اُختلف في إثبات ونفي الرسالة التي أرسلها الإمام الذهبي([1])، ( ت/ 748 هـ) الى ابن تيمية، وفحوى ما كتبه في خطابه هو النصح والوعظ تارةً والتأنيب والتوبيخ تارةً اُخرى، فهذا الخطاب يكشف عن الخطأ الجسيم الذي وقع فيه ابن تيمية وأتباعه سلوكاً ومنهجاً وأداءً، وحريٌ بمن يقرأ هذه الرسالة أن يتأمل ويدقق بمفرداتها ملياً ، فلم تصدر هذه الكلمات من شخص عادي بل من أقرب المقربين إلى ابن تيمية، فهو ذلك الإمام الذي يريد الخير لاستاذه ، وهو ذلك التلميذ الوفي والمخلص والحريص عليه أو كما يعبر الذهبي: الشفوق المحب الواد ، وبحق كلماته تُعد دستوراً يجب أن يقتفى لا سيما أتباع ابن تيمية المتشددين في الفكر والرأي . ولا يجب التشكيك في هذه الرسالة؛ لأننا سوف نثبت بإذن الله تعالى مصداقيتها بالأدلة والبراهين القاطعة .
نص الرسالة :
وهاهي فحوى هذه الرسالة ، كما ينقلها العلامة تقي الدين السبكي (ت/ 765 هـ ) في سيفه الصقيل ، فهي من الأهمية بمكان ، كونها تعتبر الخط الفاصل لمن يريد أن يدرك الحقيقة كما هي([2])؛ لذا سننقلها بجميع حروفها وكلماتها ، قال:
>رسالة كتب بها ([3])، الشيخ شمس الدين أبو عبد الله الذهبي إلى الشيخ تقي الدين ابن تيمية كتبتها ([4]) من خط قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة رحمه الله، وكتبها هو من خط الشيخ الحافظ أبي سعيد بن العلائي وهو كتبها من خط مرسلها الشيخ شمس الدين.
الحمد لله على ذلتي ، يارب ارحمني وأقلني عثرتي. واحفظ علي إيماني. واحزناه على قلة حزني ، وا أسفاه على السنّة وذهاب أهلها. واشوقاه إلى إخوان مؤمنين يعاونونني على البكاء. واحزناه على فقد أناس كانوا مصابيح العلم وأهل التقوى وكنوز الخيرات. آه على وجود درهم حلال وأخ مؤنس ، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس. وتبّاً لمن شغله عيوب الناس عن عيبه. إلى كم ترى القذاة في عين أخيك وتنسى الجذع في عينك ! إلى كم تمدح نفسك وشقاشقك وعباراتك وتذم العلماء وتتبع عورات الناس مع علمك بنهي الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تذكروا موتاكم إلا بخير ، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا) بلى أعرف أنك تقول لي لتنصر نفسك: إنما الوقيعة في هؤلاء الذين ما شمّوا رائحة الإسلام ولا عرفوا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وهو جهاد. بلى والله عرفوا خيراً كثيراً مما إذا عمل به العبد فقد فاز وجهلوا شيئا كثيرا مما لا يعنيهم ، ومن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
يا رجل بالله عليك كف عنا ، فإنك محجاج عليم اللسان لا تقر ولا تنام. إياكم والغلوطات في الدين ، كره نبيك صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها ونهى عن كثرة السؤال وقال: (إن أخوف ما أخاف على أمتي: كل منافق عليم اللسان) وكثرة الكلام بغير زلل تقسي القلوب إذا كان في الحلال والحرام ، فكيف إذا كان في عبارات اليونسية والفلاسفة وتلك الكفريات التي تعمى القلوب. والله قد صرنا ضحكة في الوجود فإلى كم تنبش دقائق الكفريات الفلسفية لنرد بعقولنا ؟ يا رجل قد بلعت (سموم) الفلاسفة وتصنيفاتهم مرات. وكثرة استعمال السموم يدمن عليه الجسم وتكمن والله في البدن. واشوقاه إلى مجلس فيه تلاوة بتدبر وخشية بتذكر وصمت بتفكر. وآه لمجلس يذكر فيه الأبرار فعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة. بلى عند ذكر الصالحين يذكرون بالازدراء واللعنة. كان سيف الحجاج ولسان ابن حزم شقيقين فواخيتهما بالله ، خلونا من ذكر بدعة الخميس وأكل الحبوب وجدوا في ذكر بدع كنا نعدّها من أساس الضلال قد صارت هي محض السنة وأساس التوحيد ومن لم يعرفها فهو كافر أو حمار ، ومن لم يكفر فهو أكثر من فرعون. وتعد النصارى مثلنا ، والله في القلوب شكرك إن سلم لك إيمانك بالشهادتين فأنت سعيد.
