(وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ)
كلمة وزر لها معانٍ عدة، أما الوِزْرُ بمعنى الذنب أو السيئة فقطعًا لا يليق بالنبي ﷺ لأنه هو النبيء المعصوم، عظيم الخلق، إمام المتقين، أفضل الخلق أجمعين، والهادي إلى صراط مستقيم. وانتبه إلى أن الآية لا تتحدث عن ذنب وحسب بل عن ذنب عظيم ينقض الظهر، وهذا لا يليق بالمؤمن التقي فضلًا عن إمام المتقين ﷺ. كما أن السيئات في الدنيا محل كتابتها عن الشمال والحسنات عن اليمين وليس في الظهر، وأثر الذنوب يكون في القلب وليس في الظهر: (كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، فدل كل ذلك على بطلان معنى الذنب أو السيئة وما شابههما.
والوِزْرُ أيضًا بمعنى الحِمل والثقل كما قال تعالى: (وَلَٰكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ) يعني أثقالًا وأحمالًا من حلي آل فرعون، وهذا يناسب سياق النص لأن الحمل عادة ما يحمل على الظهر، وإن كان ثقيلًا فإنه يوشك أن ينقض الظهر أي يثقله حتى يسمع له صوت. فما هو ذلك الحمل إذًا الذي كان يثقل ظهر النبي ﷺ؟ ذلك الحمل الثقيل هو همه بأمته، يصوره قول الأنبياء والرسل أولي العزم يوم الحشر العظيم: "نفسي نفسي" بينما ينادي رسول الله ﷺ: "أمتي أمتي"! فإن أمته هي همه الأول ﷺ لفرط رحمته بها وشفقته عليها لعلمه بأهوال القيامة وشدة عذاب النار.
ويجسده أيضًا بكاؤه ﷺ شفقة على أمته وخوفًا عليها، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: (رب إنهن أضللن كثيرًا من الناس فمن تبعني فإنه مني) [إبراهيم: 36] الآية، وقال عيسى عليه السلام: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) [المائدة: 118]، فرفع يديه وقال: «اللهم أمتي أمتي»، وبكى، فقال الله عز وجل: «يا جبريل اذهب إلى محمد -وربك أعلم- فسله ما يبكيك؟» فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام، فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال -وهو أعلم- فقال الله: «يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك، ولا نسوءك» [أخرجه مسلم]
ويجسده قوله ﷺ: «مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارًا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذُبُّهُن -أي يدفعهن- عنها، وأنا آخذ بحُجَزِكُم عن النار وأنتم تَفَلَّتُونَ من يدي» [أخرجه مسلم]
فوضع الله عنه ذلك الوزر الثقيل والهم العظيم إذ قال له تعالى: (إنا سنرضيك في أمتك، ولا نسوءك)، ولما نزل قوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) قال النبي ﷺ: «إذا والله لا أرضى وواحد من أمتي في النار»، فهذا وضع الوزر عنه ﷺ.