الجمعة، 2 نوفمبر 2018

الرد على من يعترض على ما ذكره الإمام النووي من استحباب زيارة الحجاج للقبر النبوي الشريف

أولا هذا الكلام أورده الإمام الحافظ النووي في كتابه "الأذكار النووية"، والإمام النووي غني عن التعريف، قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: "الشيخ الإمام القدوة، الحافظ، الزاهد العابد، الفقيه المجتهد، الرباني، شيخ الإسلام، حسنة الأيّام، محيي الدين، صاحب التصانيف التي سارت بها الركبان، واشتهرت بأقاصي البلدان" إلى أن قال: "عارفًا بالحديث، قائمًا على أكثر فنونه، عارفًا رجاله، رأسًا في نقل المذهب متضلعًا من علوم الإسلام" فمثله لا يستدرك عليه إلا من هو في درجته من العلم بالحديث الشريف والفقه والديانة، المسألة ليست فوضى.
ثانياالحديث بلفظ: «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة» 
أخرجه أحمد 3/ 64، وابن أبي عاصم 2/ 339 وأبو نعيم في الحلية 9/ 324، والطبراني في الكبير 12/ 294 وابن أبي شيبة 11/ 439، والبغوي في التفسير 3/ 149، والبيهقي 5/ 246، والطحاوي في المشكل 4/ 68، 69، 70.

قال الحافظ في "الفتح" 4/100: "نعم وقع في حديث سعد بن أبي وقاص عند البزار بسند رجاله ثقات، وعند الطبراني من حديث ابن عمر بلفظ: القبر، فعلى هذا المراد بالبيت في قوله: "بيتي" أحد بيوته لا كلها، وهو بيت عائشة الذي صار فيه قبره".
وقال الحافظ في التلخيص الحبير:
حديث: «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة». متفق عليه، من حديث حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، ورواه النسائي من طريق أبي سلمة عنه.
وفي الباب عن أبي بكر وعمر وعلي والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر وعبد الله بن زيد المازني، وأبي سعيد الخدري، وجبير بن مطعم، وأبي واقد الليثي، وزيد بن ثابت وزيد بن خارجة، وأنس وجابر، وسهل بن سعد، وعائشة، ومعاذ بن الحارث أبي حليمة القارئ، وغيرهم، ذكرهم أبو القاسم بن منده في تذكرته. وحديث عبد الله بن زيد متفق عليه بلفظ: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة»
وقال الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 4/72: "وفي هذا الحديث معنى يجب أن يوقف عليه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة" على ما في أكثر هذه الآثار، وعلى ما في سواه، منها: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، فكان تصحيحهما يجب به أن يكون بيته هو قبره، ويكون ذلك علامة من علامات النبوة جليلة المقدار، ولأن الله عز وجل قد أخفى على كل نفس سواه الأرض التي يموت بها، لقوله عز وجل: (وما تدري نفس بأي أرض تموت) فأعلمه الموضع الذي يموت فيه، والموضع الذي فيه قبره، حتى علم بذلك في حياته، وحتى أعلمه من أعلمه من أمته، فهذه منزلة لا منزلة فوقها، زاده الله تعالى شرفا وخيرا".
وقال الطبري: "وإذا كان قبره صلّى الله عليه وسلّم في بيته اتفقت معاني الروايات، ولم يكن بينها خلاف"، انتهى
وقال ابن رجب الحنبلي في فتح الباري:
"وقد روي عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أنه قال: " ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ". خرجه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري، والنسائي من حديث أم سلمة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهو دليل على أنه علم موضع موته ودفنه."
كيف لا وهو كان يعلم من أول الأمة لحوقا به ومن أول زوجاته لحوقا به.