يا خيبة من اتبعك فإنه معرض للزندقة والانحلال، لاسيما إذا كان قليل العلم والدين باطوليا شهوانياً . لكنه ينفعك ويجاهد عندك بيده ولسانه وفي الباطن عدو لك بحاله وقلبه فهل معظم أتباعك إلا قعيد مربوط خفيف العقل، أو عامي كذاب بليد الذهن، أو غريب واجم قوي المكر، أو ناشف صالح عديم الفهم ، فإن لم تصدقني ففتشهم وزنهم بالعدل ، يا مسلم أقدم حمار شهوتك لمدح نفسك.
إلى كم تصادقها وتعادي الأخيار؟ إلى كم تصادقها وتزدري الأبرار؟ إلى كم تعظمها وتصغر العباد؟ إلى متى تخاللها وتمقت الزهاد؟ إلى متى تمدح كلامك بكيفية لا تمدح - والله - بها أحاديث الصحيحين ؟
يا ليت أحاديث الصحيحين تسلم منك، بل في كل وقت تغير عليها بالتضعيف والإهدار أو بالتأويل والإنكار ، أما آن لك أن ترعوي؟ أما حان لك أن تتوب وتنيب؟ أما أنت في عشر السبعين وقد قرب الرحيل . بلى - والله - ما أذكر أنك تذكر الموت، بل تزدري بمن يذكر الموت، فما أظنك تقبل على قولي ولا تصغي إلى وعظي، بل لك همّة كبيرة في نقض هذه الورقة بمجلدات، وتقطع لي أذناب الكلام ولا تزال تنتصر حتى أقول: وألبتة سكت.
فإذا كان هذا حالك عندي، وأنا الشفوق المحب الواد([5])، فكيف حالك عند أعدائك . وأعداؤك - والله - فيهم صلحاء وعقلاء وفضلاء، كما أن أولياءك فيهم فجرة وكذبة وجهلة وبطلة وعور وبقر.
قد رضيت منك بأن تسبني علانيةً وتنتفع بمقالتي سّراً(فرحم الله امرءاً أهدى إلي عيوبي)، فإني كثير العيوب غزير الذنوب. الويل لي إن أنا لا أتوب ، ووافضيحتي من علام الغيوب، ودوائي عفو الله ومسامحته وتوفيقه وهدايته، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين< ([6]).
الذهبي يضع إصبعه على الجرح
فالذهبي يضع إصبعه على الجرح حينما قال له:>أما آن لك أن ترعوي؟ أما حان لك أن تتوب وتنيب؟ أما أنت في عشر السبعين وقد قرب الرحيل. بلى - والله - ما أذكر أنك تذكر الموت ...وتقطع لي أذناب الكلام ولا تزال تنتصر حتى أقول: وألبتة سكت<.>
ففي هذا المقطع يطالبه بالتوبة والإنابة والرجوع عن منهج يسوده ويشوبه الخطأ ، ثم يقول أنا أعلم انك لا تصغى لقولي ووعظي ، بل جلَّ همك هو النقض بكلام خال من قبول الحق ، والأدهى هو أنك تقطع النصوص وأذناب الكلام، ثم يتمنى الذهبي سكوته الذي هو خير من كلامه.
