كانوا يقتتلون على نخامته الشريفة فيدلكون بها وجوههم وأيدهم..

الذين كانوا يتمسحون بجسده الشريف.. فيقبلون يده ورجله وبطنه صلى الله عليه وسلم..

الذين كانوا يمرغون وجوههم في قبره الشريف..

الذين كانوا يصلون في قبره الشريف..

الذين كانوا يشدون الرحال شوقًا إلى قبره الشريف..

الذين كانوا يسجدون على آثار أقدامه الشريفة..

الذين كانوا يتداوون بتربة المدينة المنورة التي مشت عليها أقدامه الشريفة..

الذين كانوا يتتبعون آثاره.. يقتفونها ويتبركون بها..

إن الدين واجب ومندوب وحرام ومكروه ومباح، فنحن على ما كان عليه هو صلى الله عليه وسلم وأصحابه.. لا نحل ما حرم الله.. ولا نحرم ما أحل الله، فقد قال المعصوم صلى الله عليه وسلم: (إن محرم الحلال كمحل الحرام)..

ونحن الأكثرية في البشرية.. السواد الأعظم.. وقد أوصانا حبيبنا صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة والسواد الأعظم وإنا له لازمون.. وبوصيته عاملون.. وإلى الله صائرون.. فيحكم بيننا وبينهم بالحق وهو أحسن الحاكمين.

مثال نبوي عجيب على المجاز الذي أنكره ابن تيمية

عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسرعكن لحاقًا بي أطولكن يدًا" قالت: فكنَّ يتطاولن أيتهن أطول يدًا، قالت: فكانت أطولنا يدًا زينب لأنها كانت تعمل بيدها وتصدَّق.
أخرجه مسلم

وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنه قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه: "أسرعكن لحوقًا بي أطولكن يدًا" قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نمدُّ أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش رضي الله عنه، وكانت امرأة قصيرة، ولم تكن أطولنا، فعرفنا حينئذٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بطول اليد الصدقة، وكانت زينب امرأة صنَّاعة باليد، وكانت تدبغ وتخرز وتصدَّق في سبيل الله.
أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط مسلم.

فالنبي صلى الله عليه وسلم بشَّرهن بأن أسرعهن لحوقًا به أطولهن يدًا، فجلن يتذارعن ويقسن طول أيديهن، فلما توفيت أم المؤمنين زينب بنت جحش عليها من الله السلام والرضوان، علمن أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يريد بطول اليد كثرة الصدقة، فإن زينب أم المؤمنين رضي الله عنها كانت قد اشتهرت بكثرة الصدقة.

هذا مجاز بغير قرينة مانعة، فكيف بالمجاز وفيه قرينة؟
 (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا) [الإسراء: 72]

لذلك فإن الذين يتبعون ابن تيمية الحراني هذا الإتباع الأعمي يصدق فيهم قول الحق سبحانه: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله)، فيتركوا الحق لما يقوله الحراني، فيحلوا ما حرم الله ويحلوا ما أحل الله تعالى.

وجب التنبيه إلى خللهم.

الأربعاء، 19 أغسطس 2015

الفرق جلي بين تدين الوهابية والخوارج المغشوش وبين التدين الأصيل

صح عن النبي ﷺ أن هنالك أقوامًا:
- من بني جلدتنا ويتكلمون بألستنا..[6،7]
- مهرة في تلاوة القرءان..[1،2،3،4،5،15]
- يدعون إلى كتاب الله..[22]
- ينتسبون إلى السُّنة ويقولون بكلام خير البرية..[8،21]
- يكثرون القول والوعظ والكلام في الدين..[6]
- نحقر صلاتنا مع صلاتهم، بين عينيهم أثر السجود..[10،11]
- نحقر صيامنا مع صيامهم..[10]
- نحقر أعمالنا مع أعمالهم..[10]
- أشداء وأحداء كأنهم أهل الحق..[2،3]

ومع ذلك فقد صح عنه ﷺ أنهم:
- شرار الخلق والخليقة، قال: لو أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد.. فأينما لقيتموهم فاقتلوهم.. طوبى لمن قتلهم أو قتلوه.. تقتلهم أقرب الطوائف إلى الحق..[12،13،21،22]
- يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية.. ثم لا يعودون إليه أبدًا..[1]
- يدَّعون الإيمان ولا يجاوز الإيمان حناجرهم..[21]
- فيهم الشدة والحدة والغلظة..[2،3]
- حدثاء أسنان، أي طائشون.. متسرعون..[21]
- سفهاء الأحلام، أي ضعاف عقول.. مستوهمون..[21]
- ينتسبون إلى خير البرية ﷺ زورًا، ويتكلفون أحسن الكلام ليلبسوا على الناس دينهم..[6،8،21]
- يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، ويتبعون المتشابه، يتأولون القرءان ينزلونه في غير مواضعة، ويهدون بغير هديه ﷺ..[6،14،15,22]
- ثرثارون.. يكثرون القول ويسيئون الفعل..[9]
- يقرءون القرءان رياءً ونفاقًا.. لا يجاوز حناجرهم إلى قلوبهم..[1،2،3،9،10،12]
- يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان..[12،13]
- دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليه قذفوه في النار..[6]
- كلاب النار

كيف خروجهم؟
- على حين فُرقة من الناس..[23]
- يخرجون من ناحية المشرق..[1] الشرق إلى المدينة المنورة.. من نجد حيث يخرج فيها قرن الشيطان كما أخبر ﷺ..[24] افتح خرائط جووجل Google Maps وانظر بنفسك..
- ولا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع المسيح الدجال..[18]

وما السبيل إلى التعامل معهم؟
- اجتنابهم والتنبيه على خطرهم..
- لزوم جماعة المسلمين فقد قال ﷺ: «لا يجمع الله أمتي على ضلالة أبدا، ويد الله على الجماعة»[20] وقال ﷺ: «أن تلزم جماعة المسلمين وإمامهم»[6]
- الحرص على أن تكون ضمن السواد الأعظم، وهو جمهور الأمة..[12،20]

فانظر حولك في كل مكان.. هل تجد صفة هؤلاء القوم؟  إنهم يملأون بالضجيج كل مكان، فاحذرهم وحذر الناس منهم..

قال محمد بن سيرين رضي الله عنه: «ان هذا العلم دين فلينظر الرجل ممن ياخذ دينه» رواه الدارمي والخطيب وابن الجوزي

المراجع:
ــــــــــــ
[1] قال ﷺ: «يخرج ناس من قبل المشرق، ويقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه»، قيل ما سيماهم؟ قال: «سيماهم التحليق» أخرجه البخاري في صحيحه 7562
[2] قال ﷺ: (يخرج أقوام أحداء أشداء، ذلقة ألسنتهم بالقرآن، يقرءونه فينثرونه نثر الدقل) أخرجه أحمد (5/36، رقم 20398) ، والطبرانى كما فى مجمع الزوائد (6/231) قال الهيثمى: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
[3] قال ﷺ: (ألا إنه سيخرج من أمتي أقوام أشداء أحداء، ذلقة ألسنتهم بالقرآن، لا يتجاوز تراقيهم) أخرجه الهيثمي في المجمع 10420 وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، والطبراني رواه أيضا، وكذلك البزار بنحوه.
[4] قال ﷺ: (سيخرج ناس من أمتي يشربون القرآن كشربهم اللبن) أخرجه الهيثمي في المجمع 10412 وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
[5] قال ﷺ: «يوشك أن يقرأ القرآن قوم يشربونه كشربهم الماء، لا يجاوز تراقيهم» ، ثم وضع يده على حلقه، فقال: «لا يجاوز هاهنا» أخرجه الطبراني في الأوسط 825
[6] عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: «نعم» قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: «نعم، وفيه دخن» قلت: وما دخنه؟ قال: «قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتُنكر» قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: «نعم، دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها» قلت: يا رسول الله، صفهم لنا؟ فقال: «هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا» قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم»، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال «فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك» أخرجه البخاري في صحيحه 3606
[7] قيل للنبي ﷺ: (يا رسول الله من هم حتى نعرفهم؟ قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قيل: يا رسول الله ما سيماهم؟ قال: التحليق.) أخرجه البزار في المسند 7225
[8] قال ﷺ: (يقولون من قول خير البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) أخرجه أحمد (1/404، رقم 3831) ، والترمذى (4/481، رقم 2188) وقال: حسن صحيح. وابن ماجه (1/59 رقم 168).
[9] قال رسول الله ﷺ:  (سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون القيل، ويسيئون الفعل، ويقرءون القرآن، لا يجاوز تراقيهم) صحيح أخرجه أبو داود عن أنس رضي الله عنه 4765، والحاكم في المستدرك وسكت عنه الذهبي 2649، 2650 وأبو يعلى مسنده 3117
[10] قال ﷺ: (يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) أخرجه البخارى (4/1928، رقم 4771)، ومسلم (2/743، رقم 1064)، والنسائى فى الكبرى (5/31، رقم 8089). وأخرجه أيضًا: مالك (1/204، رقم 478)، وأحمد (3/60، رقم 11596)
[11] عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: (.. فأتاه رجل وهو على تلك الحال أسود، طويل، مشمر، محلوق الرأس، بين عينيه أثر السجود فقال: يا محمد! والله ما تعدل! فغضب النبى - ﷺ - حتى احمرت وجنتاه فقال: ويحك! فمن يعدل إذا لم أعدل؟) أخرجه أحمد (5/42، رقم 20451) والطبري [كنز العمال 31587]، والحاكم في المستدرك 2647 وصححه على شرط مسلم، 2659 وقال: صحيح ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
[12] قال ﷺ: (إن من ضئضئ هذا، قوما يقرءون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام، ويدَعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) أخرجه الطيالسى (ص 296، رقم 2234) ، والبخارى (3/1219، رقم 3166) ، ومسلم (2/741، رقم 1064) ، وأبو داود (4/243، رقم 4764) ، والنسائى (5/87، رقم 2578)
[13] قال ﷺ: (فإن من ضئضئى هذا قوما يخرجون فى آخر الزمان يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلتهم قتل عاد) أخرجه ابن أبى عاصم (2/440، رقم 910).
[14] قال ﷺ: (إن منكم من يقاتِل على تأويل القرآن كما قاتلتُ على تنزيله) أخرجه أحمد (3/82، رقم 11790)، قال الهيثمى (9/133): رجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة. وأبو يعلى (2/341، رقم 1086) ، قال الهيثمى (5/186): رجاله رجال الصحيح. وابن حبان (15/385، رقم 6937)، والحاكم (3/132، رقم 4621) وقال: صحيح على شرط الشيخين.
[15] قال رسول الله - ﷺ: «أكثر منافقي أمتي قراؤها» أخرجه ابن المبارك (1/152، رقم 451) ، وأحمد (2/175، رقم 6637) ، والطبرانى كما فى مجمع الزوائد (6/230) قال الهيثمى: رواه أحمد والطبرانى، ورجاله ثقات، وكذلك رجال أحد إسنادى أحمد ثقات. والبيهقى فى شعب الإيمان (5/363، رقم 6959). وأخرجه أيضا: البخارى فى التاريخ الكبير (1/257). وقال المناوى (2/81) فى الميزان: إسناده صالح.
[16] الخوارج (كلاب النار) حديث عبد الله بن أبى أوفى: أخرجه ابن أبى شيبة (7/553، رقم 37884) ، وأحمد (4/355، رقم 19153) ، وابن ماجه (1/61، رقم 173) ، والحكيم (1/219) . وأخرجه أيضًا: أبو نعيم فى الحلية (5/56) ، والخطيب (6/319) . قال الهيثمى (6/232) : رواه الطبرانى وأحمد، ورجال أحمد ثقات.
[17] حديث أبى أمامة: ذكره الحكيم (1/221) ، وأخرجه الطبرانى فى الكبير (8/270، رقم 8042) . وأخرجه أيضًا: فى الأوسط (9/42، رقم 9085) ، وفى الصغير (2/240، رقم 1096) ، والديلمى (2/205، رقم 3014) .
[18] قال ﷺ: (لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع المسيح الدجال) أخرجه ابن أبى شيبة (7/559، رقم 37917) ، وأحمد (4/424، رقم 19821) ، والنسائى (7/119 رقم 4103) والحاكم (2/160، رقم 2647) وقال: صحيح على شرط مسلم. وأخرجه أيضًا: الطيالسى (ص 124، رقم 923) ، والبزار (9/294، رقم 3846).
[19] قال ﷺ: «تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وأمتي تزيد عليهم فرقة، كلهم في النار إلا السواد الأعظم» أخرجه الطبرانى (8/274، رقم 8054) ، وابن أبى عاصم (1/34، رقم 68)،  وأبو يعلى (7/36، رقم 3944)، الطبرانى فى الكبير (8/268، رقم 8035) . وأخرجه أيضًا: فى الأوسط (7/175، رقم 7202) قال الهيثمى 7/258): فيه أبو غالب وثقه ابن معين وغيره وبقية رجال الأوسط ثقات وكذلك أحد إسنادى الكبير.
[20] قال ﷺ: (لا يجمع الله أمر أمتى على ضلالة أبدا اتبعوا السواد الأعظم، يد الله على الجماعة، من شذ شذ فى النار)  أخرجه الحكيم (1/422)، والحاكم (1/199، رقم 391)، والحاكم (1/202، رقم 399) ووافقه الذهبي
[21] وقال ﷺ: «يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة» أخرجه البخاري في صحيحه 5057
[22] وقال ﷺ: «طوبى لمن قتلهم وقتلوه يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه فى شيء من قاتلهم كان أولى بالله منهم قالوا يا رسول الله ما سيماهم قال التحليق» أخرجه أبو داود (4/243، رقم 4765)، والحاكم (2/161، رقم 2650)، والبيهقى (8/171، رقم 16480)، والضياء (7/16، رقم 2392).
[23] وقال ﷺ: «يخرجون على حين فُرقة من الناس» أخرجه البخاري في صحيحه 6933، ومسلم في صحيحه 1064
[24] وقال ﷺ:عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق فقال: «ها إن الفتنة ها هنا، إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان» أخرجه البخاري في صحيحه 3279، ومسلم في صحيحه 3279

