الجمعة، 2 نوفمبر 2018

هل فعلًا القرءان الكريم ذم الأكثرية ومدح الأقلية؟

الكلام عن مدح القلة وذم الكثرة ليس على إطلاقه ويحتاج إلى بيان لأن في ظاهره إضلال للناس يستخدمه أهل الباطل للترويج لباطلهم، فهم يكونون قلة ثم يروجون إلى أنهم ورغم قلتهم هذه فهم على الحق!

القرءان عندما يذم الأكثرية المطلقة يذمها على مستوى الناس والبشر، وليس على مستوى المجتمع المسلم والمؤمن، فتجد تلك الآيات تتناول الناس بشكل عام، كقوله تعالى: (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون)، (ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، (ولكن أكثر الناس لا يشكرون)، نعم إن أهل الإيمان في أهل الكفر والشرك والضلال أقلية، وأن أكثر البشر ليسوا على الحق، وهذه حكمة الله تعالى فقال: (إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ) [17: البقرة]، وقال تعالى: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [103: يوسف].
لذلك قال النبي ﷺ: «ما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود» أخرجه البخاري ومسلم، أي أن أهل الإيمان في أهل الشرك والكفر أقلية، فإذا كان في جلد الثور مليون شعرة فإن الأمة المسلمة في جلد هذا الثور بمثابة الشعرة الواحدة، أي نسبة واحد على المليون، وهي نسبة ضئلة للغاية تؤوول إلى الصفر. ومع ذلك فإن هذه الأمة تمثل شطر أهل الجنة، أي هي وبقية الأمم تمثلان شعرتان في جلد ثور به مليون شعرة، فكيف إذا كان عدد الشعر في الثور بعشرات الملايين؟! إذًا أهل الإيمان في أهل الكفر أقلية لأن هذه الأمة التي تعادل شعرة في جلد ثور تمثل شطر أهل الجنة!!!
أما الإحتجاج بقوله تعالى: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) فباطل لأن الآية لا تتحدث عن المؤمنين في الأمة المحمدية، لا تتحدث عن الذين يشهدون لله بالوحدانية ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة فإن هؤلاء في البشر قلة، وإنما تتحدث عن المشركين من الصنفين وهم أكثرية كما تقدم: (1) من عباد الأصنام والأوثان الذين لا يؤمنون بالله ولا يقرون له بالوحدانية ولا يؤمنون بالملائكة ولا الكتب ولا الرسل ولا اليوم الآخر ولا القدر، (2) ومن صنف أهل الكتاب، فمع إيمانهم بالله والملائكة والرسالة واليوم الآخر والجنة والنار فإنهم عبدوا عزيرًا وعيسى ومريم عليهم السلام، ونسبوا لله الولد والعياذ بالله تعالى. فهذا إيمان باطل وفاسد لا ينفع صاحبه ولا يجعله من المؤمنين، لذلك فإن للتوحيد شروطًا أن تعتقد أنه لا إله إلا الله وأن محمدًأ رسول الله، وإن للإيمان أركانًا ستة يجب أن تؤمن بها جميعها لتكون من المؤمنين.

لذلك فإن الأكثرية مذمومة خارج الأمة المحمدية، أما في داخل الأمة المحمدية فإن الأمر مختلف لأنها أمة إيمان وحق وخيرية، قال تعالى: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» [110: آل عمران]، فإن الأكثرية هنا ممدوحة كما قال تعالى: ( ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) [39- 40: الواقعة]، فعندما نزلت هذه الآيات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنتم ربع أهل الجنة، أنتم ثلث أهل الجنة، أنتم نصف أهل الجنة، أنتم ثلثا أهل الجنة» [رواه ابن كثير في التفسير]
وقال صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة) وفي رواية: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم يوم القيامة)، فهذا صريح في الترغيب في الكثرة المؤمنة، وكذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع النبي في قبة فقال: أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قلنا: نعم. قال: أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قلنا: نعم. قال؛ أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة؟ قلنا: نعم. قال: والذي نفس محمد بيده، إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر.
وقال رسول الله ﷺ: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» أخرجه البخاري ومسلم
ظاهرون أي على من خالفهم، أي غالبون.

ولخيرتها على جميع الأمم تكفل الله لها ألا يجمع أهلها على ضلال، وأن تكون جماعتها هي الملاذ الآمن من الضلال والفتن، وأن من شذ عن هذه الجماعة كمن شذ إلى النار، وأنه يموت ميته جاهلية، وأنه معرض للمهالك كما تتعرض الغنم القاصية لأكل الذئاب.

قال رسول الله ﷺ: «لا يجمع الله أمتي على ضلالة أبدا ويد الله على الجماعة» أخرجه الترمذي والحاكم والطبراني بسند جيد.
وفي الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ﷺ: "إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار"

وفي السنة لابن أبي عاصم والمستدرك للحاكم والمتفق والمفترق للخطيب قال رسول الله ﷺ: «ما كان الله ليجمع هذه الأمة على الضلالة أبدا، ويد الله على الجماعة هكذا، فعليكم بالسواد الأعظم، فإنه من شذ شذ في النار» 
وقال رسول الله ﷺ: «تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وأمتي تزيد عليهم فرقة، كلهم في النار إلا السواد الأعظم» أخرجه الطبرانى في الكبير بسند رجاله ثقات.

وقال رسول الله ﷺ: "عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، ومن أراد بحبحة الجنة فعليه بالجماعة" أخرجه ابن أبي عاصم في السنة بسند جيد.

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه" أخرجه أبو داود.

وقال رسول الله ﷺ: "عليكم بالجماعة فإنما يأكل الذنب من الغنم القاصية" أخرجه أبو داود بسند جيد.

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وأمتي تزيد عليهم فرقة، كلهم في النار إلا السواد الأعظم»
قال الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني في الأوسط والكبير بنحوه، وفيه أبو غالب، وثقه ابن معين وغيره، وبقية رجال الأوسط ثقات، وكذلك أحد إسنادي الكبير.

وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: "عليكم بالجماعة، فإن الله لا يجمع أمة محمد على ضلالة"
أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح

قال أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه: "عليكم بالسواد الأعظم". قال: فقال رجل: ما السواد الأعظم؟ فنادى أبو أمامة هذه الآية التي في سورة النور: {فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم} [النور: 54].
قال الهيثمي في المجمع: رواه البزار والطبراني ورجالهما ثقات

قال عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: "يا ابن جمهان، عليك بالسواد الأعظم، فإن كان السلطان يسمع منك فائته في بيته فأخبره بما تعلم، فإن قبل منك وإلا فدعه، فلست بأعلم منه".
رواه الإمام أحمد، وقال الهيثمي في المجمع: رجاله ثقات.

قال العلامة المناوي رحمه الله في فيض القدير: (أي أركان الدين والسواد الأعظم من أهل السنة أي الزموا هديهم فيجب اتباع ما هم عليه من العقائد والقواعد وأحكام الدين).