لباس المرأة قديم قبل الإسلام، وهو أنواع مختلفة منه الرداء والإزار والنقاب والبرقع والخمار والنصيف والجلباب والقفاز وغيره، وقد أتت الشريعة الغراء بالتعاليم التي تهذبه بما يحقق الحشمة ويعزز العفة.
هل النقاب أو البرقع من الإسلام؟
قالت أم عمرو بنت وقدان:
إن أنتم لم تطلبوا بأخيكم ××× فذروا السلاح ووحشوا بالأبرق
وخذوا المكاحل والمجاسد والبسوا ××× نقب النساء فبئس رهط المرهق
وقال الحطيئة:
طافت أمامه بالركبان آونة ××× ياحسنه من قوام ما منتقبا
وقال النابغة الجعدي يصف غزالا:
وخدا كبرقوع الفتاة ملمعا ××× وروقين لما يعدوا أن تقشرا
هذه الأبيات من الشعر الجاهلي تؤكد أن النقاب كان معروفا عند بعض العرب قبل الإسلام، وأنه كان طرازا من لباس المرأة وزينتها ولما جاء الإسلام لم يأمر به ولم ينه عنه وتركه لأعراف الناس لكنه صحح من طريقة لبسه ليحقق الحشمة ويدعم العفة. يرى جمهور أهل العلم أن لباس المرأة الشرعي هو الذي يستر جسدها لا يظهر منه سوى الوجه والكفين، لذلك جاءت آية النور بالأمر بضرب الخمار على الجيب: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ)
الذي عليه جمهور أهل العلم سلفًا وخلفًا أن اللباس الشرعي للمرأة هو الذي لا يصف، ولا يشف، ولا تتشبه فيه بالرجال، لا يصف أي فضفاض لا يصف تضاريس الجسد، ولا يشف أي ساتر لا يظهر ما تحته، ولا يجوز أن يظهر منها إلا وجهها وكفيها، أما تغطية الوجه فليست فرضًا ولا واجبًا وإنما مباحة إلا في مواضع، منها الإحرام والصلاة، فإن على المرأة أن تسفر عن وجهها وكفيها في الإحرام والصلاة.
أخرج البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تنتقب المرأة في الإحرام وأن تلبس القفازين.
وروى أحمد وأبو داود والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب.
وعن السيدة عائشة رضي الله عنها: "المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوباً مَسَّه ورس أو زعفران ولا تتبرقع ولا تَلَثَّم وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت". [أخرجه البيهقي في "سننه" (5/47) بسند صحيح وعزاه إليه الحافظ في " الفتح" (4/52-53)]
روى البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أخاه الفضل كان رديفاً للنبي صلى الله عليه وسلّم، في حجة الوداع فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل النبي صلى الله عليه وسلّم، يصرف وجه الفضل إلى الشق الاخر، ففي هذا دليل على أن هذه المرأة كاشفة وجهها. قال ابن عبد البر في شرحه لهذا الحديث من كتابه التمهيد :(9 /124)
"وفيه دليل على أن إحرام المرأة في وجهها وهذا ما لم يختلف فيه الفقهاء"
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (4 /70):
"وفيه أن إحرام المرأة في وجهها فيجوز لها كشفه في الإحرام".
وقال الإمام مالك: (وتصلي المرأة الحرة في الدرع الخصيف يستر ظهور قدميها في الركوع والسجود، وخمار يستر كتفيها وقصتها ودلاليها، ولا يظهر منها غير دور الوجه والكفين)، وقال ابن قدامة: (وجملة ذلك أن المرأة يحرم عليها تغطية وجهها في إحرامها كما يحرم على الرجل تغطية رأسه).
وقد جاء تفسير قوله إلا ما ظهر منها بالوجه والكفين عن ابن عباس رضي الله عنه أخرجه ابن أبي حاتم والبيهقي وأخرجه إسماعيل القاضي عن ابن عباس مرفوعا بسند جيد [عون المعبود للعظيم آبادي].
وقال الإمام السيوطي في [الدر المنثور]:
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن ابن عباس في قوله {إلا ما ظهر منها} قال: هو خضاب الكف والخاتم
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إلا ما ظهر منها} قال: وجهها وكفاها والخاتم
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إلا ما ظهر منها} قال: رقعة الوجه وباطن الكف
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله {إلا ما ظهر منها} قال: الوجه والكف
وأخرج ابن جرير عن عطاء في قوله {إلا ما ظهر منها} قال الكفان والوجه
وقال الإمام الشوكاني في [فتح القدير]:
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن ابن عمر قال: الزينة الظاهرة الوجه والكفان. وأخرجا عن ابن عباس قال: إلا ما ظهر منها وجهها وكفاها والخاتم، وأخرجا أيضا عنه قال: رقعة الوجه، وباطن الكف.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها والزينة الظاهرة الوجه وكحل العينين وخضاب الكف والخاتم، فهذا تظهره في بيتها لمن دخل عليها.
وقال الشوكاني في [نيل الأوطار]:
"والحاصل: أن المرأة تبدي من مواضع الزينة ما تدعو الحاجة إليه الحاجة عند مزاولة الأشياء والبيع والشراء والشهادة، فيكون ذلك مستثنى من عموم النهي عن إبداء مواضع الزينة وهذا على ما يدل على أن الوجه والكفين مما يستثنى"
وأخرج البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه في صلاة النبي صلى الله عليه وسلّم، بالناس صلاة العيد ثم وعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن وقال: «يا معشر النساء تصدقن فإنكن أكثر حطب جهنم». فقامت امرأة من سطة النساء سعفاء الخدين.. الحديث، ولولا أن وجهها مكشوفاً ما عرف أنها سعفاء الخدين.
