هذه الأيام هنالك من الشيعة والوهابية -لأنهم أقلية في الأمة المحمدية- من يروجون لأن القرءان الكريم امتدح الأقلية وذم الأكثرية، وأن الحق لا يعرف بالأكثرية، أو بالسواد الأعظم.
وساقوا من القرءان الكريم دليلًا على ذلك من قوله تعالى مثلًا:
1- (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) [110: آل عمران]
2- (وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) [103: المائدة]
3- (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ) [83:النحل]
4- (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) [70: المؤمنون]
5- (تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ) [222-223: الشعراء]
6- (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) [100: البقرة]
7- (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [37: الأنعام]
8- (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) [111: الأنعام]
9- (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [17: الأعراف]
10- (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) [36: يونس]
11- (وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ) [60: يونس]
12- ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ) [73: النمل]
13- (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [103: يوسف]
14- (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [106: يوسف]
15- (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [43-44: الفرقان]
16- (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) [66-67: الشعراء]
17- (بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) [4: فصلت]
18- (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [116: الأنعام]
19- (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ) [17: هود]
20- (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا) [89: الإسراء]
21- (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا) [50: الفرقان]
22- (وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) [32: المائدة]
وفي مدح الأقلية من قوله تعالى مثلًا:
1- (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [13: سبأ]
2- (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ) [24: ص]
3- (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) [13-14: الواقعة]
4- (مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) [66: النساء]
5- (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) [40: هود]
أولًا: إن ذم الكثرة ومدح القلة في كتاب الله تعالى ليس على إطلاقه، فقد ذم الله تعالى القليل كما في قوله: (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) [12: الحجرات] وقوله تعالى: (مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [117: النحل] ومدح الكثرة كقوله تعالى: (وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا) [26: البقرة]، وكقوله تعالى: (اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) [41: الأحزاب] وكقوله تعالى: (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا) [33-34: طه] وغيرها.
ثانيًا: إن الله تبارك وتعالى ذم الكثرة على مستوى الناس والبشر، ومدحها ورغب فيها على مستوى الأمة المؤمنة،
لأنه من الثابت أن أهل الإيمان في أهل الضلال قليل، وأن أكثر الناس ليسوا على الحق والإيمان والتقوى والصلاح. ولذلك تجد أن أكثر الآيات التي تذم الكثرة تذم كثرة أهل الضلال، فتتكلم عن [الناس] وليس عن المؤمنين، كقوله تعالى: (وما أكثر الناس لو حرصت بمؤمنين)، (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون)، (ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، (ولكن أكثر الناس لا يشكرون)، أو تجدها تتكلم عن المشركين كقوله تعالى: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) أو تجدها تتكلم عن الكافرين: (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون)، أوتتكلم عن الفاسقين، أو عن الجاحدين، أو الضالين والمغضوب عليهم من أهل الكتاب وهكذا، وذلك لأن أهل الحق في أهل الضلال قلة.
ويصدق ذلك قول النبي ﷺ: «إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة، ما أنتم في سواكم من الأمم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود» أخرجه البخاري ومسلم.
وفي هذا الحديث فائدة مهمة، فإذا كانت الأمة المحمدية في باقي الأمم كالشعرة السوداء في الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود فهذا يعني أنها قليل بشكل واضح جدًا يقارب نسبة الواحد إلى الميار. وإذا كانوا هم شطر أهل الجنة، فإن المؤمنين من بقية الأمم هم أهل الشطر الآخر، وعندئذٍ هم أيضًا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، أي أن المؤمنين من الأمة المحمدية ومن باقي الأمم كالشعرتين البيضاوين في الثور الأبيض أو كالشعرتين السوداوين في الثور الأبيض. وهذا معنى مدح الأقلية وذم الأكثرية.
أما الإحتجاج بقوله تعالى: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) فباطل لأن الآية لا تتحدث عن المؤمنين في الأمة المحمدية، لا تتحدث عن الذين يشهدون لله بالوحدانية ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة فإن هؤلاء في البشر قلة، وإنما تتحدث عن المشركين من الصنفين وهم أكثرية كما تقدم: (1) من عباد الأصنام والأوثان الذين لا يؤمنون بالله ولا يقرون له بالوحدانية ولا يؤمنون بالملائكة ولا الكتب ولا الرسل ولا اليوم الآخر ولا القدر، (2) ومن صنف أهل الكتاب، فمع إيمانهم بالله والملائكة والرسالة واليوم الآخر والجنة والنار فإنهم عبدوا عزيرًا وعيسى ومريم عليهم السلام، ونسبوا لله الولد والعياذ بالله تعالى. فهذا إيمان باطل وفاسد لا ينفع صاحبه ولا يجعله من المؤمنين، لذلك فإن للتوحيد شروطًا أن تعتقد أنه لا إله إلا الله وأن محمدًأ رسول الله، وإن للإيمان أركانًا ستة يجب أن تؤمن بها جميعها لتكون من المؤمنين.