القول السديد في فساد تقسيم التوحيد

ابن تيمية، شيخ التكفيريين والدواعش قسم التوحيد إلى: ألوهية، وربوبية، زاعمًا أن ذلك ورد في كتاب الله تعال، إذ قال الله سبحانه في سورة الناس:
(رب الناس، ...، إله الناس)

فأين توحيد (الملوكية) يا بن تيمية؟ ألم يقل الله تعالى في سورة الناس: (ملك الناس)؟

وأين التوحيدات الأخرى؟ الملوكية، والقدوسية، والسلامية، والمؤمنية، والمهيمنية، والعزيزية، والجبارية، والمتكبرية؟؟؟!!!
ألم يقل الله تعالى في سورة الحشر: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)  [ الحشر: 23]؟؟!


ابن تيمية جاء بهذه البدعة الضلالة التي لم يسبقه عليها أحد من العالمين، حتى يتمكن من تصفية حساباته مع خصومه، وليجد ذريعة لاستحلال دماء المسلمين المعصومة بكلمة التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فيرميهم بالشرك ويجد بعد ذلك مسوغًا لقتلهم. والمشكلة أن العوام من المسلمين تنطلي عليهم هذه الحيل الواهية. وهذه المسألة تعد من المسائل التي يظهر فيها خطر البدعة الضلالة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).

1/ التوحيد في دين الله تعالى واحد لا يتجزأ ولا ينقسم، والشرك بالمقابل واحد لا يتجزأ ينقسم، فالله هو الله، الواحد الأحد، إما أن تؤمن به أو أن تشرك به: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف: 29]. لذلك لن تجد آية تقول لا تشرك بالألوهية أو لا تشرك بالربوبية، وإنما لا تشرك بالله ولا تشرك بالرب:

(إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) [النساء: 116]
(وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) [النساء: 116]
(يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان: 13]
(لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا) [الكهف: 38]
(وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا) [الكهف: 42]

وكلمة التوحيد هي: (لا إله إلا الله)، التي بعث الله بها كل رسله عليهم السلام، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له)

وهي تقتضي الإيمان بالله إيمانًا كاملًا، لذلك كانت هي الشهادة التي يقبل بها دخول الإسلام.

هل سمعت أحدًا دخل الإسلام بقول: لا رب إلا الله؟ أو لا ملك إلا الله؟
لا
بل يدخل بشهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله. عن جبريل عليه السلام قال : (يا محمد، أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً". قال: صدقت)
متفق عليه

وفي القبر تسأل: من ربك؟

لماذا؟

لأن الله هو الإله وهو الرب سبحانه، لا انفصال بين ربوبيته وألوهيته وسائر صفاته.


2/ القرءان الكريم كله يقرر أن الله هو الإله وهو الرب في آن واحد، فلا ربوبية بدون ألوهية، ولا ألوهية بدون ربوبية، لا تقسيم ولا تجزئة، قال تعالى:

{ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الأنعام: 102]

{اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}  [الأنعام: 106]

{فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 129]

{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}  [المؤمنون: 116]

{وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَٰنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}  [الرعد: 30]

{ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ}  [الزمر: 6]

{رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا}  [المزمل: 9]


3/ لو كان التوحيد يتجزأ والشرك يتجزأ فإن ذلك يقتضي أن الله بعدله يثيب الموحد على توحيده ويعذبه على شركه، وهذا محال، إما إيمان أو كفر، توحيد أو شرك، قال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الزمر: 65]
(إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) [النساء: 48]

فدل على أن التوحيد واحد لا ينفسم ولا يتجزأ.


4/ المشركون منهم أهل كتاب يعرفون الله تعالى، والبعث والنشور والجنة، والنار، ويعرفون أنه هو الخالق والرازق سبحانه. ومنهم من لا يؤمن بالله، ولا بالبعث ولا النشور ولا الجنة ولا النار ولا الرازق ولا الخالق، لذلك الذين (لئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله)، والذين شهدوا على أنفسهم بالشرك وقالوا: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) هم مشركوا أهل الكتاب الذين أشركوا بالله عيسى ابن مريم وعزيرًا. لذلك قال فيهم سبحانه:
(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [التوبة: 31]
أربابًا من دون الله.. وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدًا.. لا إله إلا هو.. سبحانه عما يشركون.

أما أهل مكة فقد كذبوا بكل هذا الدين والقرءان العظيم: (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) [الأنعام: 66]
واستحقوا وصف المشركين والكافرين.


فكلمة التوحيد: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) عاصمة للدم ولكل حقوق المسلم الأخرى:

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله. فاذا قالوها فقد عصموا دمائهم و اموالهم) رواه البخاري

عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحُرَقَةِ من جُهَيْنَةَ، قال: فصبَّحنا القوم فهزمناهم، قال: ولحقتُ أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، قال: فلما غشيناه قال: "لا إله إلا الله"، قال: فكفَّ عنه الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فقال لي: "يا أسامة، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟" قال: قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوذاً، قال: "أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟" قال: فما زال يكررها علي، حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم).
رواه البخاري ومسلم
وفي رواية الأعمش: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) رواه مسلم

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا واكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله) رواه البخاري

الأحد، 9 أغسطس 2015

المساواة بين الرجل والمرأة في لعب الأدوار

إذا قيل لك إننا اكتشفنا أن هناك رجال لهم براعة كبيرة في الطبخ وتطريز الثياب! فهل سيكون هذا كافياً لأن ندعو المجتمع إلى إعطاء الرجال مساحة أكبر في الطبخ والتطريز!؟ (حا ينط واحد يقول ليك: الرجال ديل نحن عايزنهم في محل حوبتهم، في القوات المسلحة، في البناء والتعمير، في إدارة شئون العباد البلاد، حيث يتطلب الأمر القوة والصلابة والصبر والتضحية وحسن التدبير وتحمل المسئولية، لأن هذا هو الذي يليق بتكوينهم وقدراتهم التي فطرهم الله عز وجل عليها. وذلك لا يعني بالضرورة أنهم لا يجيدون أموراً أخرى تجيدها النساء، والعكس صحيح أيضاً، لكن ليس من حاجة إلى ترك الأولى. عندما نفسح للمرأة أن تزاحم الرجل في دوره الأصيل تكويناً وتترك دورها الأصيل تكويناً فإننا نظلم أنفسنا ظلماً يوشك أن يهلكنا. وعندما أنظر اليوم إلى التحديات الاجتماعية الجسيمة التي يعانيها الشباب من فراغ، وشح تربية، وغياب موجه ومتابع، وخواء ذهن شاباتٍ في أيامنا هذه من الحشمة والعفة في السر والعلن وغير ذلك من العلل، أدرك أهمية قيام المرأة بدورها الأصيل، وأنها عندما تغيب وتتقاعس عن دورها فإن كل المجتمع يهتز ويتصدع في زمن وجيز.
لا أظن أن تطور الحياة هو أن يصبح الرجل مربياً في البيت والمرأة متكسبة في الخارج، بل إن تطور حياتنا أن يطور كل جنس منهما ما يعزز دوره ويجوده. وقد يبدو كلامي هذا غريباً للبعض، ممن يخلطون في شأن الذكر والأنثى بين المساواة والعدالة. ليست هناك مساواة دائمة في الأساس بين الذكر والذكر ناهيك عن بين الذكر والأنثى كما يقول أبونا الشيخ رضي الله عنه، فالتفضيل في الدنيا والآخرة موجود، لكن الذي يجب أن يكون دائماً في حياة الناس ذكوراً وإناثاً لا يغيب عن حياتهم هو العدل. والعدل أن يقوم الكل بالدور المنوط منه واللائق مع تكوينه وقدراته.
والكلام ربما بدا غريباً على البعض لأن مجتمعاتنا الآن تعيش واقعاً خطأً، إنها الآن تعيش على هيئة مخالفة لما يريد لها مولاها عز وجل فيما فهمت أنا، ولذلك فإن النظر إلى هذه المجتمعات بمعزل عن الإنتباه إلى هذا الواقع الخطأ يوصل إلى فهم خطأ. إن التصور الملائم والحكيم والذي أنتج حضارة الإسلام في الصدر الأول أن الرجل يتكسب ويحمي المكتسبات والمرأة تدير البيت وتربي الأولاد، وإلى عهد قريب فإننا كنا نعيب على الرجل العاطل في بيته مع النساء ولا يعمل، ونعيب على المرأة الحوامة التي لا تقر في بيتها. لكن الآن الواقع صار عكس ذلك، الشباب عطالى في الحلة، والفتيات في كل مكان إلا البيت، إلا ما رحم ربي. كلنا نعرف إن الإسلام ندب للمرأة أن تصلي في بيتها إلا في الضرورة -كأجل أن ترفع جهلها بالتعلم أو أن تستيقظ من غفلة ونحو ذلك-  وندب للرجل أن يسعى في رزقه: من بات كالاً من عمل يده بات مغفوراً له أو كما قال صلى الله عليه وسلم، هذا هو التصور الطبيعي الذي ينبغي أن يكون عليه المجتمع المسلم، وهو الذي يجب أن نسعى إلى أن نستعيده مرة أخرى بعد أن غسلت الأدمغة بالثقافات الغربية الفاشلة في أمر الأسرة أساساً.
في هذا الواقع الذي نعيش اليوم، تفريط في دور المرأة تحت مسميات وهمية وخداعة، تفريط يضيع النشء ذكوراً وإناثا، تفريط في حقوق الزوج والوالدين والأقربين، تفريط يضعف صلابة المجتمع،  ويفتح أبواب الفواحش بالاختلاط غير المنضبط بضوابط الشرع، ولم أعد أعني بالاختلاط اختلاط الظاهر، بل اختلاط وسائل الاتصال الحديثة وخلواتها، ومن اقترب من الفحشاء أوشك أن يقع فيها إلا من سلم الله عز وجل.
وإني لأدعو الجميع إلى التفكر في أمر كثرة النساء في الطرقات وفي كل مكان وفراغ البيوت منهن، وفي ما شغل به الشباب نفسه في شبكات التواصل الاجتماعي، إلى الصور التي يتبادلونها ويضعونها في بروفايلاتهم، إلى ما يكتبون، إلى الهواتف النقالة وما يقال فيها، وغير ذلك من أشكال التحديات الاجتماعية.
نسأل المولى عز وجل السلامة، ويردنا إلى الحق رداً جميلاً، سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