الذهبي يحذر ويقيّم أتباع ومريدو ابن تيمية
ثم نجد أن الذهبي يحذّره من أتباعه، وهذا الخطاب عام وليس محصور بزمان معين، فنرى اليوم من ينعق بما لا يعي ويكفّر طوائف المسلمين ويتهمهم بالشرك وشتى التهم، وهذا ما حذر منه الحافظ الذهبي ، حيث قال له:
>يا خيبة من اتبعك فإنه معرض للزندقة والانحلال ، لاسيما إذا كان قليل العلم والدين باطولياً شهوانياً. لكنه ينفعك ويجاهد عندك بيده ولسانه ، وفي الباطن عدو لك بحاله وقلبه ، فهل معظم أتباعك إلا قعيد مربوط خفيف العقل ، أو عامي كذاب بليد الذهن أو غريب واجم ، قوي المكر أو ناشف صالح عديم الفهم ، فإن لم تصدقني ففتشهم وزنهم بالعدل.. كما أن أولياءك فيهم فجرة وكذبة وجهلة وبطلة وعور وبقر. قد رضيت منك بأن تسبني علانية وتنتفع بمقالتي سراً..<.>
ففي هذا المقطع نجد القسوة في مفردات الذهبي حيث قيّم أصحابه بألفاظ يجب أن نتأمل فيها ، ولا سيما من هو مقرب لمعتنقي هذا الفكر ، لابد أن يسألوا أنفسهم لماذا يقول الذهبي هذا الكلام؟ ما الذي حدا به ليصفهم بهذه الأوصاف وما الغاية من ذلك ؟
هذه الأوصاف تستدعي أن يراجعوا أنفسهم أن يتمعنوا بما يقوله ، فالذهبي ذلك العالم الذي يكبرونه ويجلونه، ولا يمكن أن يغضوا الطرف عن كلامه فهو المرجع عند من يقلّد هذا الفكر فلماذا يقول :
فمعظم أتباعه قعيد مربوط خفيف العقل، بليد الذهن قوي المكر ، وحتى أوليائك فيهم الفجرة والكذبة والبقر والعور.
ولعل الذهبي يريد أن يشير وينبه إلى فكر وعلم هؤلاء، فهناك فجور([7]). وجهل وكذب في هذا الفكر ، وهو غاية الجهل.
ولكن الذهبي يعلم عندما وصم أصحابه بهذه التهمة أنه لا يصدقه ، فقال له: فتشهمْ وزنهمْ بالعدل ، ونعم ما قال.
وليت هذه النصائح والمواعظ تأخذ طريقها إلى اتباع الفكر الوهابي الذي ما فتئوا يكفرون المسلمين ويتهمونهم بشتى أنواع التهم من التبديع والتشريك وغير ذلك .
وياليتهم أيضاً درسوا هذا الفكر ، متأملين ومنصفين فيه ، وفيمن ردّ عليه من أكابر فقهاء وعلماء أهل السنة .
ولكننا نجدهم يتبجحون بما كتبه، وتجد الرسائل في الجامعات تناقش وتدافع عن هذا الفكر، متناسين شذوذه وضلالاته وانحرافاته ، التي وصمه بها علماء السلف ممن عاصره وممن لم يعاصره، بل ومن تلامذته - في حين أن الموضوعية العلمية تقتضي ذلك- فلا نجدهم ينبسون ببنت شفة، عن ذكر كبار علمائهم الذين ناظروه أو الكتب والرسائل التي نقدوا فيها هذا الفكر([8])، وقد ناهز عدد هؤلاء العلماء ما يقارب خمسين عالماً، كما سيأتي في البحث اللاحق
ولعل هذا البحث قد كشف بعض الخطأ مما ورد من منهجه، لاسيما في التوحيد الذي يعد الركن والأساس المهم في الشريعة الإسلامية.
