الجمعة، 2 نوفمبر 2018

الصحابة من الجن

الفترة بين انتقال النبي صلى الله عليه وسلم وبيننا ليست كبيرة بالنظر إلى أعمار الجن، هي فقط 1,428 عامًا، أعمار الجن طويلة جدًا فهذه الفترة قصيرة، فبالنظر إلى عمر إبليس لعنه الله، أو عمر أبنائه المنظرين، نجد أن أعمارهم طويلة جدًا، ومن كان دون المنظرين كانت أعماره طويلة كذلك، فالصحابي هامة بن الهيم على سبيل المثال عندما لقي النبي صلى الله عليه وسلم كان عمره ثمانية آلاف وأربعمائة واثنان وعشرون سنة!!! لذلك هناك لم يزل صحابة من الجن بين ظهرانينا ونحن في هذا الزمان والحمد لله عز وجل، لأن الصحابة من الجن الذين صلوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم بلغوا سبعة وثلاثون ألفًا، ففي رواية عن سيدنا عمر رضي الله عنه زاد فيه انه قال: (أتى عليَّ ثمانية آلاف وأربعمائة واثنتان وعشرون سنة وانه كان يوم قتل قابيل هابيل غلاما وان عدد الجن الذين استمعوا القرآن وصلوا خلف النبي صلى الله عليه وسلّم ثلاثة وسبعون ألفا). والصحابي هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس، ليس بينه وبين إبليس إلا أبوان فقط وعاش بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم، أورده الحافظ بن حجر في الصحابة في كتابه الإصابة، وورد خبره من عدة طرق يبلغ بها درجة الحسن، فقد أخرجه عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل في زيادات الزهد، والفاكهي في أخبار مكة، وابن مردويه في التفسير، والبيهقيّ في الشّعب، وجعفر المستغفريّ في معرفة الصحابة، وتابع عليه ابن عساكر من طريق محمد بن أبي معشر، وأخرج أبو موسى في الذّيل طرقًا أخرى. وقد ترجم الحافظ ابن حجر لأكثر من 22 صحابيًا من الجن في كتابه الإصابة.

بعض الاثار في الصحابة من الجن:
عن أنس بن مالك، قَالَ: كنت مع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خارجًا من جبال مكة، إِذْ أقبل شيخ متكيء عَلَى عكازة، فقال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مشية جِنِّي ونَغمَته " قَالَ: أجل، قَالَ: " من أي الجن أنت؟ " قَالَ: أنا هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس، قَالَ: "لا أرى بينك وبينه إلا أبوين"، قَالَ: أجل، قَالَ: "كم أتى عليك؟" قَالَ: أكلتُ عمر الدُّنْيَا إلا أقلها، كنت ليالي قتل قابيل هابيل غلامًا ابن أعوام، وذكر أَنَّهُ تاب عَلَى يد نوح عَلَيْهِ السلام، وآمن معه، وأنه لقي شعيبًا عليه السلام، وإبراهيم الخليل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى نبينا مُحَمَّد الصلاة والسلام، ولقي عيسى عَلَيْهِ السلام، فقال لَهُ عيسى: إن لقيت مُحَمَّدًا فأقرئه مني السلام، وقد بلغت وآمنت بك، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلَى عيسى السلام، وعليك يا هامة "، وعلمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشر سور من القرآن، فقال عمر بن الخطاب: فمات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم ينعه لنا، ولا أراه إلا حيا".