معاني كلمات وصف الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

الرَبْعَة: بفتح الراء هو وسيط القامة، معتدلها، بين الطويل والقصير.
الأزهَر: هو الأبيض المستنير الصافي النيِّر المشرق.
الأمهق: شديد البياض، ليس فيه حمرة كلون الجِص، وهو غير محمود عند ذوي الذوق السليم.
الأدهم: الأسود.
الآدم: الأسمر.
الحَدَقَة: السَّواد المستَدير وسط العْين.
الدَّعَجُ: شدة سواد الحدقة مع سعة العين.
العين النجلاء: الواسعة مع حسن.
أشْكَلَ: التبس واختلط، وأشكلُ العين أو من كانت بعينه شُكْلَةٌ أي بها حمرة في بياضها. وحمرة العين هي عروق حمر رقاق تكون في بياض العين، وهي محمودة عند الرجال.
العِرْنِينُ: ما صَلُبَ من عَظْم الأنف. وقيل أَوَّلُ الأَنْفِ مِنْ فَوْقُ.
أَشَمُّ: طويل قصبة الأنف.
الأقنى: السائل الأنف أي -الطويل-المرتفع وسطه.
الأَرْنَبة: طرَف الأنف وما لان منه.
أشْنَب: أبيض الأسنان رقيقها.
ثَنَايا: مفردها ثنية، وهي الأسنان الأربع التي في مقدم الفم، ثنتين من فوق وثنتين من تحت.
الرَّبَاعِيَةُ: بفتح الراء المشددة هي السّنّ بين الثنِية والناب، وهن أَربع: ربَاعِتان في الفكّ الأعلى ورَبَاعِيتان في الفك الأسفل.
مُفَلَّجُ، أفلج: متفرق الأسنان.
الصُّدْغُ: هو جانب الوجه من العين إِلى الأذن.
النَّاصِيَةِ: هي مَنْبَتُ شَعْرِ الرَّأْسِ.
الجَبْهَةُ: هي مَا بَيْنَ الحَاجِبَيْنِ إِلَى النَّاصِيَةِ.
الجَبِينُ: ما فوق الصُّدْغ عن يمين الجَبْهَة أَو شِمالها، وقيل جَبِينُ الرَّجُلِ هُوَ مَا بَيْنَ مَنْبَتِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَالحَاجِبَيْنِ. الجبين ليس هو الجبهة.
الأبلج: الواضح الظاهر.
أبلج الوجه: المضئ المشرق النقي ما بين الحاجبين من الشعر.
الهَدْبُ: هو شعر أشفار العينين (أي الرموش)
أهدب العينين: مَنْ كَثُرَ شعر أشْفَارُ عَيْنَيْهِ وَطَالَ هَدْبُهَا، (كثير الرموش).
رجل أَكْحَل بيِّن الكَحَل وكَحِيل وقد كَحِل: الكَحَل في العين أَن تسودّ مواضع الكُحْل.
الجَعْدُ من الشَّعر: الملتف على بعضه، المُعَقَّد، الملتوي، عكسه المسترسل.
السَّبْطُ من الشعر: المُسْتَرْسِلُ غير الجَعْدِ.
الشَعْرٌ الرَجْلٌ: يَجْمَعُ مَا بَيْنَ الاسْتِرْسالِ وَالجُعودَةِ، أي ليس مسترسلاً كشعر الروم ولا جعداً كشعر السودان. ورَجَّلَ الشَّعْرَ  أي سَرَّحَهُ ومشطه وزَيَّنَهُ.
شَعْرٌ قَطَطٌ: شديد الجعودة.
سَبْطُ الْقَصَبِ: القصب يريد بها الساعدين والساقين، أي الممتدة التي ليس فيها تعقد ولا نتوء.
كَثُّ اللحية: كثيفها في غير طول.
العَنْفَقَة: شُعَيْرَاتٌ بَيْنَ الشَّفَةِ السُّفْلَى وَالذَّقَنِ.
جِيدُ دُمية: الجيد هو العُنُق، والدُّمية: صُورَةُ بِنْتٍ صَغيرَةٍ مَصْنوعَةٍ منَ الثَّوْبِ أَوِ الْمَطَّاطِ وَنَحْوِهِمَا، وهي الصورة التي بولغ في تحسينها. "إِنَّها لَدُمْيَةٌ": تُقالُ إِعْجاباً بِجَمالِ امْرَأَةٍ.
بَادِنٌ: ذُو لَحْمٍ مُتَمَاسِكٍ مُعْتَدِلُ الْخَلْقِ يُمْسِكُ بَعْضُهُ بَعْضًا.
المِنْكَب: مجتمع رأس الكتف والعضد أو الساعد. والكتف هو عَظْم عريض خلف المنكب يربط الذِّراع بالجذع.
الزَّنْدُ بالفتح: عَظْمَا الذِّرَاعَيْنِ. مَوْصِلُ طَرَف الذِّراعِ في الكَفِّ وهما زَنْدَان: الكُوعُ والكُرْسوعُ فطَرف الزَّنْدِ الذي يَلِي الإِبهامَ هو الكُوعُ وطَرفُ الزَّنْدِ الذي يَلِي الإِبهامَ هو الكُوعُ وطَرفُ الزَّنْدِ الذي يلي الخِنْصَرَ كُرسوعٌ . والرُّسْغُ: مُجتَمع الزَّنْدَيْنِ ومن عنْدهما تُقطَع يدُ السارق.
الكَراديِس: هي رُؤوس العِظام، واحدُها: كُرْدُوس. وقيل: هي مُلْتَقَى كل عَظْمِين ضَخْمَين، كالركْبَتَين، والمِرْفَقين، والمَنْكِبَين، أراد أنه ضَخْم الأعضاء.
رجل شَبْحُ الذراعين و مَشْبُوحُهما: عريضهما وفي صفة النبي- صلى الله عليه وسلم: (أَنه كان مَشْبُوحَ الذراعين) أَي: طويلَهما، وقيل: عريضهما، وفي رواية: (كان شَبْح الذراعين).
شَثْن الكَفَّين والقَدَمَين: لَحِيمُهُمَا.
سَائِلُ الْأَطْرَافِ: أَيْ طَوِيلُ الْأَصَابِعِ.
رَحْبُ الرَّاحَةِ: أَيْ وَاسِعُهَا وَقِيلَ كَنَّى بِهِ عَنْ سِعَةِ الْعَطَاءِ وَالْجُودِ.
المَسْرُبة: الشَّعر المستدِقّ -الدقيق- الذي يأخُذ من الصَّدر إلى السُّرة.
الكشح: الخصر، ما بين الخاصرة والسرة ووسط الظهر من الجسم.
خَمْصَانُ الْأَخْمَصَيْنِ: أَيْ مُتَجَافِي أَخْمَصَ الْقَدَمِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي لَا تَنَالُهُ الْأَرْضُ مِنْ وَسَطِ الْقَدَمِ.
مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ: أَيْ أَمْلَسُهُمَا وَلِهَذَا قَالَ: يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ
إذا مَشَى تَكَفى تَكَفِّياً: أي تمايل إلى قُدّام، هكذا رُوي غيرَ مهموز، والأصل الهمز، وبعضهم يرويه مهموزاً، لأن مَصْدر تَفَعَّل من الصحيح تَفَعُّلٌ، كَتَقَدّم تَقَدُّماً وتَكَفَّأ تَكَفُّأ.
منهوس العقب: المنهوس هو قليل اللحم من الناس، ومنهوس العقب أي قليل لحم العقب، والعقب هو عظم مؤخر القدم.
صهل: حِدّة الصوت مع بحح.
البُرْدة: كساءٌ مُخَطَّطٌ يُلْتَحَفُ به، وقيل كساء يُلْتَحف به كالعباءة.
السِّبْت بالكَسْر: جُلود البقر المَدْبوغة بالقَرَظِ يُتَّخذ منها النِّعال، سُمِّيت بذلك؛ لأن شَعَرها قد سُبتَ عنها: أي حُلِقَ وأُزِيل.
الوَرْسُ: نَبْتٌ أصْفَرُ يُصْبَغ به.

كرامة المشي على الماء

مشى على الماء من الصحابة سعد بن أبي وقاص في معركة القادسية هو ومن معه، روى الطبري في التاريخ وابن كثير في البداية والنهاية أنه عندما رحل الفرس إلى المدائن واعتصموا بالبحر خطب الجيش سيدنا سعد رضي الله عنه فقال: (إن عدوكم قد اعتصم منكم بهذا البحر، فلا تخلصون إليه معه، وهم يخلصون إليكم إذا شاءوا، فيناوشونكم في سفنهم، وليس وراءكم شيء تخافون أن تؤتوا منه، فقد كفاكموهم أهل الأيام، وعطلوا ثغورهم، وأفنوا ذادتهم، وقد رأيت من الرأي أن تبادروا جهاد العدو بنياتكم قبل أن تحصركم الدنيا ألا إني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم فقالوا جميعا: عزم اللَّه لنا ولك على الرشد، فافعل. إلى أن قال: فجعلهم نصفين على خيول إناث وذكور، ليكون أساسا لعوم الخيل ثم اقتحموا دجلة، واقتحم بقية الستمائة على أثرهم، فكان أول من فصل من الستين أصم التيم، والكلج، وأبو مفزر، وشرحبيل، وجحل العجلي، ومالك بْن كعب الهمداني، وغلام من بني الحارث بْن كعب).

وكذلك العلاء بن الحضرمي حين بعث إلى البحرين، عن أبي السليل ضريب بن نفير قال: (كنت مرافقا للعلاء بن الحضرمي حين بعث إلى البحرين فسلكنا مفازة فعطشنا عطشا شديدا حتى خشينا على أنفسنا الهلاك وما ندري ما مسافة الأرض، فذكر ذلك له فنزل فصلى ركعتين ثم قال: يا حليم يا عليم يا علي يا عظيم اسقنا، قال: فإذا نحن بسحابة كأنها جناح طائر قد أظلتنا حتى أتينا على خليج من البحر ما خيض قبل ذلك اليوم ولا خيض بعده، فالتمسنا سفنا فلم نجد، فذكرنا ذلك له فصلى ركعتين ثم قال: يا حليم يا عليم يا عظيم أجرنا، ثم أخذ بعنان فرسه ثم قال: جوزوا باسم الله، قال أبو هريرة: فمشينا على الماء فوالله ما ابتلت قدم ولا خف بعير ولا حافر دابة، وكان الجيش أربعة آلاف، فلما جزنا قال: هل تفقدون شيئا؟ قالوا: لا، قال: فأتينا البحرين فافتتحها وأقام بها سنة ثم مات رحمة الله عليه قال أبو هريرة: فكنت فيمن مرَّضه وغسله وكفَّنه وصلَّى عليه ودفنه، فلما دفناه تلاومنا في دفنه، وقالوا: ينبشه كلب أو سبع، فكشفنا عنه التراب فلم نجده في قبره). كرامات الأولياء للالكائي.

وأما من التابعين فأبو مسلم الخولاني انه غزا أرض الروم فمروا بنهر فكان يدعو ويقول: اللهم أجزت بني إسرائيل البحر، وإنا عبادك في سبيلك فأجزنا هذا النهر، ثم قال: أجيزوا بسم الله، قال: ويمر بين أيديهم، قال: فيمرون بالنهر الْغَمْرِ فربما لم يبلغ من الدواب إلا الى الرُّكَبِ أو بعض ذلك أو قريب من ذلك، فاذا جازوا قال: للناس هل ذهب لكم شيء؟ من ذهب له شيء فأنا له ضامن، قال فألقى بعضهم مخلاة عمداً، فلما جازوا قال الرجل: مخلاتي وقعت في النهر! قال له: اتبعني، فاذا المخلاة تعلقت ببعض أعواد النهر. أبو نعيم في الحلية

وعن ابن المبارك قال: قال مسلم بن يسار لأصحابه يوم التروية: هل لكم في الحج؟ فقالوا: نغرق، قال: جاء مسلم إلى دجلة وهي تقذف بالزبد، قال: فمشى على الماء ثم التفت إلى أصحابه، فقال: هل تفقدون شيئا؟ كرامات الأولياء للالكائي.

رحلتي إلى حب رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لقد تغيرات حياتي كثيراً عندما دنوت من ذلك النور.. واستغرقت في جماله.. ودهشت من عظمته.. وتطلعت إلى مزيد الوصل من حضرته. وكان ذلك بفضل شيخي العارف بالله تعالى الشيخ عبد الرحيم الركيني..

صل اللهم وسلم وبارك على النبي المصطفى.. وقد تجاهل عليه الأدعياء.. وألصق به الأذى الأدعياء.. أدعياء من هنا، منا نحن المسلمين.. وأدعياء من هناك، منهم..

فنسأل الله تبارك وتعالى أن تعود الأمة إلى واحة حب نبيها صلى الله عليه وسلم الذي كان ولم يزل: (أولى بالمؤمنين من أنفسهم) والذي حبه يجب أن يكون شغفاً، جنوناً، أكثر من حب كل شيء: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) وفي رواية من نفسه التي بين جنبيه.
الحب أصل والإتباع فرع، ومتى ما صدق الحب وتجذر سهل الاتباع وصلحت النية، فعن أنس رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال وما أعددت للساعة؟ قال حب الله ورسوله، قال فإنك مع من أحببت، قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم فإنك مع من أحببت. قال أنس فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم. رواه البخاري ومسلم.

وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحب قوماً ولما يلحق بهم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب. رواه البخاري ومسلم.

