الجمعة، 2 نوفمبر 2018

إلى من يدعون إلى القرءان ويتجاهلون السنة

على من نزل الكتاب العزيز؟ علينا أم على النبي صلى الله عليه وسلم؟ طبعا على النبي صلى الله عليه وسلم، فهو المؤهل لتحمله وبيانه وأداء رسالته، لأنه صلى الله عليه وسلم نبي قبل أن يكون رسولا، ويوحى إليه بأشكال الوحي كلها منها وحي الإلهام ووحي المنام ووحي جبريل عليه السلام. فهو الأعلم بالكتاب العزيز ومعانيه تفسيره وشروحه وهو المكلف ببيانه وبلاغه وتعليمه كما قال تعالى: (بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، وقال تعالى؛ (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، وقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فهو المعلم للمؤمنين إلى يوم الدين لذلك لا يؤخذ علم القرآن الكريم أساسا إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه الأعلم به. هذا مهم جدا لنعلم قدر السنة وأنها بيان للتنزيل من رسول معصوم هو المرجع الأول في الدين، ليس فينا من كلمه الله ولا من سمع الله ولا من رأى الله، لكن النبي صلى الله عليه وسلم فعل كل ذلك وزيادة. لأجل ذلك الصحابة رضوان الله عليهم تلقوا عنه معرفة القرءان والشرائع ثم نقلوها لمن بعدهم إلى أن وصلتنا.
فمن يريد أن يفهم القرءان بمعزل عن من أنزل عليه القرءان وأمر ببيانه وتعليمه فهو ضال لا محالة.
كيف وصلنا القرءان الكريم؟ كيف وقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)؟ وحي عن طريق جبريل عليه السلام إلينا؟ قطعا لا، بل عن طريق ما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل، ثم بعد ذلك بعلم الإسناد إلينا، فمن طعن في طريقة تدوين السنة النبوية يلزمه أن يطعن في طريقة وصول القرءان الكريم لأنهما نقلا بنفس الطريقة. نعم هناك تفاوت في درجات في ثبوت الأخبار لكن ذلك ينطبق على الكل، ويراعى.

وإذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم لا يقول إلا الحق كما قال تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ)، وقال تعالى على لسان موسى عليه السلام: (حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ) وهذا شأن كل الرسل، فإذا ثبت ذلك فإن كلامه لا يمكن أن يناقض كلام الله تعالى، لذلك أمرنا الله بطاعته فقال: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)، وعليه يجب أن نأخذ الدين عنه والتفسير كما فسره علمنا كنهه أو لم نعلم، فكم من شيء مستنكر في زمان عرفت حقيقته في زمان آخر، والضابط هو أن النص إذا ثبت وجب الإيمان والتصديق، عقلنا أم لم نعقل، فلا نشترط فهم كيف عاشوا 309 سنة بلا أكل ولا شرب ولا قضاء حاجة لنؤمن بكرامة أهل الكهف مثلا. لذلك إذا ظهر لك تناقض بين الكتاب العزيز وما يحتج به من السنة فينبغي أولا أن تتهم نفسك بالجهل إن لم تكن من العلماء وهذا بدهي جدا، لأن الفهم الصحيح للكتاب أو السنة يتطلب علوما أساسية دقيقة يجب الإحاطة بها فيمن يريد الغوص في بحر الدين. وينبغي ثانيا أن تتهم قصور فهمك وتراجع من هو أفهم منك ففوق كل ذي علم عليم، هذه مراحل التوفيق، وإذا تعذر كل ذلك جاز للعلماء الترجيح فيقدم القرءان على ما سواه. والآفة أكثرها تأتي من تطفل الجهلاء على الكتاب والسنة، وتأتي من ادعاء البعض كمال الفهم، والفهم فيه جانب روحي باطني مهم مرتبط بصدق النية والتقوى والصلاح كما قال تعالى: (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا)، فيلهم الله من شاء من عباده الصواب كقوله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).
لذلك فالعلماء من الفقهاء والمفسرين وشراح السنة وعلماء اللغة وغيرهم يفسرون ويشرحون، وفي الأمر سعة للمفكرين في كل عصر لكن بضوابط علمية وليس فوضى.

وكذلك ينبغي الانتباه إلى أن الحياة ليست فقط مادية كما يظهر لنا، هناك أمور خفية لا تحصى ولا تعد.