أما الأكثرية في داخل الأمة المحمدية فممدوحة لأنها أمة إيمان وحق وخيرية، والله تكفل لها ألا يجمع أهلها على ضلالة، قال تعالى: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» [110: آل عمران]، ومن شواهد مدح الأكثرية في داخل الأمة المحمدية البشارة في قوله تعالى: ( ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) [39- 40: الواقعة]، فعندما نزلت هذه الآيات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنتم ربع أهل الجنة، أنتم ثلث أهل الجنة، أنتم نصف أهل الجنة، أنتم ثلثا أهل الجنة» [رواه ابن كثير في التفسير]
وقال صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة) وفي رواية: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم يوم القيامة)، فهذا صريح في الترغيب في الكثرة المؤمنة، وكذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع النبي في قبة فقال: أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قلنا: نعم. قال: أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قلنا: نعم. قال؛ أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة؟ قلنا: نعم. قال: والذي نفس محمد بيده، إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر.
وقال رسول الله ﷺ: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» أخرجه البخاري ومسلم
ظاهرون أي على من خالفهم، أي غالبون.
وقال رسول الله ﷺ: «لا يجمع الله أمتي على ضلالة أبدا ويد الله على الجماعة»
حديث حسن مشهور، أخرجه الترمذي والحاكم وحسَّنه والطبراني بسند رجاله ثقات، وغيرهم.
وفي رواية: «ما كان الله ليجمع هذه الأمة على الضلالة أبدا، ويد الله على الجماعة هكذا، فعليكم بالسواد الأعظم، فإنه من شذ شذ في النار» أخرجه ابن أبي عاصم في السنة والحاكم في المستدرك والخطيب في المتفق والمفترق
وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: "عليكم بالجماعة، فإن الله لا يجمع أمة محمد على ضلالة"
أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح
وقال ﷺ: «تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وأمتي تزيد عليهم فرقة، كلهم في النار إلا السواد الأعظم» أخرجه الطبرانى في الكبير بسند رجاله ثقات.
قال أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه: "عليكم بالسواد الأعظم". قال: فقال رجل: ما السواد الأعظم؟ فنادى أبو أمامة هذه الآية التي في سورة النور: {فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم} [النور: 54].
قال الهيثمي في المجمع: رواه البزار والطبراني ورجالهما ثقات
قال عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: "يا ابن جمهان، عليك بالسواد الأعظم، فإن كان السلطان يسمع منك فائته في بيته فأخبره بما تعلم، فإن قبل منك وإلا فدعه، فلست بأعلم منه".
رواه الإمام أحمد، وقال الهيثمي في المجمع: رجاله ثقات.
وعن أنس بن رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إن الله قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة» أخرجه أبن أبي عاصم والضياء وأورده الحافظ في اللسان
وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أمتي لن تجتمع على ضلالة فإذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الأعظم) أخرجه السيوطي
قال العلامة المناوي رحمه الله في فيض القدير: (أي أركان الدين والسواد الأعظم من أهل السنة أي الزموا هديهم فيجب اتباع ما هم عليه من العقائد والقواعد وأحكام الدين).
وقال رسول الله ﷺ: «ما كان الله ليجمع هذه الأمة على الضلالة أبدا، ويد الله على الجماعة هكذا، فعليكم بسواد الأعظم، فإنه من شذ شذ في النار» أخرجه ابن أبي عاصم في السنة، والحاكم في المستدرك.
قال العجلوني في كشف الخفاء:
وبالجملة فالحديث مشهور المتن وله أسانيد كثيرة وشواهد عديدة في المرفوع وغيره.
رواه الترمذي وحسنه كذا في النجم ورواه الطبراني عن عرفجة بن شريح ويقال ابن جريج - بلفظ يد الله مع الجماعة والشيطان مع من فارق الجماعة يركض كذا في تخريج الحافظ ابن حجر لمسند الفردوس، وفيه أيضا رواية عن الترمذي عن ابن عباس بلفظ يد الله على الجماعة اتبعوا السواد الأعظم فإنه من شذ شذ في النار.