توثيق رسالة الذهبي
قد يشكك البعض في صحة ونسبة هذه الرسالة إلى الحافظ الذهبي وذلك بلحاظ أمرين:
الأول: إن الذهبي كان تلميذاً لإبن تيمية وهو من المتأثرين به ، وعندما ترجم حياته أثنى عليه ومدحه، فكيف يصدر منه هذا الكلام؟ ألا يُعد هذا تناقضاً ؟
الثاني: إن النسخة التي نقلها السبكي ، هي بخط ابن قاضي شهبة، وهو من خصوم ابن تيمية ، ومعلوم أن الخصم مجروح في شهادته.
الجواب على من يشكك في الرسالة
ويُجاب عن تلك التشكيكات بما يلي :
أولاً: الذهبي لا يعتقد العصمة في ابن تيمية ويخالفه
أما التشكيك الأول : وهو القول بثناء الذهبي على ابن تيمية عندما ترجم له فهذا كاشف عن بطلان هذه الرسالة . هذا الكلام يدفعه ابن حجر العسقلاني في ترجمته لابن تيمية، حيث نقل كلاماً للذهبي يرفع هذا الإبهام حيث قال: > وأنا لا أعتقد فيه عصمة ، بل أنا مخالف له في مسائل أصلية وفرعية
إذن لمَ هذا الاستبعاد إذا كان الغرض مهماً ، لاسيما في عقائد الدين والشريعة التي لا مجال ليتساهل فيها الذهبي وإن كان تلميذاً. وهذا أمر يُمدح ويُثنى عليه، لا أن يشكك فيه .
ثانياً: الإمام السخاوي والحافظ العلائي والمحقق الدكتور بشار عواد والدكتور صلاح الدين المنجد يُثبتون الرسالة للذهبي .
قال الحافظ السخاوي في كتابه الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ:
>وقد رأيت له (أي للذهبي) عقيدة مجيدة ورسالة كتبها لابن تيمية هي لدفع نسبته لمزيد تعصبه مفيدة
وقال محقق هذا الكتاب في الهامش:> إن النصيحة الذهبية لابن تيمية التي نشرها مع بيان زغل العلم ، هي نفس الرسالة التي أشار إليها السخاوي
وقال الحافظ العلائي :> رسالة نصيحة من الذهبي لابن تيمية عفا الله عنهما < ([12]) .
وكذلك اثبت المحقق البارع بشار عواد([13])، صدق هذه الرسالة ، قائلاً:
>وهي رسالة بعث بها الذهبي إلى شيخه ورفيقه أبي العباس ابن تيمية الحراني ينصحه فيها ويعاتبه في بعض تصرفاته ، وهي رسالة مفيدة في تبيان عقيدة الذهبي وقد ذكرها السخاوي في الاعلان .. وذهب بعضهم إلى القول بأنها مزورة ولا عبرة بذلك
وقال أيضاً : >ومع أن الذهبي قد خالف رفيقه وشيخه [ أي ابن تيمية ] في مسائل أصلية وفرعية ([15])، وأرسل إليه نصيحته الذهبية التي يلومه ، وينتقد بعض آرائه وآراء أصحابه بها ، إلا أنه بلا ريب قد تأثر به تأثراً عظيماً
وأيضاً أكد هذه الحقيقة الدكتور المحقق صلاح الدين المنجد([17]). حيث قال:> شك بعضهم في نسبة هذه النصيحة للذهبي ، ولا شك عندنا أنها له، فقد نقلت مخطوطاتها من خط الذهبي، ولم ينكرها أحد من العلماء الذين نقلوها كتقي الدين بن قاضي شهبة وغيره. .» ([18]).
ثالثاً : الذهبي سليط اللسان، وأنكر على غيره من العلماء بألفاظ جارحة .
ثم إن المتتبع لسيرة الذهبي في كتبه وتراجمه للرجال، يجده سليط اللسان على بعض العلماء ، فقد تكلم على بعضهم كالفخر الرازي والآمدي.