اللهم ارزقنا رؤيته ووصله وزدنا فيه حباً يا أكرم الأكرمين.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

حضور النبي ﷺ في حياة المسلم اليومية حتمي وتهميشه خلل كبير

كيف يُطلَب منا أن نحب النبي ﷺ أكثر من أنفسنا ثم يكون مُغيَّباً في حياتنا؟! لا يستقيم ذلك، فالله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، قال رسول الله ﷺ: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه) [رواه البخاري وأحمد واللفظ له]، وفي الصحيحين من حديث أنس قال رسول الله ﷺ: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين). وروى البخاري في صحيحه عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قال للنبي ﷺ: (لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي، قال له: والذي نفسي بيده حتى أكونَ أحبَّ إليك من نفسك، فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر).
لأجل ذلك كان حضوره ﷺ في ديننا وحياتنا واضحاً كالشمس، بدءً من الشهادتين فكان هو ﷺ الركن الثاني من الركن الأول للإسلام. ثم يستمر الحضور بذكره في الأذان خمس مرات في اليوم والليلة، ثم في الدعاء بعد الأذان بالوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة نتسول بها شفاعته ﷺ، ثم بذكره في الإقامة للصلوات الخمس، وفي دخول المسجد والخروج منه، فقد كان رسول الله ﷺ إذا دخل المسجد أو خرج منه يقول: (بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي) [رواه ابن ماجة وابن السني]، ثم في مستهل الدعاء وختامه، فقد قال رسول الله ﷺ: (إذا صلى أحدكم -أي إذا دعا- فليبدأ بتحميد ربه جل وعز والثناء عليه ثم يصلي على النبي ﷺ ثم يدعو بعدُ بما شاء) [رواه أبو داود وأحمد وابن حبان]، وعن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه قال: (كل دعاء محجوب حتى يصلي على محمد ﷺ وآل محمد ﷺ) [رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات].
ثم حضوره الدائم في حياتنا بالترغيب في رؤياه مناماً ويقظة فقد قال ﷺ: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) [رواه البخاري ومسلم] وقال ﷺ: (لا تمس النار مسلماً رآني، ولا من رأى من رآني) [رواه الترمذي وحسنه ووافقه المِزِّي].
وحضوره في صيام يوم الاثنين اليوم الذي ولد فيه فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي سئل عن صيام يوم الأثنين فقال: (فيه وُلدتُّ وفيه أُنزِل عليَّ) [رواه مسلم]. ثم حضوره بأمر الله تعالى المؤمنين بالصلاة عليه، قال تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا) [الأحزاب: 56] وحضوره بالترغيب في كثرة الصلاة عليه لقوله ﷺ: (من صلى علي صلاةً صلى الله بها عليه عشرًا) [رواه مسلم]، وعن سيدنا أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قلت: (يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: "ما شئت"، قال: الربع؟ قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير"، قال: النصف؟ قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير"، قال: الثلثين؟ قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير"، قال: أجعل لك صلاتي كلها، قال: "إذا تُكفى هَمُّك، ويُغفَر ذنبُك") [صحيح رواه الترمذي والحاكم وغيرهما]. وحضوره ﷺ بندب كثرة الصلاة عليه يوم الجمعة فقد قال: (أكثروا علي الصلاة في يوم الجمعة، فإنه ليس أحد يصلي علي يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته) [رواه الحاكم وصححه].
وحضوره ﷺ بندب زيارته، قال النووي في الأذكار: (اعلم أن زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهم القربات وأنجح المساعي)، وبالصلاة في روضته الشريفة وشد الرحال إلى مسجده حيث الصلاة فيه تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد، وغير ذلك من أشكال الحضور المحمدي الدائم في حياة المؤمنين، حضور من هو (أولى بالمؤمنين من أنفسهم)، الذي هو فرطنا -أي سابقنا ومنتظرنا- على الحوض، المنقذ من أهوال القيامة عندما يتخلى عنا الجميع حتى الأنبياء والرسل وأولي العزم من الرسل، عندما يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، القائل أمتي أمتي يوم (وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسًا)، الشافع المشفع ﷺ مخرج العصاة من النار.
لذلك فإن علينا أن نفهم أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم أصل والاتباع فرع، لأن المحبة إيمان والاتباع عبادة، والإيمان أصل والعبادة فرع، وعن أنس رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال وما أعددت للساعة؟ قال: حب الله ورسوله، قال فإنك مع من أحببت، قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم فإنك مع من أحببت. قال أنس فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم). [رواه البخاري ومسلم].
وحتى لا تضللنا الادعاءات فعلينا أن نعلم أن من أمارات صدق المحبة وحصولها الشوق إلى رؤيته لقوله ﷺ: (إن من أشد أمتي حباً لي ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رأني بأهله وماله) [رواه مسلم]
فمن يجد في قلبه بدل شديد الحب جفوة لرسول الله ﷺ، وبدل الشوق فتور إلى رؤيته، وبدل الإكثار الاقتصاد في الصلاة عليه، من يجد ذلك فليعلم أنه على منهج باطل ودين مبتدع، وزيغ وضلال، وأنه على خلاف مراد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وخلاف ما كان عليه آل البيت الطاهرين والصحابة الصادقين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين رضوان الله عليهم أجمعين. والأولى إن علم ذلك أن يراجع دينه وأن يؤوب إلى رشده فقد قال رسول الله ﷺ: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) [رواه البخاري ومسلم] وأن الاتباع ما نفع المنافقين ووقلوبهم خاوية من حب رسول الله ﷺ، بل إن المحبة هي الباب إلى حسن الاتباع والصدق والإخلاص والإتقان وتحمل الأذى في سبيل الله تعالى.

علم الغيب وعلم الشهادة

من المسائل التي يكثر الغلط فيها مسألة علم الغيب. والعلم ينقسم إلى قسمين أساسيين:
(1)علم الغيب: هو علم ما غاب واستتر. (2) وعلم الشهادة هو علم ما حضر وظهر.
والمولى عز وجل هو العليم الحكيم، لا عالم على الحقيقة سواه، هو عالم الغيب والشهادة، فلا أحد يعلم علمًا في غيب أو شهادة إلا بمشيئته سبحانه وتعالى، لقوله تعالى: (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء).
نبدأ بعلم الشهادة:
هو العلم الظاهر العادي المعروف لدينا. فكل شيء علمناه من هذه العلوم الظاهره مرده إلى الله تبارك وتعالى القائل في كتابه العزيز: (عَلَّمَ الإنسان ما لم يعلم). فهناك علوم أودعها الله في الإنسان يخرج إلى الدنيا وهي علوم الفطرة، كعرفة الرضيع أمه وثديها وطريقة الرضاعة، والخوف من بعض المخاطر، فإذا خوفت الرضيع خاف وبكى.
وهناك علوم يتعلمها بالاستنتاج والاستنباط، فإذا كذب عليك شخص مرتين استنتجت أنه كذاب، وإذا انقطع التيار الكهربائي ثلاث مرات في الأسبوع في يوم محدد عرفت أن هناك برمجة للقطوعات، إذا جمعت واحد إلى اثنين استنتجت كيف يكون الجمع وهكذا. فالله تعالى أوجد في الدماغ البشري القدرة على التحليل والاستنتاج والاستنباط ومقايسة الأمور، وهذا في كل مرة يؤدي إلى استخراج علوم جديدة ومعارف جديدة. الفرق بين العلم والمعرفة هو أن المعرفة أكثر يقينًا من العلم، فإذا قلنا إن فلانًا يعلم الشيء الكذا فإنه يدري به أما إذا قلنا أنه يعرفه أي هو عالم به مجرب له ومتقن.

ثم نأتي لعلم الغيب:
هو العلم المستتر، واستتار الأشياء لا يعني أنها عدم غير موجودة، فكوننا لا نرى موجات الراديو والتلفزيون لا يعني أنها غير موجودة، وكوننا لا نبصر الذرة ومكوناتها الدقيقة فإن ذلك لا يعني عدمها. وكذلك كونك تجهل أمورًا كثيرة فهذا لا يعني عدم وجودها، كعالم الملائكة والجن مثلًا، لذلك أقسم الله تبارك وتعالى بكليهما فقال: (فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون).
علم الغيب هو الأصل وعلم الشهادة هو الفرع، لأن أصل العلم كله عند الله تبارك وتعالى غائب علينا إلا ما أظهره الله تعالى لنا،  لذلك تجد في القرءان أن الغيب دائمًا مقدم على الشهادة.
والغيب غيبان: غيب مطلق وهذا لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى حيث قال: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله)، أي لا يعلم الغيب حقيقة إلا الله تبارك وتعالى. وغيب مقيد وهو ما أطلع الله تبارك وتعالى عليه بعض خلقه، فهو صار شهادة للبعض وإن كان غيبًا لبعض الخق. فمثلًا عندما يأمر الحق سبحانه ملك الموت بقبض روح فلان، فإن العلم بأن أجل فلان قد حل صار من علم الشهادة لملك الموت، ولكنه علم غيب لمن سيموت، إلا أن يطلعه الله على ذلك رؤيا أو إلهام أو نحوهما.
هناك مخلوقات كثيرة علمها المولى عز وجل من علم غيبه المكنون، وبذلك يكون ما تعلمه قد خرج من الغيب المطلق إلى الغيب المقيد، وأولهم النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخبرنا عن كل شيء إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ومنهم اللوح والقلم إذ قال له الله تبارك وتعالى إجر بما هو كائن إلى يوم القيامة، ومنهم ملك الموت وجنوده، وملك الرزق ميكائيل عليه السلام، وملك الأرحام الذي يكتب الأجل والرزق وشقي أم سعيد وغير ذلك من الملائكة. ومنهم الأنبياء والرسل، حيث أن النبوة أصلها من الإنباء والإخبار عن الله تبارك وتعالى، فكل نبي منبأ ومخبر عن الله عز وجل من الغيوب ما ليس عند قومه. ومنهم الأولياء والصالحون الذين خصهم الله تبارك وتعالى بعلوم غيب لم يخص بها غيرهم فمنهم من يرى ما في اللوح المحفوظ ومنهم ما يرى في المنام ومنهم ما يلهم إلهامًا وغير ذلك من طرق الكشف.
ثم نأتي لبيان ذلك، فأما علوم غيب الملائكة فمعلومة كما ذكرنا في مثال ملك الأرحام. وأما علوم الأنبياء والرسل فمعلومة بداهة من أصل معنى كلمة (نبي)، ومن كون أن رؤيا منام الأنبياء حق، ومن الوحي عن طريق جبريل عليه السلام أو الملائكة بشكل عام، ولقوله تبارك وتعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول)، وقوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك) وقوله تعالى: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك) ومن خلال كل الأحاديث التي دلت على أن المولى عز وجل أودع النبي صلى الله عليه وسلم من الغيب ما لم يودعه أحدًا غيره، فقال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم: (بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى) فلا يمكن أن يقدِّر الزمن بينهما ما لم يكن الله تعالى قد أطلعه عليها. وكذلك روى البخاري في صحيحه عن سيدنا عمر رضي الله عنه قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرنا عن بدء الخلق إلى أن دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه) هل ترك شيئًا؟
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكشف من الغيب الذي أطلعه الله عليه حسب الحاجة، ولذلك عندما كان في فراش الموت وبعد أن ألمح إلى الصحابة بدنو أجله، أسر للسيدة فاطمة عليها السلام بأنه منتقل إلى الرفيق الأعلى فبكت، فأدناها وأسر إليها بأنها أول اللاحقين به فضحكت عليها السلام. وغير ذلك كثير لا يحصى ولا يعد.
أما علوم غيب الأولياء والصالحين فثابتة بالإلهام كما في قوله تعالى: (إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى) وقوله تعالى: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفتِ عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين)، فمريم عليها السلام وأم موسى رضي الله عنه نساء صالحات لسن نبيات ولا مرسلات، ولكن الوحي هنا بمعنى الإلهام، وهو أن يلقي الله في قلوب أهل التقوى والصلاح ما شاء من العلوم. وكذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (لقد كان فيما قبلكم من الأمم مُحَدَّثُون، فإن يكُ في أمتي أحدٌ فإنه عمر)، لذلك فإن سيدنا عمر رضي الله عنه عندما كان جيش المسلمين على مسيرة شهر في الشام، علم بوضعهم العسكري وهذا غيب لا محالة، وأرشدهم إلى كيفية التعامل مع العدو حتى انتصروا، فقد بعث رضي الله عنه سرية فاستعمل عليهم رجلاً يدعى سارية، قال: فبينا عمر يخطب الناس يومًا قال: فجعل يصيح وهو على المنبر: (يا سارية الجبل، يا سارية الجبل)، قال فقَدِمَ رسول الجيش، فسأله فقال: (يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهَزَمَنا، فإذا بصائح يصيح: "يا سارية الجبل"، فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله). أخرجه الإمام أحمد.
وأيضًا فإن رؤيا الرجل الصالح هي بضع من ست وأربعين جزءًا من النبوة كما جاء في الحديث، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة).
وأيضًا بالكشف لمن سلك وترقى في مسالك الإيمان التقوى والصلاح وجهاد النفس، فقد أخرج بن حجر في المطالب العالية عن الحارث بن مالك الأنصاري رضي الله عنه إنه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: (يا حارث كيف أصبحت؟ ) قال: (أصبحت مؤمنا حقًا). قال صلى الله عليه وسلم: (انظر ما تقول، إن لكل شيء حقيقة، فما حقيقتك؟) قال: (ألستُ قد عزفت الدنيا عن نفسي، وأظمأتُ نهاري، وأسهرتُ ليلي، كأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغَون فيها -يعني يصيحون- قال صلى الله عليه وسلم: (يا حارث، عرفت فالزم) ثلاث مرات.
بل وإن الحشرات تلهم من الله تعالى كما أوحى الله تبارك وتعالى إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتًا ومن الشجر ومما يعرشون.
وهذا ما كان من تفصيل علم الغيب والشهادة، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وجزى الله عني أستاذي وشيخي وإمامي أبونا الشيخ عبد الرحيم الركيني على ما علمني خير الجزاء.

