عن الحسن قال بنيت صفة لضعفاء المسلمين فجعل المسلمون يوغلون إليها ما استطاعوا من خير وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيهم فيقول: السلام عليكم يا أهل الصفة
فيقولون: وعليك السلام يا رسول الله
فيقول: كيف أصبحتم فيقولون: بخير يا رسول الله
فيقول: أنتم اليوم خير أم يوم يغدى على أحدكم بجفنه ويراح عليه بأخرى ويغدو في حلة ويروح في أخرى فقالوا: نحن يومئذ خير يعطينا الله فنشكر
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أنتم اليوم خير.
كانوا نحوا من أربعمائة رجل، وذلك أنهم كانوا يقدمون فقراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما لهم أهل ولا مال فبنيت لهم صفة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل لهم: "أهل الصفة". قال أبو ذر: كنت من أهل الصفة وكنا إذا أمسينا حضرنا باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر كل رجل فينصرف برجل ويبقى من بقي من أهل الصفة عشرة أو أقل فيؤتى النبي صلى الله عليه وسلم بعشائه ونتعشى معه. فإذا فرغنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ناموا في المسجد". فكانوا فقراء يقعدون في المسجد ما يحرثون ولا يتجرون، ليس لهم كسب ولا مال، إنما هم أضياف الإسلام عند ضيق البلدان، ومع ذلك فإنهم كانوا يحتطبون بالنهار ويسوقون الماء إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقرءون القرآن بالليل ويصلون.
وعن فضالة بن عبيد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى بالناس يخر رجال من قيامهم في صلاتهم لما بهم من الخصاصة وهم أهل الصفة حتى يقول الأعراب: إن هؤلاء مجانين.
وقال أكابر الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلّم: اطرد عنك سُقَاط الناس، ومواليهم، وهؤلاء الذين رائحتهم رائحة الضأن، وذلك أنهم كانوا يلبَسون الصوف، حتى نجالسَك ونسمعَ منك.
روى الإمام أحمد عن علي رضي الله عنه قال: مات رجل من أهل الصفة، وترك دينارين أو درهمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيتان، صلوا على صاحبكم».
وعن قتادة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: مات رجل من أهل الصفة فوجد في مئزره دينار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كية» ثم توفي رجل في مئزره ديناران فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كيتان»
وروى عبد الرزاق وغيره، عن علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تبا للذهب، تبا للفضة» يقولها ثلاثا، فشق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: فأي مال نتخذ؟ فقال عمر رضي الله عنه: أنا أعلم لكم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: إن أصحابك قد شق عليهم، وقالوا: فأي المال نتخذ؟ فقال: «لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا وزوجة تعين أحدكم على دينه»
وعبادة بن الصامت، أنه علم رجلا من أهل الصفة شيئا من القرآن فأهدى له قوسا فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «إن أحببت أن تطوق بقوس من نار فاقبله» فتركه، رواه أبو داود
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: لما نزلت (أفمن هذا الحديث تعجبون) قال أهل الصفة: (إنا لله وإنا إليه راجعون) ثم بكوا حتى جرت دموعهم على خدودهم، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بكاءهم بكى معهم فبكينا لبكائه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يلج النار من بكى من خشية الله ولا يدخل الجنة مصر على معصية الله ولو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيغفر لهم ويرحمهم إنه هو الغفور الرحيم)