وأخرجه جعفر المستغفري وإسحاق بن إبراهيم المنجنيقي عن سعيد بن المسيّب، قال: قال عمر... فذكره مطولًا؛ وزاد فيه: إنه قال: "أتى علي ثمانية آلاف وأربعمائة واثنتان وعشرون سنة، وإنه كان يوم قَتلَ قابيلُ هابيلَ غلامًا، وإنّ عدد الجِنّ الذين استمعوا القرآنَ وصلُّوا خلفَ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم ثلاثة وسبعون ألفًا" 
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم في دار الأرقم مختفيا في أربعين رجلًا وبضع عشرة امرأة، فدُقّ الباب، فقال: «افتحوا، إنّها لنغمة شيطان» قال:
ففتح له، فدخل رجل قصير، فقال: السلام عليك يا نبي اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته. فقال:
«وعليك السّلام ورحمة اللَّه، من أنت»؟ قال: أنا هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس، قال:
«فلا أرى بينك وبين إبليس إلّا اثنين» قال: نعم. قال: «فمثل من أنت يوم قتل قابيل هابيل»؟ قال: أنا يومئذ غلام يا رسول اللَّه، قد علوتُ الآكام، وأمرتُ بالآثام، وإفساد الطّعام، وقطيعة الأرحام. قال: بئس الشيخ المتوسّم، والشّاب الناشئ! قال: لا تقل ذاك يا رسول اللَّه، فإنّي كنت مع نوح وأسلمت معه، ثم لم أزل معه حتى دعا على قومه فهلكوا فبكى عليهم وأبكاني معه، ثم لم أزل معه حتى هلك، ثم لم أزل مع الأنبياء نبيّا نبيا، كلهم هلك حتى كنت مع عيسى ابن مريم فرفعه اللَّه إليه، وقال لي: إن لقيت محمدا فأقرئه مني السلام، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم: «وعليه السّلام ورحمة اللَّه وبركاته، وعليك السّلام يا هامة»

أما الجني سُرَّق الذي ورد في قصة مع سيدنا عمر بن عبد العزيز، فإنه لم يكن آخر الصحابة من الجن بل كان ضمن آخر اثنين بقيا من سبعة أو تسعة من الجن بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم في وادٍ في الطريق إلى مكة المكرمة يقال له وادي نخلة، وهم أشراف الجن من نصيبين، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان الجن سبعة نفر من جن نصيبين فجعلهم النبي صلى الله عليه وسلم رسلا إلى قومهم. وقال زر بن حبيش: كانوا تسعة أحدهم زوبعة. وقال قتادة: إنهم من أهل نينوى. وقال مجاهد: من أهل حران. وقال عكرمة: من جزيرة الموصل. وقيل: إنهم كانوا سبعة، ثلاثة من أهل نجران وأربعة من أهل نصيبين. ويروى أن الله عز وجل صرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم نفرا من الجن من نينوى وجمعهم له كما قال تعالى: (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني أريد أن أقرأ القرآن على الجن الليلة فأيكم يتبعني؟" فأطرقوا، ثم قال الثانية فأطرقوا، ثم قال الثالثة فأطرقوا، فقال ابن مسعود: "أنا يا رسول الله"، قال ابن مسعود: "ولم يحضر معه أحد غيري، فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة دخل النبي صلى الله عليه وسلم شِعبا يقال له (شِعب الحجون) وخط لي خطًا وأمرني أن أجلس فيه" وقال: "لا تخرج منه حتى أعود إليك". ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن، فجعلت أرى أمثال النسور تهوي وتمشي في رفرفها، وسمعت لغطًا وغمغة حتى خفت على النبي صلى الله عليه وسلم، وغشيته أسودة  كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته، ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين، ففرغ النبي صلى الله عليه وسلم مع الفجر فقال: "أنمت؟" قلت: "لا والله، ولقد هممت مرارًا أن أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك تقول اجلسوا"، فقال: "لو خرجت لم آمن عليك أن يخطفك بعضهم" ثم قال: "هل رأيت شيئا؟" قلت: "نعم يا رسول الله، رأيت رجالًا سودًا مستثفري -جمعوا أطراف ثيابهم وأخذوها من بين فخذيهم وربطوها في وسطهم- ثيابا بيضا، فقال: "أولئك جن نصيبين سألوني المتاع والزاد فمتعتهم بكل عظمٍ حائلٍ، وروثة وبعرة"،  فقالوا: يا رسول الله يقذرها الناس علينا. فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستنجى بالعظم والروث. قلت: "يا نبي الله، وما يغني ذلك عنهم!" قال: "إنهم لا يجدون عظمًا إلا وجدوا عليه لحمه يوم أكل، ولا روثة إلا وجدوا فيها حبَّها يوم أكل" فقلت: "يا رسول الله، لقد سمعت لغطًا شديدًا؟" فقال: "إن الجن تدارأت -اختلفت وتخاصمت- في قتيل بينهم فتحاكموا إلي فقضيت بينهم بالحق.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يمشون فرفع لهم إعصار ثم جاء إعصار أعظم منه فإذا حية قتيل، فعمد رجل منا إلى ردائه فشقه وكفن الحية ببعضه ودفنها، فلما جن الليل إذا امرأتان تسألان: أيكم دفن عمرو بن جابر؟ فقلنا: ما ندري من عمرو بن جابر! فقالتا: إن كنتم ابتغيتم الأجر فقد وجدتموه، إن فسقة الجن اقتتلوا مع المؤمنين فقتل عمرو، وهو الحية التي رأيتم، وهو من النفر الذين استمعوا القرآن من محمد صلى الله عليه وسلم ثم ولوا إلى قومهم منذرين. وذكر ابن أبي الدنيا عن رجل من التابعين سماه: أن حية دخلت عليه في خبائه تلهث عطشا فسقاها ثم أنها ماتت فدفنها، فأتي من الليل فسلم عليه وشكر، وأخبر أن تلك الحية كانت رجلا عن جن نصيبين اسمه زوبعة. وقد قتلت السيدة عائشة رضي الله عنها حية رأتها في حجرتها تستمع وعائشة تقرأ، فأتيت في المنام فقيل لها: إنك قتلت رجلًا مؤمنًا من الجن الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: لو كان مؤمنًا ما دخل على حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل لها: ما دخل عليك إلا وأنت متقنعة، وما جاء إلا ليستمع الذكر. فأصبحت عائشة فزعة، واشترت رقابًا فأعتقتهم.
