الجمعة، 2 نوفمبر 2018

الفرق بين دعاء العبد للعبد ودعاء العبد للمعبود

الدعاء هو النداء، وعادة ما يكون بياء النداء كيا فلان، وهو أنواع كثيرة منها دعاء الطلب أي الدعاء بغرض الطلب. والطلب إما أن يكون من عبد لعبد على سبيل الأخذ بالأسباب، أو من عبد لمعبود على سبيل التعبد.

أما دعاء الطلب من العبد للعبد كقولك (يا فلان أفعل لي كذا) وكما قال تعالى لسان بلقيس: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ)، دعتهم (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ) وطلبت منهم الرأي والمشورة.
وأيضا كما قال تعالى على لسان سليمان عليه السلام: (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)، دعاهم (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ) وطلب منهم الإتيان بعرش بلقيس، وإن كان هو في بيت المقدس والعرش في اليمن.
وهذا النوع من الدعاء كثير في حياة الناس، كقولهم (يا فلان أعني)، (يا ناس أغيثوني)، (يا أبو مروة.. ألحقني، الحرامي..الحرامي) وغيرها

وهو شرعًا مباح لأنك تعتقد أن المدعو عبد من العباد، وأن الفاعل حقيقةً هو الله عز وجل: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)، وقد أعانك وأغاثك ونفعك بقدرة الله عز وجل. وقد قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، وقال تعالى: (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل).
وطالما أن الفاعل حقيقة هو الله وليس العبد فيتساوى عندئذ الطلب من الحي والميت، والقريب والبعيد، كما حصل مع الصحابي الجليل بلال بن الحارث المزني في عام الرمادة عام المجاعة عندما جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: (استسق لأمتك فإنهم هلكوا) فأغاثهم الله عز وجل، وكما حصل مع أمير المؤمنين سيدنا عمر رضي الله عنه عندما قال: (يا سارية الجبل) هو في المدينة المنورة وسارية في نهاوند من بلد فارس، على مسافة تعدل مسيرة شهر، فسمعه سارية وقام باللازم.

أما دعاء الطلب من العبد للمعبود فيكون على سبيل التعبد واعتقاد أن المدعو إله ورب. كقولك (اللهم إني أسألك كذا)، (يا رب اعطني كذا)، (يا الله اقض اي حاجة كذا) وهكذا، وهذا لا ينبغي أن يصرف من العبد إلا لله الواحد الأحد، لأنه دعاء تعبد، والعبادة لا تصرف إلا لله، فإن صرف لغير الله تعالى يكون شركا لاعتقاد الداعي أن المدعو إلها من دون الله.
ولا يكون دعاء التعبد إلا مع اعتقاد أن المدعو إله ورب كما قال تعالى:(وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ)، وقال تعالى: (لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَٰهًا)، لا يشركون مع الله إلهًا غيره سبحانه.
وكما قال تعالى: (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ)
أي نهيت عن عبادة من تعبدون بالدعاء.
وكما انكر الله تعالى على المشركين فقال: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ) تعبدونهم وهم عباد أمثالكم؟ تعتقدون انهم آله وهم مخلوقون مثلكم وليس لهم شيء في ملكوت الله يملكونه ويتصرفون فيه؟ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَتٍ مِنْه)
وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات وهو يدعو من دون الله ندًّا دخل النار) [رواه البخاري]
لذلك فمن الخطأ الفادح اتهام المسلمين بالشرك بسبب سوء فهم أنواع الدعاء، والخلط بين دعاء العبد للعبد ودعاء العبد للمعبود.