قال السبكي في طبقاته :> ودائما أتعجب من ذكره الإمام فخر الدين الرازي في كتاب الميزان في الضعفاء، وكذلك السيف الآمدى ، وأقول: يالله العجب هذان لا رواية لهما، ولا جرحهما أحد، ولا سمع من أحد أنه ضعفهما فيما ينقلانه من علومهما ، فأي مدخل لهما في هذا الكتاب، ثم إنا لم نسمع أحداً يسمى الإمام فخر الدين بالفخر بل إما الإمام وإما ابن الخطيب
فلمْ يَسلم هؤلاء العلماء من لسان الذهبي وهم أعلم من ابن تيمية ، فلم لا يَتكلم على غيرهم وإن كان ابن تيمية . لذا قال الدكتور المنجد :
> ثم إن هذا هو أسلوب الذهبي عندما يُهاجم، ويبدو أنه كتبها في آخر عمره. ولم يثن أحد على الشيخ كثناء الذهبي عليه، لكنه انتقده بعد ذلك في بعض الأمور حباً له، وإشفاقاً عليه< ([20]). إذن فلماذا الاستبعاد أو التشكيك؟
رابعاً: الرسالة منسوخة عن خط الذهبي، ولا يمكن تزويرها
ولعل المهم في توثيق هذه الرسالة : أنها منسوخة عن خط الذهبي ، وناسخها هو تقي الدين ابن شهبة الاسدي ، وهي محفوظة في دار الكتب المصرية في القاهرة ، وكذلك في دار الكتب الظاهرية ، كما هو مشاع ومعروف ومشهور.
وقد أشار المحقق البارع بشار معروف عواد في هامش كتابه الذهبي ومنهجه في كتابه تأريخ السلام لهذه النسخ قائلاً : > منها نسخ في دار الكتب المصرية بخط تقي الدين ابن قاضي شهبة الاسدي المتوفي سنة ( 851 هـ ) رقم ( 18823 ) ومنها نسخة بدار الكتب الظاهرية برقم ( 1347) وقد نشرها حسام الدين القدسي بمصر سنة ( 1347 هـ) مع كتاب زغل العلم
من خلال ما تقدم نجزم أن الرسالة موثقة ونسبتها في غاية الصحة، ولا يمكن التشكيك بها, فلا معنى للتناقض المزعوم.
أما التشكيك الثاني: وهو أن النسخة الخطية والتي نقلها السبكي وكانت بخط ابن قاضي شهبة ، وهو خصم لابن تيمية فهو مجروح الشهادة .
فهذا الكلام غير منتج ؛ لإن فرضية كون النقل للرسالة جُرحاً ، أجنبي عن مفاد هذه القضية ؛ لأنه من قال أن كل من يخالف الآخر فكرياً وعلمياً يُعد خصماً له ، مع ان العلماء ديدينهم الخلاف، بحيث نجد الذهبي يقرر قاعدة وهي : عدم العبرة بكلام الاقران ، قال :> فلا يلتفت إلى كلام الاقران بعضهم في بعض< ([22]). فالذهبي يشير الى الخلاف العلمي . أضف إلى ذلك أن الامر لم يقتصر على القاضي ابن شهبة ، بل هناك شبه إجماع من علماء أهل السنة في ردَّ شبهات ابن تيمية في المجال العلمي والفكري ويتمسكون بأي دليل للوصول إلى مبتغاهم، والغرض من ذلك هو تصحيح أفكاره ، وليس بث روح العداوة والخصومة، وخير شاهد هو هذه الرسالة التي فيها النصح أقرب منه إلى الـتأنيب ، فهل نستطيع ان نقول أن كل هؤلاء خصوم ابن تيمية ولا تقبل شهادتهم .
ترجمة ابن قاضي شهبة ( ت/ 851 هـ )
ولكي نطمئن أكثر بوثاقة ناقلي هذه الرسالة ، أنقل تراجمهم للقارئ لكي يقف على وثاقتهم وفقاهتهم وجلالة علمهم .