هل نعبد أحجارًا؟

إن توجه المسلمين إلى الكعبة الشريفة في مكة بالطبع ليس لأن المسلمين يعبدون الأحجار، وبالطبع ليس لأن الله تبارك وتعالى موجود في الكعبة، ولكن لإن الإنسان لا يستغني عن الجهة. فالإنسان بخلقته لا يستغني عن الهواء، ولا الطعام ولا الشراب ولا غيرها من الحاجات التي خلق لا يستغني عليها، كذلك فإنه لا يستغني عن الجهة لأنه خلق في حيز المكان. لذلك فإن الله تبارك وتعالى جعل الكعبة قبلة للصلاة فقال: (فول وجهك شطر المسجد الحرام) مع أنه قال: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم).

إن الله تبارك وتعالى هو الغني الحميد، لكنه مع ذلك خلق السموات والأرض والجنة والنار والسدرة واللوح والقلم والكرسي، والعرش لحاجة خلقه من الملائكة والإنس والجن وسائر الدواب والأشياء لا لحاجته هو، فهم يحتاجون ذلك. وخلق العرش ليكون قبلة للأعمال والدعاء ومكانًا للملأ الأعلى، وكان على العرش تجليه على النبي صلى الله عليه وسلم في الإسراء والمعراج.
إن التجلي لا يعني الحلول، فعندما ترى صورة شخص على التلفاز فإنك لو فتحت التلفاز من الداخل لن تجده، وعندما ترى صورتك مثلًا على المرآة فإنك لم تحلَّ فيها ولو حللنا مكونات مادة المرآة لن نجد ذاتك فيها. لذلك فإن التجلي يعني الظهور لا الحلول، والله تبارك وتعالى يظهر حيث يشاء، من غير أن يحلَّ فيه. لذلك عندما طلب سيدنا موسى عليه السلام الرؤية قال له الحق: (لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) وما أن تجلى وظهر الحق سبحانه للجبل حتى تدكدك: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا وخر موسى صعقًا)

لذلك فإننا عندما نتوجه إلى أعلى، وبفطرتنا إلى السماء، وعندما نطالع نصوص الكتاب والسنة التي تشير إلى السماء وإلى العلو فليس لأنه الله تبارك وتعالى موجود بذاته في السماء، ولكن لكن السماء هي قبلتنا التي نتوجه بها إلى الله تبارك وتعالى ونسأله، ومنها تأينا رحمته، ومنها كان ينزل جبريل عليه السلام بالوحي، ومنها تنزل الملائكة وتعرج. إن أمر الله ورحمته وبأسه وشؤونه تأنينا من السماء. السماء شيء نسبي ولذلك لأن الأرض كروية فإن الذي في السودان إذا أشار إلى أعلى يشير إلى أسفل الذي يسكن في الجهة المقابلة له من الكرة الأرضية، لكنه اتجاه مجاز في حق المولى سبحانه وتعالى، لذلك قال الحافظ في مسألة النزول: (أي ينزل أمره ورحمته أو ملائكته وهذا تأويل الإمام مالك وغيره ويدل له الحديث الصحيح: "أن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر مناديا ينادي فيقول هل من داع فيستجاب له")
وقال أيضًا: (فمعتقد سلف الأئمة وعلماء السُّنّة من الـخَلَف، أنّ اللهَ منزّهٌ عن الحركة والتحوّل والحلول، ليس كمثله شىءٌ)، فتح الباري في شرح صحيح البخاري.

إن الله تبارك وتعالى خلق المكان ولم يكن شيء معه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كان الله ولم يكن شىءٌ غيره) رواه البخاري والبيهقي، لذلك فإن الله منزه عن المكان والجهة والحيز، ولا يوصف بقرب أو بعد اللهم إلا معانٍ مجازية كقوله تبارك وتعالى: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) ليس قربًا مكانيًا وإنما قرب قدرة وقهر وجبروت، وكذلك قوله: (وهو العلي العظيم) قال الطبري في التفسير: (والعلي: ذو العلو والارتفاع على خلقه بقدرته.)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد) ليس قرب حس ومسافة، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، قال الشوكاني: (من ربه) أي من رحمة ربه وفضله.

إذًا فكل نصوص الكتاب والسنة التي توهم الجهة فإنها غير مقصودة حقيقة لأن القرءان الكريم لا يتعارض ولا يتناقض، ولا نفهم من قوله تعالى: (أأمنتم من في السماء) أنه هو الله تبارك وتعالى في السماء بذاته، حاشاه، كيف يكون في السماء وهو يقول تبارك وتعالى: (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب)؟ كيف يكون فيها وهو يقول: (والسموات مطويات بيمينه)؟ كيف يكون فيها وهو يقول: (وهو الله في السموات وفي الأرض)؟
من في السماء هو أمره وعزه وسلطانه وملأه الأعلى، وهو جبريل عليه السلام الموكل بالعذاب والخسف والزلازل الذي يسكن وسط سدرة المنتهى. قال القرطبي:
(وقال المحققون: أمنتم من فوق السماء، كقوله: فسيحوا في الأرض أي فوقها، لا بالمماسة والتحيز لكن بالقهر والتدبير. وقيل: معناه أمنتم من على السماء، كقوله تعالى: ولأصلبنكم في جذوع النخل أي عليها. ومعناه أنه مديرها ومالكها كما يقال: فلان على العراق والحجاز أي واليها وأميرها. والأخبار في هذا الباب كثيرة صحيحة منتشرة مشيرة إلى العلو، لا يدفعها إلا ملحد أو جاهل معاند. والمراد بها توقيره وتنزيهه عن السفل والتحت. ووصفه بالعلو والعظمة لا بالأماكن والجهات والحدود لأنها صفات الأجسام. وإنما ترفع الأيدي بالدعاء إلى السماء لأن السماء مهبط الوحي، ومنزل القطر، ومحل القدس، ومعدن المطهرين من الملائكة، وإليها ترفع أعمال العباد، وفوقها عرشه وجنته كما جعل الله الكعبة قبلة للدعاء والصلاة، ولأنه خلق الأمكنة وهو غير محتاج إليها، وكان في أزله قبل خلق المكان والزما، ولا مكان له ولا زمان وهو الآن على ما عليه كان) أهـ
وقال الشوكاني في فتح القدير: (قال الواحدي قال المفسرون: يعني عقوبة من في السماء، وقيل: من في السماء قدرته وسلطانه وعرشه وملائكته، وقيل: من في السماء من الملائكة، وقيل: المراد جبريل، ومعنى أن يخسف بكم الأرض يقلعها ملتبسة بكم كما فعل بقارون بعد ما جعلها لكم ذلولا تمشون في مناكبها" أهـ

أمية النبي صلى الله عليه وسلم

أمية النبي صلى الله عليه وسلم
قال تعالى: (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)

نعم النبي صلى الله عليه وسلم أمي شريعةً، أو ظاهرًا، بمعنى أنه لم يرتد مدرسة أو معلمًا من البشر، فلم يكن يقرأ ويكتب كما يشاع بين الناس في ذلك الزمان. ولذلك تنتفي عنه تهمة أنه تلقى القرءان من غيره:
﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾

أما حقيقيةً فليست القراءة والكتابة أشق على النبي صلى الله عليه وسلم من الرسالة نفسها، التي لبها الحكمة، (ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)، فكيف بأمي جاهل يكون معلمًا ويعلم الكتاب والحكمة؟ لا يتسق ذلك. فالحقيقة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن جاهلًا بالكتابة ولا بالقراءة، لكنه لم يتعلمهما من بني جنسه، فليس لأحد منهم منّة عليه صلى الله عليه وسلم في العلم -سواء أكان كتابة أو قراءة أو حكمة أو غير ذلك- إلا الله تبارك وتعالى العليم الحكيم، المعلم الحقيقي الذي علم الإنسان ما لم يعلم، فقال تعالى:
(وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) [النساء: ١١٣]

علمه العلوم بطرق شتى: مباشرة كما من مفهوم النبوة، حيث يولد النبي نبيًا ويكون عارفًا بالله معرفة الخواص في عالم الذر قبل أن يولد. ومباشرة كما في الإسراء والمعراج عندما تجلى له رب العالمين. وكما في وحي المنام، وكما في الإلهام والإلقاء في الروع، وبواسطة عبر جبريل عليه السلام، هبط عليه بالوحي، وهذا لحكمة تشريعية تعلقت باتخاذ المرشد والمعلم حيث قال في حديث جبريل المشهور: (أتدري من السائل يا عمر؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم)
فهذه كلها وسائل تعليم من الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم تعلم منها كل شيء، لم يترك الله شيئًا من علوم الخلق وإلا علمها لسيدهم صلى الله عليه وسلم، فقال تبارك وتعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) تصديقًا لقوله تبارك وتعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) فماذا تسوى الكتابة والقراءة بالنسبة لعلم الله تبارك وتعالى الذي علمه للنبي صلى الله عليه وسلم؟ لا شيء.

لكنه في نظر الناس أمي لم يقرأ ولم يكتب ولم يرتد مدرسة ولا ارتاد معلمًا من البشر، لذلك هو أمي من هذا المنظور. وكونه في الظاهر أمي عن تعليم البشر وفي الحقيقة يعرف يكتب ويقرأ كما علمه الله تبارك وتعالى لا ينافي المعجزة في الآية (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك) فهذا حاصل أصلًأ لأنه لم لم يكن يتلو من قبله ولم يكن يكتب، وعدم الفعل لا يقتضي عدم القدرة عليه.
ومع ذلك فقد أظهر صلى الله عليه وسلم طرفًا من علمه بالكتابة بعد بعثته صلى الله عليه وسلم ليس قبل البعثة، حتى لا يرتاب المبطلون، ففي فراش الموت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا).
وفي صلح الحديبية عندما أبى أن يمحو سيدنا علي اسم النبي صلى الله عليه وسلم محاه هو بنفسه صلى الله عليه وسلم وكتب بيده، كما في البخاري: (لما أراد أن يعتمر أرسل إلى أهل مكة يستأذنهم ليدخل مكة فاشترطوا عليه أن لا يقيم بها إلا ثلاث ليال، ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح ولا يدعو منهم أحدا، قال: فأخذ يكتب الشرط بينهم علي بن أبي طالب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقالوا: لو علمنا أنك رسول الله لم نمنعك ولبايعناك ولكن اكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، فقال: أنا والله محمد بن عبد الله وأنا والله رسول الله، قال: وكان لا يكتب، قال: فقال: لعلي امح رسول الله، فقال: علي والله لا أمحاه أبدا، قال: فأرنيه، قال: فأراه إياه فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده فلما دخل ومضى الأيام أتوا عليا، فقالوا: مر صاحبك فليرتحل فذكر ذلك علي رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: نعم، ثم ارتحل)
وفي رواية الديلمي: (قال لعلي: "امح محمد رسول الله"، فقال: لا والله لا أمحوه أبدا. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب، فكتب مكان رسول الله هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، أن لا يدخل مكة بسلاح إلا السيف في القراب، وأن لا يخرج من أهلها أحدا أراد أن يتبعه، ولا يمنع أحدا من أصحابه أراد أن يقيم بها).

وعن الشعبي أنه قال: "ما مات النبي صلى عليه وسلم حتى كتب". وأيضا حديث أبي كبشة السلولي مضمونه أنه صلى الله عليه وسلم قرأ صحيفة لـعيينه بن حصن وأخبر بمعناها، فعن سهل بن الحنظلية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاوية أن يكتب للأقرع وعيينة، فقال عيينة: أتراني أذهب بصحيفة المتلمس، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة فنظر فيها فقال: قد كتب لك بما أمر لك. أي قرأها وأقر ما فيها. وقوله لسيدنا معاوية رضي الله عنه: (ألق الدواة وحرف القلم وأقم الباء وفرق السين ولا تعور الميم). وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تمد بسم الله)

وقوله صلى الله عليه وسلم في ذكر فضل القرءان الكريم وقراءته قال: (لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف) وفي رواية ابن أبي شيبة والطبراني: (من قرأ حرفا من القرآن كتب له به حسنة، لا أقول الم ذلك الكتاب، ولكن الألف واللام والميم والذال واللام والكاف، وفي رواية للبيهقي: لا أقول بسم الله ولكن باء وسين وميم ولا أقول الم، ولكن الألف واللام والميم.

أما قولهم أنه قال: (ما أنا بقارئ) فإذا قلت لي إذهب وقلت لك ما أنا بذاهب هل يعني أنني عاجز لا أستطيع الذهاب؟ ثم إن القراءة هنا التلاوة لأنه تابع وقال: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) وهي من جنس قوله تعالى: (وقرءانًا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزناه تنزيلًا). فإذا نفيت هنالك القرءاة فأثبتها هنا: (لتقرأه على الناس).