 فقد أخرج البيهقي وحسّنه قال: بينما عمر بن عبد العزيز يمشي إلى مكة إذ رأى حية ميتة فدفنها، فإذا هاتف يهتف: رحمة الله عليك يا سُرَّق! فقال عمر: من أنت؟ قال: أنا رجل من الجن وهذا سُرَّق،لم يبق ممن بايع رسولَ الله غيري وغيرَه، وأشهد لسمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول:(تموت يا سُرَّق بفلاة من الأرض و يدفنك خير أمتي -يعني في زمانه)، فحلّفه عمر على ذلك فحلف له فبكى عمر.
وأخرج الحافظ ابن حجر في الإصابة بسنده عن  العباس بن أبي راشد، عن أبيه قال: نزل بنا عمر بن عبد العزيز، فلما رحل قال لي مولاي: اركب معه فشيّعه. قال: فركبت فمررنا بواد، فإذا نحن بحية ميتة مطروحة على الطريق، فنزل عمر فنحّاها وواراها، ثم ركب، فبينا نحن نسير إذا هاتف يهتف، وهو يقول: يا خرقاء! يا خرقاء! فالتفتنا يمينا وشمالا فلم نر أحدا. فقال له عمر:
أنشدك اللَّه أيها الهاتف، إن كنت ممن يظهر إلّا ظهرت لنا، وإن كنت ممن لم يظهر أخبرنا عن الخرقاء. قال: هي الحية التي لقيتم بمكان كذا وكذا، فإنّي سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول لها يوما: يا خرقاء، «تموتين بفلاة من الأرض، يدفنك خير مؤمن من أهل الأرض»
فقال له عمر: أنت سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول هذا؟ فتعجب عمر وانصرفنا.
وفي رواية:
بينما عمر بن عبد العزيز يمشي إلى مكة بفلاة من الأرض إذ رأى حية ميتة، فقال: علي بمحفار.
فقالوا: نكفيك أصلحك الله.
قال: لا ثم أخذه ثم لفه في خرقة ودفنه، فإذا هاتف يهتف رحمة الله عليك يا سُرَّق.
فقال له عمر بن عبد العزيز: من أنت يرحمك الله ؟
قال: أنا رجل من الجن، وهذا سُرَّق ولم يبق ممن بايع رسول الله ﷺ غيري وغيره وأشهد لسمعت رسول الله ﷺ يقول: « تموت يا سُرَّق بفلاة من الأرض ويدفنك خير أمتي ».
وفي رواية: "قال: أنا من السبعة الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذا الوادي وإني سمعته يقول لهذه الحية: (لتموتن بفلاة من الأرض وليدفننك خير أهل الأرض يومئذ) فبكى عمر حتى كاد أن يسقط عن راحلته وقال: يا راشد أنشدك الله أن تخبر بهذا أحدًا حتى يواريني التراب"
قيل اسمها خرقاء، وقيل وصف لها، قال أبو نعيم في آخر ترجمة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه وجد حيّته ميتة فلفّها في خرقة فدفنها، فسمع قائلا يقول: هذه خرقاء.
أخرجه أبو نعيم في الحلية والآجري في أخبار عمر بن عبد العزيز والبيهقي في الدلائل