هناك فرق بين كثاثة اللحية وهي كثافتها وبين طولها، فإن كثاثتها سنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان كث اللحية، أَراد كَثرةَ أُصولها وشعرها، وأَنها ليست بدقيقة، ولا طويلة، وفيها كَثافة. أما طول اللحية فإنه علامة على الحمق والغفلة.
قال الأحنف بن قيس: إذا رأيت الرجل عظيم الهامة طويل اللحية فاحكم عليه بالرقاعة ولو كان أمية بن عبد شمس. الرقاعة هي الحَمَاقة وضعفُ العقل والسَّمَاجة.
وقال سيدنا معاوية رضي الله عنه لرجل عتب عليه: كفانا في الشهادة عليك في حماقتك وسخافة عقلك، ما نراه من طول لحيتك.
وقال عبد الملك بن مروان: من طالت لحيته فهو كوسجٌ في عقله. أي في عقله خفة وقصر.
وقال غيره: من قصرت قامته، وصغرت هامته، وطالت لحيته، فحقيقاً على المسلمين أن يعزوه في عقله.
وقال أصحاب الفراسة: إذا كان الرجل طويل القامة واللحية فاحكم عليه بالحمق، وإذا انضاف إلى ذلك أن يكون رأسه صغيراً فلا تشك فيه.
وقال بعض الحكماء: موضع العقل الدماغ، وطريق الروح الأنف، وموضع الرعونة طويل اللحية.
وعن سعد بن منصور أنه قال: قلت لابن إدريس: أرأيت سلام بن أبي حفصة؟
قال: نعم، رأيته طويل اللحية وكان أحمق.
وعن ابن سيرين أنه قال: إذا رأيت الرجل طويل اللحية لم، فاعلم ذلك في عقله.
قال زياد ابن أبيه: ما زادت لحية رجل على قبضته، إلا كان ما زاد فيها نقصاً من عقله.
قال بعض الشعراء:
إذا عرضت للفتى لحيةٌ ××× وطالت فصارت إلى سرَّتِه
فنقصان عقل الفتى عندنا ××× بمقدار ما زاد في لحيتِه
عن أبي العيناء قال: قال لي الجاحظ: كان لنا جار مغفل جداً وكان طويل اللحية فقالت له امرأته: من حمقك طالت لحيتك، فقال: من عَيَّر عُيِّر.
خشوع المغفل:
عن أبي عثمان الجاحظ قال: أخبرني يحيى بن جعفر قال: كان لي جار من أهل فارس وكان بلحية ما رأيت أطول منها قط، وكان طول الليل يبكي، فأنبهني ذات ليلة بكاؤه ونحيبه وهو يشهق ويضرب على رأسه وصدره ويردد آية من كتاب الله تعالى، فلما رأيت ما نزل به قلت لأسمعن هذه الآية التي قتلت هذا وأذهب نومي، فتسمَّعت عليه فإذا الآية (يسألونك عن المحيض قل هو أذى) فعلمت أن طول اللحية لا يخلف.
إقناع المغفل:
خرج عبادة ذات يوم يريد السوق، فنظر في بعض طرقه إلى شيخ طويل اللحية كلما أراد أن يتكلم بادرته لحيته، فمرة يدسها في جيبه ومرة يجعلها تحت ركبته فقال له عبادة: يا شيخ لم تترك لحيتك هكذا؟ قال: فتريد أن أنتفها حتى تكون مثل لحيتك؟! قال عبادة: فإن الله يقول: "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها"، قال صلى الله عليه وسلم: "احفوا الشارب واعفوا اللحى" ومعنى عفو اللحى أن يزال أثرها، فقال الشيخ: صدق الله ورسوله، سأجعلها كما أمر الله ورسوله، فحلق لحيته وجلس في دكانه، فكان كل من رآه وسأله عن خبره قرأ عليه الآية وروى له الحديث.
دعاء المغفل:
وقال: رأيت أبا محمد السيرافي، وكان طويل اللحية يدعو ربه وقد رفع يديه إلى السماء وهو يقول: يا منقذ الموتى، ومنجي الغرقى، وقابل التوبات، وراحم العثرات، أنت تجد من ترحمه غيري وأنا لا أجد من يعذبني سواك.
قال أبو العنبس قال: كان رجل طويل اللحية أحمق جارنا، وكان أقام بمسجد المحلة يعمره ويؤذن فيه ويصلي، وكان يعتمد السور الطوال ويصلي بها، فصلى ليلة بهم العشاء فطول، فضجوا منه، وقالوا: اعتزل مسجدنا حتى نقيم غيرك فإنك تطول في صلاتك وخلفك الضعيف وذو الحاجة، فقال: لا أطول بعد ذلك، فتركوه، فلما كان من الغد أقام وتقدم فكبر وقرأ الحمد، ثم فكر طويلاً وصاح فيهم: إيش تقولون في عبس؟ فلم يكلمه أحد إلا شيخ أطول لحية منه وأقل عقلاً، فإنه قال: كيِّسة، مر فيها.
[عن أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي]
أثر طول اللحية على علم الحديث والجرح والتعديل:
جاء في شفاء العليل لأبي الحسن المأربي (209ص): "الوصف بطول اللحية يدل على الغفلة التي تؤدي إلى رفع الموقوفات وإسناد المرسلات، فهذا هو الأصل، ولا يترك إلا لقرينة أقوى من ذلك"
وجاء في ثقات ابن حبان (9 / 162): حدثنا عنه عمران بن موسى بن مجاشع ثنا موسى بن السندي ثنا المؤمل بن إسماعيل قال: سمعت أبا حنيفة يقول: يقولون "من كان طويل اللحية لم يكن له عقل".
وجاء في تهذيب التهذيب لابن حجر (ج1/ص257): "قال الترمذي ليس بالقوى عند أصحاب الحديث وقال ابن سعد يقولون أنه صدوق وقال حسين الجعفي كان طويل اللحية أحمق"
وقال علي حيدر في كتابه (درر الحكام): "العلامات التي تدل على الحمق هي طول اللحية، والتلفت إلى الجوانب كثيراً، والعجلة في الأمور بدون النظر إلى عواقبها ونتائجها"