لا يوجد مؤمن غير متبع وغير مطيع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا لما صلح أن يكون مؤمنا من الأساس، فالمؤمن الذي يشهد الشهادتين ويقيم أركان الدين ويطيع الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من أمور الشريعة هو متبع ومطيع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن ربما تقع منه مخالفات، فالكلام في هذا السياق ينبغي أن يكون عن كمال الاتباع وكمال الطاعة، هل كمال الاتباع وكمال الطاعة علامة على صحة المحبة؟ ليس بالضرورة، من عدة وجوه:
▪ الطاعة وحدها لا تكفي لتكون علامة على صحة المحبة، فقد تطيع وأنت مجبر ومكره كما في العسكرية أو تحت تهديد السلاح مثلا أو تطيع بداعي الخوف أو نفاقًا، أو لغرض دنيوي. والمخالفة وحدها من الناحية الأخرى لا تكفي لتكون علامة على الجفاء وضعف المحبة، فقد تقع المخالفة من باب الأدب الجم وفرط المحبة مثلما أبى سيدنا أبو بكر رضي الله عنه أن يثبت في الصلاة عندما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره بالثبات. وقد تقع من باب الغيرة وفرط المحبة مثلما أبى سيدنا علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه أن يمحو اسم النبي صلى الله عليه وسلم من الصحيفة يوم الحديبية، وقد تقع بسبب مرض أو ابتلاء أو ضعف في العزيمة وغير ذلك، وشارب الخمر الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمحبة خير مثال.
▪ المحبة نفسها عمل من أعمال القلوب أمرت الشريعة بالمبالغة في تحريه وتحصيله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه)، فهي نفسها اتباع وطاعة.
▪ المحبة شعور قلبي لا ادعاء فيه ولا تكلف ف لذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم العلامة عليها الشوق للمحبوب، كما تقدم في حديث الإمام مسلم: (إن من أشد أمتي لي حبا ناس يكونون بعدي، يود أحدهم أن لو رآني بأهله وماله).
▪ لو كانت الطاعة علامة على صحة المحبة لما قال المعصوم صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي أتى يسأل عن الساعة: "أنت مع من أحببت"، كان الأولى أن يقول له ما ينبغي أن تدعي المحبة وأنت ليس عندك عمل، إرجع واعمل.
▪ ما ينسب للإمام الشافعي من قوله:
إن كان حبك صادقًا لأطعته ××× إن المحب لمن يحب مطيع
يليق بأهل الورع والكمال من خاصة أهل الله وليس عامًا لكل الناس، وإلا لكان كل مؤمن عاص غير صادق في حبه، فكيف يشهد النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى لمدمن أم الكبائر بحب الله ورسوله؟ وهذا الحديث الصحيح المخرج في البخاري يكفي لتقرير عدم ارتباط الطاعة بالمحبة لأن التشريع يكفي فيه نص صحيح واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقم دليل بالتخصيص، فكيف إذا تقرر ذلك بأكثر من نص يحتج به؟
▪ أما كون المحبة فرع أو ثمرة، فإن الفرع يحتمل أكثر من ثمرة، لذلك الطاعة فرع من المحبة، تفرع عنها لأنها الباعث عليها.
▪ قوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) تناول بالذكر محبة الله الموجبة للإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم، وامتحن من أراد أن يفرق بين الله ورسوله، فمن يزعم أنه يحب الله يتعين عليه أن يتبع رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس من يحب رسول الله يتعين عليه أن يتبعه لأن هذا بدهي كما ذكرنا في البداية، فأي مؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخلو من اتباع له. كما أن الاتباع في هذه الآيات أقرب إلى الإيمان منه إلى الطاعة، فالآيات مستخدمة في غير سياقها الذي يستدلون بها عليه.