أما قوله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ) [سورة يوسف: 106]
فإنه معطوف على ما قبله وهو قوله تعالى: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ * وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) وهو صريح في أنهم كفارًا غير مؤمنين لكونهم معرضين عن آيات الله في السماوات والأرض، وصريح في أنهم مشركون نسبوا لله الند: (إلا وهم مشركون)، لم يكونوا مسلمين أو مؤمنين ثم أشركوا.
وهي صريحة في من يعبدون مع الله إله آخر، يؤمنون بالله ويؤمنون بغيره، مثل من عبدوا عيسى وعزيرا عليهما السلام. ويدخل فيها كل من يجعل لله شريكا.
قال الطبري في تفسيره: "(إلا وهم مشركون) في عبادتهم الأوثان والأصنام, واتخاذهم من دونه أربابًا, وزعمهم أنَّ له ولدًا, تعالى الله عما يقولون".
عن الحسن: "أنهم أهل كتاب معهم شرك وإيمان، آمنوا بالله وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ فلا يصح إيمانهم" حكاه ابن الأنباري.
وعن الحسن: "نزلت في المنافقين؛ المعنى: وما يؤمن أكثرهم بالله أي باللسان إلا وهو كافر بقلبه" ذكره الماوردي.
أما ما يروى من أنه في آخر الزمان يرجع حي من هذه الأمة إلى الشرك وعبادة الأصنام كقوله صلى الله عليه وسلم: "حتي تلحق قبائل من امتي بالمشركين" يعني بأمتي أمة الدعوة لأن ذلك الذي ذكره يحصل قبيل قيام الساعة، وبعد أن تأتي ريح طيبة تقبض أرواح المؤمنين فلا يبقى إلا الكفار وشرار الخلق. قال الحافظ في الفتح:
"ولمسلم وأحمد من حديث ثوبان ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان ولمسلم أيضا عن عائشة لا تذهب الأيام والليالي حتى تعبد اللات والعزى من دون الله الحديث وفيه ثم يبعث الله ريحا طيبة فيتوفى بها كل مؤمن في قلبه مثقال حبة من إيمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم وفي حديث حذيفة بن أسيد شاهده وفيه أن ذلك بعد موت عيسى بن مريم قال البيهقي وغيره الأشراط منها صغار وقد مضى أكثرها ومنها كبار ستأتي قلت وهي التي تضمنها حديث حذيفة بن أسيد عند مسلم وهي الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها كالحامل المتم ونزول عيسى بن مريم وخروج يأجوج ومأجوج والريح التي تهب بعد موت عيسى فتقبض أرواح المؤمنين وقد استشكلوا على ذلك حديث لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله فإن ظاهر الأول أنه لا يبقى أحد من المؤمنين فضلا عن القائم بالحق وظاهر الثاني البقاء ويمكن أن يكون المراد بقوله أمر الله هبوب تلك الريح فيكون الظهور قبل هبوبها فبهذا الجمع يزول الإشكال بتوفيق الله تعالى فأما بعد هبوبها فلا يبقى إلا الشرار وليس فيهم مؤمن فعليهم تقوم الساعة"
وقال في موضع آخر:
"للطبراني من وجه آخر عنه لا تقوم الساعة على مؤمن ولأحمد بسند جيد عن عبد الله بن عمر لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض فيبقى عجاج لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا وللطيالسي عن أبي هريرة لا تقوم الساعة حتى يرجع ناس من أمتي إلى الأوثان يعبدونها من دون الله وقد تقدم حديثه في ذكر ذي الخلصة قريبا ولابن ماجه من حديث حذيفة ويبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها ولمسلم وأحمد من حديث ثوبان ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان ولمسلم أيضا عن عائشة لا تذهب الأيام والليالي حتى تعبد اللات والعزى من دون الله الحديث وفيه ثم يبعث الله ريحا طيبة فيتوفى بها كل مؤمن في قلبه مثقال حبة من إيمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم وفي حديث حذيفة بن أسيد شاهده وفيه أن ذلك بعد موت عيسى بن مريم قال البيهقي وغيره الأشراط منها صغار وقد مضى"
فالحديث صريح في أن دين الإسلام مستمر تام ولا يقع المسلمون في الشرك إلى آخر الزمان.
وفي ذكر الدجال وصفته وما معه أخرج الإمام مسلم في صحيحه حديثًا طويلًا في أشراط الساعة عن النواس بن سمعان رضي الله عنه مرفوعًا جاء فيه: "فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ" إلى أن قال: " ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة "
وهذا صريح في بيان متى تكون تلك الريح.