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (نحن أمة أميةلا نقرأ ولا نحسب)، هذا في المجمل، لكن الثابت أن في الأمة من كان يقرأ ويكتب ويحسب ككتاب الوحي، وأنهم أهل تجارة ولا تجارة إلا بحساب، وقد حسب النبي صلى الله عليه سلم الشهور والمواريث.

وأما قولهم أنه كان له كتَّاب وأنه كان لا يكتب الوحي بنفسه فكل هذا لا ينافي علمه بالكتابة. وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به رأى مكتوبًا على ساق العرش: لا إله إلا لله محمد رسول الله ومن قرأ جاز له أن يكتب.

وغير ذلك من الأدلة.

ويجب الانتباه إلى إن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يتعامل في الشريعة بشيء وفي الحقيقة يكون شيء آخر، فيقول للأمة: (لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرًا ولضحكتم قليلًا)، فلا يظهر للأمة كل ما يعلم، ولا يرون منه إلا التواضع وكتمان الأسرار. فيتعوذ من النار وهو الشافع المشفع الذي يخرج العصاة من النار، يسأل الله الجنة وهو مفتاح الجنة حيث قال رضوان خازن الجنان للنبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت ألا يفتح لأحد قبلك)، يسأل الأمة أن تسأل الله له المقام المحمود الذي وعده الله والله لا يخلف الميعاد. لكن هذه المسائل تحتاج إلى أفق واسع، وفهم وذوق فمن العلوم ما لا يدرك إلا بسلامة التذوق.
ولا يسوغ أن يكون من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من هو أفضل منه في شيء من الأشياء كالقراءة والكتابة وغيرها، بل إن أميته عن الكتابة والقراءة المعروفة هي ميزة له صلى الله عليه وسلم، أن الذي علمه الكتابة والقراءة وعلمه كل العلموم هو العليم الحكيم سبحانه، الذي (علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم)
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

هل انقطع اتصال الأمة برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مماته؟

لا، فإذا كان الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون فما بالك بالأنبياء؟ (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون)، وقوله تعالى: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون)، أحياء لهم حياة كاملة لكن لا نشعر بها، وهي حياة البرزخ.
قال الله تبارك وتعالى: (إن أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا) والشاهد لا يغيب.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون) رواه البيهقي في "حياة الأنبياء في قبورهم" قال الهيثمي في المجمع: روا البزار وأبو يعلى ورجال أبو يعلى ثقات. وهو من الأحاديث التي كان يضعفها الألباني ثم عدل عن تضعيفها وأقر بصحتها. وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مررت بموسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره)

وبهذا الاتصال تعرض أعمال الأمة عليه صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حياتي خير لكم تُحَدِّثُونَ وَيُحَدَّثُ لكم، ووفاتي خير لكم تعرض عليَّ أعمالكم، فما رأيتُ من خيرٍ حمدتُّ الله عليه، وما رأيتُ من شرٍ استغفرتُ الله لكم). رواه البزار في مسنده، وقال الحافظ العراقي في طرح التثريب: إسناده جيد، وقال الهيثمي في المجمع: رجاله رجال الصحيح.

وعندما حل بالأمة قحط جاء صحابي إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وسأله أن يستسقي للأمة فاستسقى لهم النبي صلى الله عليه وسلم، فعن الأعمش، عن أبي صالح، عن مالك الدار -وكان خازن عمر على الطعام- قال: (أصاب الناس قحط في زمان عمر بن الخطاب، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله، استسق الله لأمتك فإنهم قد هلكوا" فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال ائت عمر فأقرئه السلام، وأخبره أنكم مُسْقَوْنَ، وقل له: "عليك الْكَيْسَ الْكَيْسَ". فأتى الرجل عمر، فأخبره، فبكى عمر ثم قال: "يا رب ما آلو إلا ما عَجَزْتُ عنه"
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف والبيهقي في دلائل النبوة وصححه الحافظ في الفتح، وقال الحافظ في الفتح: (وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة).

ويصحح الآراء الفقهية للأمة، فسيدنا عمر رضي الله عنه كان يرى جواز القبلة للصائم وهي خصيصة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان يملك إربه، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يصحح فهمه هذا فعدل عنه، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فرأيته لا ينظر إلى. قلت: يا رسول الله، ما شأني؟ قال: أوَلَستَ المُقَّبِّلَ وأنت صائم؟ فقلت: والذي نفس عمر بيده، لا أقَبِّلُ وأنا صائم أبداً). رواه البزار وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله رجال الصحيح.

ويخبر الصحابة ويبشرهم حتى باستشهادهم، فقد روى البيهقي في دلائل النبوةأن سيدنا عثمان بن عفان أغفى في اليوم الذي قتل فيه، فاستيقظ فقال: لولا أن يقول الناس تمنى عثمان أمنية لحدثتكم، قال: قلنا: أصلحك الله حدثنا فلسنا نقول ما يقول الناس؛ فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي هذا فقال: إنك شاهد معنا الجمعة. وعن نافع أن عثمان رضي الله عنه  رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه في الليلة التي قتل في صبيحتها فقال: "يا عثمان أفطر عندنا الليلة؛ فقتل وهو صائم"

وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مؤمن يسلم علي إلا رد الله علي روحي فأرد عليه السلام) فكم من مسلم يسلم على النبي صلى الله عليه وفي الثانية الواحدة؟

إن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم حق، فقد صح عنه أنه قال: (من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي) وفي رواية: (من رآني في المنام فقد رأى الحق)، فكل ما تراه الأمة من رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حق وهذه الرؤيات لا تنقطع إلى يوم القيامة لذلك فإن إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم للأمة لا ينقطع إلى يوم القيامة.

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

حقيقة ابن تيمية

حقيقة ابن تيمية:

ما سنقوله في هذا المقال قد يبدو صادمًا

للكثيرين خاصة الوهابية ، وقد يعتبره البعض جرأة على أحد مرجعياتهم الدينية التي يقدسونها، ويحصِّرون الإسلام وأحكامه في فتاواه وكتبه، حتى وصفه أتباعه بأنه "شيخًا للإسلام"، في حين أن من يقرأ آراءه وفتاواه وما جاء فيها من تطرف وتجسيم وتكفير وإن كان بطريقة غير مباشر يعلم جيدًا أنه "شرخًا في الإسلام".

أحمد ابن تيمية الحراني .. أحد مرجعيات الجماعات الوهابية المتطرفة على مدار التاريخ، وآراءه هي المعتمدة عندهم، ويبرز اسم ابن تيمية بوصفه واحدًا من أبرز المنظرين لمدرسة التكفير الوهابي التي كانت لها اليد الطولى في تكفير الفرق والمذاهب الإسلامية، بل عُرف ابن تيمية بوصفه إمام هذه الجماعة المتطرفة، التي بدورها عملت على نشر أفكاره ومؤلفاته بشكل واسع في العالم الإسلامي.

ولد ابن تيمية في مدينة "حران" وهي المدينة المسماة "أورفة" من بلاد تركيا، وكان أبوه فقيهًا حنبليًا مشهورًا، وقد أتى به والده الشيخ عبدالحليم عندما كان عمره سبع سنوات مع ذويه من هناك إلى الشام خوفًا من المغول بعد أن هجموا على "ماردين" وخربوها، ولعل هذا سبب إصدار ابن تيمية لفتوى تعتبر من أهم الفتاوى التي يستند إليها تنظيم "داعش" الإرهابي وغيره في الغزو والاحتلال أو ما يسمونه "الجهاد"، وهي الفتوى المعروفة بإسم فتوى "ماردين".

وكان أبوه رجلًا هادئًا أكرمه علماء الشام حتى ولـّوه عدة وظائف علمية مساعدة له، وبعد أن مات والده ولوا ابن تيمية وظائف والده بل حضروا درسه تشجيعًا له على المضي في وظائف والده ونشر نهجه وأثنوا عليه خيرًا كما هو شأنهم مع كل ناشىء حقيق بالرعاية.

ومع مرور الوقت بدأت انحرافات ابن تيمية في الكثير من المسائل، وبدأ يواجه الكثير من اعتراضات علماء الإسلام المعاصرين له الذين وجهوا سهام نقدهم لأفكار ابن تيمية ونهجه التكفيري، ومنهم الإمام الحافظ تقي الدين علي ابن عبد الكافي السبكي الذي قال عن ابن تيمية في كتابه "الدرة المضيئة" ما نصه:

"أما بعد، فإنه لما أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد، ونقض من دعائم الإسلام والأركان والمعاقد، بعد أن كان مستترا بتبعية الكتاب والسنة، مظهرا أنه داع إلى الحق هاد إلى الجنة، فخرج عن الاتباع إلى الابتداع، وشذ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع، وقال بما يقتضي الجسمية والتركيب في الذات المقدس، وأن الافتقار إلى الجزء- أي افتقار الله إلى الجزء- ليس بمحال، وقال بحلول الحوادث بذات الله تعالى، وأن القرءان محدث تكلم الله به بعد أن لم يكن، وأنه يتكلم ويسكت ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات، وتعدى في ذلك إلى استلزام قدم العالم، والتزامه بالقول بأنه لا أول للمخلوقات فقال بحوادث لا أول لها، فأثبت الصفة القديمة حادثة والمخلوق الحادث قديما، ولم يجمع أحد هذين القولين في ملة من الملل ولا نحلة من النحل، فلم يدخل في فرقة من الفرق الثلاث والسبعين التي افترقت عليها الأمة، ولا ؤقفت به مع أمة من الأمم همة، وكل ذلك وإن كان كفرا شنيعا مما تقل جملته بالنسبة لما أحدث في الفروع ". ا.هـ.

وحذر منه كذلك الإمام ابن حجر الهيتمي في كتابه الفتاوى الحديثية فقال: "اياك أن تصغي إلى ما في كتب ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وغيرهما ممن اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله، وكيف تجاوز هؤلاء الملحدون الحدود وتعدوا الرسوم وخرقوا سياج الشريعة والحقيقة فظنوا بذلك أنهم على هدى من ربهم وليسوا كذلك".

وكان الذهبي وهو من معاصري ابن تيمية وقيل تلميذه، قد مدحه في أول الأمر ثم لما انكشف له حاله حذر من كلامه، فقال له ناصحًا: في "الرسالة الذهبية": "يا خيبة من اتبعك فإنه مُعَرَّضٌ للزندقة والانحلال، ولا سيما إذا كان قليل العلم والدين باطوليًّا شهوانيًّا لكنه ينفعك ويجاهد عنك بيده ولسانه وفي الباطن عدو لك بحاله وقلبه". وفي رسالة "زغل العلم والطلب":
"وقد تعبت في وزنه وفتشه حتى مللت في سنين متطاولة، فما وجدت أخره بين أهل مصر والشام ومقتته نفوسهم وازدروا به وكذبوه وكفروه إلا الكبر والعجب وفرط الغرام في رئاسة المشيخة والازدراء بالكبار"

وقد شذ ابن تيمية على إجماع الأمة في أمور كثيرة ولعل كان أغربها إنكاره وقوع المجاز في القرءان الكريم والسنة المطهرة وحتى في لغة العرب، فعرض به الشوكاني دون أن يذكر اسمه فقال: "المجاز واقع في لغة العرب عند جمهور أهل العلم وخالف في ذلك أبو إسحاق الإسفراييني وخلافه هذا يدل أبلغ دلالة على عدم اطلاعه على لغة العرب. وينادي بأعلى صوت، بأن سبب هذا الخلاف تفريطه في الاطلاع على ما ينبغي الاطلاع عليه من هذه اللغة الشريفة، وما اشتملت عليه من الحقائق والمجازات التي لا تخفى على من له أدنى معرفة بها، وقد استدل بما هو أوهن من خيوط العنكبوت فقال: لو كان المجاز واقعاً في لغة العرب للزم الإخلال بالتفاهم إذ قد تخفى القرينة. وهذا التعليل عليل فإن تجويز خفاء القرينة أخفى من السها"، وهو بهذا الفهم فإنه ليس مؤهلًا لفهم النصوص في كلام الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لأن العربية لا استغناء لها عن المجاز، فكيف نفهم قوله تعالى: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلًا)، أو قوله تعالى: (واشتعل الرأس شيبًا) أو قوله تعالى: (وأسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها) وعديد الآيات في كتاب الله عز وجل.

وقد استُتيب ابن تيمية مرات عديدة لكي يرجع عن آراءه الشاذة والمتطرفة، وكان يسجن ويستتاب، فيرجع عن رأيه حتى يخرج من السجن، فإذا خرج عاد مرة أخرى إلى شذوذه الفكري ، حتى حبس بفتوى من القضاة الأربعة الذين أحدهم شافعي والآخر مالكي، والآخر حنفي والآخر حنبلي، وحكموا عليه بأنه ضال يجب التحذير منه كما قال ابن شاكر الكتبي في عيون التواريخ وهو من تلامذة ابن تيمية، كما أصدر الملك محمد بن قلاوون منشورًا ليُقرأ على المنابر في مصر وفي الشام للتحذير من ابن تيمية ومن أتباعه. وهذا لأنه افتى بأن الله جسم في السماء يجلس على العرش والعياذ بالله تعالى.