أما ابن قاضي شهبة ، فهو: أبو بكر بن أحمد بن محمد بن عمر الأسدي الشهبي الدمشقي ، تقي الدين : فقيه الشام في عصره ومؤرخها وعالمها ، من أهل دمشق . اشتهر بابن قاضي شهبة؛ لأن أبا جده ( نجم الدين عمر الأسدي ) أقام قاضيا بشهبة ( من قرى حوران ) أربعين سنة ،من تصانيفه : المنتقى من تاريخ الاسلام للذهبي، ومناقب الإمام الشافعي، والكواكب الدرية ، و طبقات النحاة واللغويين .. ([23]). وطبقات الشافعية وغيرها .
ترجمة برهان الدين بن جماعة ( ت /790 هـ)
وأما القاضي ابن جماعة الذي كتب عنه ابن قاضي شهبة ، فترجمه الذهبي قائلاً : >إبراهيم بن عبد الرحيم ابن شيخنا قاضي القضاة أبي عبد الله بن جماعة، الإمام الفقيه المحدث المفيد برهان الدين الكناني الشافعي، أحد من طلب وعني بتحصيل الاجزاء وقرأ وتميز ، وهو في ازدياد من الفضائل..< ([24]).
إذن من كان بهذه الدرجة من الفقاهة والعلم والفضل ، فهل نستطيع أن نطعن باقوالهم، وما نقلوه إلينا . بل لابد من التصديق والاذعان بهذا النقل . وبهذا يتم أن هذه الرسالة صحيحة وإثباتها لا يعتريه الشك والريب .
المصدر / كتاب منهج ابن تيمية في التوحيد ؛ يحيى عبد الحسن الدوخي ، ص 77- 90
الهواامش
([1]) ترجمه الصفدي قائلاً :> حافظ لا يجاري ولا فظ لا يباري أتقن الحديث ورجاله ونظر علله وأحواله وعرف تراجم الناس وأزال الإبهام في تواريخهم والإلباس من ذهن يتوقد.. ولم أجد عنده جمود المحدثين بل هو فقيه النظر له دربة بأقوال الناس ومذاهب الائمة من السلف وأرباب المقالات ، وأعجبني منه ما يعانيه في تصانيفه من أنه لا يتعدى حديثا يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن أو ظلام أسناد أو طعن في رواته..< الوافي بالوفيات: ج 2ص114- 115 ، الناشر: دار إحياء التراث العربي- بيروت.
([2]) وفي نظري أن فحوى هذه الكلمات لا تنحصر بخطاب موجه لابن تيمية فقط ، بل هي لكل مسلم يريد أن يضع نفسه في مقام الفتوى ويتصدى لأمور الدين والشريعة.
([3]) بتضمين( بعث) ، كما في هامش النسخة الأصلية .
([4]) والكاتب هو التقي ابن قاضي شهبة ، وقد ذكر في طبقات الشافعية ، أنه اطلع على مجاميع وفوائد بخط البرهان ابن جماعة. كما في الأصل . انظر : طبقات الشافعية ، ابن قاضي شهبة : ج 3 ص 140 . الناشر: عالم الكتب ـ بيروت ، ط1 ، 1407 هـ . والعبارة كما في هذه النسخة :> وقد وقفت له على مجاميع وفوائد بخطه< .
([5]) وهنا الذهبي يريد أن يقول له بلغة المحبة والحنان والشفقة ، أن تصوراتك للمحبين والأعداء قد التبس عليك ، فقد يكون من تتوهمه عدوك هو المخلص لك، وعندما ينصحك؛ لأنه محب لك ، وقد تتوهم ان المقربين لك الذين يهادنونك ولا يبدون نصحهم لك ، هم المخلصين لك، وهذا خطأ يجب أن تلتفت إليه .
([6]) تقي الدين السبكي ، السيف الصقيل: ص217 – 218 ، الناشر: مكتبة زهران.
([7]) المراد من مفردة الفجور: أي الفجور العلمي وهو كناية عن الجهل المركب ، المتجذر في نفوس هؤلاء . وهذا يدل على أن الحافظ الذهبي وصل إلى درجة اليئس مما يفعله المقربين من ابن تيمية .