وقال ابن عبد البر في [التمهيد] (6/364): وقد ذكر أن المرأة كلها عورة إلا الوجه والكفين، وأتمه قول الائمة الثلاثة وأصحابهم وقول الأوزاعي وأبي ثور: "على هذا أكثر أهل العلم وقد أجمعوا على أن المرأة تكشف وجهها في الصلاة والإحرام وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها!" وتعقبة ابن عبد البر فقال: "قول أبي بكر هذا خارج عن أقاويل أهل العلم، لإجماع العلماء على أن للمرأة أن تصلي المكتوبة ويداها ووجهها مكشوف، ذلك كله منها تباشر الأرض به، وأجمعوا أنها لا تصلي منتقبة، ولا عليها أن تلبس القفازين في الصلاة، وفي هذا أوضح الدلائل على أن ذلك منها غير عورة وجائز أن ينظر إلى ذلك منها كل من نظر إليها بغير ريبة ولا مكروه، وأما النظر للشهوة فحرام" أهـ
قال أبو جعفر الطحاوي في [شرح معاني الآثار] (2/392- 393):
"أبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرَّم عليهم من النساء إلى وجوههن وأكفهن وحرم ذلك عليهم من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى".
وقال بعض العلماء يستحب للمرأة أن تنتقب إن خشيت على نفسها الفتنة وإيذاء الصعاليك والسفهاء، أو فعلت ذلك من باب الحياء والحياء من الإيمان، لكن لا يكون هذا حكمًا عامًّا تلزم به النساء، فإن ظروف الناس تتباين والشريعة رفعنت عن الناس الحرج (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)، فالأصل هو قول الجمهور أن الوجه والكفين ليسا من العورة وجاز للمرأة إبداؤهما، ولا إلزام بالنقاب.
قال البغوي في " شرح السنة" (9/ 23):
"فإن كانت أجنبية حرة فجميع بدنها عورة في حق الرجل لا يجوز له أن ينظر إلى شيء منها إلا الوجه واليدين إلى الكوعين وعليه غض البصر عن النظر إلى وجهها ويديها أيضاً عند خوف الفتنة".
الفرق بين النقاب والحجاب:
الحجاب هو الستار أو الساتر، ولا يصح أن يقال للباس المرأة المحتشمة حجابًا إلا من باب الاصطلاح المجازي فقط، لأن الحجاب معناه أشمل، فالحائط حجاب، والحصير حجاب وغير ذلك، قال تعالى: ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ)، أي من وراء ستار.
وأما النقاب وكما في لسان العرب فهو القناع على مارن الأنف، والجمع نُقُبٌ. وهو على أقسام تعتمد على ما يغطيه من الوجه، فالتَّرْصِيصُ: هو أن تنتقب المرأة فلا يُرى إلا عيناها، وتميم تقول: هو التَّوْصِيصُ، بالواو، وقد رصصت ووصصت بمعنى واحد. قال الْفَرَّاءُ: إذا أدنت المرأة نقابها إلى عينها، فتلك الوَصْوَصَةُ، فإن أنزلته دون ذلك إلى المحجر، فهو النِّقابُ، فإن كان على طرف الأنف، فهو اللِّفَامُ أو اللثام. فالنقاب إذًا هو القناع على الوجه الذي يظهر العينين وما حولهما.
والجلباب: ثوب أوسع من الخمار، دون الرداء، تغطي به المرأة رأسها وصدرها.
حرمة النقاب:
يحرم للمرأة أن تنتقب للتهرب من رقابة الأسرة كما يحصل من بعض النساء، فينتقبن حتى يَخفَين على أعين أوليائهن ثم يذهبن إلى حيث يشئن، فلو ركب وليها قريبًا منها في المواصلات لم يتعرف عليها، ولو وجدها تسير مع أجنبي لم يكترث لها، وما أن تصل إلى وجهتها حتى خلعت نقابها، فلهذا يجب الإنتباه إلى أن النقاب يمكن أن تستخدمه بعض النساء في معصية الله عز وجل. وتستخدم بعض النساء النقاب هذه الأيام للحفاظ على المكياج وقناع الوجه أو لحماية وجهها من حرارة الشمس وغير ذلك من الأغراض المستحدثة.
السعودية والنقاب:
ومؤخرا تراجعت السعودية عن فتاواها السابقة ورجعت لقول الجمهور وقررت المحكمة العامة في العاصمة السعودية الرياض، إلغاء شرط ارتداء المحاميات اللاتي يرغبن بدخول المحكمة للنقاب، واكتفت بارتدائهن للحجاب (الذي يظهر الوجه والكفين).
وذكرت صحيفة "عكاظ" السعودية، أن المحكمة استبدلت تعميماً سبق أن علقته على واجهتها بتعميم آخر أزيل منه شرط غطاء الوجه وتم الاكتفاء فيه بارتداء الحجاب، وذلك بعد أيام من جدل أثاره طرد محامية من المحكمة لعدم ارتدائها النقاب.
ونص التعميم الجديد، وفقا لعكاظ، على "توجيهات صاحب الفضيلة رئيس المحكمة العامة بالرياض بعدم دخول أي من النساء إلا أن تكون بلبس محتشم، وأن عليهن التقيد بالحجاب الشرعي عملا بالأنظمة المرعية لدخول الدوائر الشرعية، لذا آمل التقيد بذلك".
وكان التعميم القديم ينص على "منع دخول النساء غير المتقيدات بالحجاب الشرعي، وغير المغطيات للوجه المحكمة، لاسيما وأنهن داخلات دائرة شرعية ومن الواجب الحشمة باللباس عملا بالأنظمة المرعية لدخول الدوائر الشرعية، لذا عليكن تنفيذ الأوامر حرفياً".