وكتب ابن تيمية ومؤلفاته كانت قد تُركت لفترة طويلة حتى ظهر محمد بن عبدالوهاب في الجزيرة العربية فأظهر أقوال وآراء ابن تيمية من جديد، واعتمدها مرجعية له لتكفير الناس حتى يستطيع محاربتهم للسيطرة على جزيرة العرب فأوقع الكثير من المذابح منها مذبحة حجيج الشام واليمن والحجيج المسلمين، وكان يعتبر أن كل من يخالف دعوته فهو كافر يجب قتاله، أو يدخل في دعوته، بحيث قال بعدها " كل ما تحت السموات الطباق كافر بالإطلاق" وكان محمد ابن عبدالوهاب يقوم بهدم مقامات الصحابة وأمهات المؤمنين –مثلما تفعل داعش اليوم- بدعوى أنها شرك استنادًا على فتاوى ابن تيمية.

وتبنى الوهابية طباعة كتب ابن تيمية والاهتمام بها بشكل كبير لدرجة أننا نجد مثلًا كتاب "مجموع الفتاوى" لأبن تيمية الذي يحتوي على مايزيد من 30 مجلدًا بأبخس الأثمان.

واعتمد منهج ابن تيمية في فتاواه والذي انتهجه محمد بن عبدالوهاب من بعده التوسع في التكفير وإدخاله بعض الخلافيات الفقهية في باب "الشركيات"، وبذلك أحالوا هذه المسائل الفقهية المختلف عليها وأدخلوها ضمن مسائل العقيدة الكبرى، ولم تكن قبل عصر ابن تيمية كذلك. فقد كان قبل عصر ابن تيمية تناقش مسائل التبرك والتوسل والاستغاثة مثلًا من ضمن المسائل الفقهية الفرعية ولم ينص اي عالم على تكفير المتبرك او المتوسل كما ابتدع ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب.

ومن فتاوى ابن تيمية الخطيرة التي يعتمد عليها تنظيم "داعش" الإرهابي في اعتداءهم على البلاد الفتوى المعروفة باسم: "فتوى ماردين"، والتي شجع فيها ابن تيمية على محاربة المدينة وأهلها، وقسم البلاد إلى "دار إسلام" و"دار كفر"، وأعطى بذلك للمتطرفين فتوى تبيح لهم شن الحرب على أية مدينة وفرض أحكام الشريعة الإسلامية بفهمهم المتطرف، حتى داخل الدول التي يدين أهلها بالإسلام، وقد كانت هذه الفتوى محل جدال طويل بين الفقهاء المسلمين حتى عصرنا الحالي، وقد اجتمع مؤخرًا نخبة من علماء الإسلام الثقات من مختلف الأقطار في مدينة "ماردين: بجنوب شرق تركيا، لإبطال فتوى ابن تيمية.

ولابن تيمية أيضا فتوى خطيرة تدعى فتوى "التترس"، وتنص هذه الفتوى على أن ما يسمونه بـ "المجاهد" الذي ينوي استهداف من يصفونهم بـ "الكفّار"، ووجد في طريقه أو بينهم المسلمين، فإنه يجوز له قتل هؤلاء المسلمين من أجل الوصول إلى هدفه. وقد استند تنظيم القاعدة ثم داعش وغيرهـم على هذه الفتوى في تبرير قتل العراقيّين بأعداد هائلة من خلال تفجير السيّارات المفخّخة والعبوات   الناسفة.

التجسيم عند بن تيمية وتعصب تلاميذه له :
روىَ ابنُ بطّوطة في رحلته ص/90: ( وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين ابن تيمية كبير الشام، يتكلمُ في الفنُون، إلا أنّ في عَقلِه شيئًا،.... وكنتُ إذْ ذاك بدمشق، فحضرْتُه يوم الجمعة وهو يعِظُ الناس على مِنبر الجامع ويذكّرهم، فكان مِن جـملة كلامه أن قال: إن الله ينـزلُ إلى سماء الدنيا كنـزُولي هذا ! ونزَل درَجة مِن درَج المنبر، فعارضَه فقيه مالكي يُعرف بابن الزّهراء وأنكر ما تكلَّم به، فقَامت العامةُ إلى هذا الفقيهِ وضرَبُوه بالأيْدي والنِّعال ضَربًا كثيرًا حتى سقطَت عِمامَتُه !).
(منقول)

فتنة الوهابية

رضيتم أم أبيتم فهذا تأريخ مدوَّن. من له اعتراض فليأتِ بدليل مضاد. وفوق أن هذا الأمر تأريخ فإن الواقع يصدقه. المؤسف أن كثيراً من عوام المسلمين اتبعوهم عندما حسنوا ظنهم فيهم وحسبوا أنهم في دعوتهم صادقين، فنسأل الله العزيز الحكيم لنا ولهم الهداية والتوفيق والسداد.
أما من التاريخ فمن قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كان أهل الكتاب، قتلة الأنبياء، المشتهرون بالتجسيم، اليهود عليهم لعنة الله، الذين يرون أن الله جسم له جوارح ويجلس على كرسي، يتعب ويرتاح، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، من قبل البعثة كان أهل الكتاب يترصدون النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، وارجعوا إلى كتب السير، ولكن الله خيب رجاهم. وبعث رسول الله بعناية الله عز وجل، وحورب في مكة، وهاجر إلى المدينة، فكادوا له، وحاولوا قتله، وتحالفوا من المشركين في غزوة الأحزاب، فخاب مسعاهم، ثم إنهم نافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظاهروا وساندوا المنافقين، فكان منهم خوارج نجد الذين منهم ذو الخويصرة التميمي النجدي لعنه الله، الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إعدل يا محمد فإنك لم تعدل! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويلك ومن يعدل بعدي إذا لم أعدل؟ فقال سيدنا عمر رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا في أصحاب له -وفي رواية إن له أصحاباً- يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم! يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية! رواه أبو داود وابن ماجة والطبراني وأحمد وغيرهم.
سبحان الله! لم تشفع لهم قراءتهم للقرءان الكريم ولا ظاهر تدينهم لأن الدين في القلب والنفاق في القلب، لا علاقة للظاهر بذلك.
وسبحان الله تدبروا، كيف وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدد جغرافيا المكان وتنبأ بمستقبلهم الكريه، ففي رواية للإمام البخاري رضي الله عنه: (فأقبل رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناتئ الجبين، كث اللحية محلوق، فقال: اتق الله يا محمد! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يطع الله إذا عصيتُ؟ أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنوني، فسأله أحد من الصحابة قتله فمنعه فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من ضئضيئ هذا، أي في عقب هذا، قوماً يقرءون القرءان لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدَعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) صدقت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فالحاضر يشهد أنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، بأسهم لا يشتد إلا على المسلمين وفي هذه النقطة وقفة.
وفي رواية للحاكم صححها شرط الشيخين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يخرج من قبل المشرق قوم كأن هديهم هكذا، يقرءون القرءان لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون إليه، ووضع يده على صدره، سيماهم التحليق، لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم، فإذا رأيتموهم فاقتلوهم). وفي رواية للحاكم أيضاً صححها على شرط الشيخين قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتكم، وصيامه مع صيامهم، هم شرار الخلق والخليقة، يدعون إلى كتاب الله وليس منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم. قالوا: يا رسول الله ما سيماهم؟ قال: التحليق!!!) ثم انظر يرحمك الله فيسيما التحليق، أوَ عند من؟ قد أمر ابن عبد الله إحدى النساء أن تحلق رأسها فغلبته بالحجة، فقالت له إن الشعر زينة المرأة فإذا توجب عليها حلقه فإن على الرجل أن يحلق زينته وهي اللحية، فبهت.
وحتى لا يقال أن ذلك كان فيما مضى، يرحمك الله، فإن المعصوم صلى الله عليه وسلم ما ترك شيئاً إلا وأخبر به إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، وفي صحيح البخاري قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فإينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة)

فلا يغترن أحد كما روى الحاكم في المستدرك وصححه على شرط الشيخين: (إن أقواماً من أمتي أشِدَّةٌ ذَلِقَةٌ ألسنتهم بالقرءان، لا يجاوز تراقيهم)، أي فصيحين بالقرءان يحسبهم الجاهل علماء، فلا يغترن أحد بقراء القرءان، ولا بالمتشدقين كثي اللحى مظهري حسن الصلوات أو الصيام أو الدعوة إلى كتاب الله عز وجل المتفوهين بكلام سيد البرية صلى الله عليه وسلم، فإن كل ذلك لا يمحو النفاق قلوبهم، ولا يزيل أنهم دسيسة اليهود لهدم الدين من داخله، ولتمزيق المسلمين وإغراء العداوات بينهم وتفتيتهم.

ثم استمر الكيد إلى أن حاولوا قتل الحبيب صلى الله عليه وسلم بالشاة المسمومة، ثم انتقل الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وظهر المرتدون وطمعوا في دين رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوَ تدرون من أول من ارتد؟ وليته ارتد وحسب بل إدعى النبوة والعياذ بالله، كان مسيلمة الكذاب، الذي كان مؤذنه في مسجده يشهد ألا إلا الله وأن مسيلمة الكذاب رسول الله!!! أو تدرون من أين مسيلمة الكذاب هذا؟ من بني حنيفة في اليمامة بنجد!!! أوَ تدرون من هم بنو حنيفة؟ وأين نجد اليوم؟ حاضرتها الرياض.
واستمرت محاولات تفتيت المسلمين، كلها في الخفاء، فكانت الفتن تترى كقطع الليل المظلم، وقتل الخلفاء الراشدون، وظهر الخوارج الروافض، وكثر القتل في المسلمين، وكلها كانت لمصلحة طرف واحد هم اليهود لعنهم الله، الذين أخرجوا من جزيرة العرب بفعالهم الشنيعة، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين. فبعد أن هزموا لعنهم الله وأخرجوا من جزيرة العرب عرفوا أنهم لن ينجحوا في النيل من الإسلام بالعلن وبالظاهر، بل يتوجب عليهم أن يحاربوا الإسلام بالوكالة والخيانة، بالنفاق، ليس حرباً ظاهرة بل حرب خفية. فكان أن ناصروا كل عدو للإسلام، وأيقظوا كل فتنة، واستخدموا خبراتهم التحريفية في تحريف مراجع الدين. لم يستطيعوا أن يحرفوا القرءان الكريم لأنه محفوظ من الله عز وجل لكنهم دسوا الإسرائيليات في تفاسيره، وحرفوا كثيراً من مراجع الدين خاصة في علم الحديث، فأخفوا أحاديث ووضعوا أحاديث وضعفوا أحاديث، وله أساليب معروفة لا يتسع المجال لذكرها، لكن يكفي النظر في حديث: (استسق لقومك فإنهم هلكوا)، وكيف أن أبا صالح ضعفوه وهو ثقة.
إلى أن جاء العصر الحديث، واليهود في الشتات والتيه، يبحثون عن وطن. واستطاعوا أن يذوبوا في المجتمعات الغربية وأن يجندونها لخدمة مصالحهم، بالتمسكن إلى التمكن، تارة بالمال وتارة بالإعلام: "وجعلناكم أكثر نفيراً"، فكان لهم ما أرادوا، فتقدمت عنهم بريطانيا للإجهاز على دولة الخلافة الإسلامية التي كانوا ينظرون إليها كإمبراطورية عثمانية، تقدمت بريطانيا بعد أن أن نهشوا جسد دولة الخلافة. كل كتب التاريخ الحديث والوثائق في دور الوثائق المصرية والتركية وحتى كتاب أعمدة الحكمة السبعة للورانس تكشف تخطيط بريطانيا لقيام الثورة العربية على دولة الخلافة في تركيا، وأنها أنشأت لأجل المذاهب الضالة لتفريق المسلمين لتذهب ريحهم، فأنشأت القاديانية في الهند وما حولها، والبهائية والبابية في مصر وبعض دول جنوب شرف آسيا والوهابية في الجزيرة العربية. واستخدمت لأجل قيام هذه الثورة كل شيء من رِشى، وتسليح وإسناد وتغش وتدليس، فقتل الوهابية المسلمون في الأشهر الحرم، وفي لباس الإحرام وفي حدود الحرم الآمن. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان"، ارجع إلى فتنة الوهابية في كتاب تاريخ نجد.
ولاستحلال دم المسلمين كانوا ينزلون فيهم الآيات التي نزلت في المشركين فرموا أهل الفبلة بالشرك، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن ما أتخوف عليكم رجل قرأ القرءان حتى رئيت بهجته عليه وكان ردئا للإسلام غيَّره إلى ما شاء الله، فانسلخ منه ونبذه وراء ظهره وسعى على جاره بالسيف ورماه بالشرك. قلت: يا نبي الله أيهما أولى بالشرك، المرمي أم الرامي؟ قال: بل الرامي). رواه ابن حبان في صحيحه وابن أبي عاصم في السنة. وعمت فتنتهم وطامتهم إلى اليوم، فلا تكاد تجد مسلماً قتل إلا وتجد أن سبب قتله ذا علاقة بالوهابية.