ثالثًا أما الآية فاعلم أن الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون لقوله ﷺ: (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون) أخرجه أبو يعلى بسند صحيح. وقال ﷺ: (مررت ليلة أسري بي على أخي موسى قائمًا يصلى في قبره) أخرجه الإمام مسلم، وإذا كان الشهداء لا يقال لهم أموات، فهم أحياء عند ربهم يرزقون فكيف بالأنبياء؟
لذلك فزيارة النبي ﷺ حيًّا كزيارته بعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى وكذا بقية الأحكام الواجبة في حقه ﷺ، قال الإمام الحافظ السمهودي في وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى:
"أما قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ [النساء: 64] الآية دالة على الحث بالمجيء إلى الرسول ﷺ، والاستغفار عنده، واستغفار لهم وهذه رتبة لا تنقطع بموته صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد حصل استغفاره لجميع المؤمنين؛ لقوله تعالى وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [محمد: 19] فإذا وجد مجيئهم فاستغفارهم تكملت الأمور الثلاثة الموجبة لتوبة الله ولرحمته. وقوله: (اسْتَغْفَرَ لَهُمُ) معطوف على قوله: (جاؤُكَ) فلا يقتضي أن يكون استغفار الرسول بعد استغفارهم مع أنا لا نسلم أنه لا يستغفر بعد الموت؛ لما سبق من حياته ومن استغفاره لأمته بعد الموت عند عرض أعمالهم عليه، ويعلم من كمال رحمته أنه لا يترك ذلك لمن جاءه مستغفرا ربه.
والعلماء فهموا من الآية العموم لحالتي الموت والحياة، واستحبوا لمن أتى القبر أن يتلوها ويستغفر الله تعالى، وحكاية الأعرابي في ذلك نقلها جماعة من الأئمة عن العتبي، واسمه محمد بن عبيد الله بن عمرو، أدرك ابن عيينة وروى عنه، وهي مشهورة حكاها المصنفون في المناسك من جميع المذاهب، واستحسنوها، ورأوها من أدب الزائر، وذكرها ابن عساكر في تاريخه، وابن الجوزي في مثير الغرام الساكن، وغيرهما بأسانيدهم إلى محمد بن حرب الهلالي، قال: دخلت المدينة، فأتيت قبر النبي ﷺ، فزرته وجلست بحذائه، فجاء أعرابي فزاره، ثم قال: يا خير الرسل إن الله أنزل عليك كتابا صادقا قال فيه وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إلى قوله رَحِيماً وإني جئتك مستغفرا ربك من ذنوبي، متشفعا بك، وفي رواية: وقد جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي، ثم بكى وأنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم
استغفر وانصرف، قال: فرقدت فرأيت النبي ﷺ في نومي وهو يقول: الحق الرجل وبشّره بأن الله غفر له بشفاعتي، فاستيقظت فخرجت أطلبه فلم أجده.
قلت: بل قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن موسى بن النعمان في كتابه مصباح الظلام: إن الحافظ أبا سعيد السمعاني ذكر فيما روينا عنه عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: قدم علينا أعرابي بعد ما دفنا رسول الله ﷺ بثلاثة أيام، فرمى بنفسه على قبر النبي ﷺ، وحثا من ترابه على رأسه، وقال: يا رسول الله، قلت فسمعنا قولك، ووعيت عن الله سبحانه وما وعينا عنك، وكان فيما أنزل عليك وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ [النساء: 64] الآية، وقد ظلمت وجئتك تستغفر لي، فنودي من القبر: إنه قد غفر لك، انتهى.
وروى ذلك أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عبد الله الكرخي عن علي ابن محمد بن علي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم الطائي قال: حدثني أبي عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن ابن صادق عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، فذكره.
وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك): روى أبو صادق عن علي قال : قدم علينا أعرابي بعدما دفنا رسول الله ﷺ بثلاثة أيام ، فرمى بنفسه على قبر رسول الله ﷺ وحثا على رأسه من ترابه ؛ فقال : قلت يا رسول الله فسمعنا قولك ، ووعيت عن الله فوعينا عنك ، وكان فيما أنزل الله عليك ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم الآية ، وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي . فنودي من القبر إنه قد غفر لك" انتهى
وأخيرًا نعم إن زيارته ﷺ ليس من أركان الحج، لكن أقل مراتب الوفاء له ﷺ على نعمة الإسلام والقرءان والشفاعة الكبرى يوم القيامة أن تزوره وتسلم عليه طالما أن الله وفقك ووطئت قدماك بلد الحرمين الشريفين، بل الأولى أن تحرص على الزيارة حرصك على الحج، فلولا رسول الله ﷺ لما كان حج ولا صلاة ولا صيام، ولا حرم آمن، لأن أهل الطائف عندما تجاهلوا عليه أتاه جبريل عليه السلام ومعه ملك الجبال، فقال له ملك الجبال: إن شئت لأطبقت عليهم الأخشبين، فأبى رسول الله ﷺ وقال: عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئًا. إنها مسألة ذوق وفضل تناله أنت الزائر ولا ينال رسول الله ﷺ صاحب المقام المحمود منك شيء.