([8]) ولكن سيأتي اليوم الذي تتحرر فيه العقول وتنفتح فيه الأفكار، فرياح التغيير والجمود والتقليد قد ولى، فهناك من العلماء في المملكة العربية السعودية، الذين يمثلون خط الاعتدال والانفتاح، من نقد هذا الفكر التكفيري في مهرجانات ومنتديات ثقافية وعلى شبكات الانترنيت، فهناك إتجاه يبحث بصورة أكثر واقعية في نقد الفكر السلفي المتمثل بابن تيمية؛ لانه الاداة التي من خلالها يمكن أن تغير ايديولوجية الدولة برمتها ، ولعل من بين هذا الاتجاه النخبوي الشيخ حسن بن فرحان المالكي، ومشاري الذايدي، ومنصور النقيدان ، وعبد الله بن بجاد العتيبي، وخالد الغانمي ، ومحمد علي المحمود ، و عبد المحسن العواجي وغيرهم ...
([9]) ابن حجر العسقلاني ، الدرر الكامنة: ج1 ص 176.
([10]) السخاوي ، الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ : ص 136 .حققه وعلق عليه بالانكليزية: فرانز رونثال ، وأشرف على نشر النص، الدكتور: صالح أحمد العلي، الناشر: دار الكتب العلميةـ بيروت.
([11]) نفس المصدر: ص 136.
([12]) نقلاً عن كتاب تنزيه الحق المعبود ، هامش ص 139 ، الناشر : مكتبة اليسر ، ط 1428 هـ .
([13]) اُستاذ ومحقق ورئيس قسم التاريخ بكلية الآداب/ جامعة بغداد.
([14]) بشار عواد معروف ، الذهبي ومنهجه في كتابه تأريخ الاسلام : ص 146 ، الناشر : مطبعة عيسى البابي الحلبي - القاهرة . ط1 ، 1976 م .
([15]) إشارة إلى ما ذكره ابن حجر العسقلاني ، الدرر الكامنة: ج1 ص 176.
([16]) الذهبي ، سير أعلام النبلاء :ج 1 ص38، مقدمة الكتاب . تحقيق الشيخ الارنؤوط .الناشر :مؤسسة الرسالةـ بيروت . ط9 ، 1413 هـ .
([17]) استاذ القانون الدولي والتأريخ، عمل مديراً لمعهد المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية، ثم مستشاراً به، حاضر في كثير من المعاهد والجامعات، مثل: معهد الدراسات العربية العليا، وجامعة فرانكفورت، وجامعة برنستون. فالرجل متخصص وضليع في المخطوطات ، فضلاً عن خبرته في مجال القانون والتأريخ ، فكلامة مورد للإطمئنان لذلك هو قطع بأن هذه النصيحة هي للذهبي وليس لغيره .
([18]) صلاح الدين المنجد، شيخ الإسلام ابن تيمية سيرته وأخباره عند المؤرخين: ص14. طبعة بيروت .
([19]) تاج الدين بن علي السبكي ، طبقات الشافعية الكبرى: ج2 ص41 ، الناشر: هجر للطباعة والنشر ، ط2 ، 1413 هـ .
([20]) صلاح الدين المنجد، شيخ الإسلام ابن تيمية سيرته وأخباره عند المؤرخين: ص14.
([21]) بشار عواد معروف ، الذهبي ومنهجه في كتابه تأريخ الاسلام : ص 146.
([22]) الذهبي ، تذكرة الحفاظ : ج 2 ص 662 .
([23]) الزركلي ، الأعلام :ج 2 ص 61 . وانظر ترجمته في النجوم الزاهرة ، جمال الدين ، أبي المحاسن : ج 15 ص 523، الناشر: وزارة الثقافة والارشاد القومي ـ مصر .
([24]) الذهبي ، معجم محدثي الذهبي: ج1 ص 45، تحقيق : الدكتورة روحية عبد الرحمن السويفي، الناشر: دار الكتب العلميةـ بيروت ، ط1 ، 1413 هـ