وسقطت دولة الخلافة وقامت على أنقاضها دولة إسرائيل، موطنا لليهود لعنهم الله. وتحالفت الوهابية كسلطة دينية مع السلطة السياسية لأهل المال في جزيرة العرب، يؤمنون لهم ملكهم ويفتكون لهم بأعدائهم، ويؤمنون اليهود من شر المسلمين. إن الناظر إلى الواقع الآن لا يكاد يخطئ السلام الناعم بين الوهابيين وبين اليهود، فما سر هذا السلام؟ سل نفسك. واستعن على الإجابة بما يلي:
- هل عادت الوهابية يوماً اليهود أو حاربتهم؟ لا ولن تجرؤ، بل قال شيخ لهم في السودان: مشكلتنا ما مع اليهود، مشكلتنا مع الصوفية. وهذه حقيقة. ليس لهم مشكلة مع اليهود، بل إن المملكة العربية السعودية منعت رسمياً أئمة المساجد لعن اليهود والنصارى في المنابر، وقد قرأت هذا القرار بأم عيني.
- هل قامت المملكة بدورها كبلد يتحضن قبلة المسلمين والحرمين الشريفين في تحرير مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود الغاصبين؟ أو لتحرير أرض من أراضي المسلمين يحتلها اليهود؟ لن تفعل.
- أين تذهب أموال المسلمين، أموال النفط والحج والعمرة؟ أن يتم استثمارها؟ أليس الأولى أن يعود ريعها إلى المسلمين؟ إنها تذهب إلى إسرائيل؟ كيف!!!؟ عن طريق (السلة الأمريكية والأروبية). اللعبة بسيطة، وحتى لا يتنبه البسطاء والعوام، فإن أموال الخليج تستثمر في الولايات المتحدة وأروبا بواسطة الشركات ورجال الأعمال اليهود.إذاً فإن أموال المسلمين يستفيد منها اليهود ويستقوون بها على القضاء على الإسلام وتمزيق المسلمين وإفقارهم وقهرهم، ولو أن هذه الأموال ذهبت إلى المسلمين لكانوا قوة عظمى تجبر العالم على احترامها والوقوف عند حده.
- لماذا يغضب الوهابية عندما يزور أحد علماء المسلمين القدس، فيتهمونه بأنه يمارس التطبيع؟ لأنهم يريديون لقضية القدس أن تموت في قلوب المسلمين، وأن يهجرها المسلمون ويتركها لليهود.
- ما هو وجه الشبه بين عقيدة التجسيم والتحييز عند اليهود وعند الوهابية؟ عقيدة واحدة.
- ما هو وجه الشبه بين كره اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم وبين جفاء الوهابية له؟ تطابق تام. وورد في الأثر أن بني حنيفة من أبغض الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأيضا لإظهار وجه الشبه، فلقد حاول اليهود سرقة جسد الحبيب صلى الله عليه وسلم خمس مرات وفشلوا، والآن مشائخ الوهابية وأساتذة جامعاتهم يرون أن القبة الخضراء على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التساليم وثن يعبد!!! وأن الدين لن يستقيم إلا بإزالة هذا الوثن والعياذ بالله، ومؤخراً اقترح باحثهم أن يتم تحويل القبر النبوي الشريف إلى البقيع!؟ يريدون إخراج صاحب الدار من داره!!! نعوذ بالله من النفاق.
إن الجفاء الذي يطمسون به معالم كل مكان حلت فيه بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوى سد ذريعة الشرك لخير شاهد على البغض والجفاء! عن أي شرك يتحدثون؟ صدقت يا رسول الله: "وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها" رواه البخاري.
- لماذا لا يحب الوهابية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتضليلاً للعوام يقدمون الاتباع على المحبة؟ لأن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم والنفاق لا يجتمعان في قلب واحد، إن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم شرط للإيمان والمبالغة في حبه شرط لكمال الإيمان قال الله تعالى: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري ومسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين"، وفي رواية: "حتى أكون أحبه إليه من نفسه التي بين جنبيه". ولو أن الإتباع كان يغني لأغني المنافقين الذين صلوا نفاقاً خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنهم مع ذلك في الدرك الأسفل من النار. ولكان أجدر أن يقر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة الذين قالوا لحمار وكان مدمن خمر: ما أكثر ما يؤتى بك، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوه، فوالله إني علمت أنه يحب الله ورسوله. رواه البخاري.
الوهابية لا يحبونه حقيقة ويدعون اتباعه ظاهراً، بل لا يجدون سبيلاً إلا ونفروا الناس عنه وعن محبته، ولقد اندثر قولهم أن العصاة أنفع من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه مات، أمات الله قلوبهم. وأراهم يكتمون أحاديث التبرك به صلى الله عليه وسلم الواردة في البخاري ومسلم، ويفرقون بين حبه وحب الله تعالى وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن حب النبي صلى الله عليه وسلم من حب الله تعالى، ففي الصحيح: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أولاها: أن يكون الله ورسوله -معاً- أحب إليه مما سواهما". ثم رأيتهم يأمرون الناس بالتقليل من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون قولة النفاق: "حب النبي -صلى الله عليه وسلم كالملح في الطعام، إن زدته أفسدت الطعام" ويضلونهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله). والنصارى عبدت عيسى بن مريم والعياذ بالله، فالنهي كان عن إخراج النبي صلى الله عليه وسلم عن عبوديته لله عز وجل: (فقولوا عبد الله ورسوله)، والحمد لله أنا نحن المسلمين ما عظمنا ووقرنا رسول الله إلا لأنه عبد الله ورسوله.
- ثم انظر من يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا تمس النار مسلماً رآني أو رأى من رآني" رواه الترمذي وحسنه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رآني في المنام فقد رآني" وعند البخاري: "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة"، إن الرسول صلى الله عليه وسلم يزور أحبابه الهائمين بحبه صلى الله عليه وسلم ولا يزور الجفاة.

إن من الوهابية من هو يبحث عن الدنيا ويتلقى الأموال وهو يعرف أنهم على باطل، ومنهم من هو مخدوع فيهم، ألا إن الأمة لا تجتمع على ضلال، وإن السواد الأعظم من المسملين على مر التاريخ ليسوا على دين الوهابية بل على التصوف الذي يعني بإيصال العبد مقام الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. سبحانك اللهم بحمدك أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

هل للمؤامرة نظرية؟

هل للمؤامرة نظرية؟
لقد شاع بين المثقفين الحديث عن نظرية المؤامرة، وهي اصطلاح لاتجاه في الفكر يؤمن صاحبه بأن الأحداث تسير بشكل مخطط له سلفًا ومدبر وفق سيناريو مؤامرة. ويعزو المؤمن بهذا الفكر المصائب ويحلل الكوارث التي ربما تكون نتاج إهماله وتقصيره في وجباته إلى أنها بفعل قوى خفية تعمل على إيذائه. وفي بعض الأحيان يؤدي الشعور بقوة حبكة المؤامرة وبراعة المتآمرين إلى الخنوع والاستلام للواقع السيء وترك الأمور تسوء أكثر مما هي عليه.

الوصف أعلاه هو باختصار المعنى الاصطلاحي لنظرية المؤامرة، فهل يا ترى هي كذلك؟ أم هي فزاعة تصرف الناس عن التفكير في أن هنالك تآمر بالفعل؟

إن الذين يؤمنون بفساد هذه النظرية يرون أن ما يحصل بين البشر أو التنظيمات أو الدول من مكايدات ما هو إلا تدافع مصالح عادي، وربما يستدلون بقوله تعالى: (لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) ويرون أنه حتى لو كانت هنالك مؤامرات فإنها تكون في حيز ضيق لا يستوعب أن تفسر على ضوئه كل الوقائع أو معظمها.

ومن الناحية الأخرى فإن ظهور دليل على وجود مؤامرة ليس يعني بالضرورة الخنوع والاستلام لها، بل العكس، إن ذلك أوجب في أخذ الحيطة والحذر، وتحديد العدو وأسلوب عدوانه للتعامل معه بما يناسبه.

الحقيقة التي أراها هي أن طرح الموضوع بهذه البساطة فيه خلل كبير، وسبب الخلل في عدم التفريق بين التخطيط والعمل على تحقيق المصالح وبين التآمر. فالأول يكون عادة بوسائل تراعي العرف السائد وهنالك حدود لا يمكن تجاوزها وإلا تحول الأمر إلى شيء آخر. لنأخذ مثالًا بالتجارة، الناس تعلم أن التاجر يعمل لتعظيم ربحه ومنفعته، وهذا لا يمنعهم من أن يتعاملوا معه ويرتضوا أن يحقق مراده لقاء ما يوفره لهم من سلع أو خدمات، لكنهم إن علموا أنه يغش في بضاعته أو يخدعهم في المواصفات اجتنبوه وحذروا الناس منه، لأن فعله هذا لا يبرره أنه يعمل لأجل مصالحه وليعظم منفعته.
إذن فإن أهم شيء يميز التآمر هو الخيانة والخداع، فالمؤامرة في تقديري هي سيناريو ظاهره عادي وربما طيب، وباطنه خيانة وخداع، ولا أظن أن أحدًا سيقبل مثلًا أن صديقه يسدي له معاريف ويساعده في محنه وظروفه ويلاعب أطفاله ويرعاهم في غيابه إذا علم أن صديقه هذا يفعل ذلك ليس لأجل أنهم أصدقاء بل لأنه يطمع في زوجته!!! فهل نبرر هذا العمل بأن للبشر غرائز؟! لا أظن أن عاقلًا يقول بذلك.

إذًا يجب أن توضع الأمور في أنصبتها الحقيقة، هنالك تدافع مشروع للمصالح بين الناس والدول، وتحصل فيه أحيانًا تجاوزات لكنها في المجمل محدودة، ولنأخذ مثالًا على ذلك الحروب القتالية التي شهدها التاريخ لبسط النفوذ والاستيلاء على الموارد، وربما يحصل في بعض الحروب قتل مدنيين، لكن يبقى ذلك الفعل خطأ وربما حوسب عليه.

لكن ما أن تحول هذا التدافع إلى تخطيط يستبطن الخيانة والخداع والكيد الخفي فإنه عندئذ يكون تآمرًا وهو أفتك من الحروب القتالية التقليدية، حيث يبدو العدو كصديق وحليف، والشر المستطير كخير، الداء كدواء، والسم كطعام شهي، ويكون كل شيء قذر مشروع. يتعارف الناس اليوم على هذا التآمر بالحرب الباردة أو حرب الاستخبارات أو الحرب القذرة، وتدور رحاها بين أجهزة الاستخبارات، ووسائل الإعلام، ودور النشر، والمنظمات الطوعية ومنظمات المجتمع المدني والمراكز الثقافية.. الخ

إذًا هنالك تدافع مصالح عادي وهو الأصل، وهنالك أيضًا تآمر، ولعل في اتفاقية "سايكس بيكو" خير مثال على تآمر قضى على دولة الخلافة الإسلامية وأقام دولة الكيان الصهيوني ومزق نسيج المسلمين. فلا ننفي التآمر بفزاعة (نظرية المؤامرة) بل علينا أن نبحث في الدعوى وننظر في ما يتوفر من شواهد وأدلة. معلوم أن طبيعة التآمر تقتضي صعوبة بالغة في الحصول على دليل دامغ، فلا تتوقع مثلًا أن تترك أجهزة الاستخبارات دليلًا دامغًا على تورطها في عمل ما، لكن تبقى الشواهد والعلاقة بين الأحداث لمن يتأمل ويتدبر.

والغرض من البحث في دعاوى التآمر عند وجود ريبة وشواهد قوية ليس تعليق الفشل على شماعات وهمية، بل يجب أن يكون هو تحديد العدو، فكيف يمكن أن تتعامل مع عدو متخفٍ ومستتر أنت أصلًا غافل عنه؟ وفي حالة أنك غفلت عن هذا العدو فإن النهاية محتومة، أترى لو أنك تجاهلت جرثومة تسعى في جسدك وأنت تحس بأعراض المرض فيك لكنك لم تكلف نفسك عناء الفحص والتحري، أترى أنك ستنجو؟ قطعًا لا. لن تجد عاقلًا يبرر الخيانة ويتسامح معها، ولا يبرر الغش والخداع، وهنالك فرق كبير بين الخدع الحربية وبين الخداع، فإن الأخير يكون مع حسن ظن، أن تخدع من يحسن الظن بك.

ولنا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فإنه عاهد اليهود وحفظ حقوقهم لكنهم عندما تآمروا عليه وحاولوا قتله وأذية دينه مع إظهار أنهم حلفاؤه أخزاهم وأخرجهم من جزيرة العرب. وعندما حذر القرءان الكريم من قضية النفاق والمنافقين بل وقدم عذابهم على عذاب المشركين فإنه أشار لأولي الألباب إلى خطر التآمر والخبث.