الجمعة، 2 نوفمبر 2018

في بطلان إنكار ابن تيمية وابن القيم وقوع المجاز في اللغة العربية والقرءان الكريم والسنة المطهرة

اتفق جمهور أهل العلم على أنَّ المجاز واقع في اللغة وفي القرآن الكريم، وفي سنة النبي – عليه أفضل الصلاة والسلام –، وقد قال به علماء كُثر في مختلف تخصصاتهم وتعدد الفنون التي برعوا فيها، منهم اللغويون والنحويون والمفسرون والمحدثون والأصوليون والأدباء والنقاد وأهل المنطق وعلماء البلاغة، وتداولته ألسنة وأقلام الكتاب قديماً وحديثاً، واستعملته العرب خلفاً عن سلف.
وكان الفضل في اتساع البحث في المجاز يرجع إلى اللغويين والنحاة والأدباء والنقاد والاعجازيين أما مسائله وقضاياه ودقائقه فلم يحرر القول فيها إلا في مباحث البلاغيين بدءاً من الإمام عبدالقاهر الجرجاني إلى الخطيب القزويني ومن كان بينهما.
قال الإمام عبد القاهر الجرجاني في كتابه "أسرار البلاغة" : "ومن قدح في المجاز، وهمَّ أن يصفه بغير الصدق فقد خبط خبطاً عظيماً، وتهدف لما لا يخفى". أهـ
قال الإمام الشوكاني في كتابه "إرشاد الفحول": "المجاز واقع في لغة العرب عند جمهور أهل العلم وخالف في ذلك أبو إسحاق الإسفراييني وخلافه هذا يدل أبلغ دلالة على عدم اطلاعه على لغة العرب. وينادي بأعلى صوت، بأن سبب هذا الخلاف تفريطه في الاطلاع على ما ينبغي الاطلاع عليه من هذه اللغة الشريفة، وما اشتملت عليه من الحقائق والمجازات التي لا تخفى على من له أدنى معرفة بها، وقد استدل بما هو أوهن من خيوط العنكبوت فقال: لو كان المجاز واقعاً في لغة العرب للزم الإخلال بالتفاهم إذ قد تخفى القرينة. وهذا التعليل عليل فإن تجويز خفاء القرينة أخفى من السها " انتهى. 
وإنكار المجاز –بعد التحقيق– لا يكاد يوجد، لأن من قال بإنكاره في القرآن لم يمنع وقوعه في اللغة، وثلاثة من العلماء أنكروه مطلقًا وهم الإمام أبواسحق الاسفرائيني وابن تيمية وابن القيم الجوزية، وهم وإن أنكروه من جهة فقد أقرّوا به من جهات في كثير من كلامهم ولهذا يقال: "إنَّ إنكار المجاز لا يكاد يوجد".
ولكن في الحقيقة أن أبا إسحاق الإسفرائيني ثبت أنه لم ينكر المجاز، ونسبة إنكار المجاز إليه وإن ورد ذكرها في كثير من كتب الأصول وغيرها فإنها لم تسلم من القدح والتشكيك، فقد تعقب بعض العلماء هذه النسبة واستبعدوا صدورها من أبي إسحاق منهم إمام الحرمين أبو المعالي وحجة الإسلام الغزالي، ويؤيد رأي هؤلاء العلماء ذلك النص الذي حكاه ابن القيم عن الأستاذ في مسألة: "العام إذا خصص هل يكون حقيقة فيما بقي أم مجازاً؟" وفيه إعتراف صريح من الأستاذ الإسفرائيني بالمجاز، ونقل عنه إمام الحرمين أبو المعالي نصاً آخر في "البرهان" حول مسألة أصولية كذلك وهي: "ما المراد بالظاهر عند علماء الأصول؟" وفي ذلك يقول إمام الحرمين: "وقال الأستاذ أبو إسحق: الظاهر لفظ معقول يبتدر إلى فهم البصير بجهة الفهم منه معنى، وله عنده وجه التأويل مسوغ، لا يبتدره الظن والفهم، ويخرج على هذا ما يظهر في جهة الحقيقة ويؤول في جهة المجاز"، فهذا كلام من يقر بالمجاز لا من ينكره، فلم يبق منكرًا له مطلقًا إلا ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
ومن أشهر الأمثلة على المجاز في القرءان الكريم قوله تعالى: (وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا) [الإسراء: 72]، فإن العمى في الدنيا لا يقتضي العمى في الآخر، ورحم الله سيدنا عبد الله بن أم مكتوم، الصحابي الكبير، فقد كان أعمى.